|
الشاعر بني تسيبار: البلدوزر سلاح ضيوف القدس غير المهذبين
نائل الطوخي
الحوار المتمدن-العدد: 1831 - 2007 / 2 / 19 - 11:26
المحور:
مقابلات و حوارات
القيام بأعمال شغب والصراخ أنجدونا بسبب الإضرار بمكان مقدس، سواء كان الإضرار متخيلا أو جزئيا أو عرضيا أو غير مقصود، هذه الطريقة، علي ما أعتقد، تعلمها الفلسطينيون منا. فعندما يرسم أي متشرد لونا علي نصب يهودي في قرية في الإلزاس، ننادي نحن علي الأمم المتحدة ونصرخ: معاداة سامية. وبدون خيار، لأننا نعد مساكين لكل هذا الحد، وضحايا لمعاداة السامية علي مدار ألفي سنة، ينبغي علي شعوب العالم أن تلعب هذه اللعبة وأن تضرب في مقتل وأن تقيم لجانا لمعرفة المجرم الجاني الذي رسم صليبا معقوفا علي نصب يهودي في هذه القرية في الإلزاس. وتدخل الحادثة إلي سجل حوادث معاداة السامية، و في نهاية كل عام، يمكن لمدير الوكالة اليهودية أن يتباهي بأن معاداة السامية، اسم الله، لم تعد تسير باطمئنان في هذا العالم وأنه لهذا، فمبرر له الحصول علي راتبه الضخم. أية متعة تكمن في أن معاداة السامية تعمل في الواقع من أجل موظفي الوكالة، وهم لا يحتاجون لأن يفعلوا شيئا من أجلها! عندئذ فالفلسطينيون، الذين تعلموا منا الكثير من الأمور السلبية، تعلموا أيضا منهج أن يكونوا ادوات حتى النهاية. أي، كل الضجة التي أقامها مسلمون، و على رأسهم رائد صلاح، حول الأعمال في باب المغاربة في المدينة القديمة، والتي بدت كأنها جزء من مؤامرة لتدمير أساس المسجد الأقصى، هي استنساخ إسلامي للصراخ اليهودي حول أي حادث معاداة سامية من هذا النوع الذي أشرت إليه الآن. عندئذ لماذا نشكو؟ الفارق الوحيد بين التحريض الخاص بنا والتحريض الخاص بالمسلمين هو أننا أحيانا كثيرة لا نكون مؤمنين بصراخنا، نكون واعين بأننا نفعل هذا ونحن نغمز لأنفسنا، حتي نكسب شيئا ما من الإشفاق علينا لفترة ما. ففي نهاية الأمر، معاداة السامية هي السياق الوحيد تقريبا الذي يربط إسرائيل بشكل إيجابي ما أفظع هذه الإيجابية! بسائر الشعوب. بفضل معاداة السامية نحن ننتمي لأوروبا لقد كان الهولوكست في أوروبا بالطبع!. بفضل معاداة السامية نحن نحدد أيضا التواصل المباشر والصلة المباشرة بين إسرائيل و الشعب اليهودي، وهكذا فكل أمر سيء يفعلونه لنا في إسرائيل يمكننا أن نفسره كاستمرار لمعاداة السامية. بهذا نثير التعاطف لدي الغرب الذي لازالت أحاسيس الذنب بسبب الهولوكست تنتابه. في مقابل هذا، فالمسلمون الذين يصرخون قائلين: أنهم يريدون هدم أساس الأقصي، لا يتصرفون باستخفاف وإنما يؤمنون بما ينادون به. ولكن بالطبع هنا، بواسطة الإعلام، يتم عرض هذا باعتباره تحريضا مطلقا من حماس، والتي تبدو وكأنها توحد الآن تحت علمها الفلسطينيين الذين يديرون حربا اهلية بينهم و بين بعضهم في الأراضي المحتلة. لماذا تعرض وسائل الإعلام هذا باعتباره تحريضا؟ لأنه، كإسرائيليين، فنحن لا نستطيع الدخول داخل جلد أناس يؤمنون بصدق بما يفعلونه. تعالوا نأخذ ما حدث منذ فترة ليست طويلة في العالم الإسلامي حول الرسوم الكاريكاتيرية عن محمد التي نشرتها الجريدة الدانماركية. لم يفهم أصحاب الذهنية الغربية الضجة وفسروا الأمر كله باعتباره تحريضا موجها من القادة المسلمين إلي شعوبهم. وماذا إذا لم يكن هذا كذلك؟ وماذا إن كان المسلمون قد تأذوا حقا بشكل صادق من الرسوم الكاريكاتيرية، مثلما يتأذي يهودي بشكل صادق عندما يقولون له أنه لم يكن هناك هولوكست؟ بكلمات اخري: لدينا تابوهات نحن مستعدون لأن نقتل في سبيلها مثل إنكار الهولوكست، و التي هي النبي محمد الخاص بنا. ولكننا غير مستعدين لأن نستوعب أن المسلمين لديهم تابوهات خاصة بهم هم مستعدون لأن يقتلوا في سبيلها. لو كنا صنيعة غربية فعلا، ولم نكن كائنات بدائية بالفعل مثلما نري المسلمين، لماذا ننسب القداسة إلي تلك المساحة الخالية وللحائط المدعو بالحائط الغربي؟ فكروا كم من الناس ماتوا دفاعا عن هذا الشيء المدعو قدس أورشليم؟ هل تذكرون موضوع نفق الجدار في أيام نتنياهو، وكيف أن فتح جزء من النفق لبضعة أمتار تسبب في اضطراب هائل في البلاد؟ إذن لماذا نكرر نفس الأخطاء؟ ربما ربما ربما، ربما لسنا غربيين بهذه الدرجة في نهاية الأمر. أنا مضطر للقول أنني زلزلت عندما سمعت يوم الثلاثاء في برنامج بولوتيكا شخصا باسم بركوفيتش، علماني بشكل مطلق، يقرر أن جبل البيت هو المكان الأكثر قداسة للشعب اليهودي، وفي مقابل هذا فهو فقط المكان الثالث من ناحية القداسة في الإسلام. لم تقابل هذه الحماقة أي معارضة من جانب أي شخص في القناة. منذ متي كان جبل البيت مكانا مقدسا لليهود؟ صحيح أن اليهود كانوا يحنون دوما إلي جبل البيت وإلي الهيكل المنهار، ولكن اليهودية _ وهذه هي عظمتها _ هي دين لا يرتبط أساسا بأماكن بعينها وإنما برموز، ولذا فلقد نجحت في البقاء كدين. ما حدث هو أن كل مسألة القداسة في جبل البيت هي اختراع اليمين الإسرائيلي، ويمكنني أنا أن أشهد أن هناك من يهتمون بغسيل عقولنا في هذا الأمر. وعندما يتحدثون صباحا ومساء عن باب المغاربة، نتذكر فورا العمل البربري الذي قامت به إسرائيل فوريا بعد حرب الأيام الستة، عندما استغلت الاضطراب ومحت نهائيا حي المغاربة حتي تتمكن من إقامة الساحة القبيحة الهائلة التي تمتد الآن أمام الحائط. لا أحد يتحدث عن هذا أبدا. ولا يبدو لي أن هذا الحي هو معاد لهذه الدرجة بحيث يتحتم محوه من علي الخارطة. الأمر المّرّضي هنا هو أن إسرائيل الرسمية تفضل، في كل ما يتصل بالقدس، أن تحفر تحت الأرض و ان تكشف عما كان قبل مئات وآلاف السنوات، غير أنها أيضا تمحو وتستهين بمن يحيون علي سطح الأرض اليوم. لأنه يمكن قول كل شيء عما كان قبل مئات وآلاف السنوات، ولا أحد يمكنه التأكيد أن هذا صحيح مئة في المئة، أما الأحياء علي سطح الأرض، أي سكان القدس القديمة الحاليين، فهم مجرد مزعجين لنا لأنه لا يمكن معارضة قصتهم أو الزعم بأن هناك صيغة أو أخري مختلفة عن صيغتهم. إذن، لن أزعم أنه كلا الطرفين معه حق في القضية الحالية عن الأعمال في باب المغاربة. لا. الوحيدون الذين ليس لديهم أي حق هو نحن، نحن المتمسكون بالمدينة القديمة بشكل غير قانوني، وفقا للقانون الدولي. انتبهوا إلي أن أي دولة في العالم لا تعترف بسيادتنا علي هذا الجزء من القدس، بل ونتصرف فيها وكأنها ملكنا بنسبة مائة في المائة. وأقول أنا لكم: حتي لو كان صعبا علينا ابتلاع أن القدس هي ملك للعرب، تعالوا إذن نتبني فكرة أنها ليست ملك أبي أي منا، وأن علي كل منا التصرف كأنه ضيف وليس صاحب بيت. وما نفعله في المدينة القديمة يتجاوز كل قواعد التهذيب التي ينبغي أن يتحلي بها الضيوف، الضيوف الذين يأتون ببلدوزرات لبيوت مضيفيهم ويبدأون في ترميمه!
#نائل_الطوخي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفنان الفرنسي ستيفان أويه: هكذا جعلت مارسيل بروست صورا وفرا
...
-
محمد اركون: لا يمكن الربط بين الدين و الديمقراطية
-
أمريكا اللاتينية: الخيار الغائب في معادلة الشرق والغرب
-
الناشرة الفرنسية تريزا كريميزي: في انتظار فتح الباب العربي
-
محمد أركون: ماذا نحتاج أكثر من ابن رشد؟
-
محاولة جديدة لنسبة الهرم إلى العبرانيين
-
سعد الدين ابراهيم يحاضر امام جمعية لمحبي المصريين في اسرائيل
...
-
الشاعر المصري عماد فؤاد: في بلجيكا مثلما في إمبابة، الأصولية
...
-
روعة الديكتاتور وعمى المثقف.. مخلوقات محفوظ الملتبسة
-
محفوظ عبد الرحمن: رفضت الكتابة عن صدام حسين
-
صاحب مدونة على الإنترنت.. نتنياهو في اخر ادواره الثقافية
-
رسائل من غرفة اعدام صدام
-
عن المسيح و جيفارا و إسماعيل: صدام حسين.. البطل المدلل لكامي
...
-
الرسالة الكامنة للانتحاري
-
معارضو الشارع واولاد الشوارع
-
عن اطفال الشوارع و معارضي الشوارع
-
قراء غير جيدين أو تجار متنكرون: مجانين مكتبة الاسرة
-
الحجاب صليب المسلمين
-
الشيعة ما بين حزب الله و الكائنات ذوي الذيول
-
الروائي الإسرائيلي دافيد جروسمان: انظروا كيف شاخت إسرائيل
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|