|
نتنياهو وبراك- قديمان.. جديدان؟
سالم جبران
الحوار المتمدن-العدد: 1829 - 2007 / 2 / 17 - 09:21
المحور:
القضية الفلسطينية
هناك مؤرخون وأساتذة علوم سياسية في إسرائيل يقولون إن مرحلة الساسة الرصينين والتاريخيين ونظيفي اليد في إسرائيل قد انتهت باعتزال مناحيم بيغن وموته بيولوجياً وسياسياً. وقد بدأت بعد ذلك مرحلة الساسة الذين يأخذون بالاعتبار التلفزيون أكثر مما يأخذون الرسالة ويتعاملون مع السياسة في حذق ومكر المقامرين. علينا أن نقول مهما كان ذلك موجعاً بالنسبة للشعب الفلسطيني والأمة العربية إن قيادة الحركة الصهيونية كانت خلال سنوات طويلة في مرحلة التأسيس، ديمقراطية داخلياً، نظيفة اليد، لا تفكر بالأرباح الشخصية بالإضافة إلى الحنكة في المناورات على الساحة الدولية. إن قادة مثل دافيد بن غوريون وموشيه شاريت (شرتوك) وبنحاس سبير ورابينوبيتش وحاييم وايزمان كانوا قادة مسؤولين، من وجهة النظر الصهيونية. كانوا ساسة ذوي حلم مع أنّ هذا الحلم كان نقيض حلمنا، وكان في النهاية تدميراً لحلمنا.المؤرخ الإسرائيلي المعروف البروفسور شلومو بن عامي يقسم التاريخ السياسي الإسرائيلي إلى قسمين، المرحلة "البطولية" المندفعة وراء حلم جماعي قومي جذاب وصعب، والمرحلة الثانية هي مرحلة القيادة الغبراء ، المتوسطة، المقامرة، التي تطوِّع المصلحة العامة للمصالح الشخصية لا العكس. ويقول إن كل حركة قومية تبدأ مع قادة تاريخيين يحملون حلماً، وتنتهي مع قادة خبراء بالبورصة! إن القيادة "التاريخية التي تحمل حلماً" في الحركة الصهيونية وفي دولة إسرائيل قد انتهت. وبعد بيغن بدأت الصراعات بين زعماء الليكود وزعماء العمل، مع تقلص مستمر للفوارق بين الطرفين، مع غياب النقاشات الفكرية الحقيقية، مع انحسار الحلم. لقد وصل إلى الحكم إهود براك بعد اغتيال رابين وفشل بيرس، ووصل فقط، لأن العمل أراد زعيماً ذا "هالة عسكرية" على أمل أن يكون شبيهاً برابين. وخلال ثلاث سنوات اقترف براك كل الأخطاء -الخطايا الممكنة. أولاً شكَّل حكومة بشكل مهين، أعطى لكل وزير الحقيبة التي لا تناسبه. مثلاً اختار البروفسور شلومو بن عامي المؤرخ اللامع، المتخصص بالتاريخ الأوروبي تخصصاً يدعو إلى الاحترام، وهو من أصل شرقي (مغربي)، اختاره لإشغال حقيبة ... الشرطة! ربما لأنه شرقي، ولأن دور الشرطة أساساً هو معاقبة العرب مواطني إسرائيل، وبعد مدة اختاره أيضاً وزيراً للخارجية، مع إبقاء حقيبة الشرطة في عهدته!! لم يكن وزيٌر واحداً في حكومته راضياً عن حقيبته مُحِباً لها. كذلك تقول الكتب التي وُضِعت عن " مرحلة براك" إنه لم يتشاور مع أحد، كان يُنْزِل الاقتراحات القرارات بشكل مفاجيء على وزرائه ويفرضها عليهم. وقال أحد الخبراء السياسيين، حنان كريستال، إن براك كرئيس حكومة ظل "قائداً للأركان" يقرر ومن حوله يجب أن ينفذوا الأوامر . والخطيئة الأخرى المذهلة لبراك كانت في التعامل مع العرب الفلسطينيين، المواطنين في إسرائيل، الذين يشكلون 20 بالمائة من سكان إسرائيل. العرب أعطوه 96 بالمائة من أصواتهم لدحر اليمين، فلم يقل كلمة شكر مجاملاتية لهم، بل فاخر الرئيس مبارك بأنه أخذ من عربه هو "عرب إسرائيل" نسبة أعلى من النسبة التي أخذها مبارك في مصر! وواصل سياسة التجاهل والتهميش سياسياً واقتصادياً للعرب، ولم يزر مدينة أو قرية عربية. بعد أن أخذ أصوات العرب، بالنسبة له- العرب لم يعودوا موجودين! وتعامل مع الشعب الفلسطيني في المناطق الفلسطينية المحتلة في حرب حزيران 1967 تعاملاً شرساً، كولونيولياً، استعلائياً. هنا أيضاً كان قائداً للأركان أكثر مما كان رئيساً للحكومة! وعندما انفجرت مظاهرات العرب في أكتوبر 2000 رداً على زيارة شارون لمنطقة المسجد الأقصى الشريف، كان جواب الشرطة الرصاص، وفقط الرصاص وسقط 13شهيداً عربياً وجرح العشرات. ولذلك في الانتخابات التالية والمنافسة على رئاسة الحكومة بين براك وشارون لم تذهب الأكثرية الساحقة من العرب للتصويت. وسقط براك سقوطاً مدوياً. واستقال وذهب إلى البزنس والمحاضرات وتقديم الاستشارة الأمنية لأسياده في الولايات المتحدة . إن مرحلة رئاسة براك للحكومة هي مرحلة غطرسة وغباء وانتقام، مرحلة سوداء سياسياً، ولكنها مرحلة دلّت كم كان براك بعيداً عن فهم السياسة ناهيك عن الحنكة السياسية. تقريباً نفس الكلام يقال عن بنيامين نتنياهو. إسرائيلي عاش أغلب وقته، الطفولة والشباب في الولايات المتحدة، وعاد ليخدم الخدمة العسكرية في إسرائيل، وعاد بعدها إلى الولايات المتحدة "وطنه الروحي"، تعلم نتنياهو "التسويق " في الجامعة، وصار فعلاً لامعاً في الكذب المبطن، وفي الخداع السطحي للناس، وفي المكر والخديعة، وأيضاً، ولمَ لا، في كراهية العرب والتنظير بأن العرب لا يمكن معاملتهم إلاّ بالقوة والمزيد من القوة. وفشل فشلاً ذريعاً وجاء بعده شارون لقيادة الليكود. إذن، براك ونتنياهو فشلا وعزلا. وكاد الناس ينسونهما. وإذا كان براك قد عاد يعرض نفسه منقذاً لحزب العمل ولإسرائيل، ونتنياهو قد عاد ليعرض نفسه منقذاً لحزب الليكود ولإسرائيل، فإن المراقب يسأل: هل الفاشلان المفرطان في الغطرسة والتهور والإهانة للعرب، وأيضاً لليهود، هما البديلان الوحيدان الآن للإنقاذ الموهوم لدولة إسرائيل؟ في كل الدول الراقية عندما يُهْزم مُرشح لرئاسة الحكومة فإن الحزب يستبدله فوراً بزعيم جديد، وعادة، الفاشل المهزوم لا يعود إلى الساحة للمنافسة مرة ثانية. إذا كانت إسرائيل الآن تقترب من لحظة يكون فيها براك بديلاً لنتنياهو ونتنياهو هو البديل لبراك وكلاهما الزعيمان "المنقذان" لإسرائيل فإن ذلك يشكِّل تعبيراً صارخاً عن الأزمة الحزبية-السياسية- الأخلاقية في إسرائيل. إن إسرائيل الآن أقرب إلى بورصة منها إلى دولة، أقرب إلى ساحة قمار منها إلى مجتمع عصري. ولعل هذه الحقيقة تكشف عمق الأزمة السياسية والاجتماعية- الفكرية في الدولة العبرية. في اعتقادنا المتواضع أن إسرائيل تتخبط في أزمتها الحادة، طالما أنها ليست مستعدة أن تبحث عن المصالحة التاريخية مع الشعب الفلسطيني ومع العالم العربي المحيط. ولكن يجب القول إن إسرائيل المأزومة، ذات القيادة المتطرفة المتهورة من نوعية نتنياهو وبراك هي خطيرة بشكل خاص على الفلسطينيين وعلى العالم العربي. والمؤسف والمحزن أنه بينما إسرائيل تتطور عسكرياً واقتصادياً وعلمياً، بمقاييس أوروبية وأمريكية، فإن العالم العربي يعيش أزمة خانقة شاملة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وهو ممزق، داخل كل دولة، وممزق على النطاق العربي العام. كنا نحب لو نكون متفائلين واثقين، ولكن للأسف، فإن العربي العاقل وبعيد النظر، في هذه المرحلة الرديئة، هو عربي قلق ومتخوف من الآتي!
#سالم_جبران (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
روسيا تقود المجهود العالمي لإسقاط نظام القطب الواحد الأمريكي
-
أسئلة صريحة للغاية موجهة للسيد حسن نصرالله
-
بدل أن تضحكوا على فضائح إسرائيل –إبكوا على حالة الشعوب العرب
...
-
الآخرون يندفعون إلى التقدم ونحن نندفع إلى الانتحار!
-
مؤرخ يهودي يكتب عن:التطهير العِرقي في فلسطين
-
ممارسة الإرهاب
-
مؤشرات التطور الاقتصادي والاجتماعي في إسرائيل
-
من أين لك أربعة مليارات دولار، يا سماحة الشيخ؟!
-
كيف يفكر الفلسطينيون داخل إسرائيل
-
فيلم وثائقي إسرائيلي..أثار عاصفة -يوسف نحماني..وسقوط طبريا!:
-
في المالية الإسرائيلية..فضائح كبرى وحامي الخزينة-حراميها!
-
لبنان نموذج حضاري متقدم للأمة العربية.. فهل يهدمونه؟!!
-
نهاية الطاغية..تحذير لبقية الطغاة!
-
هروب الأدمغة من العالم العربي
-
حول الفساد في العالم العربي: السمكة تفسد من الرأس!
-
أنظمة البطش والتخلف واللصوصية-مسؤولة عن فقر الشعوب العربية!
-
الأسد -معتدل- و-حضاري- مع أولمرت فلماذا هو بلطجي بالتعامل مع
...
-
حزب العمل الإسرائيلي أزمة قيادة..وأزمة طريق!
-
ابتهجوا يا عرب : اللغة العربية ألا تواجه خطر الانقراض!
-
مؤتمر إنكار المحرقة اليهودية-في إيران هل يخدم، حقاً، قضية فل
...
المزيد.....
-
هوت من السماء وانفجرت.. كاميرا مراقبة ترصد لحظة تحطم طائرة ش
...
-
القوات الروسية تعتقل جنديا بريطانيا سابقا أثناء قتاله لصالح
...
-
للمحافظة على سلامة التلامذة والهيئات التعليمية.. لبنان يعلق
...
-
لبنان ـ تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت
...
-
مسؤول طبي: مستشفى -كمال عدوان- في غزة محاصر منذ 40 يوما وننا
...
-
رحالة روسي شهير يستعد لرحلة بحثية جديدة إلى الأنتاركتيكا
-
الإمارات تكشف هوية وصور قتلة الحاخام الإسرائيلي كوغان وتؤكد
...
-
بيسكوف تعليقا على القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان: نطالب بوقف ق
...
-
فيديو مأسوي لطفل في مصر يثير ضجة واسعة
-
العثور على جثة حاخام إسرائيلي بالإمارات
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|