|
الاحتلال الأمريكي للعراق: سابقة قياسية
محمدعبدالرحمن
الحوار المتمدن-العدد: 1833 - 2007 / 2 / 21 - 08:22
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
في غضـون أربعة أعوام فعلت أمريكا بالعراق مالم تفعله فرنسا بالجزائر في بحر مائة وعشرين عام من الإحتلال..، هـذا سبق تاريخي أمريكي في كيفية تدمير الأوطان ربما تعدى كل ما قبله من نماذج الغزو والإحتلال والإستعمار على مـر العصور . كنا عندما نريد أن نأتي على ذكر المظالم التي يقترفها الغزاة بحق الشعوب ، نستحضر كمثال تاريخي مفعم بالســواد الإجتياح المغولي لبغداد حتى إذا ما جـاء الغزو الأمريكي لها نراه وقد جبّ كل ما عداه وما قبله من غزوات بحيث يمكننا بلا مبالغة أن نعتمده كـوحـدة قياس علمية يسترشــد بها المهتمون بشـؤون الغزاة. وإذا ما وضعنا جانباً الإحتلال الصهيوني الإستيطاني الإلغائي لفلسطين ، بإعتباره نموذجاً متفرداً قائماً بذاته من حيث جوهره وظاهره ، فإنّ الأحتلال الأمريكي للعراق ما برح يؤسس لفـرادته التاريخية في المعنى والمبنى .. ، والآن ، ومع أقترابه من إتمام العام الرابع من عمره تكاد معالمه تكتمل ليغـدو على ما نراه من كائن غرائبي يتمنـّع عن المقارنه إلا مع نفســه ولا يقبل الإصطفاف مع باقي أشكال الاحتلال المتعارفة ، فهـو جـديـد جملة وتفصيلا ، ما يعني أنه فاتحة جديدة لعهـد جديد من الإشتغال الإنساني الجديد على تشــريح جديد لمفردة : احتلال. والجـدة هنا جامعة مانعة ، إنها واسعة الذمّـة بحيث تشتمل على المنطلقات والأدوات والغايات ، ففي المنطلقات قامت فكرة الغزو الأمريكي للعراق على كـذبة (أخلاقية ـ سياسية ـ أيديولوجية) غاية في الفجور والعسف والقبح إذا ما قورنت مثلاً بسابقاتها من منطلقات الغزو الكولونيالية الغربية القائمة على الخطاب التبشيري لبدعـة الإستشراق الفاتنة ، وفي الأدوات حشد كـذابو البيت الأبيض مزيجاً هجيناً من أحدث وسائل التدميرالتكنولوجية ذات التقنيات الرقمية الهوليودية(خديعة الحرب النظيفة المتلفزة) مع أنجس وسائل التدليس البشرية ذات التقنيات الإبليسية (من منا لا يتذكر التمساح الأمريكي كولن باول وهو في حضرة الأمم المتحدة يـذرف الدموع جزعاً على البشرية من أخطار المصانع الجرثومية والكيمياوية العراقية المتنقـلة التي اتضح تالياً إنها مجرد شاحنات إطفاء حرائق؟!!) . أما غايات الإحتلال الأمريكي للعراق ، فحديثها ذو شجون وفنون لاحصر لها ، وإذ اتخذ الإحتلال من تشظية العـراق وطناً ومواطناً كمثابة له لبلوغ شرق أوسط كامل الإنصياع لديمقراطية الفوضى الهدامة فإنه لم يكتف بدفعه الى الهاوية التحاصصية نحو ما لا قرار له من الضياع البنيوي الطائفي والمذهبي والعرقي والمجتمعي والسياسي والاقتصادي، بل جعل منه طـُـعـماً لإستدراج من تعتبرهم عقلية الضربة الإستباقية المأزومة خصومها الشريرين المتصوَّرين في معركة السيادة الربانية الأمريكية على الكون،ما حدى بـه الى انتهاج أسلوب التدمير الشامل لمنظومة ومؤسسات وشـبكة أمان الدولة العراقية الحديثة حتى انتهت الى ما هي عليه الآن من مقصف إباحي لشتى صنوف العربدة المحلية والأقليمية والدولية (يكفي هنا أن نعرف أنّ عـدد المرتزقة العلنيين في العراق دون سواهم من ملاعين وعملاء المخابرات الأجنبية يتجاوز الستين ألفا ً ). وما دمنا نتحدث بلغة الأرقام فمما يعـدّ من تنويعات الإبتكار الأمريكي على معزوفة (الإحتلال بهدف تحريرالعراق!!) ذلك النزيف المفتوح للدماء والعقول والخبرات العراقية المسفوكة على مذبح غـول الموت الطائفي التحاصصي المُخلـّق في المختبرات الأمريكية ، فثمة الى الآن حوالي أربعة ملايين مهجـّرعراقي (ما يقرب من عدد سكان دولة كلبنان) يهيمون في أوديـة ودهاليزالمجاهيل المعتمة ، فيما توجـّب حتى الآن على سبعمائة ألف عراقي (على أقل تقدير) أن ينتهوا الى شـهداء لكي يعبر العراق على جثثهم الى شاطيء الديمقراطية كما هي في قاموس ضواري البيت الأبيض ، وهنا واذا ما عرفنا أن كل قتيل سيقابله خمسة جرحى كمعدل تـقـره إحصاءات التجارب الحربية ، نكون ربما بأزاء حوالي ثلاثة ملايين ونصف المليون جريح عراقي في بلد تحولت مستشفياته الي أوكار مليشيوية ،وكوادره الطبية المتبقية الى أهداف للتصفية ، وهكذا نكون أمام أكثر من ثمانية ملايين عراقي بين شهيد وجريح وأسير وشريد لهم بالتأكيد إمتداداتهم النكبوية العائلية المليونية ، ما يعني تالياً وواقعاً وعملياً أنّ بلد الرافدين قد حوله الإحتلال الأمريكي الغاشم الى مأتم وطني جماعي أول ضحاياه هم رعاياه الراقـدين في مقبرة المنطقة الخضـراء من حيث يعلمـون ولايعلمون . هذه ،فحسب، الطافية على محيط الدم من نتائج الإحتلال الأمريكي للعراق ، أما النتائج الغاطسة ، وتلك غيرالمباشرة والأبعد مدى فهي محل رهان الزمان على طائر العنقاء العراقي لجهة احتوائها ، سـوى أنه لا شك مخاض أكثر وأبعد وأعمق من عسير ودام ٍ ومرير لا بد ويخوضه عراقيو اليوم في ملحمتهم الفريدة لإنتزاع غـدهم من فـم اللوياثان الأمريكي ، وإلى ذلك الحين ، فأنه كما القدر سيتحتم على الباقين من الجيل العراقي الحالي أن يجتازوا أهوال هذه المحنة التاريخية العظيمة ، متحملين آلامها ،حاملين آمالها ، بل قابضين على آمالها جمرة ً في الكف .
بعد أقل من شهرين سيكمل الإحتلال الأمريكي في العراق عامه الرابع ، مسجلا ًعن جدارة واستحقاق سابقاته القياسية في كل شيء ليبـزالنازية والفاشية والمغولية والصليبية .... ولينافس الصهيونية . كان الله في عون العراق وشعبه.
#محمدعبدالرحمن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فجيعة الفجيعة العراقية
-
ساعات يوم الإنقلاب
-
لا فرق بين الفرق
-
سقائف وقمصان عثمانية وطفوف ومصاحف
-
ممكن أضيف؟؟
-
بين نارين
-
مابعد العبره
-
دفوف الغجر أو دفوف النصر الموقوف
-
النسبية الثالثة
-
فوازير الشرق الأوسط الكبير
-
ما تيسر من سيرة القهر
-
عاجل
-
رياح مغايره
-
53.3
-
أدرينالين
-
أسراهم لا أحرارنا
-
العراق والبلوى الفلسطينية
-
هذيان
المزيد.....
-
تحليل للفيديو.. هذا ما تكشفه اللقطات التي تظهر اللحظة التي س
...
-
كينيا.. عودة التيار الكهربائي لمعظم أنحاء البلاد بعد ساعات م
...
-
أخطار عظيمة جدا: وزير الدفاع الروسي يتحدث عن حرب مع الناتو
-
ساليفان: أوكرانيا ستكون في موقف ضعف في المفاوضات مع روسيا دو
...
-
ترامب يقاضي صحيفة وشركة لاستطلاعات الرأي لأنها توقعت فوز هار
...
-
بسبب المرض.. محكمة سويسرية قد تلغي محاكمة رفعت الأسد
-
-من دعاة الحرب وداعم لأوكرانيا-.. كارلسون يعيق فرص بومبيو في
...
-
مجلة فرنسية تكشف تفاصيل الانفصال بين ثلاثي الساحل و-إيكواس-
...
-
حديث إسرائيلي عن -تقدم كبير- بمفاوضات غزة واتفاق محتمل خلال
...
-
فعاليات اليوم الوطني القطري أكثر من مجرد احتفالات
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|