|
تمييز مستتر وعنصرية مبطنة !!
أمل زاهد
الحوار المتمدن-العدد: 1829 - 2007 / 2 / 17 - 07:13
المحور:
الادب والفن
صرح الدكتور عبد الله الغذامي في ملتقى النص العام الماضي والذي أقامه النادي الأدبي بجدة بأنه أضطر إلى تغيير عنوان ورقته ، وذلك لأنه فوجئ بورقة الناقدة الدكتورة لمياء باعشن وبمحتواها ، وانبهر باستنتاجاتها التي زحزحت عنوان محاضرة الأديب الراحل حمزة شحاتة ( الرجولة عماد الخلق الفاضل ) ووضحت الخطاب المضمر فيه ، لتصل إلى الافتراضية التي قلبت العنوان إلى ( الأنوثة عماد الخلق الفاضل ) . وعلى قدر ما تظهر كلمات الدكتور الغذامي إعجابا جليا وانبهارا واضحا بورقة الدكتورة لمياء ، على قدر ما يخفي خطابه المتضمن ذلك المديح الظاهري إنكار لتميز المرأة واستهانة بالمنتج الثقافي للمرأة السعودية ، وكأنه يقول أنه لم يكن يتوقع أن يصل عقل أنثوي ( محلي ) إلى هذا الاستنتاج الذكي ولا إلى القدرة على قراءة الخطاب المضمر وتفكيك مفرداته ! و هنا أجد أنه لا مفر لي من رفع تساؤل بريء يقول : هل سيصرح الدكتور الغذامي بهذا الإعجاب لو كان الكاتب رجلا ؟! ولا أرى حقيقة في شهقات الانبهار المبالغ فيها هذه ، إلا الصورة الأخرى الموازية لتلك المنكرة أن يكون الإبداع مدموغا بدمغة أنثوية ، فكلاهما يسير في ذات الخط الذي يرفض التصديق أن الإبداع من الممكن أن يتوج رأس امرأة أو يتدفق من عقل وقلم أنثوي!! فالإبداع في عرفهم لا يمكن إلا أن يلبس شوارب الذكورة ويرتدي ثراء ورجاحة العقل الرجولي وقدرته على الوصول إلى آفاق التميز!! وفي هذا السياق اتهمت الروائية المبدعة أحلام مستغانمي بأن من كتب روايتها ( ذاكرة الجسد ) هو سعدي يوسف ! فلا يمكن في تقديرهم أن تصل امرأة إلى تخوم الإبداع ، ولا بد من رجل يقف ورائها ليمنحها بكل بساطه وأريحية منتجه الأدبي لتضع عليه اسمها وتنال المجد الذي يفترض أن يكلل جبهته هو !! كما رفع الناقد عبد الله السمطي أصابع الاتهام في وجه الأديبة السعودية ليلى الجهني زاعما أنها سرقت فكرة روايتها ( الفردوس اليباب ) من فيلم أمريكي ، وقد وصل إلى هذا الاستنتاج الجهبذ لورود عبارة على لسان بطلة الرواية تتشابه مع عبارة وردت في الفيلم ، ثم زاد في محاولة غير موفقة محاولا اقتناص ملامح تشابه بين قصة الفيلم وقصة الرواية ، متجاهلا أن قصة خداع فتى لفتاة ثم التنكر لها موجودة في كل الثقافات وقد تناولها كتاب كثيرون كل بطريقته وأسلوبه فهل سرقوا جميعا أفكارهم من الفيلم المذكور ؟! وألا يكمن الاختلاف والتميز في أسلوب الطرق وتقنيات السرد ولغة الكتابة والأسئلة الشائكة التي يثيرها العمل ؟ ولا أرى في هذا النقد المجحف إلا محاولة لسحب البساط من تحت سن القلم الأنثوي ورغبة في إنكار الإبداع إذا ما صدر من موهبة تنتمي إلى الجنس المستنكر عليه دائما أن يرتفع إلى قمم الإبداع ! تعاني المرأة العربية عامة والسعودية خاصة من صنوف مختلفة من التمييز الجنسي ، ولعل أبشع صنوف هذا التمييز هو ذلك الذي يرتدي ثوبا مستترا !! فيستتر خلف أقنعة الوعي ويتمركز هناك في طيات اللاوعي ، ولعل من يمارسه لا يعلم به ولا يدرك طبيعته وهنا تكمن خطورته فله نتائج سلبية دون وجود ظاهري ملموس نستطيع من خلاله تحديده والإحاطة به والتعرف عليه ومن ثم إدانته ورفضه . والكارثة حين يصدر هذا التمييز المبطن والعنصرية المستترة من رموز ثقافية تظهر تعاطفا مع المرأة وتزعم المنافحة عن قضاياها ، بينما لا يزال ذلك الذكر الناشئ على احتقار المرأة والحط من شأنها قابعا في دواخلهم ، فيتسلل رغما عنهم ليدينهم بما يستنكروه ويستهجنوه في ظاهر كلامهم !! تعاني أيضا المثقفة والأديبة السعودية من ظاهرة التصفيق والاحتفاء المبالغ فيه بمنتجها الثقافي حتى لو لم يتوفر في العمل مقومات الإبداع والتميز !! ويصل هذا الاحتفاء إلى التربيت على الكتفين والتغاضي عن النواقص والتجاوز عن الهنات !! وأنا هنا أتساءل هل كانت رواية (بنات الرياض ) ستلاقي ما لاقته من نجاح وضجة إعلامية لو كان كاتبها رجلا ؟! وهذا لعمري صنف آخر من صنوف العنصرية المبطنة والتي تلبس ثوب الاحتفاء والإطناب المبالغ فيه ، وكأن لسان حال المادح يقول أنه لا ينتظر من قلم أنثوي إبداعا متميزا أو إنجازا خارقا !! فهذا أعلى ما تستطيع الوصول إليه امرأة ، فلنصفق لما لا يستحق التصفيق إن صدر من هذا الكائن المختلف والمحدود المواهب !! وفي عنصرية الاحتفاء والمديح المبالغ فيه تجني على المثقفة السعودية ، ليس لأنه فقط يحتوي على استهانة مضمرة بعقلها وإمكانياتها ومواهبها ، ولكن لأنه يخفي عنها الحقائق ويريها صورة مزيفة عن ذاتها ويضخم لها مميزات إنتاجها فلا تسعى إلى رفع المقاييس التي وضعتها لنفسها فتراوح مكانها ولا تنتقل منه ، فقد تضخم إحساسها بذاتها وصدقت أنها ( جابت الديب من ديله ) كما أوحت لها زفة المديح وجوقة المطبلين. زد على ذلك أن هذا الاحتفاء بمنتج المرأة السعودي دون وجه حق يهضم كثيرا من الأعمال المكتوبة بأقلام رجالية حقها ، فتغلق دونها أبواب الثناء وتجفوها الأضواء الإعلامية لحساب أعمال لا تبزها جودة ولا تدانيها تفوقا !! تحتاج المثقفة السعودية أحوج ما تكون إلى النقاد الصادقين مع أنفسهم أولا ، اللذين يرصدون خطواتها ويقومون عثراتها ويدعمون مسيرتها دون تفريط ولا إفراط ، فلا احتفاء يقلدها ما لاتستحقه ولا نقد مجحف يستنكر عليها الإبداع والتميز !! وأبشع من هذا وذاك ذلك الانبهار الذي يحوي في طياته استخفافا بها وانتقاصا من قدراتها !!
#أمل_زاهد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من وراء نقاب !!
-
ضرب المرأة .. أي ثقافة تلك ؟!
-
كفة ترجح دائما !!
-
عندما يتأبط الموت ذراعنا !!
-
لابد من حلول قاطعة !!
-
وارث الريح
-
الثقافة فعل تمرد
-
وجها لوجه أمام ظاهرة التحرش الجنسي
-
هموم وشجون رمضانية
-
تلك العتمة الباهرة
-
فليحيا الوطن .. فليسقط الاشقاء !!
-
مابين طرفي نقيضين !!
-
بين الموت والخلود
-
الكوني والمرأة .. عدوانية وكره أم عشق وتوق ؟
-
هل هو حي يرزق ؟
-
ظاهرة العنف الأسري : إلى أين نحن ذاهبون ؟
-
الخميائي وبيع الأحلام !!
-
عن قضية المرأة أتحدث
-
هكذا تكلمت النساء !!
-
فتاوى التمييز الجنسي !!
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|