أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حاتم بن رجيبة - الإنبتات و الإغتراب في العمل بين الحقيقة والمبالغة















المزيد.....

الإنبتات و الإغتراب في العمل بين الحقيقة والمبالغة


حاتم بن رجيبة

الحوار المتمدن-العدد: 8530 - 2025 / 11 / 18 - 16:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يرى ماركس أن العمال يغتربون عندما ينفصلون عن منتج عملهم وعن عملية الإنتاج نفسها، فالعامل في النظام الرأسمالي لا يملك ما يصنعه ويصبح مجرد أداة تؤدي مهمة متكررة للحصول على أجر، بعيدًا عن تحقيق ذاته وإبداعه الطبيعي فلا يرى من المنتوج إلا جزأ ضئيلا محدودا. هذا الإنفصال يمتد إلى علاقاتهم مع الآخرين، حيث يحل التنافس والربح محل التعاون الإنساني، فيصبح العامل منعزلاً عن زملائه ومجتمعه.

بالنسبة لماركس، يرتبط هذا الاغتراب مباشرة بالنظام الرأسمالي وتقسيم العمل القاسي في المصانع، الذي يفرغ العمل من معناه الإنساني ويحوّله إلى وسيلة لإنتاج الأرباح.

وقد جسم الكوميدي العظيم شارلي شابلن ذلك أبهى تجسيم في فيلم كوميدي باهر.

أما علماء الاجتماع الحديث، فينظرون إلى الاغتراب بزاوية أوسع تشمل البعد النفسي والاجتماعي، فوفقًا لماكس ذبر، يخلق التنظيم البيروقراطي والروتين شعورًا بالاغتراب لأن الفرد يصبح مجرد جزء من آلة إدارية كبيرة محروم من المبادرة والإبداع. ويرى إريك فروم أن الاغتراب يحدث عندما لا يجد الإنسان معنى في عمله أو حياته اليومية، ويشمل فقدان الحرية والقدرة على اتخاذ القرارات والشعور بالعزلة. كما لاحظ علماء العمل المعاصرون أن التقسيم المفرط للعمل في الصناعات الحديثة يؤدي إلى فقدان السيطرة على العملية الإنتاجية والشعور بالرتابة، مما يقلل الرضا الوظيفي والإبداع.

أنا شخصيا أشعر بالإغتراب والإنبتات في عملي عندما لا أشارك في اتخاذ القرار وأصبح آلة تنفذ الأوامر. لا أستطيع تغيير شيء منها وحتى إن انتقلت إلى وظيفة أخرى فسألقى نفس المعظلة ، رغم أني في عملي أقوم بعمل شامل وليس بجزء محدد رتيب.

يتم التعرف على الاغتراب عبر أدوات عدة مثل استبيانات الرضا الوظيفي التي تقيس شعور العمال بالتحكم في عملهم وبمعنى ما يقومون به، ومراقبة العملية الإنتاجية لمعرفة مدى التكرار والآلية في العمل، وتحليل ظروف العمل من ساعات طويلة ورواتب منخفضة وقلة المشاركة في القرارات، بالإضافة إلى دراسة السلوك الاجتماعي مثل عزلة العامل أو انفصاله النفسي عن المنتج أو عن المؤسسة و الشركة التي يعمل فيها.

بشكل عام، يركز ماركس على الجانب الهيكلي والاقتصادي للاغتراب، بينما يضيف علماء الاجتماع الحديث البعد النفسي والاجتماعي، موضحين كيف تؤثر ظروف العمل والروتين والبيروقراطية على شعور العمال بالمعنى والانتماء، ليبقى الغرض النهائي فهم كيف يمكن تنظيم العمل بشكل يحقق الإنتاجية دون أن يفقد الإنسان إحساسه بذاته وبقيمته.

لكن هل أن الصورة التي رسمها لنا ماركس حول المجتمع المصنع الغربي بجحافل من العمال والمهنيين والموظفين المنبتين والمغتربين كأنهم،، زامبي،، يجولون في ورشات عمل هائلة وفي متاهات من المكاتب في ناطحات سحاب شاهقة صحيحة وواقعية أم مغلوطة ومبالغ فيها و هل تمكن الغرب من معالجة الإغتراب ولو جزئيا؟ وهل الفكرة التي رسختها وسائل الإعلام والمؤرخون أن جل المزارعين والحرفيين في المجتمعات الغربية تركت الضيعات و ورشاتهم المنزلية لتلتحق إبان الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر بالمصانع والمناجم نمطية بعيدة عن الواقع و الحقيقة؟

سأعالج ذلك من خلال إلقاء نظرة على المجتمع الألماني وهو مثال نموذجي لأن الألمان من أكثر وأعرق البلدان الغربية في التصنيع.

ففي ألمانيا خلافا للإعتقاد السائد حتى عند الألمان أنفسهم لا تمثل الشركات الكبرى الصناعية مثل سيمنس و كروب الشكل الطاغي في المؤسسات الصناعية ولا تشغل جل الصناع والحرفيين بل تُشكّل الشركات الصغيرة والمتوسطة حوالي 99.3% من إجمالي الشركات. وتشغّل هذه الشركات نحو 55% من العاملين الخاضعين للتأمين الاجتماعي. وهذا يعني أن جزءاً كبيراً من السكان يعملون في مؤسسات يكون فيها العمل منظماً بطريقة شمولية ومتنوعة، أي سالمون من الإنبتات و الإغتراب. ويبلغ عدد الشركات الصغيرة والمتوسطة سنة 2023 حوالي 3.44 مليون شركة، وتشكل الشركات الصغيرة جداً (التي تضم أقل من 9 موظفين) نسبة 84.9% تقريباً من هذا العدد.

وفي الوقت نفسه، تتراجع أهمية العمل الصناعي، الذي يعدّ المجال الأكثر تطبيقاً لتقسيم العمل الشديد. فلا يعمل في القطاع الصناعي سوى 24% من المستجوبين، مقابل 28% يعملون في قطاع الخدمات. وهذا يشير إلى أن نسبة كبيرة من القوة العاملة ليست مندمجة في أعمال صناعية ذات خطوات متكررة ومجزأة، بل في مجالات تتيح عملاً أكثر شمولية وتنوعاً.

وإضافة إلى ذلك، يتميز قطاع الحرف اليدوية — الذي يعتمد تاريخياً على العمل الشمولي — بوجود نسبة ملموسة من العمال الشباب؛ فيبلغ 20% من العاملين في الحرف اليدوية أقل من 25 عاماً، وهو ما يرتبط بنسبة التدريب المهني العالية في هذا القطاع. وهذا يعزز الانطباع بأن الأعمال الحرفية ليست فقط صغيرة الحجم، بل تقدم أيضاً عملاً حيوياً وقريباً من حياة الناس اليومية.

ومثال مهم على قوة هذه المؤسسات: فقد بلغ إجمالي مبيعات الشركات الصغيرة والمتوسطة في ألمانيا سنة 2022 نحو 2.66 تريليون يورو. كما تساهم هذه الشركات بنحو 42% من القيمة المضافة الإجمالية، رغم أن الشركات الكبرى تتصدر من حيث حجم المبيعات والاستثمارات وتكاليف الموظفين. وتدل هذه الأرقام على أن الشركات الصغيرة والمتوسطة ذات أهمية اقتصادية كبرى — ليس فقط من حيث الوظائف، بل أيضاً من حيث خلق القيمة والابتكار.

وبناءً على ذلك يمكن القول: يؤدي تقسيم العمل في القطاع الصناعي إلى الشعور بالاغتراب، إلا أن جزءاً كبيراً من سوق العمل — وخاصة في الشركات الصغيرة والمتوسطة، والحرف، والخدمات الصغيرة — ما يزال يعمل بصورة شمولية. وفي هذه البيئات، يشعر الناس بأن عملهم ذو معنى، لأنهم يشاركون في العملية بأكملها، من الفكرة إلى المنتج النهائي أو الخدمة المقدمة كما يشاركون في صنع القرار.

كما أن بنية العمل آخذة في التغيّر: فالتطورات التكنولوجية، مثل الأتمكة والروبوتيك والذكاء الاصطناعي، تتولى بشكل متزايد المهام المتكررة والمجزأة للغاية. وهذا يتيح للعاملين التركيز على المهام التي تتطلب إبداعاً وحُسن تقدير وحلّاً للمشكلات — مما يمكن أن يقلل من الشعور بالاغتراب.

تقسيم العمل هو بالفعل سمة أساسية للإقتصاد الحديث و هو أساس الثروة الهائلة و للحضارة والرقي للمجتمعات الغربية ، لكنه لا يعني بالضرورة انعدام المعنى أو الاغتراب في العمل. بل إن ذلك يعتمد في المقام الأول على كيفية تنظيم العمل وعلى طبيعة القطاع الذي يتم فيه.

حينما نعلم أن أكثر من 40% من الأنشطة في المصانع والشركات الكبرى قابلة لأن تعوض بالآلات والروبوتك و البرمجيات الذكية فإن الإنبتات العمالي بالمعنى الكلاسيكي في طريقه إلى الزوال.

ما وصفه ماركس وما جسده شارلي شابلن لا يشمل إلا فئة محدودة العدد وأقلية على عكس الفكرة السائدة وهي في طريقها إلى الزوال بفضل البرمجيات الذكية والروبوتك والأتمكة . أغلبية الحرفيين والمزارعين والموظفين وأصحاب المهن الحرة من أطباء ومحامين ألخ لم يعرفوا الإنبتات والإغتراب أبدا أو بقدر ضئيل.

نعم الإنبتات والإغتراب في العمل وجد ولازال موجودا وصدق ماركس في وصفه ويعود له كل الفضل في التطرق إليه لأنه مرض عضال و تجريد للإنسان من إنسانيته واستنساخ لمجتمعات العبيد كما في الإمبراطورية الرومانية وفي الولايات الجنوبية للولايات المتحدة الأمريكية. لكن وسائل الإعلام بالغت كثيرا ورسخت فكرة مغلوطة أن كل العمال في الغرب،،زامبي،، يكررون حركات رتيبة كامل اليوم ولا يرون من المنتجات إلا جزأ صغيرا فيتدحرجون إلى آلات صماء جوفاء.

لم يترك كل المزارعين والحرفيين أو سوادهم إبان الثورة الصنائية في القرن التاسع عشر والعشرين مزارعهم وورشاتهم ليلتحقوا بالمصانع ليصبحوا عبيدا وحيوانات وآلات بل جزء محدود فقط !!



#حاتم_بن_رجيبة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل كان نظام الملكية الإسلامي حافزا لتحقيق الأمن الغذائي و ال ...
- لن تهزمينني أبدًا ،أبدًا! قصة قصيرة
- مقارنة بين التعليم في تونس وفي ألمانيا
- السياحة الجنسية : كيف تُشوّه وسائل الإعلام الغربية العلاقات ...
- الاندماج الصامت بين شعبين،، العرب والبربر،،
- ما الحل للفلسطينيين ضد الماجعة والترويع والإبادة؟؟
- المحركات الكهربائية التي تعمل بالميثانول – تقنية المستقبل لل ...
- جمال عبد الناصر: إنجازات وإخفاقات
- كيف قوّضت قطر وتركيا ثورات الربيع العربي عبر إيصال الإسلاميي ...
- ،،التغلب على الجفاف ، إسرائيل كقدوة،،
- الدكتاتورية في المؤسسات سم زعاف
- زحف بني هلال لشمال إفريقيا: النكبة و الطامة الكبرى!!!
- كيف أثرت الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي على تصويت الأمم ...
- هل قيس سعيد رئيس تونس حقا دكتاتور؟؟
- الدول المتقدمة والديمقراطية وليدة الصدفة
- ،، من من الشرق الأوسط سيغادر التخلف؟؟،،
- إسرائيل و وهم الأمان وسط أغلبية يهودية !
- الفلسطينيون وهنود الولايات المتحدة الأمريكية!!
- حرب 7 أكتوبر:مرحلة من مراحل التصفية العرقية الشاملة لفلسطين! ...
- تونس بعد 25 جويلية، صمت وخمود!!


المزيد.....




- لحظات مضحكة.. شاهد رجلًا يقفز على سقف السيارة هربًا من ماعز ...
- بساعتين فقط يوميًا.. رئيسة وزراء اليابان الجديدة لا تنام تقر ...
- حوافزُ مالية وتسهيلاتٌ في التأشيرات.. ترامب يكافئ دولًا أفري ...
- خمسة أعوام على فرض حظر السفر وتجميد الأموال بحق ثلاثة من مدي ...
- 25 قتيلاً على الأقل بينهم أطفال في إحدى أعنف الضربات الروسية ...
- فيديو - بعد عامين وبالرغم من بتر أطرافهم.. فلسطينيون يعودون ...
- ألمانيا: -فظائع مخيم اليرموك- أمام محكمة كوبلنتس
- خبراء: الأغذية فائقة المعالجة تشكل خطرا على الصحة العامة في ...
- الجيش الإسرائيلي يطالب بإخلاء مبان جنوبي لبنان قبل قصفها
- ظاهرة الكراسي المتحركة بالمطارات جدل يبدأ من الهند


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حاتم بن رجيبة - الإنبتات و الإغتراب في العمل بين الحقيقة والمبالغة