سماك العبوشي
الحوار المتمدن-العدد: 8531 - 2025 / 11 / 19 - 03:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أقرّ مجلس الأمن الدولي بقراره المرقم 2803 مساء الاثنين 17/11/2025 مشروع قرار أميركي معدّل يؤيد خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن إنهاء الحرب في قطاع غزة، ويدعو إلى تنفيذه بالكامل والحفاظ على وقف إطلاق النار، وقد صوت 13 عضوا في مجلس الأمن لصالح مشروع القرار، في وقت امتنعت فيه روسيا والصين عن التصويت، دون أن تستخدم أي منهما حق النقض!!
لقد نص القرار آنف الذكر على إنشاء مجلس السلام (سلطة انتقالية) تشرف على إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية في غزة، مع منح الدول المشاركة إمكانية الانضمام إليه، هذا كما يجيز نشر قوة دولية للاستقرار تتولى نزع السلاح داخل القطاع، بما في ذلك التخلص من الأسلحة وتدمير البنية العسكرية للفصائل الفلسطينية!!
إن ما يدعو للريبة بهذا القرار، ما ورد فيه من بنود مطاطة مبهمة، وخلوه من تواريخ محددة لتنفيذها، حيث ورد في القرار أنه وأقتبس نصا: "وبعد تنفيذ برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية بأمانة وإحراز تقدم في عملية إعادة التنمية في غزة، فقد تتوافر الظروف أخيرا لتهيئة مسار موثوق يتيح للفلسطينيين تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية"، حيث يفهم من هذه الفقرة المطاطة المعنى، أن قرار مجلس الامن بخصوص تقرير مصير الفلسطينيين وإقامة دولتهم الموعودة إنما هو رهين بتوافر (الظروف!!)، هذا من جانب، ومن جانب أخر أحببت أن أنوه الى مفردة (قد) التي وردت آنفا، حيث يعلم جميع المختصين باللغة العربية أن المقصود منها هو (تقليل) أو ندرة احتمالية حدوثه!!
ورغم الاعتراضات التي بينها كل من سفيري الصين وروسيا على صيغة القرار وبالتالي امتناعهما عن تأييده والموافقة عليه (سنأتي لاحقا على تفاصيل الاعتراضات)، رأينا تهافت الأنظمة العربية والإسلامية على التهليل والتطبيل والترحيب على صيغة القرار، ووصفه بأنه سيسهم في تثبيت وقف إطلاق النار وتمكين القوة لدولية من تنفيذ ولايتها بما يضمن الأمن للفلسطينيين، علاوة على مسارعة سلطة رام الله بالتأييد والتهليل لهذا القرار وأنها مستعدة لتنفيذه!!
لقد بيّن مندوب روسيا السفير فاسيلي نيبينزيا عن أسباب امتناعه عن التصويت على القرار لجملة اعتبارات ألخصها بالنقاط التالية:
- أن النص الأمريكي لا يمنح دعما كافيا لقيام دولة فلسطينية ولا يوضح دور الأمم المتحدة، حيث أن مجلس الأمن قد منح مباركته لمبادرة أمريكية تستند إلى (وعود!!) واشنطن، مانحة السيطرة الكاملة لمجلس السلام وقوة الاستقرار الدولية من دون معرفة آليات عملها، وبالتالي فأن القرار لم يؤكد صراحة حل الدولتين، مذكرا بأن هذا يتناغم ويتوافق جملة وتفصيلا مع تصريحات كبار مسؤولي إسرائيل الرافضة لقيام دولة فلسطينية!!
- إن القرار يسمح لمجلس السلام وقوة الاستقرار الدولية بالتصرف باستقلالية مطلقة "دون أي اعتبار لموقف أو رأي" السلطة الفلسطينية، مما قد يرسخ فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، مذكرا بذلك بالممارسات الاستعمارية والانتداب البريطاني في عصبة الأمم على فلسطين، عندما لم يُؤخذ رأي الفلسطينيين أنفسهم في الاعتبار"!!
- بالرغم من أن القوة الدولية لم يكن من المفترض لها أن تشارك بعمليات نزع سلاح المقاومة، إلا أن هذه القوة الدولية من خلال منحها التفويض بقرار مجلس الامن الدولي قد أصبحت بذلك طرفا مشاركا في النزاع يتجاوز حدود مهمة حفظ السلام المزعوم في غزة!!
لقد بيّن السفير الروسي بأن بلاده قد أحيطت علما بموقف رام الله، وكذلك موقف العديد من الدول العربية والإسلامية الأخرى، التي أيدت مشروع القرار الأمريكي، وبالتالي فإنها قد قررت عدم تقديم مشروع القرار الذي أعدته، وامتنعت عن التصويت على القرار الأمريكي!!،
وقال إن اليوم هو "يوم حزين لمجلس الأمن"، مضيفا أن اعتماد هذا القرار قد قوّض نزاهة المجلس وصلاحياته، وأعرب عن أمله في أن يثبت خطأ بلاده تجاه مشروع القرار!!
كما وأضاف قائلا وأقتبس نصا: "الآن، تقع مسؤولية تنفيذ خطة الرئيس ترامب بالكامل على عاتق واضعيها وداعميها، وفي مقدمتهم دول مجموعة الثماني العربية والإسلامية، وللأسف، مررنا بالفعل بتجربة مؤسفة، حيث رأينا الولايات المتحدة تدفع باتجاه حلول للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مما أدى إلى نتائج عكسية لما كان مقصودا، لا تقولوا إننا لم نحذركم"!!... انتهى الاقتباس.
أما مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة (فو تسونغ)، والذي امتنع هو الآخر عن التصويت على القرار، فإنه قد وضح النقاط التالية:
- إن القرار يحدد ترتيبات حوكمة غزة بعد الحرب، "لكن يبدو أن فلسطين غائبة عنه تماما، وأن السيادة الفلسطينية وملكية الفلسطينيين لا تنعكسان بشكل كامل"!!
- أن مشروع القرار لم يؤكد صراحة الالتزام الراسخ بحل الدولتين كإجماع دولي، وهذا ما يقلق الصين!!
- ضرورة احترام أي ترتيبات لما بعد الحرب إرادة الشعب الفلسطيني، وأن تفسح المجال كاملا للدور الحيوي للسلطة الوطنية الفلسطينية!!.
- أنه على الرغم من طرح العديد من الأسئلة والمقترحات بشأن مشروع القرار إلا أن معظمها لم يؤخذ في الاعتبار، مؤكدا على خيبة أمل الصين العميقة إزاء هذا النهج!!
- أنه رغم كل مخاوف الصين بشأن نص القرار، ونظرا للوضع الهش والخطير في غزة، فإن بلاده امتنعت عن التصويت، وأن مخاوفهم ماتزال قائمة!!
ورغم اتضاح حقيقة القرار وأهدافه، وأنه جاء لتحقيق ما عجز النتن ياهو عن تحقيقه طيلة سنتين من خلال ارتكابه للمجازر الوحشية نتيجة صمود المقاومة الفلسطينية والتفاف أبناء غزة حولها، وبعد تبيان ريبة وامتعاض وتشكيك روسيا والصين تجاه فقرات وبنود القرار والتي دفعتهما للامتناع عن التصويت على القرار، فإنني أتساءل بحرقة وغصة شديدتين:
أما كان الأجدر بالأنظمة العربية والإسلامية، خاصة تلك الدول العربية والإسلامية الضامنة لمبادرة ترامب، أقول أما كان الأجدر بها – إن كانت جادة وحريصة على مصالح شعب فلسطين - اتخاذ الحيطة والحذر المسبق لمكر وألاعيب وتفاهمات ترامب والنتن ياهو، وبالتالي تنسيق المواقف مسبقا والتشاور مع الصين وروسيا قبل فترة مناسبة للوصول إلى نقاط تخدم قضية فلسطين، وبالتالي عرضها على الولايات المتحدة الأمريكية لممارسة الضغط عليها لإصدار قرار يتوافق وطموحات أبناء فلسطين ويحفظ حقوقهم ويمنع احتمالات تقسيم وعزل الضفة عن غزة!!
لقد كانت حركة حماس (ومعها باقي الفصائل الفلسطينية) أكثر وعيا وإدراكا لمخاطر قرار مجلس الامن هذا، لهذا فإن حركة حماس قد رفضته وأكدت أنها لن تنزع سلاحها، معتبرة أن قتالها إسرائيل هو مقاومة مشروعة بحكم قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالاحتلال، محذرة في الوقت ذاته من أن تكليف القوة الدولية بمهام داخل غزة سينزع عنها الحياد ويحولها إلى طرف شريك في الصراع، هذا كما وأضافت الحركة، في بيان لها، أن قرار مجلس الأمن يفرض آلية وصاية دولية على قطاع غزة وهو ما يرفضه الشعب الفلسطيني وقواه وفصائله (باستثناء سلطة رام الله بطبيعة الحال!!)، كما يفرض آلية لتحقيق أهداف الاحتلال التي فشل في تحقيقها عبر حرب الإبادة الوحشية، ووفق بيان الحركة، فإن قرار مجلس الأمن ينزع قطاع غزة عن باقي الجغرافيا الفلسطينية ويحاول فرض وقائع جديدة!!
أقتبس فقرات من رسالة رائعة بليغة وصلتني من صديق بخصوص ما ورد في بعض فقرات هذا القرار هذا نصها:
"إن هذه الجملة المائعة (أفق سياسي للتشاور!!) ، ليست سوى طلاءً بالذهب لخيانة مكتملة الأركان ، إنها الوعود نفسها التي يتلقاها الفلسطينيون منذ عقود، بينما تزداد المستوطنات توسعاً والقدس تهويداً، والغريب بل المُخزي أن سلطة رام الله ما زالت تعلق أمالها على هذا الوهم، وكأنها لم تعِظها تجارب الماضي ..!!
هنا يبرز السؤال المصيري : بأي وجه سنطلب من روسيا والصين - الدولتين العضوين الدائمين في مجلس الأمن - رفض هذا القرار الأمريكي ، ونحن نرى ( رئيس بلدية رام الله ) ، يهلل له ويرقص ، وتتبعه في ذلك دول عربية وإسلامية كبرى مثل مصر والسعودية وقطر والإمارات والأردن وتركيا وإندونيسيا وباكستان ؟
إنه مشهد يُشعر بالعار والخزي .. لا يمكننا لوم روسيا والصين إذا تساءلتا : لماذا نرفض نحن ما يقبله ممثلو الفلسطينيين أنفسهم ؟
ولماذا نُظهر وكأننا أكثر حرصاً على حقوق الفلسطينيين من سلطتهم ومن محيطهم العربي والإسلامي ؟"... انتهى الاقتباس.
ختاما أقول: بصدور هذا القرار الأممي الذي خططته وكتبته الولايات المتحدة الأمريكية، والذي هللت له أنظمة عربية وإسلامية وسلطة العار في رام الله، فقد تأكد لنا بأن المعركة الحقيقية للشعب الفلسطيني لم تعد فقط مع الاحتلال الصهيوني والمشروع الأمريكي، بل أيضاً مع وكلاء الداخل الذين باعوا القضية بأبخس الأثمان ..!!
بحق أبناء جلدتنا من قادة وساسة وأولي أمر متخاذلين منبطحين، قال تعالى في سورة التوبة، الآية 46:
" وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ".
و قال تعالى بحقهم في سورة الحجر:
" فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)".
18/11/2025
#سماك_العبوشي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟