أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سليم سوزه - الفصائل العراقية المسلّحة وخيار الجُّبْنَة والمصيدة















المزيد.....

الفصائل العراقية المسلّحة وخيار الجُّبْنَة والمصيدة


سليم سوزه

الحوار المتمدن-العدد: 8537 - 2025 / 11 / 25 - 09:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


وسط متغيّرات إقليمية متسارعة بَدَأَتْها لحظة السابع من أكتوبر من العام ٢٠٢٣، وفي ظل انكسار جبهة المقاومة وتفكيك ما عُرِفَ بوحدة الساحات عقب الدخول في معركة غير متكافئة تصوّرت من خلالها ميليشيات في المنطقة، ما زالت تفكّر بذهنية حزب الله العام ٢٠٠٠، أنّ لها القدرة على هزيمة إسرائيل، اتخذّت قوى راديكالية إسلامية عراقية ومعها أجنحتها المسلّحة موقفاً "وسطياً" بين السلم والحرب. خيّرتْ نفسها بين المضي في خيار التصعيد أو الاكتفاء بالتنديد عبر البيانات والتصريحات. هادنتْ نفسها على الثانية مع الإبقاء على بعض المناوشات الصاروخية لذر الرماد في العيون.


كانت هذه القوى الميليشياوية العراقية تعيش لحظة صراع نفسي كبير بين عقيدتها، التي تحتّم عليها الولاء المطلق لأوامر مرشدها الإيراني، ووجودها بوصفها سلطة ونفوذاً واقتصاداً وامتيازات ليس من السهل المغامرة بها في دولة ريعية مثل العراق. ما بين "العقيدة" و"الكرسي" نمى نوع من البرغماتية استطاعت من خلاله هذه الميليشيات التوازن بين كونها كيانات خاملة وخاضعة Passive Objects للإرادة الإيرانية وذواتاً فاعلة Active Agents تنظر إلى مصالحها ومكاسبها. بمعنى أنها تتبع إيران حقّاً، لكنها، في الوقت ذاته، تفكّر بوضعها ونفوذها وسلطتها في العراق، ولا تريد المغامرة بهذه المكاسب. إنها تعيش الحالتين في آنٍ واحد، حالة التبعية الخارجية التي توفّر لها الغطاء الإيديولوجي المطلوب وسط سوق الأفكار الطائفية الرائج، وحالة الهيمنة على السياسة في العراق، تلك الهيمنة التي تمدّها بالمال والسلاح لاستمرار زخمها ونفوذها.


من نقطة التناقض هذه، يُطلق بعض السياسيين العراقيين المرشّحين إلى منصب رئاسة الوزراء العراقي بعد الانتخابات الأخيرة "مناورته السياسية" مراهناً على فهم أمريكي مرن وقبول إيراني مضطر عسى أن يوافق الطرفان على المعادلة نفسها التي أنتجتها ظروف العام ٢٠٠٣، أي معادلة القبول برئيس وزراء عراقي شيعي يوفّق بين "عقيدة" الميليشيات و"كرسيها". عقيدتها لإيران وكرسيها لنا نحن الذين نحكم بلا عداء أو مواجهة لأمريكا.


من بين أولئك السياسيين المرشّحين، قفز رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي خطوتين إلى الأمام محاولاً تسويق نفسه بوصفه الوحيد القادر على حلِّ شفرة ذلك التناقض إنْ ثُنيَت له الوسادة مرةً ثالثة. هذا الرجل، المُتجَّهم الوجه والمهووس بنظرية المؤامرة حتى في مرحاضه، صار أخيراً ودوداً ومعتدلاً مع خصمه الكردي، مسعود برزاني، الخصم الذي شتمه وخوّنه قبل أشهرٍ فحسب. بدأ يسوّق نفسه سياسياً معتدلاً بإمكانه العمل مع كل الأطراف التي خاصمها في السابق، وصار يروّج لفكرة أن الفصائل الشيعية المسلّحة مستعدة للتخلّي عن سلاحها الثقيل في المرحلة القادمة، وهي لعمري مغازلة واضحة لأمريكا يلمّح فيها أنه هو فحسب القادر على ضبط إيقاع تلك الميليشيات، ولا أحد سواه. يمنّي النفس أن تتفّهم أمريكا أن فرصة عراق ما بعد ٢٠٠٣ ما زالت قائمة، وأن امكانية بناء دولة ديمقراطية "صديقة" للغرب ممكنة حتى الآن.


وكما لم يفهم صدام حسين أنّ الوقت قد تأخّر كثيراً Too Late كي تقف معه فرنسا وروسيا والصين حين وهبها الاستثمار في حقول مجنون والرميلة النفطية بأسعار شبه مجانية في العام ٢٠٠٢ قبل الحرب على العراق، لا يفهم المالكي أيضاً أن الوقت قد تأخّر حقّاً، ولم تعد هناك فرصة أخرى لإعادة انتاج رجل خسر فرصتين سابقتين في ولايتين متتاليتين أن يقدّم نموذجاً يتكلّم عنه الآن حالماً في العام ٢٠٢٥.


وسط رغبة المالكي بالعودة إلى الحكم مرةً ثالثة بأي ثمن، وفي ظل صراع الميليشيات النفسي بين عقيدتها وكرسيها، ينسى الكثير من سياسييّ عراق ما بعد ٢٠٠٣ أن الولايات المتحدة الأمريكية اليوم غيرها في العام ٢٠٠٣، وأن إيران هي الأخرى ليست إيران ٢٠٠٣، بل وأن الظروف التي سمحت بظهور نموذج عراقي أمريكو-إيراني غير متوفّرة الآن في العام ٢٠٢٥.


لم تعد معادلة ٢٠٠٣ صالحة اليوم، إذ ضعفتْ إيران كثيراً وخسرت أدواتها في المنطقة، وعرفتْ جيداً أن "العقيدة" وحدها غير قادرة على ضبط سلوك ميليشيات أدمنتْ "الكرسي"، كما أن أمريكا غير راغبة هي الأخرى في إعادة انتاج معادلة ٢٠٠٣ ذاتها التي قوّضتها ظروف الحرب والواقع الجيوسياسي الجديد في لبنان وفلسطين وسوريا. لا تريد أمريكا أن تخسر "السياسة" بعد أن انتصرتْ في "الحرب" عبر ذراعها، إسرائيل. هي الآن، ومنذ اللحظة التي ضغطتْ فيها على القوى السياسية العراقية بغية عدم تشريع قانون الحشد الشعبي في مجلس النواب، تسعى إلى تجريد الميليشيات العراقية من نفوذها وإبعادها من مواقع المسؤولية في الكابينة الحكومية القادمة. تكرّرتْ الرسائل الأمريكية في هذا الصدد، وفهمتْ الميليشيات العراقية هذه الرغبة الأمريكية، فصارتْ تصرّح بلسان بعض سياسييها وإعلامييها أنّها منفتحة على خيارات سياسية جديدة، وأن المرحلة ليست مرحلة سلاح اليوم. تنازل بسيط في "العقيدة" لا يضر ما دام أن "الكرسي" بالنهاية هو لخدمة تلك العقيدة. هل ستقبل إيران بمثل هذا "التنازل"؟ أم أنَّ للميليشيات، بوصفها "ذاتاً فاعلة أحياناً"، الكلمة العليا في صراع العقيدة مع الكرسي هذا؟


تعي هذه الميليشيات الورطة الوجودية التي سقطتْ فيها، فهي إن كانت تقبل بنزع سلاحها، لا يمكن لها أن تقبل بترك مواقع مسؤولياتها في الكابينة القادمة، ذلك لأنّها ستفقد الريع والنفوذ السياسي والقانوني داخل الحكومة. مع ذلك، هي تعرف جيداً حجم العزلة التي ستعيشه والضغط الذي ستتعرّض إليه من الولايات المتحدة الأمريكية فيما لو قرّرت أن تصبح جزءاً من الطاقم الحكومي القادم.


حال هذه الميليشيات اليوم حال فأرة، تتطلّع من بعيد إلى جُبْنَتِها التي في المصيدة، لا تستطيع أكلها ما لم تدخل تلك المصيدة بأرجلها. إنها مصيدة لم تضعها أمريكا لوحدها، بل وضعتها معها ظروف ما بعد السابع من أكتوبر، لتجعل المشاركة في الحكومة العراقية القادمة كدخول تلك المصيدة، خطر الميليشيات الأكبر، بعد أن كانت ملاذها الآمن.



#سليم_سوزه (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في نقد الخطاب الإسلامي .. حلقة ٧: الإسلام بين قراءتين، ...
- مثقَّفو -التوجيه السياسي- ودولة الميليشيا العراقية
- -تريوعة- الماعز
- -باربي- والوجودية النسوية
- في نقد الخطاب الإسلامي ح 6: سبي النساء .. سياق مختلف أم فكرة ...
- المشكلة الكردية في العراق
- في نقد الخطاب الإسلامي ح 5 .. إشكالية الدين والمجتمع
- أنثروبولوجيا الشعائر الحسينية
- ظاهرة التيار الصدري
- السيستاني والدولة العراقية .. جدل الشرعيّة والمشروعيّة
- في نقد الخطاب الإسلامي ح 4 .. التفسير ، التأويل ، الإعجاز ال ...
- في نقد الخطاب الإسلامي ح 3 .. القرآن ليس كلام الله
- في نقد الخطاب الإسلامي ح ٢-;-
- في نقد الخطاب الإسلامي - ح ١-;-
- مجلس محافظة بغداد وتقنيات السرقة الذكية
- عن معركة الموصل وتشابك اللُحى وأحلام الهاشميين
- عملية دادي
- إمكانية عالية ومحتوى بائس
- عن شارل ايبدو وإساءاتها
- حوار كاثوليكي


المزيد.....




- فيضانات مدمرة تحاصر 30 رضيعًا في مستشفى بتايلاند.. شاهد ما ح ...
- مسعد بولس: طرفا الحرب في السودان رفضا مقترح الهدنة.. ولا أعر ...
- أعمال عنف في حمص وعلويون في اللاذقية يطالبون بـ-الحماية-، ما ...
- كشف «خدعة» خط الفقر في إيران: ملايينٌ تحت عتبة البقاء
- -مؤسسة غزة الإنسانية- تعلن إنهاء مهمتها.. وأوضاع كارثية في ا ...
- ليبيا : -صحتي في غذائي-، انطلاق حملة توعوية صحية حول التغذية ...
- خطة السلام في أوكرانيا…  صخب دبلوماسي يصب في مصلحة روسيا؟
- غضب فينيسيوس من الاستبدال وتهديده بالرحيل عن الريال يشعل الم ...
- كيف تفاعلت المنصات اليمنية مع وصول غبار بركان إثيوبيا؟
- -شبكات- يتناول وصول رماد بركان إثيوبيا لليمن وغضب فينيسيوس


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سليم سوزه - الفصائل العراقية المسلّحة وخيار الجُّبْنَة والمصيدة