محمد رسن
الحوار المتمدن-العدد: 8540 - 2025 / 11 / 28 - 09:27
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يظل الجنوب، بكل محافظاته ومدنه وقراه، وفياً لجوهره الأول: صوت الحياة. صوتٌ لا تُخمده محاولات المصادرة ولا تُطفئه أصوات المنع. ومع ذلك، يخرج بعض رجال الدين والوجهاء لتسيير تظاهرات، لا ضد الخراب الحقيقي، بل ضد حفل غنائي لمطرب أحبه الناس مثل محمد عبد الجبار.
تتكرر هذه المشاهد هنا وهناك، وكأن المشكلة ليست في فسادٍ يأكل البلاد، ولا في تلوثٍ يهدد الحياة، بل في أغنية.
والمعيب حقًا، أن الذين يرفعون أصواتهم ضد حفلة، لم يسمع لهم الناس صوتًا حين كان الماء مالحًا، أو الهواء ملوثًا، أو حين ضاعت سنوات الشباب في البطالة، أو حين غزت المخدرات ساحات الجنوب وبيوته.
لم يظهروا في مسيرة واحدة ضد فاسدٍ سرق قوت الناس.
لم يقفوا بوجه من دمّر المستشفيات والمدارس والخدمات.
لكنهم يجدون في منع الفرح بطولةً سهلة، وفي قمع الفن قناعًا يتسترون به عن عجزهم.
كيف يمنعون الغناء، ولا يمنعون اللصوص؟
كيف يقفون ضد مطرب، ولا يقفون ضد تجار “الكريستال” الذين يحصدون شباب الجنوب يومًا بعد يوم؟
كيف يثورون على حفل، ولا يثورون على من نهب مدنهم حتى العظم؟
الحقيقة أن هؤلاء ليسوا حماةً للأخلاق كما يدّعون، بل شركاء للفاسدين: شركاء بالصمت، وشركاء بالعجز، وشركاء بتوجيه الغضب نحو الجهة الخطأ.
وما داموا غير قادرين على حماية الإنسان، فليس من حقهم أن يمنعوا عنه ما تبقى من فرحه.
الجنوب — من عمق العمارة إلى سور السماوة، من ناصرية الشعر إلى بصرة الموانئ، ومن أزقة الديوانية إلى نخيل كربلاء والنجف — جنوبٌ لا يتخلى عن روحه المدنية، ولا عن إرثه الغنائي، ولا عن أذنٍ تربّت على المقام والموال والابتهال.
فالجنوب هو ذاكرة العراق الصوتية.
هو الأرض التي تعبر فيها الأغنية قبل أن تعبر السياسة.
هو الشريان الذي يرفض أن يُختنق بجهل عابر أو بفتوى مرتعشة.
هو الناس الذين يعرفون أن الفرح مقاومة، وأن الصوت الحر عبادة.
وكل من يحاول طمس هذا الضوء، سيبقى مجرد ظلٍّ باهت فوق ترابٍ لا يعترف إلا بالحياة.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟