أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نواف خلف السنجاري - بين ضوء العشب وظلام السنابل ينام الظل بهدوء















المزيد.....

بين ضوء العشب وظلام السنابل ينام الظل بهدوء


نواف خلف السنجاري

الحوار المتمدن-العدد: 1836 - 2007 / 2 / 24 - 10:04
المحور: الادب والفن
    


قراءة في المجموعة القصصية (ضوء العشب) للقاص أنور عبد العزيز

عندما انتهيت من قراءة المجموعة القصصية الأخيرة (ضوء العشب) للقاص المخضرم أنور عبد العزيز قفزت إلى ذهني عبارة غوغول: " إن المناظير التي ينظر من خلالها إلى الشموس والتي تدرس بواسطتها الحشرات الدقيقة هي مدهشة بنفس القدر" فيحقق الكاتب هذه المقولة من خلال أفكاره العميقة والبسيطة التي تنبع من نفس (المنبع) كعين ماء قد يتحوّل ما تعطيه إلى جليد أو بخار كاوية! فما أجمل (العين) التي تراقب الجرذان والقطط والمجانين بنفس المنظار التي تراقب فيه الدراويش العاشقين الزاهدين الذين تلتهب في أرواحهم جمرات العشق الإلهي.. في هذه المجموعة يطغى الأسلوب( الروائي) على معظم النصوص، وتتبين لنا القدرة الفائقة للقاص على الوصف الدقيق والاسترسال غير الممل عجنتها السنين الطويلة (أكثر من نصف قرن) في كتابة القصة، وتمخّضت عن 6 مجاميع قصصية و 7 مجاميع مشتركة ..
وإذا عرفنا أن القاص أنور عبد العزيز بدأ بالنشر منذ عام 1955 ومستمر في العطاء لحد الآن، وله - إضافة إلى كتابة القصة - مساهمات كثيرة في مجال النقد الأدبي والتراث الشعبي وحضور متميّز ومتابعة دائمة لكل المستجدات على صعيد الساحة الثقافية يتجلى لنا أن هذا الكاتب معطاء كحقل سنابل ومستمر كشلال لا ينضب.. إن ذاكرة القاص المضيئة لم تفوتها صغيرة أو كبيرة ولا شاردة أو واردة في حياة المجتمع الموصلي القديم، وانك تحس البعد الإنساني للقص من خلال تناوله كل ما هو غير عادي وغير متوّهج بل تراه يصف : (بيوت لا تدخلها الشمس- جدران متآكلة- أزقة ضيقة - غرف معتمة – شبابيك عتيقة – روائح عفنة كريهة – فئران – جرذان – ضباع – مقابر – عجائز – قطط – كلاب سائبة – مصارين وسوائل لزجة – مجانين ) لكنك تخرج من هناك نظيفاً دون أن تصيبك شعرة واحدة على الرغم من امتلاء أنفك بالروائح النتنة !
وينقلنا الكاتب ببراعة من الأجواء الملّغمة وأصوات الأنفجارات إلى الموصل القديمة ( الميدان – القليعات – الشهوان –الكوازين – باشطابيا و قرة ساي) يحملنا إلى ناسها الطيبين إلى البراءة والنقاء إلى الحكايات القديمة و البعيدة عن السياسة والأصولية والنفاق ..
قد يقول القارئ العادي إن مجموعة (ضوء العشب) لم تكشف لي جديداً ولم أستفد- على الأقل- منها وهي مجرد حكايات عادية غير هادفة.. ولكن القارئ المدرك والواعي سرعان مايكتشف إن ابتعاد القصص عن الغاية أو الهدف هو الذي يجعلها تغوص إلى تلك الأعماق من النفس البشرية " فوحده الشيء غير المفيد هو الذي يبعث على السعادة" – كما يقولون- .. إن الصور التي يضعها أمامنا الكاتب هي صور قديمة ولكنها (نقية) ولنا أن نقارن بينها وبين صور (الديجيتل) الحالية بكارثيتها وبشاعتها !
من الصفحة الأولى يبرز الثراء في اللغة وتظهر التعابير(المختلفة) التي تؤدي إلى معنى واحد مما يضفي على النصوص جمالاً وحيوية، ومن القصة الأولى يطفو الطابع الروائي للقاص إلى السطح وكأني به يريد أن يعبر من ضفة القصة إلى الرواية. كما أن ترابط خيوط القصص وتشابه تفاصيلها يشعرك وكأنك تقرأ رواية لا قصصاً قصيرة منفصلة.
في قصة (الوليمة) يصف الكاتب الجدة العجوز فيقول: (ولفرط نظافتها - لو تستطيع - لغسلت حتى الماء بماء أنقى وأطهر) أنظر عمق العبارة ومدلولاتها على الرغم من بساطتها..
وفي (ذات ليلة) وهي قصة لطيفة لامرأة عجوز يدخل جرذ كبير تحت ملابسها الداخلية... تشعر وكأنك أحد الموجودين في ذلك البيت وقد رأيت كل شيء كما لو انه حدث أمامك فعلاً ! وهنا تبرز قدرة القاص الفنية وعبقريته الفذة في تصوير الحادثة. أما في (القنّاص) فيصير القاص قنّاصا ذكيا يصطاد اللقطات النادرة وتتحوّل عينه إلى (كاميرا) تصوّر وتحصر بين أضلاع مستطيلها ما لا يمكن التعبير عنه بسهولة فيقول: (كان الرجل أصلب من عربته وحصانه) انه المصّور-الفيلسوف- الذي يحكي لقطاته وليس القاص هذا ما تستشفه من عمق الوصف..
في قصة (وادي الليل) يطغى الخيال على الواقع الحقيقي، ويخبرنا الكاتب بأنه قادر على صنع الخيال كما يستطيع أن يراقب الواقع بكل تفاصيله.
قصة (ليلة جمر) يقول القاص على لسان بطله (الدرويش): " هذه النار أستطيع اقهرها، أقمعها، أمحقها، أمحيها وأحيلها فحماً وسخاماً ورماداً، لكن جذوة النار في القلب هي العصية، سر الأسرار المغلق الصامت وهنيئاً لمن أشرقت في قلبه الكشف..." انه الولوج والتوغل في أعماق الإنسان إلى أبعد أغوارها بظلماتها وإشعاعها.
(مالو ليلة السلطنة) قصة تحكي عن حياة حشّاش يبيع (السمسمية) وصديق للمجانين وكيف انطلق وحلّق بخياله عندما نظر الى (وسط صينية السمسمية) ليجوب أرجاء العالم وينعم بالسلطنة نتيجة (صفنة) خرافية استمرت من آذان العصر وحتى الفجر ! عشر ساعات من السياحة المجانية الساحرة التي تذكرنا برواية (مائة عام من العزلة) لماركيز ومفارقاتها العجيبة.
في (واقعة كبش) يصف لنا أنور عبد العزيز التسلط بكل وحشيته من قبل زوجة مأمور الشرطة، والذل والخنوع والاستسلام بكل ما فيه من مرارة من قبل الخادمة وجدية .. ولكنها لا تخلو من الفكاهة والمرح في المقلب الذي تمسرحه الخادمة فتسخر- على الرغم من بؤسها وشقائها- من خادمة القائمقام فتوهمها وتجعلها تقدم على حلب (الكبش) !
(أصليل) الفتى المجنون الذي يركض صيف شتاء عارياً ولم يلمس جسمه الماء أو تغطيه الملابس، يخلق في المدينة – آنذاك- فرحاً طفولياً لدرجة أن الأطفال اخترعوا له أغنية: " أصليل اكع، أنت تكع، وأنا أكع، بالميّة" ..
ضوء العشب بقصصها ( العشرين) بهرتني حقاً ووضعتني مباشرة أمام ذاكرة متوّهجة لرجل تجاوز العقد السابع من العمر، وهو يقصّ علينا ويصف لنا دقائق الأمور والحوادث كما لو أنها حدثت للتو.. أتمنى أن لا تبقى هذه القصص نائمة فوق أدراج المكتبات وأن تطالها أيادي المثقفين والنقاد لقرائتها والتمحص فيها، وأقول لمن قرأها مرة واحدة أن يعيد قراءتها ليكتشف الظلال الخفية لتلك التماثيل الظاهرة للعيان، فيشكل ( الظل والملموس) صورة بهية تأسر العيون و القلوب إذا نظرنا إليها من الزاوية الصحيحة.



#نواف_خلف_السنجاري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نهاية
- الشمس الزنجية
- قصة قصيرة / أحصنة و بيادق
- قصص قصيرة جداً /9
- شظايا الكلمات
- قصص قصيرة جداً /8
- أجنحة الموت
- بمناسبة عيد العمال
- أقصوصتان
- مرافىء
- مقطعان
- علبة السردين
- قبل فوات الأوان
- أغنية الغراب
- نصوص
- ظل ٌفي المرآة
- مسافات
- سفر الأحفاد
- خارج السرب
- اختيارات


المزيد.....




- أهم تصريحات بوتين في فيلم وثائقي يبث تزامنا مع احتفالات الذك ...
- السينما بعد طوفان الأقصى.. موجة أفلام ترصد المأساة الفلسطيني ...
- -ذخيرة الأدب في دوحة العرب-.. رحلة أدبية تربط التراث بالحداث ...
- قناديل: أرِحْ ركابك من وعثاء الترجمة
- مصر.. إحالة فنانة شهيرة للمحاكمة بسبب طليقها
- محمد الشوبي.. صوت المسرح في الدراما العربية
- إيرادات فيلم سيكو سيكو اليومية تتخطى حاجز 2 مليون جنية مصري! ...
- ملامح من حركة سوق الكتاب في دمشق.. تجمعات أدبية ووفرة في الع ...
- كيف ألهمت ثقافة السكن الفريدة في كوريا الجنوبية معرضًا فنيا ...
- شاهد: نظارة تعرض ترجمة فورية أبهرت ضيوف دوليين في حدث هانغتش ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نواف خلف السنجاري - بين ضوء العشب وظلام السنابل ينام الظل بهدوء