ليث الجادر
الحوار المتمدن-العدد: 8494 - 2025 / 10 / 13 - 02:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ليس من باب المصادفة أن يُعقد «مؤتمر السلام من أجل غزة» في شرم الشيخ يوم 13 أكتوبر. في السياسة، كما في المسرح، لا يُترك شيء للصدفة. هذا التاريخ تحديدًا هو ذكرى تأسيس البحرية الأمريكية، وهو اليوم نفسه الذي يخلع فيه الأمريكيون حمالات صدورهم في احتفال سنوي «تحرري» بدعوى محاربة السرطان. ثلاث مناسبات لا رابط منطقيًا بينها… لولا أن السخرية السياسية أتقنت الجمع بينها في مشهد واحد.
على الشاطئ المصري الهادئ، ستُرفع شعارات «السلام» بينما في الجهة المقابلة، على امتداد البحار والمحيطات، تحتفل القوة البحرية الأولى في العالم بذكرى ميلادها، وكأنما تريد أن تقول: «السلام الحقيقي يصنع من البحر». هذه هي القوة التي رافقت كل تدخل أمريكي في القرن الأخير، من فيتنام إلى العراق، مرورًا ببيروت وليبيا. قوة كانت — وما زالت — الذراع الصلبة التي تُملي شروط «السلام» بعد أن تنتهي البوارج من مهمتها.
فما المغزى من عقد مؤتمر لغزة في يوم البحرية الأمريكية؟ لا شيء سوى أن السلام الذي يُراد تسويقه للفلسطينيين لا ينفصل عن إرث الحصار البحري والقصف البحري والهيمنة البحرية. إنهم يدعون إلى السلام من المنتجع، بينما تحتفل حاملات الطائرات في عرض البحر.
ولأن الشكل بات أهم من المضمون، فقد وُجّهت دعوة لرئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم لحضور المؤتمر، في مشهد أقرب إلى حفل افتتاح كأس عالم منه إلى اجتماع مصيري لشعب محاصر. دعوة الفيفا لمؤتمر سياسي هي التعبير الأوضح عن روح هذا الزمن: السياسة تحولت إلى مباراة استعراضية، المهم أن تكون اللقطة جميلة، وأن يظهر الجميع في الصورة.
أما المفارقة الأكبر، فهي في تزامن كل هذا مع «يوم خلع حمالة الصدر» في الولايات المتحدة. مناسبة رمزية لا تُغيّر شيئًا من واقع المرض، لكنها تُقدَّم للجمهور باعتبارها خطوة بطولية في وجه السرطان. وهذا بالضبط ما يفعله مؤتمر شرم الشيخ: يقدّم رمزية ناعمة لتغطية مأساة عارية. يوزّع الابتسامات والبيانات، بينما يبقى الجدار والحصار والموت كما كان.
سلامٌ بحريّ التوقيت، كرويّ الضيوف، صدريّ الرمزية. مزيج ساخر يختصر حال السياسة الدولية حين تتعامل مع فلسطين: مشهد محكم الإخراج، فارغ المحتوى.
فوق الطاولة كلمات منمّقة، وتحتها بحرٌ من القوة. وبين هذا وذاك… مؤتمر آخر يُضاف إلى أرشيف المؤتمرات المتأمره...
#ليث_الجادر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟