أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - قاسم محمد داود - العقل المأسور: كيف تحوّل المقدّس إلى أداة للسلطة؟














المزيد.....

العقل المأسور: كيف تحوّل المقدّس إلى أداة للسلطة؟


قاسم محمد داود
كاتب

(Qasim Mohamed Dawod)


الحوار المتمدن-العدد: 8539 - 2025 / 11 / 27 - 15:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في التاريخ الطويل للعلاقة بين الدين والسلطة، تتكرّر القصة نفسها:
يبدأ الإيمان بوصفه تجربةً روحية تفتح أفق الإنسان نحو الله، ثم ينتهي أحياناً بوصفه نظاماً بشرياً يُغلق الأفق ذاته باسم الله.
من هنا تبدأ المأساة: حين يتحوّل المقدّس إلى أداةٍ دنيوية لترويض العقل والسيطرة على الناس.
لم يكن الدين في بدايته سلطةً، بل ضميراً يذكّر الملوك بحدود قوتهم. لكن سرعان ما اكتشف الحكّام أن المقدّس هو السلاح الأشد فاعلية لتثبيت الحكم.
من الفراعنة الذين أعلنوا أنهم “أبناء الآلهة”، إلى الإمبراطوريات التي حكمت باسم السماء،
إلى عصور الخلافة التي خُلط فيها بين "البيعة" و"العبادة" — ظلّ الدين يُستعمل لتقديس السلطة لا لتقويمها.
لقد تحوّل الحاكم، في أزمنة كثيرة، إلى “ظلّ الله في الأرض”، وغدت طاعته من طاعة الخالق، ومعارضته عصياناً للسماء. وهكذا غُلفت السياسة بوشاح العقيدة، فأُعفيت السلطة من المساءلة، وأُغلقت أبواب السؤال.
ترويض العقل الجمعي
حين تُصبح الطاعة فضيلة والعقل خطيئة، يبدأ الانحدار.
من السهل أن تُنشئ سلطة قوية بالعنف، لكن الأصعب أن تُبقيها بلا فكر. لذلك وُجد “الكهنوت” في كل دين تقريباً — لا بوصفه حارساً للإيمان، بل وسيطاً بين السلطان والمقدّس.
هكذا أُعيد تشكيل الوعي الجمعي ليصدق أن “طاعة الحاكم من طاعة الله”، وأن السؤال في السياسة كالسؤال في العقيدة: كلاهما ممنوع.
في هذا المناخ، يُستبدل الإقناع بالتلقين، والعقل بالنقل، والضمير بالخوف. تُكمم الأفواه باسم “الفتوى”، وتُحاكم الأفكار بتهمة “الجرأة على الثوابت”. وهكذا يصبح الدين جداراً يُعلّق عليه الطغاة كلّ أخطائهم، ويُقدَّم للعامة بوصفه قدر الله لا فعل الإنسان.
مجتمعات مطيعة لا مبدعة
حين يُربّى الناس على الخضوع باسم الدين، ينشأ جيلٌ يُقدّس السلطة أكثر مما يؤمن بالعدل.
المدرسة تتحول إلى قاعة تكرار، والجامعة إلى منبر للعظة لا للبحث، والمجتمع إلى طابور طويل من المؤمنين الخائفين لا المفكرين الأحرار.
هكذا تُفرغ العقيدة من جوهرها الأخلاقي لتصبح هوية جماعية بلا ضمير فردي. فالمجتمعات التي تُعاقب السؤال باسم الإيمان لا تنتج إلا طاعة عمياء، والطاعة لا تصنع حضارة، بل تؤسس لركودٍ مقدّس.
نحو تحرير المقدّس من السياسة
تحرير المقدّس لا يعني إقصاء الدين، بل إعادته إلى مجاله الطبيعي: الضمير الفردي والقيمة الأخلاقية.
حين يتحرر الإيمان من يد السلطان، يعود صوت الدين نقيّاً كما بدأ — صوتاً للعدل والرحمة والمساءلة.
في التاريخ نماذج تلهم:
• الإصلاح البروتستانتي في أوروبا حرّر النص من احتكار الكنيسة، فبدأت نهضة العقل.
• في اليابان، فُصلت الروح الدينية عن القرار السياسي دون أن تُلغى، فازدهرت الأمة.
• وفي العالم العربي، لمّا دعا المفكرون الكبار — من محمد عبده إلى الكواكبي — إلى “تحرير الدين من السياسة”،
كانوا يدعون إلى عودة الدين إلى الإنسان، لا إلى البلاط.
لا يفسد الدين إلا حين يتحدث باسمه من لا يؤمن بالإنسان.
والمقدّس لا يُصان بالتحريم، بل بالحرية. فالإيمان الذي يُحرّر الإنسان من الخوف هو الذي يبني الأوطان، أما الإيمان الذي يُستخدم لتخويف الإنسان فهو الذي يهدمها. حين يُعاد العقل إلى مكانه، والمقدّس إلى قدسيته، لن تكون هناك سلطة قادرة على أسر الحقيقة باسم الله.



#قاسم_محمد_داود (هاشتاغ)       Qasim_Mohamed_Dawod#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل الدين ضد التقدم؟ أم نحن ضد السؤال؟
- العزوف الانتخابي في العراق: الأسباب العميقة ل -مقاطعة الإحبا ...
- الولاءات المتعددة... دولة ممزقة بين الهويات
- بعد حرب غزة: من يرسم خريطة الشرق الأوسط… ونهاية الوهم وبداية ...
- الانتداب الناعم على غزة كيف تعيد خطة ترامب إنتاج الوصاية الد ...
- العراقي وصور المرشحين: قراءة اجتماعية–سياسية في مواسم الدعاي ...
- قمة قطر الطارئة: محاولة للتضامن العربي والإسلامي في مواجهة ا ...
- من يملك حق الخوف في الشرق الأوسط؟
- العشيرة والمال السياسي… حين تُختطف الديمقراطية في العراق كيف ...
- فشل التجربة الديمقراطية في العراق بعد 2003: تحليل العوامل ال ...
- -اتفاقيات أبراهيم- مع إسرائيل: تطبيع بلا مقابل
- هل يتكرر مصير مملكة القدس في دولة إسرائيل؟
- مشروعان متصادمان على حساب العرب: إيران وإسرائيل وصراع الهيمن ...
- لا منتصر ولا مهزوم: كيف تدير واشنطن الصراع بين إيران وإسرائي ...
- ازدواجية المعايير في النظر إلى البرامج النووية: إيران تُدان ...
- البرلمان العراقي ومصلحة المواطن: تشريعات غائبة وتغيير مؤجل
- انتخابات بلا ناخبين: أزمة ثقة في الديمقراطية العراقية
- نحو مشروع عربي تكاملي لمواجهة الأطماع الصهيونية والرأسمالية ...
- الأسس التوراتية لجرائم الصهيونية في غزة والضفة الغربية
- حقائق عن الصراع العربي الإسرائيلي


المزيد.....




- بودابست: اللجنة الرئاسية تشارك في ندوة حول واقع المسيحيين في ...
- بابا الفاتيكان في تركيا : ما أبعاد الزيارة التاريخية ؟
- الفاتيكان يستقبل شجرة تنوب نرويجية بطول 27 مترا في ساحة القد ...
- مستعمرون يحرقون مسجدا ويخطّون شعارات عنصرية غرب سلفيت
- بابا الفاتيكان يزور تركيا ويحذر من -طغيان اللون الواحد-
- بابا الفاتيكان يفتح ملف السلام خلال أول رحلة خارجية
- إسرائيل: الخدمة العسكرية الإلزامية لليهود المتشددين -الحريدي ...
- الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يستقبل بابا الفاتيكان ليون الر ...
- إيران تدين قرار أستراليا غيرالقانوني حول حرس الثورة الاسلامي ...
- فيديو.. كتيبة البراء الإخوانية تؤكد ارتباطها بالجيش السوداني ...


المزيد.....

- رسالة السلوان لمواطن سعودي مجهول (من وحي رسالة الغفران لأبي ... / سامي الذيب
- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - قاسم محمد داود - العقل المأسور: كيف تحوّل المقدّس إلى أداة للسلطة؟