|
غزة والمقاومة: غنيمة التّاريخ وبوصلة الأحرار
رياض الشرايطي
الحوار المتمدن-العدد: 8494 - 2025 / 10 / 13 - 02:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
.
المقدمة: غزة كمختبر عالمي للمقاومة والثورة الشعبية.
غزة، المدينة المحاصرة على شاطئ البحر المتوسط، ليست مجرد بقعة جغرافية صغيرة على خارطة فلسطين ، 360 كلم مربع؛ إنها مختبر عالمي لتجربة المقاومة الشعبية ضد الهيمنة الإمبريالية الحديثة. هنا، حيث تتقاطع السياسة مع التاريخ، والاقتصاد مع الثقافة، والعسكرية مع الوعي الشعبي، تتكشف حقيقة الصراع الطبقي الدولي، وتتضح قوة الإرادة الجماعية في مواجهة آلة الحرب الحديثة. غزة هي المكان الذي تتحقق فيه النظرية على أرض الواقع، حيث يصبح الصمود الشعبي، بموارده المحدودة، قوة استراتيجية تفوق أقوى الجيوش وأحدث الأسلحة. غزة تمثل تجربة حية للبنية والفوقية، وللتناقض الطبقي العالمي. البنية الشعبية، المتمثلة في الشعب الفلسطيني وأرضه ومقاومته الاقتصادية والاجتماعية، تمثل القوة الأساسية، في حين تمثل الفوقية العسكرية، الإعلامية، والدبلوماسية أداة لزيادة هذا التأثير، أو لتعزيز قوة الطرف الآخر. لكن ما يميز غزة هو أن الفوقية الإمبريالية لم تستطع قمع البنية الشعبية، بل أصبح الشعب محورا عالميا للمعركة، ومصدرا للوعي الأممي الجديد. تاريخيا، كانت فلسطين مسرحا للاحتلال والاستعمار، لكنها غزة أصبحت رمزا عالميا للكرامة والحرية. المقاومة هنا لم تكتفِ بالتحدي العسكري، بل تجاوزت ذلك إلى فضح زيف الدبلوماسية الدولية، وكشف هشاشة الأمم المتحدة ومجلس الأمن أمام الفيتو الأمريكي، وعجز القانون الدولي عن فرض العدالة في مواجهة القوة الإمبريالية. غزة أظهرت للعالم أن المؤسسات الدولية، مهما كانت كبيرة، عاجزة أمام إرادة الشعب المنظم، وأن التضامن الشعبي العالمي يمكن أن يكون أكثر تأثيرا من كل القرارات الرسمية. الإرادة الجماعية في غزة أظهرت أن الشعب الفلسطيني ليس مجرد ضحية، بل فاعل سياسي وتاريخي قادر على إعادة صياغة الواقع الدولي. فالمقاومة هنا تشمل: -المقاومة العسكرية المبتكرة والمرنة، التي دمجت بين الأسلحة التقليدية والتكتيكات الشعبية، مثل الأنفاق، صواريخ محلية الصنع، واستراتيجيات الكرّ والفرّ. -المقاومة الاجتماعية والاقتصادية، حيث تحولت الموارد المحدودة إلى أدوات استراتيجية، ونشأت شبكات الدعم الشعبي، واللجان المحلية، والحركة الاقتصادية المقاومة للحصار. -المقاومة الإعلامية والثقافية، التي استخدمت الإعلام الرقمي لنقل الحقيقة للعالم، وكشف الأكاذيب الصهيونية والدولية، وتحريك الرأي العام العالمي، وخلق ضغط شعبي على الحكومات الغربية والعربية. -المقاومة القانونية والسياسية، عبر محاولات جر قادة الاحتلال أمام المحكمة الجنائية الدولية، وصدور بطاقات جلب، رغم محدودية التنفيذ، ما يبرهن على قدرة المقاومة على التأثير في القانون الدولي. غزة اليوم ليست مجرد مدينة، بل رمز عالمي للصمود، وأداة لإعادة رسم الاصطفافات الدولية. لقد تحولت من معقل محاصر إلى بوصلة للأحرار، وغنيمة للتاريخ، ودروسا للأجيال القادمة. كل بيت محاصر، وكل شارع مدمر، وكل مدرسة مغلقة تحت القصف، أصبح شاهدا على قدرة الشعب على تحويل المعاناة إلى قوة استراتيجية، والتضحيات الفردية إلى قوة جماعية تاريخية. من هذا المنطلق، تعتبر غزة مختبرا للتجربة الثورية الحديثة، حيث يمكن دراسة تأثير: +التضامن الأممي، عبر أساطيل كسر الحصار والمظاهرات العالمية. +الإعلام الرقمي، كأداة أساسية لكشف الجرائم، ونقل الحقيقة، وتحريك الرأي العام العالمي. +القانون الدولي، ومحاولات المحكمة الجنائية الدولية، في فضح الجرائم الإمبريالية، وفرض العدالة ولو جزئيا. +المقاومة الجماعية، التي تثبت أن إرادة الشعب المنظم والواعي يمكنها أن تتحول إلى قوة تاريخية تتجاوز كل الأسلحة والتقنيات. بهذا المعنى، غزة ليست مجرد صراع محلي أو مواجهة عسكرية، بل درس عالمي شامل عن طبيعة الصراع الطبقي الدولي، عن دور الإرادة الشعبية، وعن قدرة الشعوب المقهورة على فرض إرادتها في مواجهة آلة الإمبريالية، مهما بلغت قوتها، وما يمتلكه الكيان الصهيوني من تكنولوجيا ودعم دولي. غزة، إذن، ليست مجرد مدينة، بل رمز عالمي للكرامة، وأيقونة للأحرار، ومختبر حي لفهم التاريخ والصراع الطبقي الحديث، وهي بذلك تشكل نقطة الانطلاق لكل الدراسات المستقبلية حول المقاومة الشعبية، والأممية الثورية، وأثر الشعوب المستضعفة في إعادة رسم موازين القوة العالمية.
الفصل الأول: إسقاط مشروع التهجير وتحويل الأرض إلى قوة استراتيجية.
منذ اللحظة الأولى للنكبة، كان هدف المشروع الصهيوني في فلسطين واضحا وصريحا: تهجير السكان الأصليين وخلق واقع ديمغرافي جديد يسمح بالسيطرة المطلقة على الأرض والموارد. هذا المشروع لم يكن مجرد خطة عابرة، بل سياسة متكاملة شملت الضغط العسكري، التهجير القسري، تدمير البنية التحتية، وتهميش السكان الأصليين اقتصاديا واجتماعيا. غزة كانت واحدة من أبرز أهداف هذه الاستراتيجية، ليس فقط لأنها مساحة جغرافية محدودة، بل لأنها تمثل قلب الهوية الفلسطينية، وميناء استراتيجيا يطل على العالم الخارجي، ما يجعل السيطرة عليها مفتاحا لإخضاع الفلسطينيين واستكمال مشروع الاستيطان. لكن غزة، عبر تاريخها المقاوم، كسرت هذه المعادلة بكل أبعادها، وأثبتت أن الأرض يمكن أن تتحول من ساحة تهجير إلى قوة استراتيجية متكاملة، حيث تتلاقى الإرادة الشعبية مع التاريخ والجغرافيا والوعي الوطني.
أولا: الصمود الشعبي كقوة استراتيجية: كان أحد أبرز أبعاد القوة التي أظهرتها غزة ، رغم 61 الف شهيد و عشرات الالاف من الجرحى و مثلها من المفقودين و الالاف من المعتقلين ، الى جانب تدمير 85٪ من المنازل و البناءات ، هو الصمود الشعبي. الشعب الفلسطيني لم يكن مجرد ضحية، بل كان فاعلا سياسيا وتاريخيا قادرا على إعادة صياغة الواقع على الأرض: -الوجود المستمر على الأرض: كل بيت صامد، كل شارع لم يفرغ من ساكنيه، وكل حي حافظ على هويته، أصبح رمزًا للرفض والاستمرار. الصمود هنا لم يكن مجرد بقاء جسدي، بل كان معركة ثقافية وسياسية ضد المشروع الاستيطاني، وضد فكرة أن الأرض يمكن أن تُباع أو تُخضع بالقوة. -التنظيم الشعبي المحلي: لجان الدعم، مجموعات العمل التطوعي، شبكات الغذاء والمياه، وكل أشكال التعاون المجتمعي، حولت الحياة اليومية إلى أداة مقاومة منظمة. البنية الشعبية لم تقتصر على صمودها، بل أصبحت شبكة استراتيجية تدير الصراع اليومي وتحد من تأثير الحصار العسكري والاقتصادي. -الوعي الجماعي والتاريخي: الشعب الفلسطيني لم يكن فقط يحمي الأرض، بل كان يحفظ ذاكرة الشعب، ويربط الحاضر بالماضي التاريخي، ليكون كل موقف مقاوم درسا للأجيال القادمة. بهذا الشكل، أصبح الصمود الشعبي قوة استراتيجية لا تقل أهمية عن القوة العسكرية.
ثانيا: الأرض كأداة استراتيجية: غزة أظهرت كيف يمكن تحويل الأرض نفسها إلى أداة مقاومة استراتيجية: +استغلال الموارد المحلية: حتى في ظل الحصار، استطاعت غزة تنظيم الاقتصاد المحلي، وتحويل الموارد المحدودة إلى قوة مؤثرة، من خلال الزراعة الداخلية، إنتاج الطاقة البديلة، وتوزيع الموارد بشكل يضمن استمرار الحياة والمقاومة في آن واحد. +شبكات الأنفاق والتكتيكات الميدانية: الأنفاق لم تكن مجرد وسيلة للهروب أو تهريب السلاح، بل شبكة استراتيجية لتحويل الأرض إلى ساحة قوة تمكن المقاومة من الوصول إلى قلب المستوطنات، وضرب البنية التحتية الحيوية للاحتلال. +المؤسسات الشعبية المحلية: المدارس، المستشفيات، الجمعيات الثقافية والاجتماعية، لم تعد فقط مرافق خدمية، بل أصبحت أدوات مقاومة تربط الحياة اليومية بالمقاومة السياسية، وتظهر قدرة الشعب على إدارة شؤون الحياة رغم الحصار والعدوان. هنا يظهر بوضوح تطبيق المبدأ الماركسي للتناقض بين البنية والفوقية: البنية الشعبية، المتمثلة في الأرض والعمل الاجتماعي والاقتصادي المحلي، كانت قاعدة الصمود، بينما الفوقية العسكرية والسياسية، رغم قوتها، لم تستطع تجاوز هذه القوة الشعبية المنظمة.
ثالثًا: المقاومة الاجتماعية والاقتصادية: إحدى أهم ميزات غزة كانت تحويل المعاناة الاقتصادية إلى أداة مقاومة: -اقتصاد المقاومة: تحالف الناس لإنشاء سوق محلية بديلة، إعادة تدوير الموارد، وزراعة الأراضي المهجورة، كل ذلك ضمن شبكة مقاومة اقتصادية تحمي المجتمع وتستمر في دعم صمود السكان. -المقاومة الاجتماعية: الأسر والجماعات المحلية لعبت دورا مركزيا في حماية الأطفال والنساء وكبار السن، وضمان استمرار التعليم والعمل الاجتماعي رغم الحصار. -تحويل القيود إلى فرص: الحصار الذي كان من المفترض أن يضعف غزة، تحول إلى محرّك لتطوير أساليب مبتكرة للصمود، وتوثيق التعاون بين الفصائل والمجتمع المدني، وربط الجهود المحلية بالمقاومة السياسية والعسكرية.
رابعا: الفضاء الثقافي والسياسي كأداة قوة: لم يكن الصراع في غزة فقط على الأرض، بل على الوعي والسردية: +المقاومة الثقافية: الفنون، الشعر، الأدب، وحتى وسائل الإعلام المحلية، حولت الواقع المرير إلى رسائل قوة، وعلامات هوية وطنية، وأدوات لتعزيز المقاومة الدولية. +المقاومة السياسية: الفصائل الفلسطينية لم تعد تعمل بمعزل عن المجتمع؛ كل قرار سياسي، كل تفاوض، كان مرتبطا بوعي الجماعة وبالضغط الشعبي المحلي والدولي. +الإعلام الرقمي: كان أداة مركزية في نقل الحقيقة للعالم، فضح الأكاذيب الصهيونية، وكشف التواطؤ أو الصمت الدولي، ما أعاد تعريف غزة كنقطة قوة استراتيجية على الصعيد الدولي.
خامسا: الاستفادة من التضامن العالمي: غزة لم تكن وحدها في مواجهة المشروع الصهيوني، بل استفادت من التضامن العالمي: -أساطيل كسر الحصار، التي أثبتت أن الضغط الشعبي يمكن أن يكسر قيود الحصار الجغرافي والسياسي. -المظاهرات العالمية، من نيويورك ولندن إلى كيب تاون وطوكيو، التي حولت القضية الفلسطينية من صراع محلي إلى محور عالمي. -الضغط الأممي والقانوني: محاولات جر قادة الاحتلال أمام المحكمة الجنائية الدولية وصدور بطاقات الجلب، رغم محدودية التنفيذ، كانت دليلا على قدرة المقاومة الشعبية على التأثير في القانون الدولي والضغط على القوى الإمبريالية.
سادسا: الدروس التاريخية والتحليل الطبقي: غزة تجربة حيّة للصراع الطبقي الدولي: +القوة المادية للكيان الصهيوني المدعوم إمبرياليا لم تكن كافية لفرض السيطرة المطلقة، لأن الشعب المنظم يملك إرادة تاريخية وثقافة مقاومة متجذرة. +التضامن الأممي، الإعلام الرقمي، والمقاومة الشعبية المحلية، تشكل أدوات قوة موازية، قادرة على قلب موازين القوى التقليدية. الأرض، العمل الجماعي، الثقافة، الاقتصاد المحلي، كلها تشكل بنية أساسية للمقاومة، والفوقية العسكرية والسياسية تصبح أداة مضاعفة لهذه القوة، وليست القوة نفسها.
الفصل الثاني: هزيمة الأساطير العسكرية والإمبريالية التكنولوجية.
لطالما روّج الكيان الصهيوني لنفسه كقوة عسكرية لا تُقهر، تمتلك أحدث الأسلحة وأدق التقنيات، مدعوما بتكنولوجيا غربية متقدمة، خصوصا من الولايات المتحدة الأمريكية. كانت هذه الأسطورة جزء من سردية السيطرة والتحكم في الشرق الأوسط، تهدف إلى ترسيخ الهيمنة الصهيونية وإخضاع الفلسطينيين إلى واقع دائم من الخوف والاستسلام. لكن غزة، بصمودها الشعبي واستراتيجياتها المقاومة، قلبت هذه المعادلة رأسا على عقب، وفضحت هشاشة هذه الأساطير على المستوى العسكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، وأثبتت أن الإرادة الجماعية المنظمة يمكنها التفوق على أقوى القوى الإمبريالية.
أولًا: المقاومة الذكية والمرنة كأداة تفوق على القوة العسكرية: المقاومة في غزة لم تقتصر على مواجهة الأسلحة التقليدية، بل اعتمدت على تكتيكات ذكية ومبتكرة: +الأنفاق الاستراتيجية: لم تكن مجرد وسيلة لتهريب الأسلحة أو إيواء المقاتلين، بل أصبحت شبكة استراتيجية تسمح بالتحرك داخل عمق الاحتلال، ضرب البنية التحتية الحيوية، ومفاجأة العدو باستراتيجيات غير متوقعة. +الكرّ والفرّ التكتيكي: استخدمت المقاومة تحركات ديناميكية، تكتيكات غير متوازنة على الأرض، وإستراتيجيات تعتمد على السرعة والمفاجأة والاعتماد على المعلومات الميدانية المحلية، ما جعل العدو يعيش حالة رعب مستمرة. +المقاومة النفسية: الصواريخ المحلية، التحركات الليلية، والمبادرات الشعبية، أثبتت أن غزة يمكنها أن تهز معنويات المستوطنين وتجعلهم يعيشون تحت الضغط النفسي الدائم، رغم التفوق التكنولوجي للعدو. هذه التكتيكات أظهرت أن القوة المادية وحدها ليست كافية، وأن الإرادة الشعبية الذكية والمنظمة تستطيع أن تحوّل نقاط الضعف إلى قوة استراتيجية.
ثانيا: ضرب العمق الاقتصادي والسياسي للعدو: غزة لم تقتصر على المواجهة العسكرية، بل توسعت لتشمل الهجوم على اقتصاد وسياسة الكيان الصهيوني: -تدمير البنية التحتية الاقتصادية: استهداف المنشآت الحيوية، الموانئ، الخطوط التجارية، أدى إلى تأثير مباشر على الاقتصاد، وخلق بيئة من الذعر وعدم الاستقرار. -ضغط على المستثمرين المحليين والدوليين: أدى هذا إلى تراجع الاستثمارات، وتجميد المشاريع الاقتصادية، وزيادة تكاليف التشغيل والتأمين، ما جعل الاقتصاد الصهيوني هشا أمام أي مواجهة مستقبلية. -فضح هشاشة الدولة المحتلة سياسيا: غزة أظهرت أن القوة السياسية المعلنة للكيان الصهيوني ليست مطلقة، وأن الضغط العسكري والشعبي يمكن أن يفرض تغييرات فعلية في القرارات السياسية والتعامل الدولي.
ثالثًا: كسر أسطورة التفوق التكنولوجي: الأسطورة الأساسية للكيان الصهيوني كانت التفوق التكنولوجي المطلق: +الدفاعات الجوية المتقدمة، الطائرات المسيّرة، نظم المراقبة عالية التقنية، كانت تعتبر ضمانة للسيطرة المطلقة. غزة فضحت هذه الأسطورة عبر توظيف موارد محدودة بكفاءة عالية، واستخدام المعلومات الميدانية، واستراتيجيات التحرك المرن، والاعتماد على الإبداع الشعبي في التكنولوجيا البديلة. بهذا، لم يصبح التفوق التكنولوجي أداة ضمان سيطرة، بل حقل اختبار حقيقي لإبداع المقاومة الشعبية، وإثبات أن الذكاء الجماعي والمرونة الميدانية يمكن أن يتفوق على آلات الحرب الحديثة.
رابعا: محور الدعم الإقليمي والدولي ودور اليمن: إحدى الركائز الأساسية التي أسهمت في تعزيز صمود غزة وهزيمة أساطير القوة العسكرية كانت شبكة الدعم الإقليمي والدولي، التي لم تتوقف عند مجرد تصريحات سياسية أو بيانات دعم رسمية، بل امتدت إلى تحركات ميدانية، حملات إعلامية، مساعدات إنسانية، ومبادرات تضامن شعبي وثقافي. ومن بين هذه الشبكات، يبرز دور اليمن بشكل خاص، لما يمتلكه الشعب اليمني من تجربة نضالية عميقة في مواجهة العدوان الإمبريالي المباشر والإقليمي، وتجربة صمود في ظروف حصار وقصف مستمر، تجعل من تضامنه مع غزة تضامنا استراتيجيا قائما على خبرة المقاومة الطويلة والمواقف الثابتة ضد الاحتلال والصهيونية. -الدعم الشعبي اليمني: الجماهير اليمنية نظمت حملات تضامن شعبية غير مسبوقة، شملت توزيع المساعدات، جمع التبرعات، تنظيم مظاهرات حاشدة في العاصمة صنعاء وعدة مدن يمنية أخرى، وتحركات شبابية على الإنترنت للتضامن مع غزة. هذه الحملات لم تكن رمزية فقط، بل كانت صوتًا عالميًا يفضح جرائم الاحتلال، ويضغط على الحكومات العربية والدولية لتحرك فاعل. -الدعم الإعلامي والتثقيفي: الإعلام اليمني المستقل والفصائل الشبابية استخدمت المنصات الرقمية لتوثيق أحداث غزة، نقل الصور والفيديوهات مباشرة للعالم، وكشف الأكاذيب الصهيونية والدبلوماسية الدولية المهادنة. هذه الجهود أسهمت في توسيع دائرة الضغط الدولي، وإظهار غزة كمركز عالمي للمقاومة والكرامة. -التنسيق السياسي والإقليمي: القيادة اليمنية والفصائل الشعبية أرسلت رسائل دعم واضحة للقيادة الفلسطينية والمقاومة في غزة، مؤكدة على رفض كل محاولات التمييع أو التطبيع مع الاحتلال، وتعزيز الجبهة الميدانية والدبلوماسية معا. هذا التنسيق أعطى المقاومة الفلسطينية قوة إضافية على المستوى الرمزي والسياسي، وأظهر أن الصراع في غزة ليس محليًا أو إقليميًا فقط، بل محورًا عالميًا يواجه مشروع الإمبريالية والصهيونية. -الدروس المشتركة بين غزة واليمن: الشعب اليمني يعرف معنى الحصار الطويل، العدوان الجوي، الاستهداف الاقتصادي، والمقاومة الشعبية. هذه الخبرة المشتركة سمحت بإيجاد استراتيجيات تضامن عملية، تبادلية، ومؤثرة على الأرض، سواء من ناحية الدعم اللوجستي أو الإعلامي أو الرمزي. غزة استفادت من هذا التراكم التاريخي للمعرفة الثورية اليمنية، وعكست ذلك في قدرتها على مواجهة الحصار والتحديات العسكرية والسياسية. بهذا المعنى، دور اليمن لم يكن مجرد تضامن أخلاقي أو سياسي، بل دعما عمليا واستراتيجيا يعزز قوة المقاومة الشعبية ويكسر الحصار الرمزي والسياسي حول غزة، ويعيد رسم العلاقات الإقليمية بين الشعوب المقاومة والإمبريالية.
خامسا: الإعلام الرقمي وأساطيل كسر الحصار والمظاهرات العالمية: غزة لم تقاتل فقط بالسلاح، بل خاضت معركة عالمية عبر الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي: +كشف الأكاذيب الصهيونية: كل حملة قصف، كل اعتداء، كان يُوثق ويُبث مباشرة للعالم، مفضحًا الأكاذيب الإعلامية الرسمية للكيان الصهيوني والدول الغربية. +تحريك الرأي العام العالمي: مقاطع الفيديو، الصور، والتقارير الحية من الأرض، حفزت المظاهرات العالمية، وأساطيل كسر الحصار، وشكّلت ضغطًا شعبيًا على الحكومات. +تغيير المعادلات الدبلوماسية: الإعلام الرقمي جعل التضامن العالمي أكثر قوة، وأظهر أن القوة الشعبية والمعلوماتية يمكنها التأثير على السياسات الدولية، حتى في مواجهة الولايات المتحدة والأمم المتحدة.
سادسا: التأثير القانوني الدولي وملاحقة قادة الاحتلال: +المقاومة لم تكتفِ بالمواجهة العسكرية والإعلامية، بل توسعت إلى المجال القانوني الدولي: جر ، عن طريق من عاشت ويلات الفصل العنصري و الابادة الجماعية ، افريقيا الجنوبية ، لقادة الاحتلال أمام المحكمة الجنائية الدولية التى اصدرت بطاقات جلب ضد بعض القادة، وهي خطوة رمزية وقانونية، تفضح جرائم الاحتلال، وتضغط على المجتمع الدولي لاعتراف الحقيقة. +فضح القوانين الدولية المزيفة: رغم ضعف التنفيذ، هذه الإجراءات أظهرت أن المقاومة الشعبية قادرة على فرض إرادتها حتى في مواجهة الهياكل القانونية الدولية المتواطئة مع الاحتلال. +إعادة تعريف العدالة الدولية: غزة أعادت إثبات أن العدالة ليست مجرد قرارات سياسية، بل ممارسة جماعية وشعبية تتجاوز النصوص القانونية.
سابعا: الدروس التاريخية والتحليل الطبقي: تجربة غزة تمثل درسا حيا للصراع الطبقي الدولي: -القوة العسكرية وحدها لا تكفي لفرض السيطرة، إذا واجهتها إرادة شعبية واعية ومنظمة. -التضامن الإقليمي والدولي، الإعلام الرقمي، الضغط القانوني، والمقاومة الاقتصادية والاجتماعية، تشكل أدوات قوة موازية قادرة على قلب موازين القوى التقليدية. -البنية الشعبية، المتمثلة في الأرض، العمل الجماعي، الثقافة، الاقتصاد المحلي، هي القوة الأساسية، بينما الفوقية العسكرية والسياسية تصبح أداة مضاعفة لهذه القوة وليس قوتها الحقيقية.
الفصل الثالث: انتصار الإرادة الشعبية وتحولات المعادلات السياسية العالمية وإفشال مشاريع الإبادة: مع نهاية المواجهة المباشرة، وبعد أن كسرت غزة كل الأساطير العسكرية والإمبريالية، بدأت تظهر مفاعيل الصمود الشعبي على الساحة السياسية والإستراتيجية العالمية. هذا الفصل يتناول تحولات القوى، إعادة ترتيب التحالفات، تأثير الصمود على السياسات الدولية، وانعكاسات النصر الرمزي على الشعوب المقهورة في المنطقة والعالم، إضافة إلى إفشال مشاريع التطهير العرقي والإبادة الجماعية.
أولا: تأثير صمود غزة على المعادلات الإقليمية: غزة لم تكن مجرد جغرافيا محاصرة، بل أصبحت رمزا حيا لصمود الشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد. هذا الصمود أعاد ترتيب القوى في المنطقة: -فضح المتخاذلين والمتواطئين و الخونة: الدول العربية التي راهنت على الصمت أو التطبيع، لم تعد تستطيع إخفاء موقفها، فظهر جليا الانقسام بين من وقف مع المقاومة ومن ساعد العدو أو حاول المراوغة. -إعادة تعريف العلاقات الإقليمية: حلفاء المقاومة، مثل انصار الله باليمن و حزب الله بلبنان وفصائل مقاومة في العراق و سوريا في عهد بشار الاسد، ارتفعت مكانتهم كقوى صامدة، بينما تراجع وزن الأطراف المتواطئة أو المنحازة للكيان الصهيوني. -تأثير ملموس على السياسات الرسمية: بعض الدول أُجبرت على إعادة حساباتها الدبلوماسية، مراجعة مواقفها تجاه الصراع الفلسطيني، وإظهار دعم رمزي أو عملي للحقوق الفلسطينية، ما خلق ضغطا مستمرا على الاحتلال من داخل المحيط الإقليمي نفسه.
ثانيا: تحولات المعادلات العالمية: نصر غزة لم يقتصر على المنطقة فقط، بل أحدث صدمة على المستوى الدولي: +فضح الأمم المتحدة وفعالية الهيئات الدولية: الأمم المتحدة ظهرت عاجزة أمام التحديات، حيث أظهر الفيتو الأمريكي مرة أخرى ضعف المنظومة الدولية في فرض العدالة وحماية الحقوق المشروعة للشعوب المقهورة. +إعادة ترتيب التحالفات العالمية: الصراع الفلسطيني أصبح معيارا عالميا للتقييم، بحيث صار التمييز بين القوى المناهضة للإمبريالية والصهيونية ومن تدعمها أو تتواطأ معها مفتاحا لفهم السياسة العالمية. +تأثير على الرأي العام العالمي: بفضل الإعلام الرقمي، المظاهرات العالمية، وأساطيل كسر الحصار، صار التضامن الشعبي قوة ضغط فعالة على الحكومات، وأداة لإعادة صياغة الخطاب الدولي تجاه فلسطين.
ثالثا: النصر الرمزي والتحولات النفسية والاجتماعية: غزة أثبتت أن النصر لا يقاس بالسلاح وحده، بل بالإرادة الشعبية: -تعزيز الروح الوطنية الفلسطينية: المقاومة أكدت أن الشعب الفلسطيني قادر على تجاوز الانقسامات الداخلية، وتنظيم صفوفه في مواجهة العدو الموحد والمشترك. -تحريك الشعوب المقهورة: النموذج الغزاوي ألهم شعوبا كثيرة في الشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، حيث بدأت حركات احتجاجية ومظاهرات تضامن تكرر تجربة الصمود وتطالب بالحقوق الوطنية المشروعة. -الكرامة كأداة مقاومة: النصر الرمزي لغزة أعاد الاعتبار للمفاهيم الوطنية، والهوية الثقافية، ورفع من معنويات الأجيال الجديدة التي شاهدت أن إرادة الشعب قادرة على مواجهة أكبر الآلات العسكرية والسياسية في العالم.
رابعا: المواجهة القانونية والدبلوماسية المستمرة: المقاومة لم تتوقف عند حدود الأرض، بل توسعت إلى الميدان القانوني والدبلوماسي: +محاكم دولية وجهود قانونية مستمرة: المحاولات لجر قادة الاحتلال أمام المحكمة الجنائية الدولية، رغم البطء والتعقيدات القانونية، شكلت رسالة عالمية بأن جرائم الاحتلال لن تمر دون مساءلة ولو بشكل رمزي. +فضح القوانين الدولية المزيفة: رغم ضعف التنفيذ، هذه الإجراءات أظهرت أن المقاومة الشعبية قادرة على فرض إرادتها حتى في مواجهة الهياكل القانونية الدولية المتواطئة مع الاحتلال. +إعادة تعريف العدالة الدولية: غزة أعادت إثبات أن العدالة ليست مجرد قرارات سياسية، بل ممارسة جماعية وشعبية تتجاوز النصوص القانونية.
خامسا: دور الدعم الإقليمي المستمر، وخصوصا اليمن: كما في الفصول السابقة، الدعم الإقليمي والدولي استمر بعد المعركة المباشرة: -التنسيق الاستراتيجي مع اليمن: استمرار إرسال الرسائل والدعم السياسي والمادي، مع تبادل الخبرات حول مواجهة الحصار والتضامن الشعبي. -تعزيز القدرات الإعلامية: المنصات الرقمية اليمنية استمرت في توثيق الأثر الإنساني والمعنوي للنصر، ونقل التجربة الغزاوية للعالم. -توحيد الشعوب المقهورة حول فلسطين: اليمن أصبح نموذجا للتضامن العملي، يربط بين تجارب الحصار والمقاومة، ويظهر أن النصر ليس فقط على الأرض بل في النفوس والشعوب.
سادسا: الإعلام الرقمي وأساطيل كسر الحصار والمظاهرات العالمية: غزة لم تقاتل فقط بالسلاح، بل خاضت معركة عالمية عبر الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي: +كشف الأكاذيب الصهيونية: كل حملة قصف، كل اعتداء، كان يُوثق ويُبث مباشرة للعالم، مفضحًا الأكاذيب الإعلامية الرسمية للكيان الصهيوني والدول الغربية. +تحريك الرأي العام العالمي: مقاطع الفيديو، الصور، والتقارير الحية من الأرض، حفزت المظاهرات العالمية، وأساطيل كسر الحصار، وشكّلت ضغطا شعبيا على الحكومات. +تغيير المعادلات الدبلوماسية: الإعلام الرقمي جعل التضامن العالمي أكثر قوة، وأظهر أن القوة الشعبية والمعلوماتية يمكنها التأثير على السياسات الدولية، حتى في مواجهة الولايات المتحدة والأمم المتحدة.
سابعا: إفشال التطهير العرقي والإبادة الجماعية: من أعظم إنجازات صمود غزة والمقاومة الشعبية هو إفشال محاولات التطهير العرقي والإبادة الجماعية التي حاول الكيان الصهيوني فرضها على الفلسطينيين. لم تكن هذه مجرد مواجهة عسكرية، بل صراع وجودي للبقاء والحفاظ على الهوية الوطنية والأرض والتاريخ. -كسر مشروع التهجير القسري: الاحتلال حاول عدة مرات تنفيذ سياسات التهجير، لكن مقاومة غزة أسقطت كل هذه المخططات وجعلت محاولات التهجير فاشلة. -إفشال مشاريع الإبادة الرمزية والاقتصادية: غزة حوّلت محاولات الاحتلال لفرض الجوع والإذلال إلى نقاط قوة في الصمود والإبداع الجماعي. -ردع الاحتلال دوليا وقانونيا: نجاح غزة في الصمود أدى إلى فضح جرائم الاحتلال أمام المجتمع الدولي ومحاكمه، وإرسال رسائل تحذيرية للكيان الصهيوني بأن أي مشروع إبادة لن يمر دون مساءلة. -التضامن الشعبي كأداة حماية وجودية: المظاهرات العالمية، الإعلام الرقمي، ودعم اليمن وغيره من الحلفاء، شكلوا شبكة حماية جماعية منعت تنفيذ مشاريع الإبادة على الأرض، وحافظت على بوصلة الحرية والكرامة.
ثامنا: دروس استراتيجية للمستقبل: تجربة غزة أظهرت أن: +المقاومة الشعبية الذكية والمنظمة تتفوق على القوة العسكرية التقليدية. +الدعم الإقليمي والدولي الشعبي والتحركات الإعلامية والتضامن القانوني يمكن أن يغير ميزان القوى العالمي. +النصر الرمزي يعيد صياغة العلاقات الإقليمية والدولية، ويعيد بناء الكرامة الوطنية للشعوب المقهورة. +تجربة غزة واليمن تعكس إمكانية بناء استراتيجية مقاومة مستدامة تعتمد على الشعب، وليس على الدول فقط. +إفشال التطهير العرقي والإبادة الجماعية يمثل انتصارًا وجوديًا وأخلاقيًا، يؤكد أن الإرادة الشعبية قادرة على حماية الهوية الوطنية والحياة البشرية حتى في أقسى الظروف.
الفصل الرابع: أفق المقاومة المستمرة وبناء قوة فلسطينية متكاملة.
بعد الانتصار الميداني، وما رافقه من فضح الاحتلال وكشف زيف الروايات الرسمية والدولية، تتجلى في الفصل الرابع مسألة البناء الاستراتيجي للمستقبل، واستثمار تجربة غزة في تشكيل قوة فلسطينية شاملة قادرة على استمرار الصمود والتقدم نحو التحرير الكامل. هذا الفصل يحلل الأبعاد الاجتماعية، الثقافية، السياسية، والتربوية للمقاومة، ودورها في إعادة صياغة الهوية الوطنية، وبناء تحالفات استراتيجية مستدامة، وتأثيرها على شعوب المنطقة والعالم.
أولا: البناء الداخلي للمقاومة الفلسطينية: انتصار غزة أثبت أن القوة لا تكمن فقط في السلاح أو الاستراتيجية العسكرية، بل في تنظيم المجتمع واستغلال الإرادة الشعبية كرافعة مستمرة للصمود: +إعادة توحيد الصف الفلسطيني: بعد عقد من الانقسامات الداخلية، أثبتت تجربة غزة أن المقاومة الحقيقية تخلق قوة توحيدية تتجاوز الانقسامات الحزبية والفصائلية، وتضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار. +تعزيز المجتمع المدني والمبادرات الشعبية: التنظيمات الشبابية والنسائية، العاملات و العمال الفلاحيين، والمثقفين، أصبحوا قوة فاعلة في بناء بنية مقاومة مستدامة، سواء في التعليم أو الثقافة أو الدعم اللوجستي للمدنيين. +التعليم والمقاومة الفكرية: المدارس والجامعات الفلسطينية جعل البرامج التعليمية تركز على الوعي الوطني والمقاومة الشعبية، وربط الشباب بتاريخ فلسطين، وتجارب غزة واليمن في مواجهة الحصار والتهجير.
ثانيا: تشكيل الهوية الوطنية الجديدة: تجربة غزة أعادت تعريف الهوية الوطنية الفلسطينية على المستويين الفردي والجماعي: -الكرامة كقاعدة أساسية: الصمود أثبت أن الهوية الوطنية لا تقوم على الأرض وحدها، بل على الكرامة والصمود في مواجهة كل أشكال العدوان والاستغلال. -المقاومة الثقافية والفنية: الأدب، الشعر، والفنون التشكيلية بدأت تعكس تجارب الصمود، الانتصار الرمزي، ودور المرأة والشباب في المقاومة. -التضامن الاجتماعي الداخلي: المجتمع الفلسطيني أصبح أكثر قدرة على التكافل الاجتماعي وتقديم الدعم للمتضررين، مما خلق شبكة أمان جماعية تضمن استمرارية الصمود في مواجهة أي تهديد.
ثالثا: بناء القوة الإقليمية والدولية: غزة لم تُحقق نصرا محليا فحسب، بل أسست لبنية مقاومة إقليمية ودولية مستمرة: +دور اليمن كحليف استراتيجي: الدعم السياسي، الإعلامي، واللوجستي لليمن أثبت أن التعاون الإقليمي قادر على تعزيز صمود غزة وتوسيع دائرة المقاومة. +تشكيل جبهة عالمية مناهضة للإمبريالية والصهيونية: الإعلام الرقمي، المظاهرات الدولية، والضغط القانوني على قادة الاحتلال، خلق شبكة تضامن واسعة تمتد من آسيا إلى أمريكا اللاتينية، وتجعل القضية الفلسطينية معيارا عالميا. +التأثير على سياسات الدول الكبرى: رغم الفيتو الأمريكي والأمم المتحدة العاجزة، أصبح الضغط الشعبي الدولي أداة فعالة لإجبار بعض الحكومات على مراجعة سياساتها تجاه فلسطين.
رابعا: المقاومة والاقتصاد كأداة صمود: النصر الرمزي لق غزة أظهر أن الاقتصاد والمقاومة مرتبطان ارتباطًا وثيقا: -الضغط على اقتصاد الاحتلال: من خلال ضرب البنية التحتية الاقتصادية، التركيز على المقاومة المدنية، والمقاطعة الشعبية، أصبح الكيان الصهيوني أكثر هشاشة اقتصاديًا من أي وقت مضى. -الاقتصاد المقاوم الفلسطيني: المبادرات المحلية، الإنتاج الزراعي، ودعم المشاريع الصغيرة، خلق قدرة اقتصادية مقاومة تعتمد على الشعب الفلسطيني وليس على الدول أو المؤسسات الدولية المتواطئة. -دور المرأة والشباب في الاقتصاد المقاوم: العاملات الفلاحيات والمبادرات النسائية الشبابية أثبتت أن الاقتصاد المقاوم ليس فقط وسيلة للبقاء، بل وسيلة لتعزيز الهوية والكرامة الوطنية.
خامسا: الإعلام الرقمي كرافعة استراتيجية: غزة واليمن أصبحا نموذجا في استغلال الإعلام الرقمي كأداة مقاومة شاملة: -فضح الاحتلال عالميا: كل عملية عدوان، كل حصار، كان يوثق مباشرة ويعرض على العالم، مما كسر الحصار الإعلامي للكيان الصهيوني وكشف زيفه أمام الرأي العام العالمي. -تحريك الشارع العالمي: الفيديوهات، الصور، والتقارير الحية حفزت مظاهرات ومبادرات تضامن في كل القارات، ما جعل العالم يراقب ويشارك بشكل مباشر في مساندة المقاومة. -إعادة صياغة القوة الرمزية: الإعلام الرقمي أصبح سلاحا مضادا للاحتلال، يوازن القوة العسكرية بالقوة المعنوية ويكسر الهيمنة الإعلامية التقليدية.
سادسا: إفشال التطهير العرقي والإبادة الجماعية كأولوية استراتيجية: استنادا إلى الدروس السابقة، غزة أثبتت قدرتها على حماية شعبها من محاولات التطهير العرقي والإبادة الجماعية: +إفشال التهجير القسري: كل مشاريع الاحتلال لتهجير الفلسطينيين باءت بالفشل بسبب التنظيم الشعبي، المقاومة المسلحة، والدعم الإقليمي والدولي. +صد المحاولات الإبادة الرمزية والاقتصادية: رغم القصف والحصار، المجتمع الفلسطيني حول كل محاولة لتدميره إلى نقطة صمود واستمرارية. +الردع القانوني والدولي: جرّ قادة الاحتلال أمام المحاكم الدولية وإصدار بطاقات جلب رمزية، أظهر أن أي مشروع إبادة لن يمر دون مساءلة أخلاقية وقانونية على الأقل. +توحيد المجتمع الفلسطيني ضد أي تهديد وجودي: دعم اليمن والمنصات الرقمية العالمية شكل شبكة حماية جماعية حالت دون تنفيذ مشاريع الإبادة على الأرض وحافظت على بوصلة الحرية والكرامة.
سابعا: أفق التحرير الشامل واستراتيجيات المستقبل: المقاومة مستمرة نحو تحرير فلسطين الكامل: -استراتيجية شاملة للتحرير: دمج المقاومة العسكرية، الشعبية، القانونية، الإعلامية، والاقتصادية، لبناء استراتيجية فلسطينية متكاملة قادرة على مواجهة الاحتلال على كل المستويات. -تشكيل هوية فلسطينية مقاومة مستدامة: الثقافة، التعليم، الفن، والاقتصاد المقاوم أصبحوا ركائز لبناء مجتمع فلسطيني موحد وصامد، قادر على استمرار الصراع حتى تحقيق الهدف النهائي. -تأثير عالمي مستمر: تجربة غزة واليمن تشكل نموذجا للشعوب المقهورة حول العالم، تثبت أن إرادة الشعب صامدة، وأن التضامن العالمي يمكن أن يغير ميزان القوى، ويحول الصمود المحلي إلى قضية عالمية.
الفصل الخامس: صمود غزة كمركز عالمي للحرية واستراتيجيات المقاومة المستمرة.
مع مرور الوقت على الانتصار الرمزي والميداني لغزة، تبدأ مرحلة جديدة من بناء القوة الوطنية والمقاومة المستمرة، ليس فقط على الأرض، بل في الوعي الجماعي، الاستراتيجية الإقليمية والدولية، والقدرة على إفشال كل محاولات الاحتلال المستقبلية. هذا الفصل يحلل الأبعاد السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية، والإعلامية لما بعد النصر، وكيفية تحويل تجربة غزة إلى نموذج عالمي للصمود والمقاومة.
أولا: صمود غزة كمنظومة مقاومة متكاملة: غزة لم تعد مجرد مدينة أو قطاع محاصر، بل أصبحت منظومة مقاومة متكاملة تجمع بين الشعب، الفصائل، المجتمع المدني، الإعلام، الاقتصاد، والتعليم: +التنظيم الشعبي الذكي: الشباب، النساء، والمثقفون الفلسطينيون أسسوا شبكات مقاومة داخلية قادرة على إدارة المجتمع في ظل الحصار والتحديات العسكرية، مع الحفاظ على وحدة الصف واستمرارية الصمود. +الاقتصاد المقاوم المستدام: تطوير مشاريع محلية، الزراعة الحضرية، ودعم المبادرات النسائية والشبابية، جعل غزة قدرة اقتصادية قائمة على الذات، تقلل من تأثير الحصار وتدعم المقاومة الاجتماعية. +التعليم المقاوم والفكر الوطني: المدارس والجامعات الفلسطينية بدأت تربّي أجيالا على الوعي الوطني، الصمود، والقدرة على مواجهة الاحتلال والمخاطر الخارجية، مع ربط الشباب بتاريخ فلسطين وتجربة غزة واليمن.
ثانيا: غزة كمركز عالمي للحرية والكرامة: تجربة غزة أصبحت رمزا عالميا للحرية، الكرامة، والمقاومة الشعبية: -إشعاع عالمي للمقاومة الشعبية: أساطيل كسر الحصار، المظاهرات العالمية، والإعلام الرقمي جعلت غزة نموذجًا عالميًا للشعوب المقهورة التي تبحث عن الكرامة والحرية. فضح الاحتلال دوليا: كل عمليات القصف والحصار كانت موثقة ومبثوثة مباشرة للعالم، كاشفة عن سياسات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي حاول الكيان فرضها. -التأثير على السياسات الدولية: الصمود الفلسطيني خلق ضغطا مستمرا على الحكومات والمنظمات الدولية، حتى تلك التي تدعم الاحتلال صراحة أو ضمنيا، مما أجبرها على مراجعة سياساتها.
ثالثا: بناء التحالفات الإقليمية والدولية المستدامة: بعد النصر الميداني، أصبح من الضروري ترسيخ التحالفات الإقليمية والدولية التي دعمت غزة ودفعت إلى استمرار المقاومة: -دور اليمن الاستراتيجي: الدعم السياسي، الإعلامي، واللوجستي لليمن أثبت أنه يمكن تحويل التضامن الإقليمي إلى قوة مستمرة، تساهم في حماية المدنيين، وإضعاف مشاريع الاحتلال طويلة المدى. -شبكة التضامن العالمي: المظاهرات الدولية، الإعلام الرقمي، الضغط الشعبي، والأطر القانونية، شكّلوا جبهة دولية داعمة للمقاومة، تتجاوز الحدود الإقليمية، وتربط بين صمود غزة والشعوب المقهورة في العالم. -تعزيز العمل الدبلوماسي الشعبي: المبادرات الشعبية، الإعلامية، والقانونية ساعدت في تحريك الرأي العام العالمي، وفرض قيود رمزية على الاحتلال، وإعادة صياغة الحوار الدولي حول فلسطين.
رابعا: الإعلام الرقمي كسلاح استراتيجي: الإعلام الرقمي أصبح في مرحلة ما بعد النصر رافعة أساسية لاستمرار المقاومة: +فضح جرائم الاحتلال المستمرة: كل اعتداء أو محاولات التطهير العرقي أو الإبادة الجماعية كانت تُكشف على الهواء مباشرة، مع تقديم الأدلة والمعلومات الواقعية للعالم. +تعبئة التضامن العالمي: الفيديوهات، الصور، والتقارير الحية من غزة واليوتيوب والإنترنت حفّزت مظاهرات وأساطيل تضامن عالمية، وأصبحت أداة ضغط سياسية على الحكومات الغربية المتواطئة مع الاحتلال. +إعادة صياغة القوة الرمزية: الإعلام الرقمي نقل نموذج المقاومة من غزة إلى كل شعوب العالم المقهورة، مثبتًا أن الصمود الشعبي قادر على تحدي الهيمنة الإعلامية التقليدية وإضعاف روايات الاحتلال المزيفة.
خامسا: استدامة إفشال التطهير العرقي والإبادة الجماعية: بعد النصر المباشر، أصبح من الضروري تحويل تجربة إفشال التطهير العرقي والإبادة الجماعية إلى سياسة استراتيجية مستدامة: -منع تهجير الفلسطينيين بالقوة: شبكات المقاومة الشعبية والدعم الإقليمي جعلت أي محاولة تهجير غير ممكنة على الأرض. -صد المحاولات الاقتصادية والرمزية للإبادة: كل الحصارات، القصف، والضغط الاقتصادي كانت فرصة لتعزيز صمود المجتمع الفلسطيني وتحويلها إلى نقاط قوة استراتيجية. -الردع القانوني المستمر: جرّ قادة الاحتلال أمام المحاكم الدولية وإصدار بطاقات جلب رمزية، شكل رسائل مستمرة للعالم بأن أي مشروع إبادة لن يمر دون مساءلة. -شبكة حماية جماعية: دعم اليمن، الإعلام الرقمي، والشبكات الدولية شكلت حماية مستمرة للمدنيين، وأداة للحفاظ على الكرامة الوطنية وحماية الشعب الفلسطيني.
سادسا: الثقافة والهوية المقاومة كقاعدة للبقاء: غزة أكدت أن الهوية الوطنية والثقافة المقاومة هما صمام أمان الشعب الفلسطيني: +الفن المقاوم والأدب الوطني: الشعر، الرواية، والفنون التشكيلية بدأت تعكس تجارب الصمود، النصر الرمزي، ودور المرأة والشباب في المقاومة. +تعليم مقاوم: البرامج التعليمية تركز على تدريب الأجيال الجديدة على الصمود، الفكر الوطني، وفهم الصراع بشكل استراتيجي. +تعزيز التضامن الاجتماعي الداخلي: الدعم الاجتماعي والمبادرات المحلية ساعدت على ضمان استمرار الحياة الطبيعية للمدنيين، مع صيانة الكرامة الوطنية والوجود الاجتماعي.
سابعا: أفق التحرير الشامل واستراتيجيات المستقبل: المقاومة المستمرة نحو التحرير الكامل لفلسطين: -استراتيجية شاملة للتحرير: دمج المقاومة العسكرية، الشعبية، القانونية، الإعلامية، الاقتصادية، والثقافية لبناء استراتيجية فلسطينية متكاملة، مستدامة، قادرة على مواجهة الاحتلال على كل المستويات. -تشكيل مجتمع فلسطيني موحد وصامد: الثقافة، التعليم، الاقتصاد المقاوم، والفن الوطني، أصبحت ركائز لبناء مجتمع فلسطيني قوي، قادر على استمرار الصراع حتى تحقيق الهدف النهائي. -تأثير عالمي مستمر: غزة واليمن أصبحا نموذجا للشعوب المقهورة في العالم، يثبت أن إرادة الشعب صامدة، وأن التضامن العالمي يمكن أن يغير ميزان القوى، ويحول الصمود المحلي إلى قضية عالمية حقيقية.
الفصل السادس: غزة والشرخ العالمي – أوروبا ودول الجنوب في مواجهة الحقيقة.
مع صمود غزة المذهل، لم يقتصر أثر المقاومة على المنطقة فحسب، بل امتد ليخلق تحولات جيوسياسية دولية عميقة، إذ أثارت غزة شرخا حقيقيا في صفوف الاتحاد الأوروبي وأتباعه، وفي الوقت نفسه حظيت بتضامن واسع من دول الجنوب، وخاصة كبريات دول أمريكا اللاتينية، ما أعاد رسم خارطة التحالفات العالمية حول القضية الفلسطينية.
أولًا: شرخ أوروبا وأتباعه: الانتصار الميداني لغزة كشف ضعف المواقف الأوروبية التقليدية تجاه الاحتلال الصهيوني: +انقسام صارخ في السياسات الأوروبية: بعض الدول، مثل فرنسا وألمانيا، حاولت الحفاظ على لغة التوازن الدبلوماسي التقليدية، بينما واجهتها دول أخرى، كإسبانيا وإيرلندا، بموقف صريح داعم لحقوق الشعب الفلسطيني، مما أظهر انقسامات داخل الاتحاد الأوروبي لم تشهدها العقود الماضية. +فضح التواطؤ الأوروبي السابق: دعم بعض الدول الأوروبية للكيان الصهيوني أو صمتها أمام الانتهاكات، أصبح غير مقبول في ظل الوقائع الميدانية والإعلام الرقمي الذي كشف الجرائم مباشرة للعالم. +إعادة تقييم العلاقات الخارجية: الدول الأوروبية المجزأة اضطرت إلى مراجعة سياساتها تجاه الشرق الأوسط، وفهم أن دعم الاحتلال لم يعد ممكنا دون مواجهة ضغوط شعبية داخلية قوية. +تأثير على الرأي العام الأوروبي: الإعلام الرقمي والمظاهرات الأوروبية الداعمة لغزة دفعت المواطنين لإعادة تقييم مواقف حكوماتهم، وزيادة الضغط على السياسات الرسمية، مما أسهم في تحريك مسار دعم حقوق الفلسطينيين في الساحة الأوروبية.
ثانيا: الدعم المذهل من دول الجنوب: في المقابل، غزة تلقت تضامنا واسعا من دول الجنوب، خصوصا دول أمريكا اللاتينية الكبرى، التي اعتبرت القضية الفلسطينية قضية جوهرية للعدالة والتحرر: -الدور الرمزي والسياسي لأمريكا اللاتينية: دول مثل البرازيل والأرجنتين وفنزويلا و كمبوديا أصدرت بيانات رسمية تدعم غزة، وفضحت الاحتلال أمام العالم، وربطت الصراع الفلسطيني بالتحرر الوطني للشعوب المقهورة في القارة. -مظاهرات جماهيرية ضخمة: في كبرى العواصم الأمريكية اللاتينية، شهدت المسيرات والمظاهرات تضامنًا شعبيًا واسعًا، مؤكدًا على قدرة الشعوب على محاكاة نموذج غزة والمطالبة بالعدالة الدولية. -التأثير على السياسات الحكومية: هذا الدعم الشعبي والرسمي أدى إلى ضغط مستمر على الحكومات للانخراط في مبادرات عملية لدعم فلسطين، سواء عبر المنظمات الدولية أو التعاون الإقليمي مع حلفاء المقاومة. -إعادة رسم التحالفات الدولية: الدعم من دول الجنوب أضاف بعدا جديدا للصراع الفلسطيني، حيث أصبح واضحا أن غزة لم تعد مواجهة محلية، بل أصبحت قضية عالمية تجمع بين شعوب الشمال والجنوب ضد الاحتلال والإمبريالية.
ثالثا: انعكاسات الشرخ والتحالفات على السياسة العالمية: نتيجة الانقسام الأوروبي والتضامن الجنوب-جنوبي، بدأت تظهر تحولات ملموسة في السياسات الدولية: +إعادة التوازن الدولي للقضية الفلسطينية: أي سياسة دعم أعمى للاحتلال تواجه الآن مقاومة سياسية وشعبية قوية من الاتحاد الأوروبي نفسه ومن دول الجنوب. +إضعاف الرواية الصهيونية عالميا: الشرخ الأوروبي، مع تضامن أمريكا اللاتينية، جعل أي ادعاء للكيان بأنه القوة الوحيدة القادرة على فرض الهيمنة في المنطقة، موضع تساؤل عالمي. +تعزيز الشرعية الفلسطينية: الدعم المتنامي من الجنوب وأجزاء من أوروبا، مع الإعلام الرقمي والتوثيق المستمر للجرائم، أعاد الاعتبار الدولي لفلسطين، ووضع المقاومة كمصدر قوة سياسية وأخلاقية عالميًا.
رابعا: دور الإعلام الرقمي والتضامن الشعبي العالمي: الإعلام الرقمي، جنبا إلى جنب مع الدعم الشعبي في أوروبا ودول الجنوب، أصبح رافعة استراتيجية مستمرة للمقاومة الفلسطينية: -كشف التضليل الإعلامي الغربي التقليدي: كل حملة صهيونية حاولت تلميع صورتها أمام العالم، كانت تُفضح فورًا عبر المنصات الرقمية، مدعومة بشهادات حية من أرض الواقع. -ربط الشعوب بعضها ببعض: مظاهرات جنوب أمريكا، أوروبا، وآسيا، خلقت شبكة تضامن عالمي تربط بين النضال الفلسطيني والمطالب الشعبية للتحرر من الاستعمار والهيمنة الأجنبية. -تأثير دائم على القرار الدولي: الإعلام الرقمي جعل من المستحيل على الحكومات الأوروبية والغربية المضي في سياسات دعم الاحتلال دون مواجهة ضغط شعبي مستمر.
خامسا: أفق المستقبل: غزة أظهرت أن التحالفات ليست حكرا على الجغرافيا أو المصالح التقليدية، بل يمكن بناء تحالفات شعبية ودولية حول العدالة والكرامة. الشرخ الأوروبي وتضامن دول الجنوب يمنح المقاومة الفلسطينية قوة مستمرة لدفع أي مبادرات سياسية قادمة نحو العدالة والتحرير الشامل. الإعلام الرقمي والتحرك الشعبي الدولي أصبح أداة استراتيجية أساسية لضمان استمرار الضغوط على الاحتلال، وإحباط أي محاولة لمحو وجود الشعب الفلسطيني أو تهجيرهم بالقوة.
الخاتمة: غزة والمقاومة – صمود مستمر وأفق التحرير الشامل.
عندما نتأمل تجربة غزة، نجد أن القوة الحقيقية للمقاومة الفلسطينية لم تكمن فقط في السلاح أو المواجهة الميدانية، بل في إرادة الشعب الصامد، في الوحدة الوطنية، في التضامن الإقليمي والدولي، وفي القدرة على استثمار كل الأدوات السياسية والقانونية والإعلامية لتعزيز صمودها وبناء أفق للتحرير الشامل. لقد أثبتت غزة أن المقاومة ليست مجرد مرحلة عابرة في صراع طويل، بل هي استراتيجية حياة، ثقافة، اقتصاد، تعليم، وفن، وجسر يربط الشعوب المقهورة حول العالم في مواجهة الاحتلال والإمبريالية.
أولا: ملحمة الصمود الفلسطيني: صمود غزة، رغم الحصار والقصف ومحاولات التطهير العرقي والإبادة الجماعية، شكل درسًا عالميًا في المقاومة الشعبية المنظمة: -إفشال مشاريع التهجير القسري والإبادة الجماعية: غزة حولت كل محاولة للتهجير أو الإبادة إلى فرصة لتعزيز وحدة المجتمع، وإظهار الإرادة الوطنية الصلبة للعالم. -تعزيز الهوية الوطنية والثقافة المقاومة: من خلال التعليم، الأدب، الفن، والمبادرات الاجتماعية، تم ترسيخ مفهوم الهوية الفلسطينية المستقلة، المبنية على الكرامة والصمود، وليس على المفاوضات الضعيفة أو التحالفات المشبوهة. -الوحدة الداخلية: الفصائل، المجتمع المدني، الشباب والنساء، عملوا جميعا كشبكة متكاملة لضمان استمرار الصمود وتحويل الانتصارات الرمزية إلى قوة وطنية حقيقية.
ثانيا: تحولات عالمية عميقة: غزة لم تحقق صمودا محليا فقط، بل أحدثت تحولات جيوسياسية ودولية عميقة، إذ كشفت عن: -شرخ الاتحاد الأوروبي وأتباعه: المواقف الأوروبية التقليدية تعرضت لاختبار حقيقي، وأصبح واضحا أن دعم الاحتلال لم يعد مقبولا في ظل الرأي العام والشباب الأوروبي المدافع عن العدالة. -دعم دول الجنوب، خاصة أمريكا اللاتينية الكبرى: هذا التضامن أعاد رسم التحالفات الدولية وأثبت أن القوة الشعبية والدعم الشعبي والدولي يمكن أن يشكل معادلة ضاغطة على الاحتلال. -التضامن العالمي والمظاهرات الدولية: أساطيل كسر الحصار، المظاهرات، والحملات الإعلامية الرقمية حولت القضية الفلسطينية من صراع محلي إلى رمز عالمي للحرية والكرامة.
ثالثا: الإعلام الرقمي والقوة الرمزية: الإعلام الرقمي أصبح أداة أساسية ورافعة استراتيجية للمقاومة الفلسطينية: +فضح الاحتلال أمام العالم مباشرة: كل جرائم الاحتلال كانت توثق بشكل حي، مما كسر الحصار الإعلامي وفضح زيف الروايات الرسمية. +تعبئة الشعوب العالمية: الفيديوهات، الصور، والتقارير الحية، حفزت مظاهرات عالمية، وأساطيل تضامن، وجعلت غزة نموذجًا للمقاومة الشعبية العالمية. +إعادة تعريف القوة الرمزية: الإعلام الرقمي حول غزة إلى بوصلة للأحرار، مصدر إلهام للمقاومة في كل أنحاء العالم، وأداة ضغط مستمرة على الحكومات الداعمة للاحتلال.
رابعا: القانون الدولي والمساءلة: جرّ قادة الاحتلال أمام المحاكم الدولية، وإصدار بطاقات جلب رمزية، أثبت أن العدالة الدولية، رغم قصورها، يمكن أن تكون أداة لإحباط مشاريع الإبادة والتطهير العرقي: -إثبات ضعف الأمم المتحدة والفيتو الأمريكي: العجز الدولي أصبح مكشوفا، لكن هذا زاد من أهمية المقاومة الشعبية والقوة الرمزية للمجتمع الدولي الداعم. -رسائل عالمية للعدالة والمساءلة: حتى لو لم تُطبق القوانين بشكل كامل، فإن فضح الجرائم دوليا يضع قيودا أخلاقية وسياسية على الاحتلال، ويخلق إطارا للتصدي لأي مشاريع مستقبلية للتطهير العرقي.
خامسا: الأفق الاستراتيجي للتحرير الشامل: غزة أظهرت أن المقاومة ليست مجرد مواجهة آنية، بل خطة استراتيجية طويلة المدى: +الاستراتيجية الشاملة للتحرير: دمج المقاومة العسكرية، الشعبية، القانونية، الإعلامية، والاقتصادية لبناء استراتيجية فلسطينية متكاملة ومستدامة. +إعادة صياغة المجتمع الفلسطيني: الثقافة، التعليم، الاقتصاد المقاوم، والفن الوطني أصبحت ركائز لبناء مجتمع فلسطيني موحد وقوي، قادر على الصمود وتحقيق التحرير الكامل. +تأثير عالمي مستمر: غزة واليمن أصبحا نموذجا عالميا، يثبت أن إرادة الشعوب صامدة، وأن التضامن الدولي يمكن أن يغير ميزان القوى، ويحول صمود غزة إلى قضية عالمية مستمرة.
سادسا: الخلاصة الكبرى: غزة والمقاومة الفلسطينية لم تحقق صمودا لحظيا أو انتصارا عسكريا فحسب، بل صنعت نموذجا عالميا للمقاومة المتكاملة، جسدا شاملا للصمود والكرامة، جسرا يصل بين الشعوب المقهورة في كل القارات. لقد أكدت غزة أن التحرر الوطني ليس حلما مؤجلا، بل مشروعا مستمرا يُبنى يوما بعد يوم، مقاومة بعد مقاومة، عبر كل أبعاد الحياة: العسكرية، الاقتصادية، الثقافية، التعليمية، والقانونية. في النهاية، تجربة غزة تذكرنا جميعا أن القوة الحقيقية ليست في الهيمنة أو الاحتلال، بل في الإرادة الجماعية، الصمود المستمر، والتضامن الدولي الذي يحول المقاومة المحلية إلى قضية عالمية، ويثبت أن الحرية والكرامة لا يمكن كسرهما أبدا ، و انتصار غزة ليس سوى انتصار في معركة من حرب متواصلة الى حين تحرير كل فلسطين من الماء الى الماء .
#رياض_الشرايطي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من -الشعب يريد- إلى -النهضة تقرر- إلى -الرئيس يقرر
-
الأفقية والقاعدية: تفكيك مفاهيمي وتحليل تطبيقي.
-
البناء القاعدي والتسيير الذاتي: بين النظرية، التجارب، والتحو
...
-
السلاح ، المخدرات و الادوية ، اسلحة للثراء و اخضاع الشعوب.
-
تحليل مقتضب للنرجسية الفردية و السّلطة والشعبوية.
-
الاعتراف بالدولة الفلسطينية: خطوة ناقصة في معركة طويلة ضد ال
...
-
الأدب العربي والترجمة: ساحة المقاومة والوعي.
-
الأدب والتكنولوجيا: بين انفتاح النص وقلق المستقبل.
-
نقد الإبداع وإبداع النقد.
-
بقايا الطلائع القديمة: الثورة بين الخطاب والممارسة والخيبة.
-
اللّجوء بين إنسانية العالم وابتزاز السياسة: في أزمة النظام ا
...
-
قراءة نقدية تفكيكية لرواية -أنا أخطئ كثيرا- للاديبة اللبناني
...
-
11 سبتمبر 2001 ، انطلاق اللّعبة الامبريالية الكبرى.
-
الحرب كحقل تجارب للذكاء الاصطناعي: كيف أصبحت غزة مختبرا للمر
...
-
رؤوس أقلام حول أمريكا: الإمبريالية الحربية والاقتصادية من ال
...
-
أحفاد مانديلا . تحرير العمل: الدرس الجنوب إفريقي.
-
البيروقراطية
-
السودان يحترق... والطبقات الحاكمة تتقاسم الخراب
-
قراءة نقدية لديوان -في أن يستكين البحر لفرح موج- لإدريس علوش
...
-
البناء القاعدي: من فكرة التحرر إلى أداة الهيمنة؟
المزيد.....
-
عائلة شماسنة الفلسطينية تتهيأ لاستقبال ابنيها بعد 34 عاما خل
...
-
مارغوري من نظرية المؤامرة إلى الاعتراف بـ-الإبادة الجماعية-
...
-
ترامب يهدد بوتين بإرسال صواريخ توماهوك لأوكرانيا
-
بقيمة 27 مليون دولار.. بريطانيا تكشف عن حزمة مساعدات لغزة
-
إيران تعلن عدم مشاركتها في قمة شرم الشيخ للسلام
-
بعد 50 عاما على سرقتها.. سيدة تعيد قطعة أثرية إلى اليونان
-
-رسالة تحذير-.. ترامب يلاعب بوتين بورقة -توماهوك-
-
كابل تتهم مجموعات في باكستان بتقويض العلاقة بين البلدين
-
إعلان تشكيل حكومة فرنسية جديدة برئاسة لوكورنو
-
ترامب يلوّح بتحذير بوتين بشأن احتمال تزويد أوكرانيا بصواريخ
...
المزيد.....
-
شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان
...
/ غيفارا معو
-
حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
المزيد.....
|