أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خروب نورالدين - قصة قصيرة















المزيد.....

قصة قصيرة


خروب نورالدين

الحوار المتمدن-العدد: 1830 - 2007 / 2 / 18 - 09:44
المحور: الادب والفن
    


!... يشبهني تماما .

زوال رائع بدفء شمسه. كعادتي، حملت أوراقي، ووجهتي كانت مقهاي الجميل الذي يطل على الخضرة البعيدة، هناك شرق المدينة .. أخذت مقعدي، نشرت أوراقي على الطاولة وطلبت من النادل أن يصنع لي قهوة مضغوطة وأعمدة سجائر. لتبدأ رحلتي مع الدخان، رحلة لم أكن أريد من خلالها غير تذويب شعوري بالضيق. منذ البداية ركبت رأسي خواطر عديدة، والجميل أنها عذبة. في أحشائها صورة امرأة فاقت جذورها الهيكل الذي يحمل حياتي .. كنت أعتقد أن "مريم" ستترك في قلبي متسعا لأحلام أخرى. دون أن تصنع لي كل هذا الشرود الذي أسبح فيه اللحظة. على ظهر الزجاج، رأيته يدخن بشراهة، وينظر إلي بشكل غريب، نظراته ثاقبة، أحس بها تؤلمني في ظهري. لم أعر لذلك أهمية، قد يكون زبونا هاله شرودي، وينتظر إلى ما سيؤول إليه هذا الشرود. " مريم" لم تعد أمامي الآن. وأنا الذي لا أريد فقط أن أحتفظ بها صورة على جدران ذاكرتي. بقدر ما أريد من روحي أن تحتضن عبثها وأن تجمع السحر بتفان من تفاصيل أنوثتها وتجعله مع أوراقي الرسمية، ليكون دليلي كلما ضلت قدماي الطرقات أو شغل رأسي فراغ، السابلة تعبر زجاج واجهة المقهى بشكل مدهش، وتمضي حيث لا أدري .. ربما تلقي بنفسها في الوادي هربا من البشاعة التي تكبر في المدينة .. غير بعيد عنهم. رأيته هذه المرة يحفر بلحاظه في رأسي، أقلقني وجعلني أشك فيه، وحتى في نفسي، الرجل يشبهني إلى حد بعيد. قد أكون ضيعت وجهي سهوا فالتقطته وجاء ليعذبني به، أو أنه مخبر جاء ليراقصني على إيقاع معلومات خاطئة وقد صنعوا له قناعا بقسماتي ليسهلوا عليه المهمة .. لم الخوف، وأنا لم أفعل شيئا،، حتى السياسة لا أهتم بها ولو تبرجت .. لكن لم ينظر إلي هذا الرجل الذي يشبهني لهذا الشكل ؟ بدأ انطباع بالتحدي يحملني من على المقعد، ويدفعني لشنق البصر في لحاظه. حاولت استدراج الخوف بعيدا، فقمت إليه :
- " أهناك من مشكل سيدي، ربما قد تجد عندي الحل ؟ "
- " ليس هناك أي مشكل ! تفضل أولا ! طلب مني الجلوس وأشار بيده إلى كرسي، كأنه لا يريدني أن أجلس إلا على اليمين، تفضلت وقلت له :
- " منذ أن دخلت المقهى وأنت تنظر إلي بشكل مرعب. أيزعجك تواجدي هنا ؟"
- " لا! بالعكس، هو مقهاك الذي تفضل. لكني أيضا أفضله عن باقي المقاهي بالمدينة. اعذرني إن كنت قد سببت لك كل هذا القلق .. لقد اندهشت حين رأيتك، لاحظت ارتباكك. غير أني فضلت قراءة رد فعلك على أن أوضح الأمور. لا تقلق، فهذه بطاقتي لتعرف من أكون؟.
سلمني بطاقته، فبدأت أقلبها. ركبت أضلعي دهشة خطيرة. الرجل في الصورة يشبهني تماما كما لو كنت أنا، غير أن الشيب وزع بشكل كبير على سواد رأسه، والذي أدهشني أكثر، أنها تحمل إسمي وعنواني، بل حتى أرقام بطاقتي، غير أنها مسجلة بتاريخ تلزمني عشر سنوات لأعيش ثوانيه."
- "قل لي يا هذا ! أرجوك أن تقول لي فقط ما تريده مني؟ وكيف حصلت على هذه البطاقة بكل هذه التفاصيل؟"
- "يبدو لي أنك لم تصدق. لا عليك، فلم يسبق لأحد أن آمن بالحقيقة منذ بداية التاريخ. فأنا يا عزيزي لست بشيطان ولا مخبر. جئت، ولست أدري أي طريق سلكت. وجدت نفسي أمشي فتابعت المسير إلى أن استوقفني هدوء هذا المقهى. فقررت أن أرتاح قليلا. لكن عندما أخذت مقعدي، تبين لي من خلال الشكل الداخلي أنني هنا كنت ألتقي بمريم قبل أن أتزوج بها، فقلت لا بأس أن أراجع بعضا من ذكرياتي الجميلة، أذكر أنها كانت تأتيني كلها جمال وشوق، فنغرق في الحلاوة، أحسن أيام العمر، مرت من هنا، كنت أصرف الأفعال في كل الأزمنة، فقط لأراها، وكنت أراها!. فيوزعني الحلم ريقا بين شفتيها. منذ ذلك التاريخ لم اسمح لغيرها أنثى بأن تسكن خاطري، ولا واحدة من بنات المدينة جلست حيث أنت جالس الآن! فلكل شيء عندها غواية. نظرتها، بسمتها، حتى أنفاسها، ومن أجل ذلك كنت أدعو تنهداتي لتحصي جمر لوعتي، فكانت تحصيه بفرح".
- "دعك من هذا الآن! فأنا لن أسمح لغيري بأن يتغزل بمحبوبتي وأحاسيسي هشة قد تسقط مني إن واصلت الحديث بهذا الشكل، وقل لي لم أنت هنا؟.
أشعل سيجارة وبدأ يتملى رقصات الدخان أمامه قبل أن ينتهي إلى السقف، وقال بعد أن تنهد :
- " حبيبتك، لا أحد ينكر ذلك. ولا أحد قد يشك فيما تختزنه لها بين ضلوعك، رائع!. لكن يجب أن تعرف يا عزيزي أنها زوجتي، أتعي بهذا. قلت زوجتي! أم أبنائي، أراها كل يوم، صباح مساء، رغم ذلك، يكاد الشوق إليها يقتلني، فكل يوم أشتاق إليها أكثر من سابقه.."
- آه ! عرفت لم أنت هنا، جئت لتجنني. أليس كذلك ؟
يكفيني أبقاك الله الجنون الذي دوختني به. لكن الذنب ليس ذنبك.لو تركتني أموت فيها ، لما كنت التقيتك، فكلما عزمت أن أفعل، كانت تعترضني وتقول : " إن مت .. " قاطعني وواصل كلامها كأنه كان حاضرا : " فبمن إذن أتلهى وأنا لا أريد من غيرك رجلا يجمع شتاتي، ويخلصني من سلطة أمي .. " لن أنسى هذه الكلمات ما حييت. أذكر أنها قالتها ذات مساء بعيد وهي ترتجف مخافة أن يراها أحد خارج عتبة الباب.
- لكنك لحد الآن لم تقل لي لم أنت هنا ؟
- " أتريد حقا أن تعرف ! "
حركت رأسي بالإيجاب :
- قد تحسنت أمور عديدة لصالحي بشكل جيد. أسعدني ذلك، غير أن هناك أشياء لا أريد أن يسحقها النسيان، فكلها هوس .. جئت لآخذها عبر التاريخ، ابتداءا من الساعة التي ستصل بعد قليل، سأجعلها لي وحدي بعد أن أوصد كل الشرفات، لكي لا تصل يد طائشة أحلامي وهي ترتجف على صدر زوجتي. أخاف أن تجعلها كأوراق الخريف، فيحيق بها التعفن بعد برهة من عبث. لا تقلق، هي الآن في طريقها إليك رغم الأزمة، فما عليك الآن إلا أن تقبل على ما تفكر فيه، " مريم " تنتظرك، فلن تقبل برجل يجمع شتاتها ويخلصها من سلطة أمها غيرك، إذا عزمت، فلا تتردد، وانظر إلى مستقبلك بعيون متفائلة. فكل الآفاق ستفتح لك أبوابها مرحبة بقدومك.
وما أنا واثق منه اللحظة أن هذا الرجل الذي يشبهني ليس بطيف. فقد ناولني سيجارة وأشعلتها بولاعته، ربما أصابه مس، يتكلم وهو واثق من كلامه بدون استحياء، كأنه يعرف جيد المعرفة بأن الآتي سيصنع سعادتي. بالمقابل أعرف جيدا أن حظي يصارع مرارة حظه صباح مساء. وبعد أن غمست العقب في المنفضة قلت :
- ماذا بعد ؟
قال : من دون هذا، لا شيءسيسعدك سستتكاثر أفاعي الطغيان. فالضعيف سيزداد ضعفا والقوي قوة، ستعصف أزمة وستتشعب مجاريها. غير أن نباهتك ستحرق خطورتها وتعرض رمادها للريح.
بعد لحظة، حول بصره جهة الساعة المعلقة وقال وفي سرعة كلامه عجل :
- تمنيت لو أقضي معك الزوال كله، لكن الوقت لا يرحم علي أن أقضي مهمتي اللحظة.
نور الدين خروب
الخميسات



#خروب_نورالدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خروب نورالدين - قصة قصيرة