أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلنار صالح - مدينة النساء














المزيد.....


مدينة النساء


جلنار صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1830 - 2007 / 2 / 18 - 09:25
المحور: الادب والفن
    



كانت تشعر بالكثير من الإرهاق والتعب, وبجفاف في حلقها عندما عادت .
لم ترغب إن تخبره عن إحداث يومها كما اعتادت إن تفعل كل يوم عندما يعود هو.
ربما شعرت ان الأمر سيفاجئه أو ربما خافت عليه أكثر من أي يوم مضى , لا تريد إن يفجعه الأمر, وربما لن يفعل لاحتمال إن يكون على علم به, لكنه اثار فيها الكثير من الذكريات المؤلمة والخوف من حقيقة ما يحصل ..
وقبل إن يسألها راحت تفكر في إحداث يومها عندما كانت تقف بين قرابة المائة امرأة يتدافعن للوصول إلى رجل يفصله عنهن جدار في وسطه نافذة مفتوحة..
كان يجلس بعيدا عن هذا التدافع إمام منضدة طويلة من الخشب يستلم الأوراق عبر النافذة, بينما كانت كل واحدة تحمل حجتها في هذا التدافع( مجموعة من الأوراق التي تجعدت أو تمزقت إطرافها لكثرة النوافذ التي زارتها من قبل ), تريده إن يضع فوقها توقيعه المبارك الأخير !
وبرغم أنها كانت الأقرب إلى النافذة المفتوحة, إلا إن هذا لم يكن يجدي, فالموظف كان مشغولا بأوراق حشد الرجال الواقفين غير بعيد إمام نافذة مجاورة خصصت للرجال الذين لم يكونوا أكثر نظاما أو اقل تدافعا .
كان الوضع يثير تذمرهن واستيائهن, وربما تعالت أصوات الاحتجاج أحيانا على تخصيص موظف واحد لكل هذا العدد من المراجعين
ومما كان يثير سخطها والأخريات وجود أشخاص لم يتبين لها طبيعة عملهم سوى مرورهم بين فترة وأخرى إمام النافذة من الجهة الأخرى, وتفرجهم على الحشود المتذمرة دون إن يبدو عليهم أي اهتمام.
وعلى الجدار المقابل لها خلف النافذة علقت ساعة دائرية مذهبة الأطار فوق رأس الموظف مباشرة( وضعوها لتذكر المراجعين ,بشماتة, بعدد الساعات التي قضوها إمام النافذة), وعندما كانت تذكرها بمرور ساعة على وقوفها غير المجدي إمام النافذة ,
شعرت بقليل من اليأس والملل, فأسندت رأسها إلى النافذة الباردة, وتركت خيالها يتحرر من قضبانها..
راحت تستذكر مواقف مشابهة مرت بها منذ أيام المدرسة الأبتدائية , عندما كانت صغيرة, فقد كانوا دائما يطلبون من الطالبات الصغيرات إن ينتظمن في صف مستقيم عند دخولهم أو خروجهم إلى ساحة المدرسة..
كان تدريبا على النظام, لكنه يبدوا لها ألان كتمرين مسبق لتعليمهم فن الوقوف في صفوف الأنتظار, لعلم من كان يأمرهم بهذا الانتظام بعدد الصفوف أو ( الطوابير ) التي سيقفن فيها مستقبلا !!
وخلال السنوات التي مضت, وتحديدا قبل خمسة عشر عاما, كانت تقف في طوابير للخبز أو الوقود والمواد الغذائية ومستلزمات العيش الأخرى , وحتى عندما تم قبولها في الجامعة قبل ذلك وقفت في طابور طويل جدا للحصول على شهادة فحص البصر المطلوبة لإكمال أوراق القبول ..
من الخلف امتدت إليها يد أحداهن تهزها لتعيدها إلى مكانها إمام النافذة, وتسألها إن كانت ترى أي موظف سيتسلم منهن الأوراق, فإجابتها بالنفي بينما كانت أخرى تضحك من منظرها وهي تجفل.
كان هناك الكثير من الوقت إمام هذه النافذة ترك لها حرية النظر إلى حشد النساء, وتأمل ملابسهن, التي لم تكن الأجمل, والى زينتهن, التي أهملنها,( وليس غريبا لو إن أحداهن نسيت إنسانيتها في البيت من اجل الوصول إلى رجل واحد لايعير هذه الأنسانية أي اهتمام).. وأحاديثهن التي أصبحت لا تختلف عن نشرة للإخبار مليئة بالمفخخات, ومسلحين يقتلون أبرياء بلا سبب, وأحبة قتلوا, والكثير من قصص التهجير أو السفر إلى حيث لايرحب بهم , وكأنت كل واحدة تعبر عن شعورها بالذنب في هذا المأزق الذي يطارد الرجال ويترك النساء فائضا ثقيلا في هذا الزمن الثقيل ..
وتذكرت وجهه في الزحام, وتخيلت لو انه كان هنا بدل هذا الموظف الوحيد, هل كان سيحفل بها كما يفعل دائما ؟ وهل سيرى فيها امرأة مختلفة عن بقية النساء, وأين يكمن هذا الاختلاف في هذا التدافع المهين التي تداس تحته كرامتهن ؟ وهل يكفي إن يقول لها أنها مختلفة عن الأخريات لتشعر بالاختلاف, بينما ينظر إليها مجتمع بأكمله نظرة هذا الموظف الذي يجلس خلف نافذته فلا يرى إلا تل من رمال
لم تستطع أفكارها إن تمنعها من الاندماج مع أخريات في أحاديث لا تختلف كثيرا عن ما يقال كل لحظة , بينما تجذب انتباهها أيدي النساء المتكلمات التي تشي بآثار السنوات العجاف , والأصابع المتيبسة, والأظافر المتقصفة تحت ثقل السنوات
كان الصراخ يتعالى أحيانا عندما تنتقل أحداهن إلى نافذة الرجال, وتقابل بسيل من الاتهامات بعدم الخجل, وعدم احترام النظام الذي خصص لها نافذة مستقلة مشرعة نسي من اخترعها إن يضع إمامها موظف , لتعود إلى مكانها خجلة لا تجرؤ على الرد بينما يهنئ الرجال بسكوتهم على المنظر البشع الذي لطالما تحملته نساء هذا الوطن , وعلى كل حال فأن هذا أهون من الصراخ احتجاجا بوجه من يقف وراء النافذة ..
وظل بصرها يجول في المكان الذي كان مساحة صغيرة من الأرض الترابية محاط بجدران من الطابوق الاجرد , ومسقوف بصفائح معدنية , كان المكان يشبه بيتا للدجاج ولا يختلف كثيرا عن كل أماكن التزاحم التي وقفت فيها من قبل, ومع ذلك لم تشعر إن المكان يخنقها أكثر مما يفعل تفكيرها فيه وقد أصبح يشبه هذا الموظف الوحيد المطلوب من كل الجهات في مدينتها التي تطارد الرجال وتهددهم بكل أنواع الخوف ليهربوا منها بينما تبقى هي والأخريات في طوابير طويلة بانتظار توقيع , أو بانتظار من ينظر إليها نظرة أخرى تليق بمن علقت أحلامها وأمنياتها ومستقبلها على جدران جرداء ...

ومع مرور الوقت كانت الكثير من الصور تأتي وتروح بينما ضلت صورة واحدة تلوح إمامها باستمرار, صورة بيت الحريم الذي كانت تسكنه النساء فقط..
ماذا لو أصبح بيتا للرجال في مدينة الخوف هذه ؟؟ .. وماذا لو إن النساء بقين في صف الانتظار الطويل إلى الأبد ؟!
كانت الأفكار تتعبها حتى بعد انتهاء ساعات الانتظار الثلاثة, وحتى بعد فوزها بخربشات موظف الجوازات فوق أوراقها ..



#جلنار_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مو خواطر
- !ما اصعبني


المزيد.....




- مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
- اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار ...
- كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل ...
- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلنار صالح - مدينة النساء