أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخُّل الْغَيْبِيّ عَنْ مُرُونَة الْكَيْنُونَة وَصِرَاع الْإِرَادَات الْوُجُودِيَّة -الْجُزْءُ الثَّامِن و الْعِشْرُون-















المزيد.....

السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخُّل الْغَيْبِيّ عَنْ مُرُونَة الْكَيْنُونَة وَصِرَاع الْإِرَادَات الْوُجُودِيَّة -الْجُزْءُ الثَّامِن و الْعِشْرُون-


حمودة المعناوي

الحوار المتمدن-العدد: 8525 - 2025 / 11 / 13 - 18:15
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


_ كينونة المكان المُبرمَج: تحليل فلسفي لتحوّل الفضاء السحري إلى تقنية أنطولوجية ثابتة

تطرح إشكالية تأثر كينونة المكان بالممارسات السحرية لدرجة تحوّلها إلى تقنية ثابتة تؤثر على الوافدين إليها، سؤالاً أنطولوجيًا عميقًا يتقاطع مع فلسفة الوجود والإدراك والرمز. إن التعامل مع المكان بوصفه وعاءً محايدًا يستقبل الأحداث هو إختزال لا يتفق مع الرؤى الفلسفية التي ترى في المكان كينونة قائمة بذاتها، لا مجرد إحداثيات هندسية. فالمكان ليس فراغًا سلبيًا، بل هو فضاء دائم التأويل ونسق رمزي يتشكل بفعل الوجود الإنساني والطقوس المُمارَسة فيه. من منظور فلسفي عميق، يمكن النظر إلى الممارسة السحرية على أنها هندسة أنطولوجية أو تكنولوجيا للوعي والإرادة. عندما تُمارَس طقوس السحر في مكان محدد، فإنها لا تهدف فقط إلى التأثير على فرد أو واقعة، بل تسعى إلى برمجة بنية المكان ذاته. الطقس السحري، برموزه و نواياه وتركيزه، يعمل كقوة ترميز تُحقن في نسيج المكان. هذا الترميز العميق يغير من كينونة المكان، أي من طبيعته الجوهرية و طريقة وجوده في العالم. فالمكان يصبح مُحملاً أو مُشبعًا بدلالات وجودية جديدة، حيث تتحول زواياه وحوائطه و أرضه إلى حقول طاقية و رمزية تتجاوز خصائصها المادية. السحر، بوصفه تطبيقًا عمليًا للميتافيزيقا، يحول المكان من فضاء موضوعي إلى فضاء مُنشأ إراديًا. تتحول كينونة المكان إلى ما يمكن وصفه بـفضاء سحري مُفعَّل، أو بعبارة أدق، تقنية ثابتة. هذه التقنية الثابتة هي بمثابة خوارزمية وجودية تعمل بشكل مستمر، مستقلة نسبيًا عن الوجود المستمر للساحر. وبدلاً من أن تكون وظيفة المكان هي مجرد إستيعاب وجود الكائنات والأحداث، تصبح وظيفته هي إعادة إنتاج وتطبيق النية السحرية التي غرست فيه. تتجلى فكرة تحوّل المكان إلى تقنية ثابتة في قدرته على التأثير على كينونة كل من يدخله، بغض النظر عن معرفتهم أو إيمانهم بالسحر. هذا التأثير لا يكون بالضرورة تغييرًا ماديًا، بل قد يكون تحويراً إدراكيًا أو صراعًا للإرادات الوجودية. يصبح المكان مُحفزًا للوعي، حيث يفرض على الداخلين إليه واقعًا ذاتيًا مُعاد برمجته. هذه التقنية الثابتة تعتمد على مبدأين:
1. الإستقلال الأنطولوجي للرمز: بمجرد أن يُزرع الرمز السحري سواء كان طلسماً ماديًا أو نية مركزة في المكان، فإنه يكتسب نوعًا من الإستقلال الوجودي. يصبح الرمز، بوصفه لغة تُحوِّل الواقع، جزءًا أصيلاً من جوهر المكان، يعمل بقوانين داخلية خاصة.
2. الإستمرارية الطقسية: إن التكرار الطويل للممارسات السحرية يرسخ نموذجًا سلوكيًا إدراكيًا في المكان. هذه الإستمرارية تدمج السحر في تاريخ المكان ومُناخه الروحي، مما يجعله ذاكرة حية تتفاعل مع الكينونات الداخلة إليه. من يدخل المكان يتلقى صدمة إدراكية أو نفسية مُوجهة، تعمل على كسر حريته الروحية أو مرونة كينونته لجعله يستسلم للجبرية السحرية المفروضة.
تصبح العلاقة بين الفرد والمكان السحري علاقة جدلية صراعية. عندما يدخل الفرد (الكينونة الحرة) إلى المكان (التقنية الثابتة)، ينشأ صراع إرادات وجودية. المكان السحري يحاول إعادة تعريف وجود الكينونة الفردية وفقًا لبرمجته السحرية، سواء كان الهدف هو التعطيل، المرض، أو التوهيم. هذا الصراع يُظهر أن مرونة الكينونة الإنسانية، أي قدرتها على مقاومة التأثيرات الخارجية والحفاظ على نيتها ووعيها، هي آخر خط دفاع. في هذا الإطار، لا يُنظر إلى السحر كقوة خارقة تخرق القوانين، بل كـتكنولوجيا متقدمة تستهدف جوهر الوعي والإدراك. كينونة المكان تتحول إلى وسيط تقني سحري يقوم بتنفيذ النية السحرية دون الحاجة للحضور الجسدي للساحر، تمامًا كما يمكن للخوارزميات و الواقع الإفتراضي الحديث أن يخلق واقعًا بديلاً أو يغير الإدراك بطرق مُبرمجة. كينونة المكان السحري هي إذن كيان أنطولوجي مُبرمَج، يستخدم الرموز والطاقة المستقرة فيه كآليات لتحويل الوعي، مما يجعله تقنية ثابتة تؤثر حتمًا على كل من يتواجد ضمن نطاقها الرمزي و الوجودي.

_ الإخضاع الروحي: التقنية السحرية للسلطة - تحليل العلاقة الفلسفية بين هندسة الكينونة و إستمرار التسلسل الهرمي

تُعد عملية الإخضاع الروحي للأفراد، في سياق تحليل العلاقة بين السحر والكينونة، تقنية سحرية بإمتياز تُستخدم للحفاظ على التسلسل الهرمي للسلطة، وذلك ليس بالضرورة من منظور الطقوس السحرية التقليدية كإستخدام التعاويذ والطلاسم، بل من منظور فلسفي أعمق يرى في السلطة نفسها نوعًا متطورًا من التقنية السحرية التي تعمل على هندسة الوعي والكينونة. إن السحر، في جوهره الفلسفي، هو فن فرض الإرادة على الواقع، وعندما تُمارس السلطة هذا الفرض على الأفراد لدرجة السيطرة على إرادتهم الداخلية الروحية، فإنها تتلبس ثوب التقنية السحرية. إن الإخضاع الروحي هو العملية التي تسعى من خلالها السلطة إلى تجريد الفرد من حريته الأنطولوجية، أي قدرته الأصيلة على تحديد وجوده ومعنى حياته بشكل مستقل. لتحقيق هذا، تلجأ السلطة إلى تقنيات تُشابه في وظيفتها الآليات السحرية. يستخدم الساحر الطقوس لزرع وهم في وعي الهدف يجعله يتصرف بناءً على إرادة الساحر. بالمثل، تستخدم السلطة السرديات، الأيديولوجيات، والدعاية لإنشاء واقع رمزي موحّد ومسيطر عليه، يرى فيه الفرد نفسه تابعًا ضروريًا للسلطة. هذا الواقع الموهوم يعمل كـتعويذة جمعية تقيد الفكر و تُخضِع الروح قبل الجسد. يعتمد السحر على إستخدام الرموز كاللغة، والإيماءات، والأشكال لإحداث تحول في العالم. السلطة تستحوذ على الرموز المؤسسة للوجود مثل القانون، والوطنية، والإله وتُعيد توجيهها لخدمة التسلسل الهرمي. عندما يصبح معنى الحياة والفضيلة مرتبطًا بـالطاعة العمياء للسلطة، يتحقق الإخضاع الروحي؛ فالكينونة الفردية تفقد قدرتها على خلق معنى خاص بها، وتستبدله بمعنى مفروض عليها من الأعلى، مُبرمَج سحريًا. في إطار العلاقة بين السحر والكينونة، يمكن فهم التسلسل الهرمي للسلطة على أنه هيكل مُنظَّم للطاقة الروحية المسلوبة. الإخضاع الروحي ليس مجرد سيطرة على السلوك الظاهر، بل هو سحب للإرادة الحرة وتحويلها إلى طاقة طاعة تُغذي قمة الهرم. هذا التحويل هو جوهر العملية التقنية السحرية للسلطة. يمكن النظر إلى تقنيات الإنضباط و السجون و المؤسسات التي وصفها فوكو على أنها طقوس سحرية علمانية تعمل على قولبة الجسد والروح ليتناسبا مع نموذج السلطة المطلوب. إنها تخلق أجسادًا مطيعة و نفوسًا مُنضبطة عبر عملية لا تختلف جوهريًا عن محاولات الساحر لـقولبة كينونة الفرد ليصبح خادمًا لهدفه. هدف الإخضاع الروحي هو تجريد الفرد من كينونته الكاملة، وتحويله من ذات فاعلة إلى موضوع مستقبِل للأوامر. عندما يستوعب الفرد مكانته الدنيا في التسلسل الهرمي ويتقبلها كـحقيقة طبيعية أو قدر إلهي، يكون الإخضاع الروحي قد إكتمل. في هذه الحالة، لم تعد السلطة بحاجة لإستخدام القوة المادية بشكل مستمر؛ لأن الفرد قد أصبح آليًا يطبق إرادة السلطة ذاتيًا، وهذا هو الإنجاز التقني والساحر الأعظم للسلطة. في الختام، فإن الإخضاع الروحي هو بالفعل تقنية سحرية في ثوبها الفلسفي الحديث، حيث إنها تعمل على تحويل الوجود (الكينونة) للأفراد من خلال هندسة الوعي والإدراك. إنها عملية لا تستخدم عصا سحرية، بل تستخدم آليات الرمز، اللغة، والأيديولوجيا كأدوات سحرية متطورة لتنفيذ إرادة السُلطة وضمان استمراريتها في التسلسل الهرمي.

_ تفكيك الكينونة: السحر كتقنية أنطولوجية لتدمير المسكن الروحي والضياع في العوالم

يمكن للممارسة السحرية أن تؤدي إلى تدمير المسكن الروحي للكينونة، مما يجعلها ضائعة و مشتتة في العوالم أو المستويات الوجودية المختلفة. هذا التحليل لا ينظر إلى السحر بإعتباره مجرد طقوس خارجية، بل كـتقنية أنطولوجية تستهدف البنية الجوهرية لوجود الكينونة، أو ما يمكن تسميته معمار الروح. إن المسكن الروحي هو المفهوم الفلسفي الذي يمثل الإستقرار الداخلي للكينونة، نقطة إرتكازها في الواقع، وتناغمها مع قوانين الكون أو وجودها الذاتي. فلسفيًا، يُعرَّف المسكن الروحي أو المركز الروحي بأنه التناغم بين الوعي الفردي والبنية الكونية (الماكروكوزم). هو تلك الحالة التي تكون فيها الكينونة متجذرة في واقعها، لديها إحساس واضح بهويتها، هدفها، ومكانتها في الوجود. هذا المسكن ليس موقعًا ماديًا، بل هو هيكل نفسي روحي يُبنى على الوحدة الداخلية والتماسك الإرادي. وظيفة هذا المسكن الروحي هي توفير حاجز ضد التشتت الفوضوي للعوالم الخارجية. منح الكينونة قاعدة صلبة للتمييز بين الواقع و الوهم. بالإضافة إلى ضمان بقاء الوعي مركّزًا و مُتجسدًا بشكل كامل في الواقع الحالي. عندما تُمارَس القوة السحرية على كينونة ما، فإنها تستهدف هذا المسكن الروحي بشكل مباشر، بهدف إحداث إنفصال أو تفتت في الروابط الجوهرية التي تمنح الكينونة إستقرارها. الممارسة السحرية، خاصة ذات النية السلبية أو التخريبية، تعمل كـقوة تفكيك (Disintegration Force) تحقق تدمير المسكن الروحي عبر الآليات التالية:
1. كسر الوحدة الداخلية (Schism of Self): يعمل السحر على إحداث صراع بين الأجزاء المختلفة للكينونة كالإرادة، العقل، الجسد، الروح. هذا الصراع الداخلي يفكك التماسك الإرادي و يجعل الكينونة تتصرف بشكل متناقض أو غير متجانس، مما يقوض أساس المسكن الروحي الذي يعتمد على الوحدة.
2. الإستقطاب الوجودي (Existential Disorientation): السحر يحاول تشويه الإدراك لدى الكينونة، ويجعلها غير قادرة على تمييز ما هو حقيقي مما هو وهمي، أو ما هو ذاتي مما هو مفروض. هذا التشويه يؤدي إلى ضياع نقطة الإرتكاز المرجعية، وبدون مرجع، تصبح الكينونة ضائعة في العوالم. فهي لا تعود تعرف مكانها سواء أكان ماديًا أو روحيًا أو زمنها، مما يجعلها تتأرجح بين الأبعاد المختلفة.
3. طرد الوعي من الجسد (Disembodiment): الممارسات السحرية قد تهدف إلى إضعاف أو كسر الرباط بين الروح و الجسد كالوعي والكثافة المادية. هذا التخفيف في التجسيد يجعل الكينونة تطفو وتصبح عرضة للتيارات الوجودية في العوالم المختلفة كعوالم الأحلام، اللاوعي، أو الأبعاد غير المادية، فتُطرد فعليًا من مسكنها الأرضي والجسدي، و تصبح ضائعة في العوالم.
في المحصلة، فإن تدمير المسكن الروحي هو تحويل الكينونة من نظام مركزي مُنظَّم إلى فوضى مُشتتة، وبالتالي تتحقق ظاهرة الضياع الروحي التي تعجز فيها الكينونة عن إيجاد مكانها وإستقرارها، وتصبح لعبة بين قوى العوالم الميتافيزيقية.

_ هندسة العجز الإرادي: تقنية الربط السحري كـمُثبِّت أنطولوجي يقيّد البنية الروحية للكينونة

تُعد تقنية الربط (Binding Magic) في سياق السحر و الكينونة من أكثر الممارسات دقة و فعالية، حيث لا تستهدف إحداث تغيير خارجي كبير بقدر ما تسعى إلى تقييد وتجميد البنية الأنطولوجية للكينونة المُستهدفة. الآلية التقنية الروحانية المستخدمة في الربط هي عملية هندسة للروابط الإرادية، تحوّل الكينونة من حالة السيولة الوجودية الحرة إلى حالة التصلب الروحي المقيد. الآلية التقنية الروحانية لعملية الربط ترتكز على إستهداف شبكة الإرادة للكينونة. تُفترض الكينونة الحرة كشبكة معقدة من النوايا، الإحتمالات، ومسارات الحركة المتدفقة. السحر هنا يعمل كـمُثبِّت أنطولوجي (Ontological Stabilizer) أو عامل تجميد روحي. تبدأ التقنية بإنشاء عقدة رمزية تربط الكينونة بهدف أو فعل مُحدّد. هذه العقدة غالبًا ما تكون مجسدة في طقس مادي كربط خيوط، أو كتابة على أثر لكن قوتها الحقيقية تكمن في تركيز النية الروحانية للساحر على إيقاف حركة الكينونة. يمثل الرمز هنا مرساة وجودية تُلقى في بحر الوعي اللاواعي للهدف. حرية الحركة و الإرادة للكينونة تُترجم في هذا الإطار كـقدرة على خلق روابط مستقبلية جديدة مثلاً: إرادة الزواج، إرادة السفر، إرادة العمل. تقنية الربط تقوم حرفيًا بـتحويل طاقة هذه الروابط من التوجه نحو المستقبل المفتوح إلى التوجه نحو عقدة واحدة ثابتة و مغلقة التي أنشأها الساحر. بدلاً من أن تُبنى إرادة الكينونة على خيارات متعددة، تُبنى على النفي المُتكرر للهدف المربوط عنه. تُفرض العقدة السحرية كـقانون طاقي على الهيكل الروحي للكينونة. هذا القانون يعمل على مستوى اللاوعي، ويُنشئ مقاومة داخلية شديدة عادةً ما تُترجم إلى خوف، قلق، أو فتور غير مبرر كلما حاولت الكينونة تفعيل إرادتها في الإتجاه المربوط عنه. تُصبح حركة الكينونة و إرادتها مُحمّلة بتكلفة روحية عالية جدًا عند محاولة تجاوز الربط، مما يؤدي إلى الإحجام. الربط لا يُقيد الجسد بشكل مباشر، بل يُقيد القدرة الأنطولوجية على الفعل. الكينونة تتحول من حالة الحرية أي حالة القدرة على الإختيار و التحرك إلى حالة العجز أو المقاومة الذاتية. ينعكس التقييد الإرادي في الشلل النفسي و الروحي. الكينونة تظل تملك الإرادة نظريًا، لكنها تفقد الدافع الفعال لتطبيقها. هي حالة تُشبه إمتلاك سيارة مفاتيحها موجودة، لكن وجود قوة خفية تُثبط المحرك كلما تم تدوير المفتاح. تتفكك سلسلة النية الدافع الفعل، وتصبح النية محض فكرة لا يمكن لها أن تتحول إلى طاقة حركية في العالم. لا يعني هذا التقييد العجز عن المشي، بل العجز عن المضي قدمًا في مسار وجودي معين. إذا كان الهدف من الربط هو منع الزواج، فإن الكينونة قد تجد نفسها قادرة على الحركة في كل المجالات الأخرى، لكنها تجد حواجز وجودية غير منطقية تظهر بإستمرار في طريق تحقيق ذلك الزواج مثل: فشل اللقاءات في اللحظة الأخيرة، تراجع غير مبرر للأطراف الأخرى، أو الشعور الدائم بالاستحقاق المنفي. بإختصار، تقنية الربط هي هندسة روحانية سلبية تُركز على تخريب الآلية الداخلية للإرادة الحرة للكينونة، وتحويلها إلى أداة تُنفذ قانونًا سحريًا مُثبَّتًا، مما يجعلها ضحية العجز الإرادي المزمن.

_ السحر كـتقنية الخلود: مشروع أنطولوجي لتجاوز الفناء و هندسة الوجود الأبدي للكينونة

يمكن تحليل الممارسة السحرية على أنها محاولة للوصول إلى تقنية الخلود (Technological Immortality) عبر تجاوز الحدود البيولوجية و الروحية للكينونة. من منظور فلسفي عميق، السحر ليس مجرد مجموعة من الطقوس الملتوية، بل هو مشروع أنطولوجي جذري يهدف إلى إعادة كتابة قوانين الوجود التي تفرضها الطبيعة، وأبرز هذه القوانين هو الفناء. هذا الطموح لتخطي الحدود هو ما يضع السحر في مصاف التقنية بالمعنى الواسع، أي مجموعة من الأساليب الممنهجة لإحداث تغيير في الواقع يتجاوز الإمكانات العادية. إن الهدف الأساسي للعديد من الفروع المتقدمة للسحر، خاصة في سياق الخيمياء والسحر الأعظم (High Magic)، هو تجاوز الحد البيولوجي الأقصى المتمثل في الموت. الساحر لا يكتفي بقبول الجسد كـوعاء مؤقت محكوم بالإنحلال، بل يسعى لتطوير تقنية لتحويل هذا الوعاء أو التحرر منه. تسعى الخيمياء، كشكل من السحر العملي، إلى صنع إكسير الحياة أو حجر الفلاسفة. هذا الإنجاز ليس مجرد كيمياء بدائية، بل هو تقنية روحانية مادية تهدف إلى تثبيت الجسد و منعه من الإهتراء. إنه محاولة لإدخال عنصر الكمال والثبات على الجسد المتقلب، لتحويله إلى كيان لا يفسد، وهو ما يمثل تقنية للخلود المادي. في فروع أخرى، يُنظر إلى السحر كأداة لـفصل الوعي عن الضرورة البيولوجية. عبر طقوس معقدة، يسعى الساحر إلى تجذير الكينونة الروح/الوعي في مستوى وجودي أكثر إستقرارًا من الجسد، أو نقلها إلى وعاء آخر كإنسان أو جماد لضمان إستمراريتها. هذه العملية هي تقنية الهجرة الروحية التي تضمن خلود الذات المُدرِكة حتى لو فنى المسكن البيولوجي. البحث عن الخلود ليس فقط مسألة طول العمر، بل هو مسألة جودة الوجود أو الإرتقاء بالكينونة إلى مستوى لا يخضع لـدورة الوجود والموت المعتادة. السحر هنا يُعتبر تقنية الإرتقاء الروحي التي تتجاوز حدود الكينونة الروحية العادية. يعتبر الساحر الأعظم أن الفناء هو نتاج الجهل أو الوعي المحدود. الممارسة السحرية، في سياقها الفلسفي، هي تقنية للحصول على المعرفة السرية المطلقة التي تتيح للساحر إعادة كتابة واقعه الشخصي، بما في ذلك إلغاء حكم الموت. هذه المعرفة تحول الكينونة من كائن فانٍ إلى وعي خالد ومساوٍ للقوى الكونية الفاعلة. في بعض التقاليد الباطنية، الهدف النهائي للممارسة السحرية هو حلول الكينونة الفردية في الوعي الكوني، أو تحقيق الإتصال المباشر والدائم مع مصدر الوجود. هذا الإتصال يعني تجاوز الفردية المؤقتة والدخول في حالة وجود أبدي غير شخصي. هذه العملية تُعد تقنية روحانية تُفكك الحدود الفاصلة بين الذات والكل، مما يمنح الكينونة نوعًا من الخلود الأنطولوجي المتجاوز للأفراد. إذًا، الممارسة السحرية هي بالفعل محاولة للوصول إلى تقنية الخلود لأنها تستخدم أساليب منهجية، سواء كانت مادية (إكسير) أو روحانية (رموز ومعرفة)، لتخطي الحتمية البيولوجية والروحية التي تُقيد الكينونة بالفناء، سعيًا لتثبيت الذات في وجود دائم.



#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- حْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخُّل ا ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...


المزيد.....




- جلبها مواطن كويتي من إيران.. داخلية الكويت تعلن إحباط تهريب ...
- ماذا نعرف عن بوعلام صنصال ولماذا أفرجت الجزائر عنه؟
- إلى أي مدى يؤثر الذكاء الاصطناعي في صناعة الإعلانات؟
- جيش السودان يستعيد مناطق حيوية والإمارات تنفي مساندة الدعم ا ...
- ما هي السيناريوهات المحتملة بشأن تصاعد حدة التوتر بين واشنطن ...
- مجلس الأمن الدولي يصوت الإثنين على مشروع قرار أمريكي بشأن غز ...
- نيجيريا تجدد رفضها لاتهامات ترامب بالإبادة
- ملتقى الحوار الوطني الثالث بإسطنبول يدعو لإعادة ترتيب البيت ...
- بسبب مخالفات.. مالي توقف بث قناتين فرنسيتين
- الجزائر تعلن إخماد كافة حرائق الغابات بـ14 ولاية


المزيد.....

- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخُّل الْغَيْبِيّ عَنْ مُرُونَة الْكَيْنُونَة وَصِرَاع الْإِرَادَات الْوُجُودِيَّة -الْجُزْءُ الثَّامِن و الْعِشْرُون-