أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رياض سعد - دور الصداقة ومنازل القلوب














المزيد.....

دور الصداقة ومنازل القلوب


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 8520 - 2025 / 11 / 8 - 09:31
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في عالم العلاقات الإنسانية، تبدو ظاهرة الأصدقاء والأصحاب كخريطة متشابكة من البيوت والدور، لكل بيت منها طابع وروح وأثر في النفس... ؛ فالصداقة ليست مجرد تلاقي أشخاص في الزمن، بل هي تلاقٍ في القيمة، وفي الموقف، وفي الصدق الذي يُختبر عند أول عاصفة... ؛ نعم : بعض الأصدقاء يشبهون بيتًا دافئًا نحتمي به من عواصف الأيام، وبعضهم جدارًا هشًا ما إن نطرق عليه حتى يتهاوى صدى أجوف، فيكشف عن زيفٍ كنا نغفل عنه.
*الأصدقاء أنواع كما هي البيوت:
فهناك صديق يستحق الترميم، لأنه أخطأ أو تقادم عليه الزمن، لكنه لا يزال يسكن القلب بصدقٍ قديم، نعيد ترميم العلاقة معه كما نصلح سقفًا تقادم عليه المطر... ؛ نغفر له الزلات لأن أساس العلاقة كان نقيًا، لأن في قلبه وفاءً لا تراه إلا حين تخفت الأضواء.
وهناك صديق يستحق الهدم وإعادة البناء، لأن العلاقة معه كانت قائمة على وهم، أو مصالح، أو أنانية متنكرة في هيئة الود... ؛ و هذا النوع لا يُصلح بالطلاء ولا بالكلمات الطيبة، بل يحتاج إلى هدم كامل وبناء جديد على أرض أكثر صدقًا وعدلًا.
وهناك من ينبغي أن يُؤجر للآخرين، لا لأننا نكرهه، بل لأن وجوده مؤقت، لا يصلح للإقامة الدائمة في القلب... ؛ هو زائر عابر، يدخل ليتعلم ويُعلّم، لكنه لا يبقى... ؛ مثله مثل بيتٍ نمنحه لمن يحتاج المأوى، كي يعرف الفرق بين من كان ساكنًا دائمًا في قلوبنا، ومن كان مجرد عابر طريق.
أما النوع الأخير، فهو الذي نكتب على بابه: دار للبيع، لأننا اكتشفنا أن هذه العلاقة لم تعد تخصنا، ولا تستحق أن نبقيها ملكًا لنا... ؛ فهي علاقة استنفدت أغراضها، واستنزفت مشاعرنا، فبيعها هو شكل من أشكال التحرر النفسي ... ؛ و خطوة شجاعة نحو النقاء الداخلي.
من الناحية النفسية، تمثل الصداقة مرآة عميقة للنفس البشرية؛ فاختيارنا لأصدقائنا هو في جوهره اختيارنا لأنفسنا... ؛ نحن نميل إلى من يشبهنا في القيم أو في الجراح أو حتى في التناقضات... ؛ لكننا ننسى أحيانًا أن الصداقة ليست عقدًا أزليًا، بل تجربة تتغير بتغير الوعي والنضج والمواقف... ؛ فحين نكبر، ندرك أن بعض الأصدقاء لم يكونوا سوى "إسعافات مؤقتة" في مراحلنا الصعبة، وأن الارتباط بهم بعد زوال الألم يشبه السكن في بيت انتهى عمره الافتراضي.
أما اجتماعيًا، فظاهرة الأصدقاء تتجاوز الأفراد لتكشف طبيعة المجتمع نفسه: مجتمع العلاقات السطحية سينتج صداقات هشة، ومجتمع الوعي سينتج صداقات ناضجة تقوم على المشاركة والفهم المتبادل لا على المصلحة والرياء... ؛ و في زمن التواصل السريع، صارت الصداقة أحيانًا سلعة رقمية تُباع بالمجاملات وتُشترى ب (اللايكات ) الاعجابات ، فتتراجع قيم الوفاء والصدق أمام استعراضات الود الزائف.
لكن، رغم كل ذلك، تبقى الصداقة الحقيقية مأوى النفس ودفء الوجود... ؛ إنها الدار التي لا تباع ولا تؤجر ولا تُهدم، لأنها مبنية على أسس من الصدق والرحمة والذاكرة المشتركة... ؛ ومتى وجدنا صديقًا كهذا، وجب أن نحافظ عليه كما نحافظ على بيتٍ عتيق، تسكنه أرواحنا قبل أجسادنا.
فليست كل الدور تُسكن، كما ليست كل الصداقات تُحيا... ؛ وبعض القلوب — شأنها شأن البيوت — لا تُعرف قيمتها إلا حين نغادرها.



#رياض_سعد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين المعرفة والوعي: اغتراب الذات في عصر المعلومات
- ثقافة السلبية في المجتمع العراقي: بين الوعي الجمعي والتوجيه ...
- هواجس الإيمان: سيرة ذاتية في عشق المجهول
- بغداد تُستباح بهدوء... العمالة الأجنبية كحصان طروادة جديد
- أطفال داعش المنسيون: تداعيات جهاد النكاح والمستقبل المجهول
- الصديق الذي يشبه الدواء... حين يصبح الإنسان علاجًا للإنسان
- الإنسان المرهق... حين يمشي العالم محمولًا على أكتاف الأرواح ...
- تشريح البيئة الملوثة بالسموم الاجتماعية والامراض والعقد النف ...
- تجنيس الغرباء في العراق: أزمة هوية وطنية أم فوضى إنسانية مقن ...
- فلسفة اللحظة الضائعة: حين يبتلع الزمن ملامحنا
- الجنوب العراقي بين مطرقة السادية وسندان المازوخية : قراءة سو ...
- الخيانة كمرضٍ نفسيّ وعقدةٍ اجتماعية
- عندما يتحول الفضاء الرقمي والاعلام إلى ميدان صراع و حين يتكل ...
- المسرحية السياسية في العراق: وجوه تتبدل... والمأساة واحدة
- حين يتكرر المشهد: تكالب الأقليات السياسية على الأغلبية العرا ...
- حين تُغتال الحقيقة: اغتيال صفاء المشهداني وفضيحة الخطاب الطا ...
- حين يتنفس الحزن من رئة الوجود
- الشاب العراقي… أحلامٌ تذبل في سوق العمل الموحش
- مراجعات ضرورية حول الضربة الإسرائيلية المرتقبة ضد العراق
- الخونة الذين يشبهوننا ولا ينتمون إلينا


المزيد.....




- بركان كيلاويا يدخل مرحلة نشاط متسارع.. ثوران جديد وشيك في ه ...
- أكثر من نصف طلاب بولندا يرغبون بالدراسة خارج البلاد بحثًا عن ...
- -العدالة لـ لورينتس-.. مظاهرات بألمانيا ضد مقتل شاب أسود برص ...
- عشية إحياء الذكرى العاشرة ل13 من نوفمبر، التهديد الإرهابي لم ...
- ما تداعيات سقوط بوكروفسك على الحرب في أوكرانيا؟
- إصابة مصورة في وكالة رويترز وعدد من الفلسطينيين في هجوم شنه ...
- بنبض أوروبا: بعد شراء مقاتلات إف35، بلجيكا تكتشف أن سماءها ض ...
- كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟
- زوبعة تخلف 6 قتلى ومئات الجرحى ودمارا شبه كامل لبلدة برازيلي ...
- إسرائيل تجدد توغلها في القنيطرة السورية


المزيد.....

- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رياض سعد - دور الصداقة ومنازل القلوب