أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - على طرفي النقيض بين زيارة محمد بن سلمان والجولاني للبيت الأبيض














المزيد.....

على طرفي النقيض بين زيارة محمد بن سلمان والجولاني للبيت الأبيض


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8531 - 2025 / 11 / 19 - 10:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يكن المشهد في واشنطن مجرد زيارتين متتاليتين؛ بل كان استعراضًا صارخًا للفارق بين مشروعين، ورجلين، ومستقبلين.
رجلٌ يدخل البيت الأبيض على صدى الاتفاقيات العملاقة ويهزّ السياسة الأميركية بحجمه الاقتصادي والاستراتيجي.
وآخر يتسلّل إلى المبنى ذاته من ممرّات الظلال، محمولًا على أكتاف جماعات تكفيرية، يبحث عن شرعية ضائعة بين أدراج المكاتب المغلقة.
في يوم واحد، وقفت أمريكا أمام صورتين متناقضتين حدّ التنافر؛ إحداهما تُمثّل دولة تسعى إلى عضوية نادي القوى الكبرى، والأخرى تمثّل ميليشيا تحاول تقليد دور الدولة وهي عاجزة حتى عن تمثيل نفسها.
هكذا تفتّحت أبواب البيت الأبيض لمحمد بن سلمان، وهكذا أُغلقت تقريبًا في وجه الجولاني.
على طرفي النقيض، زيارتي الأمير محمد بن سلمان والجولاني للبيت الأبيض، دخلها الأمير على أكتاف تريليون دولار، وبإستقباله كل الإدارة الأميركية وحكومة ترامب، وجيش من البروتوكولات والتشريفات، وصفقات اقتصادية ملأت أسبوعًا كاملًا من العمل وتوقيع العقود.
أما الجولاني، فدخلها من أبواب سرّية، وخرج بصمتٍ ثقيل؛ لم يتوقف خلالها عمل أي موظف لاستقباله. لم يحرك وجوده شيئًا باستثناء بعض من كانوا مكلّفين بإلقاء الإملاءات عليه، فوقف أمام ترامب مستندًا إلى منظمات غارقة في الإرهاب، وإلى شريحة سنية متطرفة تُعيد إنتاج الحقد والكراهية ضد مكونات سوريا.
كنا نأمل أن يدخل البيت الأبيض رئيسٌ سوري يليق بالدولة التي تستحق أن تكون وطنًا، يحمل معه أحلام الشعوب السورية لا رغبات فئة متطرفة تسعى لتكرار استبداد البعث وتقليد استعلاء الأسد على بقية المكونات.
وهذا ما انعكس اليوم حين سألته إحدى الصحفيات عن سوريا، فاختصر ترامب إجابته على غير عادته، قائلًا إنه يسعى “لتتعافى سوريا”، وأن رئيسها “قوي”، وأنه يتعامل معها حسب ما يقدمه محمد بن سلمان وأردوغان من مطالب. كلمات مقتضبة، لكنها عكست أن البيت الأبيض تلقى الكثير من الشروح والتحذيرات حول تعقيدات المشهد السوري، وأن التماهي مع السلطة الحالية أصبح عبئًا أكثر مما هو مصلحة، وهي إشارات قد تنعكس حتى على نشاط مبعوثه الخاص توماس باراك.
وقد تكون هذه الرسائل قد وصلت إلى الجولاني؛ لذلك بدأ بتوسيع دوائر علاقاته الخارجية إلى درجة طرق أبواب الصين بحثًا عن الاستثمارات، وكأنه توهم أن بكين قادرة على تجاوز الحصار الأميركي. ولأجل استرضائها، لم يتردد بالتصريح بأن “تايوان جزء من الصين” على أمل أن يمنحه الصينيون جملة سياسية مماثلة. وكل هذا ليس إلا رسائل يائسة إلى واشنطن.
والمعروف أن أميركا تمهل ولا تهمل، ولربما بدأت ساعة العدّ التنازلي لحكومته قبل أن يتصور.
أما الأمير محمد بن سلمان، فجاء ليرفع مكانة السعودية إلى مصاف الدول الكبرى؛ عسكريًا باتفاقية دفاع مشترك أعلنها ترامب، ورسّخها بالموافقة على بيع طائرات F-35 حتى وإن كانت من النسخة الثالثة غير المطوّرة بالكامل، ونُشرت روايات تزعم أنّ الصفقة أثارت امتعاض إسرائيل، لكن الواقع مغاير تمامًا؛ فلم تكن الصفقة خارج دائرة موافقتها، بل جاءت منسجمة مع رؤيتها الاستراتيجية، ما دامت تصبّ في إطار الجبهة المُشكّلة لمواجهة إيران وأذرعها في المنطقة. ويزداد هذا الترابط وضوحًا مع الاحتمالات المتنامية لنجاح الاتفاقيات الإبراهيمية بين السعودية وإسرائيل، الأمر الذي يجعل أي خطوة تُعزّز اصطفافهما الإقليمي جزءًا من معادلة مدروسة، لا مفاجأة دبلوماسية، وهنا تتقاطع مصالح أمريكا وإسرائيل مع الحلف السني في مواجهة الشيعي.
ورغم حاجة الصفقة إلى موافقة الكونغرس، فهي إنجاز عسكري ضخم لم تحصل عليه تركيا رغم عقد من الصراع والمساومات وهي الدولة الثانية في الناتو.
وحمل الأمير ملفات ضخمة تُفتح بها أبواب المستقبل، استثمارات ذكاء اصطناعي، مفاعلات نووية مدنية، شركات تقنية، ومشاريع تشحن الاقتصاد السعودي نحو عصر جديد.
وفي السياسة، ظهر تقاطع المصالح بين واشنطن والرياض بشكل لافت، ومنها ملف الاعتراف بحكومة أحمد الشرع ورفع العقوبات عن سوريا، ليس حبًا بالنظام، بل لتقوية الحلف السني، ومن ثم تمكين الشركات السعودية من الاستثمار هناك، وفي الخلفية يقف صهر ترامب، جاريد كوشنر، الذي حصد من السعودية استثمارات تجاوزت ملياري دولار، إضافة إلى استثمارات الشركات التي يرأسها ابن ترامب، دونالد جون ترامب؛ وكل ذلك جعل الأمير أكثر قدرة على إقناع الإدارة الأميركية بدعوة الجولاني إلى البيت الأبيض، ضمن لعبة مصالح كبيرة تتحرك فيها تركيا والسعودية بالتوازي.
لكن الاختلاف الجوهري بين الرجلين واضح:
فالأمير محمد، وهو خريج مدارس السياسة البريطانية تدريبًا وخبرة، يريد سوريا دولة، جزءًا من الجغرافيا السنية العربية.
وأردوغان، بخلفيته العثمانية المتكلّسة، لا يريد سوريا دولة، بل سلطة تطيعه وتخدم طموحاته وتمهّد حروبه ضد الشعب الكردي وقضيته.
بين المشروعين، تقف الإنسانية في كفة، ونقيضها في الكفة الأخرى: الخير والشر، الحق والباطل، الدولة والميليشيا.
في نهاية المشهد، لم يكن الفارق بين الزيارتين هو البروتوكول ولا الأبواب التي فُتحت أو أُغلقت؛
الأمير، حتى مع كل تحفظاتنا، جاء محمّلًا بمشروع دولة،
والجولاني جاء مثقلًا بإرث جماعات لا تؤمن بالدولة أصلًا.
الأول يتحدث لغة الاستثمار والتحالفات، لبناء وتطوير الشركات الأمريكية الخوارزمية العملاقة في السعودية.
والثاني يتقن لغة المبايعات والرايات السود في سوريا.
أما أميركا، التي تمهل ولا تهمل، فقد سجّلت اللحظتين في ذاكرتها، هل هي زيارة رأس دولةٍ صاعدة، أم زيارة زعيم ميليشيا يتلاشى تأثيره. وبين اللحظتين، تتحدد معالم سوريا القادمة، وتتكشف حقيقة من سيبقى على المسرح، ومن ستبتلعه عتمة الممرات الخلفية.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
18/11/2025م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين ظلام التكفير واغتيال الكلمة دفاع عن حرية الفكر والمثقفين ...
- بين وعي الانتماء وزيف الهوية المصطنعة
- أمريكا بين فخّ الاستراتيجية وضياع البديل في سوريا
- الجولاني من ساحات الإرهاب إلى عتبة البيت الأبيض
- لماذا تُجمّل أمريكا وجه الإرهاب بدعوتها الجولاني إلى البيت ا ...
- من فاتن رمضان إلى عبد العزيز تمو وغيرهما من المرتزقة الكورد ...
- بعض الأخوة المسيحيين يختارون عبودية الماضي على حرية كوردستان
- من مناهج البعث والتكفيريين إلى مناهج كوردستان
- حين عرّى الوعي الكوردستاني الزيف الانتقالي
- التغيير الديمغرافي في غربي كوردستان هو استمرار لجريمة البعث ...
- ترامب الابن في الرياض وسوريا بين الإعمار والمساومة
- الإعلام العربي بين تلميع السفهاء وإقصاء الكورد
- خدم السلطان بلباس المثقف والمحلل السياسي
- إلى الأخت الكاتبة (نسرين تيلو) حكاية الغياب والذاكرة.
- قامشلو البوابة السياسية لوطنٍ يُعاد بناؤه
- حين يُقصى الكورد تموت فكرة سوريا
- أيّ سوريا نريد؟
- الدولة الكوردية من الحلم الثوري إلى الوعي المؤسسي
- الذكاء الاصطناعي سلاح الوعي الكوردي
- الشرق الأوسط في لحظة الحساب الكبرى


المزيد.....




- نتنياهو وكاتس يزوران موقعا في جنوب سوريا.. ودمشق تُدين بـ-أش ...
- السيسي وبوتين يشاركان في مراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة ...
- كيف دافع ترامب عن بن سلمان بعد السؤال عن خاشقجي؟
- في قلب أفريقيا.. أبرز ما جاء في المؤتمر العالمي للذكاء الاصط ...
- هل تعيد تصريحات ترامب صياغة خطاب استعماري قديم تجاه أفريقيا؟ ...
- وزير أميركي سابق يستقيل بعد الكشف عن مراسلات مع إبستين
- تفاصيل الغارة الإسرائيلية على مخيم عين الحلوة جنوبي لبنان
- آثار القصف الإسرائيلي على مخيم عين الحلوة بلبنان
- لماذا استهدفت إسرائيل مخيّم عين الحلوة؟
- عاجل | 11 شهيدا بنيران جيش الاحتلال في مدينتي غزة وخان يونس ...


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - على طرفي النقيض بين زيارة محمد بن سلمان والجولاني للبيت الأبيض