أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - جورج حداد - الخطر الاعظم: هل يستطيع الشيطان الاكبر إخضاع لبنان الصغير المقاوم؟!















المزيد.....



الخطر الاعظم: هل يستطيع الشيطان الاكبر إخضاع لبنان الصغير المقاوم؟!


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 1826 - 2007 / 2 / 14 - 02:04
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


ان البقعة التي سماها الجنرال غورو في 1920 "لبنان الكبير"، ثم سميت فيما بعد "الجمهورية اللبنانية"، والتي شملت متصرفية جبل لبنان "الماروني ـ الدرزي"، مضافا اليها الساحل المطل على "بحر الروم"، الذي كان بعض "الجبليين" يسمونه "خراج قبرص"، والجنوب الذي كان رئة للجليل والجولان وحوران وبالعكس، والبقاع الذي كان امتدادا لولاية دمشق، و"طرابلس الشام")، ـ هذه البقعة كانت على الدوام محط انظار ومطمعا للمصالح الاجنبية والقوى العظمى، اولا، لموقعها الستراتيجي، العسكري والسياسي والاقتصادي ـ فيما بين "الشرق" و"الغرب" ـ ، وثانيا، لتنوعها وتعددها الدمغرافي، في البعد الديني والمذهبي والثقافي، مما كان يتيح لكل طامع استعماري فرصة التدخل وايجاد موطئ قدم له في لبنان، بحجة "حماية" هذه الطائفة او تلك، هذا المذهب او ذاك.
وفي احلك واسوأ مراحل التاريخ "اللبناني"، ونعني بها مرحلة التسلط العثماني، فإن "الباب العالي" واحط الباشاوات العثمانيين، من امثال والي عكا احمد باشا الجزار، استطاعوا ان يسيطروا على "الجبل اللبناني" صعب المراس، وطبعا على الساحل والجنوب والبقاع والشمال، عن طريق "تطوير" آلية وتقاليد التقاتل والتذابح بين الاديان والمذاهب والعشائر والعائلات وابناء العمومة والخؤولة بل والاخوة، الذين كانوا يذبحون بعضهم بعضا بلا رحمة، ويحرقون قرى وبيوت بعضهم بعضا، ويسملون عيون ويقطعون ألسنة بعضهم بعضا، وفي الوقت ذاته "يزايدون" في رفع مبلغ الضرائب المفروضة على "الاقطاعات"، لاجل كسب رضا "الباب العالي" و"الباشاوات" العثمانيين، والحصول على لقب الامارة والبكوية والمشيخة والمقدمية، ومن ثم التسابق على سحق رعاياهم الجهلة المساكين، باسم الكرامة والزعامة والدين الحنيف ومسيح الرحمة. ولم يكن صدفة ان يتحدث عالم اجتماع كبير مثل كارل ماركس عن القبائل اللبنانية المتوحشة، عند اندلاع مذابح 1860، التي جددت ورسخت السلطة العثمانية، واضافت اليها "مبدأ" "الحماية الاجنبية" (الاوروبية، وحاليا الاميركية والاسرائيلية ايضا، والعثمانية ـ حاليا "العربية" الاسلامية!!!) التي اصبحت أسا اساسيا في وجود "الكيان اللبناني"، الى درجة انه لا يمكن الحديث عن "استقلال لبنان" الا من باب الخرافة والضحك على الذقون.
وفي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، حينما كانت سحب حرائق القرى اللبنانية ترتفع، كان الباشوات العثمانيين في عكا ودمشق وبيروت يفركون ايديهم فرحين، متلذذين بتدخين اراكيلهم الفخمة التي كان دخانها يمتزج بدخان حرائق البيوت التعيسة للفلاحين اللبنانيين المساكين، الذين كانوا يقتلون بعضهم بعضا على الهوية، لحساب البكوات والباشاوات. وفي الوقت نفسه، كانت الاساطيل الغربية تجوب السواحل، لانتهاز الفرص المناسبة لوضع وترسيخ اقدامها في لبنان، بحجة نشر "السلام" و"حماية" هذه الطائفة او تلك.
وفي تلك الحقبة السوداء، التي كان فيها لبنان والشرق العربي كله يرزح في ظلام المرحلة العثمانية، كانت اوروبا تعيش مرحلة "النهضة" (رينيسانس) والتمدن والثورة على الملكية والاقطاع وسيطرة رجال الدين. ولكن ماذا قدمت اوروبا "المتمدنة"، واستطرادا الغرب "المتمدن"، للبنان والشرق العربي؟!
قدما الاستعمار والاحتلال والامبريالية والصهيونية والاستيطان الصهيوني. وقد توسطا في ذلك أسوأ ما في "تقاليد" مرحلة التسلط العثماني، اي التفرقة العائلية والعشائرية والدينية والطائفية والمذهبية.
واذا كان التاريخ هو مأساة، ويعيد نفسه كمهزلة، فإن "التاريخ" اللبناني الراهن ـ المكرر والمعاد ـ هو مأساة اهزل من اي مهزلة، ومهزلة آسى من أي مأساة.
XXX
الآن، ماذا يريد الغرب الامبريالي والصهيوني من لبنان؟
ـ ان المنطقة تعيش مرحلة متقدمة مما يسمى الصراع العربي ـ الاسرائيلي، الذي اصبح يقف على مفترق مصيري بين احتمالين لا ثالث لهما وهما:
1 ـ تحطيم العدوان الصهيوني الاسرائيلي، وزوال كيان اسرائيل كدولة، وتحرير فلسطين العربية، وايجاد حل فلسطيني ـ عربي ـ دولي، انساني، لمشكلة البضعة الملايين يهودي الذين يقع "ذنبهم" على الصهيونية العالمية، والذين ألقتهم اوروبا (والغرب) الاستعماريين في فلسطين، لتسحق بهم الشعب الفلسطيني المظلوم، وتقيم فوق اشلائه هذا الكيان الطائفي ـ العنصري الذي يهدد الوجود الحضاري التاريخي للامة العربية بأسرها.
2 ـ تحطيم المقاومة الفلسطينية والعربية لاسرائيل والصهيونية، والاخضاع التام (على الطريقة العثمانية، ولمدة مئات السنين) للشعوب العربية قاطبة، وفرض "السلام" الامبريالي ـ الصهيوني على المنطقة.
وفي كلا الاحتمالين، فإن لبنان يأتي في رأس قائمة الاستهداف من قبل الامبريالية والصهيونية العالمية. ولننظر الى ذلك عن قرب:
اولا ـ فيما يتعلق بـ"الاخطار" التي تتهدد الكيان الصهيوني، الذي هو "خط احمر" (يكاد يضاهي اهمية: النفط) بالنسبة لوجود لا الصهيونية وحسب، بل والامبريالية العالمية برمتها، فإن عميان البصر والبصيرة انفسهم يرون الان ان "لبنان" يمثل "خطر وجودي" على اسرائيل.
لقد قال في وقته "فيلسوف الكيان اللبناني" ميشال شيحا ان لبنان واسرائيل لا يمكن ان يتعايشا؛
وقال في وقته الزعيم القومي السوري انطون سعادة ان الصراع مع اسرائيل هو "صراع وجود" لا "صراع حدود"؛
كان ميشال شيحا يفكر ببعد "فينيقي ـ مركنتيلي"؛
وكان انطون سعادة يفكر ببعد "قومي ـ نهضوي"؛
وها إن الحياة تقدم لنا "بعدا ثالثا"، هو البعد الطائفي ذاته (الذي عملت الامبراطورية العثمانية، ومن ثم الامبريالية الغربية والصهيونية، على "تطويره" وترسيخه لمئات السنين)، لاستحالة "التعايش" مع اسرائيل: لقد قال الامام المغيب موسى الصدر "اسرائيل شر مطلق" و"التعامل مع اسرائيل حرام". وها ان "حزب الله" ووراءه الطائفة الشيعية اللبنانية بأسرها يجسد على الارض معادلة "اما نحن، واما اسرائيل".
طبعا ان هذا البعد الطائفي، بهذه "الراديكالية" المعادية لاسرائيل، يقتصر الى الان على الطائفة الشيعية. ولكن الامبريالية العالمية والصهيونية الدولية ومعهما كل اذنابهما من الانظمة العربية التي تدين بوجودها لوجود اسرائيل، اذا لم تستطع ان "تحسم" موضوع "الحضور العسكري" لحزب الله، فإن هذا البعد سيأخذ حتما مداه في الطوائف الاخرى، لانه من الجنون ـ بالنسبة لاي طائفة لبنانية اخرى، محمدية او مسيحية ـ ان تضحي بوجودها ذاته لاجل اسرائيل والصهيونية. ومع ان الجنون يقود احيانا الى الانتحار، ومع انه يوجد الان في لبنان بعض الزعماء الطائفيين ممن يعيش على حافة الجنون السياسي ـ الطائفي، الا اننا لا نرى طائفية لبنانية، مهما سايرت اميركا واسرائيل تستسيغ السير نحو الانتحار لاجل اي منهما.
وهكذا يصبح القضاء على "الحضور العسكري" لحزب الله، بكل الابعاد: الفينيقية والقومية وحتى الطائفية، شرطا وجوديا بالنسبة لاسرائيل، ومن ورائها الامبريالية العالمية بزعامة اميركا.
ومع ان حزب الله يتحالف الان مع زعماء طائفيين تقليديين، مثل نبيه بري وميشال عون وسليمان فرنجيه وعمر كرامي (مع حفظ الالقاب)، فلا يبدو في الافق ان محاولات "التدجين السلمي" لحزب الله، وهي جارية على قدم وساق لبنانية وعربيا ودوليا، يمكن ان تنجح، مع ان هذا الاحتمال ـ مهما كان ضعيفا ـ يبقى واردا ولو نظريا.
وهذا ما يجعل الصدام مع حزب الله امرا محتما، لاجل إخضاع وتطويع لبنان. وتبقى مسألة "الاخراج" و"التوقيت".
وفشل اسرائيل في تحقيق هذا "الهدف الوجودي" بالنسبة لها، في حرب تموز، لا يعني بأي شكل من الاشكال التخلي عن هذه "المهمة الستراتيجية"، بل على العكس، يجعلها اكثر إلحاحا واكثر "ضرورة".
XXX
منذ فجر التاريخ، وقبل اكتشاف النفط بآلاف وآلاف السنين، كان حوض البحر الابيض المتوسط مركز العالم.
و"اكتشاف" القارة الاميركية، وظهور الدولة الامبريالية الاميركية، والاكتشافات العلمية العظمى، وسبر المحيطات وريادة الفضاء الكوني ذاته، لم تغير في هذه الحقيقة الوجودية للمجتمع البشري. بل ان هذه الحقيقة تتأكد وتترسخ اكثر فأكثر في عصر العولمة، وخصوصا بعد تحول الطاقة (ولا سيما النفط) الى ضرورة لا غنى عنها لكل مظاهر الحياة في العالم. والاحداث الجارية الان في الشرق الاوسط تبرهن تماما هذه الحقيقة.
والان تطمح الامبريالية العالمية، وبالاخص الامبريالية الاميركية، ومعها "حليفتاها" وبالاصح أداتاها الايديولوجيتان ـ السياسيتان ـ الماليتان: الماسونية والصهيونية، الى السيطرة التامة على شرقي البحر الابيض المتوسط وفرض "السلام الامبريالي" عليه، تمهيدا لاخراج النظام الراسمالي الاحتكاري العالمي من ازمته الراهنة، بتحويل حوض البحر الابيض المتوسط، من جديد، الى المحور الرئيسي لانتقال الافكار والعلوم والبشر والطاقة والرساميل.
وتحت هذا العنوان العريض تدخل الحوارات الاوروبية الغربية ـ الشرق اوسطية، والمساعي المحمومة لفرض "السلام الاميركي" على العرب، بدءا بكامب دايفيد والاتفاقية الاردنية ـ الاسرائيلية واتفاقية اوسلو، و"الوساطة" الاميركية لحل النزاع العربي ـ الاسرائيلي، والمؤتمر الاقتصادي للشرق الاوسط، والحرب على افغانستان والعراق الخ.
وتحت هذا العنوان العريض تدخل مشاريع "المنطقة التجارية الحرة الشرق اوسطية"، وبناء نفق او جسر معلق ضخم يصل اوروبا بافريقيا الشمالية عند مضيق جبل طارق، وانشاء طوق من الطرقات السريعة والسكك الحديدية السريعة التي تلف حوض البحر الابيض المتوسط، وغير ذلك من المشاريع ذات الطابع والمدى والاهمية العالمية.
ومن خلال السيطرة على منابع الطاقة واخضاع الشرق الاوسط والسيطرة على حوض البحر الابيض المتوسط، فإن الامبريالية العالمية، التي سدت امامها افاق التوسع داخل محيطها الاميركي ـ الاوروبي الضيق، تطمح للتحكم بالاقتصاد العالمي وتصدير واعادة تصدير الرساميل في اربعة اتجاهات الريح، والسيطرة على مصائر جميع شعوب العالم لعشرات ولمئات السنين القادمة.
والامبريالية العالمية هي الان في "سباق مع الزمن" لتحقيق مشروعها "العولمي" هذا، قبل اكتمال المخاطر التالية:
ـ ان يعود العملاق الروسي للنهوض من جديد، فيما يتعدى ضوابط الصراع "الايديولوجي" التي كانت سائدة في زمن الحرب الباردة.
ـ ان يبدأ العملاق الصيني في التحرر من الانعزالية التقليدية الصينية، والاندفاع في سياسة "توسعية"، على المستوى السياسي والعسكري، مثلما هو الان على المستوى الاقتصادي.
ـ ان يبدأ العملاق النائم، الاميركي اللاتيني، في التحرك الجدي الواسع والقاري ضد اليانكي الاميركي الشمالي، وما سيجره ذلك من شروع الاسبانو (المزيج من الاوروبيين اللاتينيين واحفاد الهنود الحمر) والافريكانو (احفاد "العبيد" الذين خطفوا بعشرات الملايين الى "العالم الجديد") في التحرك وزعزعة اميركا الشمالية داخل "بيتها" الخاص.
ـ واخيرا لا آخر ان تبدأ الحركة الشيوعية العالمية باستعادة انفاسها، بعد ان تخلصت من الانحراف "السوفياتي" المركب: الستاليني ـ الخروشوفي ـ الغورباتشوفي، الذي ذهب الى غير رجعة الى مزبلة التاريخ، ويبدأ "الشبح الشيوعي" يحوم من جديد لا حول اوروبا وحسب، بل حول العالم قاطبة.
وفي كل المشاريع الامبريالية "الشرق اوسطية"، يحتل لبنان مركزا مميزا لسببين لا يمكن تجاوزهما:
الاول، يعود الى الجغرافيا، ومن ثم الى الدمغرافيا وهو: انه ـ اي لبنان ـ يحتل مركز "الجيرة" المباشرة الاخطر مع اسرائيل، حيث ان التجمع السكاني الاسرائيلي الاكبر هو بجوار لبنان. وبالتالي فإن "تطويع" هذا البلد هو شرط حتمي لنجاح جميع المشاريع الامبريالية للمنطقة. فلو سيطرت الامبريالية واسرائيل، عسكريا وسياسيا، على كل المنطقة، وبقي لبنان "خارج السرب"، فإن كل المشاريع الامبريالية والصهيونية تبقى مهددة في الصميم، بسبب ما يمثله لبنان من تهديد لـ"وجود" اسرائيل ذاته.
والثاني، يعود الى الدمغرافيا، ومن ثم الى الجغرافيا، وهو: انه، في حال فرض "السلام الامبريالي" على المنطقة، فان اسرائيل، بتركيبتها السكانية الغالبة، اليهودية العنصرية، هي مرشحة كي تكون موطئ القدم او الموقع الإقليمي الرئيسي للكتلة المالية العالمية الانغلو ـ ساكسونية/اليهودية؛ في حين ان لبنان، بتركيبته الدمغرافية التعددية المتنوعة، وذات التاريخ العريق في العلاقات المركنتيلية منذ ايام الفينيقيين الى ايام الحريري، هو المرشح كي يكون موطئ القدم او الموقع الرئيسي للكتلة المالية العالمية الكاثوليكية ـ الاوروبية، ويكون في الوقت نفسه "منفتحا" على الكتلة المالية العالمية الانغلو ـ ساكسونية/ اليهودية. واذا كانت "المحمية الاسرائيلية" القادمة، ونعني بها "الدويلة الفلسطينية" المزمع انشاؤها، هي مرشحة كي تكون "السمسار" الرئيسي او رقبة الجسر الرئيسية للعلاقات بين اسرائيل والكتلة المالية الانغلو ـ ساكسونية/ اليهودية، من جهة، وبين الرأسمال النفطي والاسواق المالية والتجارية العربية ـ الاسلامية، من جهة ثانية؛ فإن لبنان، "العربي!"، او "ذا الوجه العربي!"، "السيد الحر المستقل!"، سيكون مؤهلا اكثر ليضطلع بدور رقبة الجسر للعلاقة بين الكتل المالية العالمية، الكاثوليكية ـ الاوروبية، والانغلو ـ ساكسونية/اليهودية، والروسية، والصينية وغيرها، وبين الرأسمال المالي النفطي والاسواق المالية والتجارية العربية ـ الاسلامية. كما ان البرجوازية الكومبرادورية المركنتيلية اللبنانية المعهرة تضطلع منذ اليوم بدور آلة دولية لغسيل الاموال "السوداء"، ربما هي الاكبر في العالم المعاصر. ومن خلال المديونية الكبرى التي رتبت على لبنان، وما يسمى "المساعدات الدولية" التي تقدم للبنان، حُـوّلت الدولة اللبنانية ذاتها وخصوصا نظامها البنكي، الى جزء لا يتجزأ من آلة غسيل الاموال الدولية. وهذا الدور "اللبناني" سيتضاعف بشكل لا مثيل له، في حالة فرض "السلام الامبريالي" على المنطقة.
ولكن للوصول الى غايتها الستراتيجية "العولمية" فإن الامبريالية عليها ان تجتاز عقبة لا بد من تذليلها، وهي: اخضاع الشعوب العربية وتحويلها الى "دواجن بشرية" خرساء لا اكثر ولا اقل، وفرض قبول اسرائيل كدولة اقليمية كبرى، تعود لها الكلمة الاولى، عسكريا واقتصاديا وسياسيا و"ثقافيا"، في المنطقة.
ومن ضمن هذا السياق، فإن الكتل المالية والاقتصادية العالمية، واليهودية، والعربية ـ الاسلامية، لا يمكن لها، بطبيعة الحال، ان تضع مصير مصالحها الكبرى، في المنطقة والعالم، تحت رحمة ما سمي في بعض الحالات "الرمال المتحركة" اللبنانية. ومنذ اواسط الخمسينات حتى اليوم، تتواصل باستمرار المحاولات الجادة لتطويع لبنان. ونذكر منها ما يلي:
• محاولة احتواء لبنان ضمن "مشروع النقطة الرابعة" لترومان، ومن ثم مشروع "ملء الفراغ" لايزنهاور، ومشروع "حلف بغداد". ولكن كل هذه المشاريع سقطت في لبنان كبناء من كرتون، امام التحرك الوطني الشعبي، اللبناني والعربي.
• محاولة احتواء لبنان عن طريق الحكم الشهابي، الذي حصل على البركة الاميركية والناصرية معا، والذي كان يتركب من خلطة سياسية من "الاصلاح البرجوازي" و"القمع المتنور" و"الالتزام العربي" للبنان تحت "السقف العربي" (الواطي حتما!) لما كان يسمى "الجمهورية العربية المتحدة" ومن ثم للنظامين المصري والسوري. وكانت هذه "التجربة" (الشهابية) اذكى واخبث تجربة احتواء للبنان. ولكنها فشلت فشلا ذريعا، اولا، لانها لم تكن تستجيب للتطلعات الحقيقية للجماهير الشعبية اللبنانية، وثانيا، بسبب قصر نظر وانحطاط وتفسخ وفساد البرجوازية الكومبرادورية ـ شبه الاقطاعية اللبنانية التي لا تقبل اي "اصلاح" مهما كان سطحيا ومتدنيا، وثالثا، بسبب تخلف اجهزة القمع المحلية، المعتادة على اساليب الاستبداد العثمانية وغير القابلة للتطور الى اجهزة قمع "عصرية" "متنورة" و"حضارية".
• بعد قيام "الثورة الفلسطينية" بقيادة فتح وعرفات ومن ثم ما سمي "منظمة التحرير الفلسطينية"، على خلفية الدعم الارتباطي بالانظمة النفطية العربية التقليدية، لمواجهة المد "العروبي" المزيف البرجوازي الصغير، الذي كانت تمثله الناصرية والبعثية... وما بين "اتفاق القاهرة" الذي وقعه عرفات مع الجنرال اميل البستاني برعاية مصر الناصرية في 1969، والاجتياح الاسرائيلي للبنان في 1982، فإن القيادة العرفاتية (لوحدها حتى التدخل السوري في 1976، ومن ثم بـ"مشاركة" النظام السوري) أعطيت فرصة تطويع "الساحة" اللبنانية، جنبا الى جنب تطويع الشعب الفلسطيني (باسم الثورة) لمصلحة شيوخ النفط العرب، وخلفهم اميركا واسرائيل. ولكن القيادة العرفاتية البرجوازية الفاسدة اثبتت عجزها عن هذه المهمة، وظهر ان ترويض الشعبين الفلسطيني واللبناني هو بالنسبة لها اصعب من ترويض البراكين.
• في 13 نيسان 1975 نجحت المؤامرة الاميركية ـ الصهيونية ـ العربية ـ الطابور خامسية اللبنانية، في تفجير الحرب الاهلية في لبنان، وفتح لبنان لجميع اشكال التدخل والتخريب والتدمير والتجويع والاستباحة الكاملة ليس للبلد ككل، بل ولحياة كل مواطن بمفرده. ولعشرات السنين، تضافرت جميع اشكال القوى السوداء على قتل اللبنانيين والتحكم بمصائرهم، من القوى الطائفية العميلة و"الشريفة" الرجعية الحمقاء، الى الاجهزة الامنية المشبوهة للقيادة الفلسطينية البرجوازية المنحرفة، الى الدكتاتورية السورية، الى القوات الاطلسية متعددة الجنسية، الى الاحتلال الاسرائيلي. ومع ذلك فإن جماهير الشعب اللبناني الأبي لم تفقد حيويتها الحضارية والقومية، ولم تفقد ـ بالاخص ـ روحيتها الكفاحية. ومن رحم هذه المأساة السوداء، ورغم الاجهزة الامنية "الفلسطينية!" التي كانت تأبى ان "يتجاوزها احد، واجهزة الاستخبارات السورية المنحطة، وطبعا رغم قوات الاحتلال، ولدت "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية" منذ الايام الاولى للاحتلال الاسرائيلي في 1982. وبعد ان تآمر النظام الدكتاتوري السوري على اجهاضها، حتى لا تنتقل عدواها الى سوريا، من جهة، وكعربون "تقرّب" من اميركا واسرائيل، من جهة ثانية، ولدت على اثرها "المقاومة الاسلامية" التي حاول النظام السوري ايضا القضاء عليها، عبر افتعال الحرب "الشيعية" ضد المخيمات الفلسطينية، ومن ثم افتعال حرب امل ـ حزب الله الشيعية ـ الشيعية، وحرب امل وحزب الله ضد الحزب الشيوعي اللبناني، ولكنه بالرغم من كل هذه "المجهودات" الاجرامية الدنيئة، فشل اخيرا في تحقيق اهدافه السوداء، لارضاء "اصدقائه" الاميركيين، واستمرت المقاومة الاسلامية بقيادة حزب الله في النمو كي تتحول اخيرا الى ما هي عليه الان، بفضل نقاوة وصدق المقاومين الشرفاء وبفضل حكمة واخلاص قيادة المقاومة التي استطاعت في النهاية التملص من "الافخاخ" التي نصبت لها، واخيرا استطاعت "ابتزاز" النظام المكيافيلي السوري ذاته، والزامه بتقديم التسهيلات لها، نظرا لحاجته ـ في لعبته المزدوجة: دكتور جيكل ومستر هايد ـ الى "برقع وطني" يغطي به وجهه الحقيقي: وجه العميل السري القبيح لاميركا واسرائيل.
• ومنذ 1976، قامت اميركا والدول الامبريالية الغربية واسرائيل بتقديم لبنان للنظام الدكتاتوري السوري (نظام حافظ الاسد)، اولا، كمكافأة له على تسليم الجولان بدون قتال في حرب حزيران 1967 (حيث كان "قائدنا الى الابد" وزيرا للدفاع)، وعلى موقفه هو نفسه خلال مجزرة ايلول الاسود في الاردن سنة 1970، وعلى نجاحه بعد استلامه السلطة المطلقة في تشرين 1970 في منع قيام اي مقاومة شعبية سورية او فلسطينية او عربية في الجولان المحتل، وتحويله سوريا الى سجن كبير ومقبرة جماعية؛ وثانيا، وهذا هو بيت القصيد، لتكليفه بترويض وتطويع "الساحة" اللبنانية على "الطريقة السورية". وباشر هذا النظام الدكتاتوري الديماغوجي السفاك اولى مهماته "الاخوية" الكاذبة و"التحريرية" المزيفة في لبنان، بجرائم كبرى نذكر منها:
ـ المشاركة في اسقاط مخيم تل الزعتر الفلسطيني، والأحياء اللبنانية: النبعة وبرج حمود والكرنتينا والمسلخ، حيث سقط الالوف والالوف من الشهداء من المقاتلين ومن المدنيين الابرياء، وتشرد مئات الالوف.
ـ فتح معركة مع القوات المشتركة للمقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، وانقاذ جماعة الكتائب و"القوات اللبنانية" وكل الطابور الخامس الاسرائيلي، من الهزيمة المحققة في الداخل اللبناني.
ـ اغتيال الزعيم الوطني كمال جنبلاط، بإيعاز من اميركا ولحسابها وحساب اسرائيل.
ـ التآمر مع النظام الليبي المشبوه، ايضا بايعاز من اميركا واسرائيل ولحسابهما، لازاحة الزعيم الوطني الشيعي الامام موسى الصدر، خوفا من انتقال "عدوى" الثورة الايرانية الى لبنان.
ـ ضرب وتحجيم المقاومة الفلسطينية، وتشجيع الاقتتال الاخوي الفلسطيني ـ الفلسطيني، باسم محاربة انحراف عرفات، وهو ما انزلق اليه بعض القادة الفلسطينيين الشرفاء، وكأن حافظ الاسد ليس هو احد اكبر رموز الانحراف.
ـ العمل الحثيث لتفكيك و"اعادة تركيب" الحركة الوطنية اللبنانية، من ضمن مخطط "تطويع" لبنان.
ـ استباحة لبنان ونشر الفساد، والتهريب، وفرض الخوات وكل اشكال النهب، على مختلف المستويات العليا والدنيا.
ـ نقل "التجربة المخابراتية" السورية الى لبنان، وزرع البلد بشبكة واسعة من الجواسيس والمخبرين، خصوصا تحت غطاء العمال البسطاء ونواطير البنايات والباعة الصغار السوريين، لارهاب وقمع اي شكل من اشكال المعارضة في لبنان. وهو ما لعب دوره في ايجاد جو من عدم الثقة والحقد العنصري، غير المبرر بحد ذاته، لدى المواطنين اللبنانيين العاديين، ضد كل سوري.
ومع ان "الوجود" السوري في لبنان نال تفويضا عربيا اجماعيا في مؤتمر الطائف سنة 1989، ومع انه كان يحظى بـ"مبرر وجود" يتمثل بالاحتلال الاسرائيلي لجزء كبير من الارض اللبنانية، مما برر له طرح موضوعة "تلازم المسارين" التفاوضيين الاسرائيلي ـ السوري والاسرائيلي ـ اللبناني، وعمليا وضع المسار اللبناني تحت يده كليا، ومع ذلك فانه ـ اي النظام السوري ـ فشل فشلا ذريعا في تطويع "الساحة" اللبنانية. بل انه كان مضطرا لتقديم بعض اشكال الدعم المقنن للمقاومة الاسلامية بقيادة حزب الله، لتبرير وجوده من جهة، وللعمل على لجم حزب الله ولمحاولة القضاء عليه كما قضى سابقا على "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية" اليسارية، فيما لو استطاع ذلك. وفي هذا الصدد ينبغي القول لبعض الذين يعتقدون ان حزب الله هو اداة سورية، ان العكس هو الاصح، وهو ان حزب الله هو الذي استغل "نقاط الضعف" لدى النظام السوري واستفاد منها. واخيرا فإن فشل النظام السوري في تطويع الساحة اللبنانية، ولا سيما فشله في تطويع حزب الله للمخططات الاميركية ـ الاسرائيلية، هو السبب الجوهري للقرار بإنهاء "التفويض الاميركي" للنظام السوري على "الساحة" اللبنانية واخراجه منها. ولم يكن اغتيال الرئيس اللبناني الاسبق رفيق الحريري، سواء شاركت فيه الاجهزة السورية بايعاز من الاميركيين ام لم تشارك، سوى ذريعة للطرد المشين لنظام الاسد من لبنان.
• بعد مؤتمر الطائف الذي عقد سنة 1989 برعاية اميركية ـ سعودية، و"الاتفاق الدستوري" الذي تمخض عنه، جاء الى الحكم الرئيس الاسبق رفيق الحريري، بنتيجة توافق دولي كبير، اميركي ـ اوروبي ـ عربي (سعودي ـ سوري بشكل خاص)، وبمشاركة الاطراف الرئيسية الطائفية ـ البرجوازية اللبنانية. وتحت ستار اعادة "السلم الاهلي" و"الاعمار"، كان الهدف الاول والاكبر لهذا الحكم التوافقي، ولكل "طبخة الطائف"، هو تطويع لبنان لخطة "السلام الاميركي"، اما باحتواء المقاومة الاسلامية، واما ـ اذا تعذر ذلك ـ اللجوء الى آخر الدواء ـ الكي، اي ضربها وتصفيتها، تحت اي مبرر كان، وبأي سيناريو كان. ولهذه الغاية، قامت قوات السلطة اللبنانية باطلاق النار على المتظاهرين (الذين يمثلون القاعدة الشعبية العريضة للمقاومة) اكثر من مرة منذ 1993 وما بعد، حيث كان يسقط الشهداء والجرحى بالعشرات وتتم الاعتقالات بالمئات؛ وذلك للجم التحركات الشعبية المحقة من جهة، ولاستفزاز المقاومة واستدراجها الى الصدامات الداخلية، المرشحة للتحول الى صدامات طائفية، من جهة ثانية. ولكن حزب الله افشل هذا المخطط، بممارسته سياسة ضبط النفس، وعدم الانزلاق الى حرف سلاح المقاومة، والانجرار الى الاصطدامات المسلحة الداخلية. وعقدت اللقاءات، المعروفة وغير المعروفة، بين قيادة حزب الله والرئيس الحريري لاحتواء الازمات. ومع ان اسرائيل "دخلت على الخط" اكثر من مرة، وخصوصا في مجزرة قانا في 1996، لاعطاء السلطة "المبررات القوية" لضرب المقاومة، بحجة "حماية الامن الوطني" و"حماية المدنيين"، وان المقاومة هي التي تتسبب في العدوان الاسرائيلي على لبنان، فقد كانت النتيجة انه، بدلا من ان يتم التصادم بين السلطة "الحريرية" وبين المقاومة، لاجل تصفيتها، فقد تم ايجاد نوع من "التعايش" او "التوازن" بين ستراتيجية "المقاومة" وستراتيجية "التنمية" للحريري. وموضوعيا تحول الحريري من "مخلب قط" ضد المقاومة، كما كان يراد له، الى حليف ضمني وغطاء سياسي لها. ويبدو ان الرئيس الاسبق رفيق الحريري، رحمه الله، قد استساغ ـ كرجل سياسة محنك ـ فكرة ان "يجمع المجد من طرفيه" ("التنمية" و"المقاومة")، فلم يكتف بالتخلي عن مخطط ضرب المقاومة، بل واخذ، في مختلف المحافل العربية والدولية، يدافع عن شرعية وجود المقاومة. واذا كان ذلك "حسابا سياسيا صحيحا تماما" بالنسبة لرفيق الحريري، الا انه لم يكن كذلك بالنسبة لاصحاب المخطط المرسوم لضرب المقاومة. وفي نظر اصحاب هذا المخطط فإنه، مثلما "سقط" النظام السوري في امتحان التخلص من المقاومة الاسلامية، كما تخلص من "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية" اليسارية، فإن رفيق الحريري ايضا "سقط في امتحان" احتواء حزب الله او ضربه. وبذلك اصبح رفيق الحريري يشكل عبئا على المخطط الاميركي ـ الاسرائيلي للسيطرة على لبنان وتطويعه. ومن الارجح ان هذه "الفجوة" (او "الثقب الاسود") في السجل السياسي للحريري، كانت احد اسباب "التخلص منه"، والمجيء بقيادة جديدة لتيار الحريري، "اكثر مطواعية" اميركيا، تماما كما جرى بالنسبة لقيادة الحزب التقدمي الاشتراكي وقيادة حركة امل، بعد التخلص من الزعيمين الوطنيين الخالدين كمال جنبلاط والامام موسى الصدر.
• واخيرا لا آخر "لم يبق في الميدان الا حديدان"، كما يقول المثل اللبناني الدارج، اي لم يبق الا "الحليف الستراتيجي" لاميركا اي اسرائيل، كي تضطلع بالمهمة القذرة، مهمة اقتلاع المقاومة الاسلامية في لبنان وتصفيتها، مع كل تحفظات اسرائيل على قيامها هي بالضبط بتنفيذ هذه المهمة. لأن اسرائيل، وبالاخص مخابراتها العسكرية والامنية والسياسية، التي "خبرت" الساحة اللبنانية مدة 22 سنة، كانت تدرك تماما، اكثر من اسيادها الاميركيين، واكثر من "حلفائها" العرب، القدماء منهم (كالنظام الاردني والمغربي والانظمة النفطخليجية) والجدد (كالنظام المصري و"السلطة الوطنية (!!) الفلسطينية" وحكومة السنيورة) ان هذه المهمة لن تجعلها تصطدم بحزب الله او بجزء فقط من الطائفة الشيعية اللبنانية، بل ستصطدم بلبنان الوطني كله، على اختلاف الانتماءات الحزبية والسياسية والطائفية. والقيادة الاسرائيلية تدرك ان مثل هذا الاصطدام قد يجرها الى مستنقع اعادة احتلال لبنان لمدة طويلة، وهو ما لا يحظى بأي شعبية في اسرائيل ذاتها، ولذلك فأي حكومة اسرائيلية ـ ومن وجهة نظر "المجتمع الاسرائيلي" ذاته ـ هي غير قادرة على القيام به. ومع كل هذه المخاطر والمحاذير الاسرائيلية البحت، فإن حكومة كاديما، بزعامة اولمرت، وبمشاركة حزب العمل النازو ـ اشتراكي او الفاشو ـ دمقراطي، بزعامة اليهودي المغربي العربي الخائن عمير بيرتس، كانت مضطرة للدخول في هذا الامتحان العسير، ولو مكرهة، لان اسرائيل، التي تعيش على المساعدات الاميركية والصهيونية العالمية، ليست بأية حال سيدة نفسها و"دولة دمقراطية مستقلة" كما يريد ان يوهمنا بعض الليبيراليين الجدد من الماركسيين المزيفين من امثال العفيف الاخضر وكريم مروة وصلاح بدرالدين، بل هي في الحساب الاول والاخير ليست اكثر من معسكر استعماري لمستوطنين مغامرين مرتزقة، اعطي شكل دولة، ولكنه خاضع كلية لقيادته الامبريالية والصهيونية ولا يستطيع الا تنفيذ الاوامر التي تأتيه جاهزة، وما عليه سوى التنفيذ ليس الا. ومع انه جرى التحضير للمعركة، من جانب اسرائيل، منذ شهور عدة قبل 12 تموز 2006، الا انه كان من الواضح ان الجيش الاسرائيلي نفسه دخل المعركة "بغير قناعة" اذا صح التعبير. ولهذا فقد اتيح للعالم اجمع، وجنبا الى جنب المأساة اللبنانية، التي كان يذهب ضحيتها الاطفال والمدنيون اللبنانيون، على يد الجنرالات الاسرائيليين، ان يشهد مهزلة مضحكة ـ مبكية وهي ان هؤلاء الجنرالات الاشاوس، الذين كانوا على الدوام يتباهون بأنهم يقودون اقوى جيش في المنطقة، وانهم يتفوقون على اقرانهم العرب جميعا، وان جيش "دولتهم الصغيرة" يتفوق على الجيوش العربية مجتمعة، اخذوا، في اثناء المعركة بالذات، "يتفركشون" بعضهم ببعض، محملين بعضهم بعضا مسؤولية الفشل الكبير لخطة القضاء على القوة المسلحة لحزب الله، والضربات التي تعرضت لها أسلحة الجيش المتقدمة، ولا سيما سلاح المدرعات، والفشل الاكبر في حماية العمق الاسرائيلي من الضربات الصاروخية، مما اجبر مئات الالوف من الاسرائيليين على المبيت في الملاجئ مذعورين طوال فترة الحرب، وهو ما يحدث لاول مرة في تاريخ اسرائيل، وقد كان لهذا وحده تأثير نفسي غير مسبوق على "المجتمع الاسرائيلي" الى درجة ان رئيس الوزراء ايهود اولمرت، وكي يخفف من وقع هذه الصدمة عليه وعلى جيشه و"مجتمعه"، اخذ يتباهى بأنه في حين ان حسن نصرالله يختبئ في ملجئه، فإنه هو يتحرك "بحرية"... في تل ابيب! وخلال مدة الـ33 يوما من المعركة غيرت القيادة الاسرائيلية مرات خططها العسكرية الميدانية، مركزة مرة على المشاة، ومرة على القوة النارية، ومرة على سلاح الدبابات، ومرة على البحرية، ومرة على الطيران، دون ان تستطيع تحقيق اي هدف جدي، بل على العكس، فإنها حصدت الفشل تلو الفشل. واضطرت لاقالة بعض الضباط الميدانيين، ومنهم قائد "الجبهة الشمالية"، في اثناء المعركة بالذات، بكل ما لذلك من تأثير سلبي على نفسية الجنود والضباط والجنرالات انفسهم. وهذه سابقة لا مثيل لها في تاريخ الحروب الاسرائيلية. وفي مدة 33 يوما تبخرت اسطورة "الجيش الذي لا يقهر"، التي بنتها اميركا (وقبلها بريطانيا) واسرائيل للعصابات النازية الصهيونية المسماة "جيش الدفاع الاسرائيلي"، طوال اكثر من نصف قرن. والجنرالات الاسرائيليون يدركون تماما هذه الحقيقة، وهو ما دفعهم لصب جام غضبهم على الاطفال والمدنيين والبنى التحتية المدنية في لبنان، مما ليس له اي قيمة، بل له "قيمة عكسية" على المستوى العسكري. لقد ذهب الجنرالات الاسرائيليون الى الحرب في تموز 2006، لتنفيذ المهمة الاميركية ـ الصهيونية المستعصية بحل "مشكلة حزب الله"، ولكنهم لم يعودوا من الميدان بالفشل الذريع فقط، بل عادوا بعد ان صنعوا بأيديهم "مشكلة اكبر" وهي اظهار حزب الله بأنه "قوة لا يستطيع اي جيش في العالم القضاء عليها" حسب تعبير وزيرة الخارجية الاسرائيلية الجميلة، التي من الانسب لها ـ إشفاقا على شبابها ومواهبها ـ ان لا تكون ألعوبة في يد البارونات النازيين الجدد = قتلة الاطفال ومدمري الحضارات، وان تذهب وتعمل مضيفة طيران في "البان اميركان" او "ساقية بار" او "فتاة عِشرة" في اي نادي قمار متوسط او حتى صغير في لاس فيغاس، حتى تضمن مستقبل افضل لها ولعائلتها.
XXX
لقد فشلت اميركا واسرائيل و"صديقهما ذو الوجهين" النظام المكيافيلي الدكتاتوري السوري والبرجوازية الكومبرادورية والطابور الخامس اللبنانيين، مجتمعين ومنفردين، في تطويع لبنان عامة، واحتواء او تصفية المقاومة الاسلامية بقيادة حزب الله خاصة. وجرى العكس تماما، اذ ظهر حزب الله ، ومعه جميع القوى الاسلامية الشريفة والتقدمية والعلمانية الوطنية في لبنان، بوصفهم الان "قوة المقاومة العربية" الرئيسية (الارهابية، في القاموس الاميركي ـ الصهيوني) التي تلتف حولها كافة الجماهير الشعبية الوطنية اللبنانية، والتي "تهدد وجود" اسرائيل، التي ـ بدورها ـ تهدد وجود الامة العربية بأسرها.
هل ستسلم الامبريالية الاميركية، ومعها الحلف الاطلسي، والصهيونية العالمية، بهذا "الامر الواقع" الجديد على رقعة الصراع العربي ـ الاسرائيلي؟! وتكتفي بتعزيز قوات "اليونيفيل" واعطائها صلاحيات عسكرية موسعة، كي تشكل "عازلا دوليا" لحماية اسرائيل؟!
ان مثل هذا الاعتقاد ليس هو اعتقاد ساذج وحسب، يقلب الحقائق التاريخية رأسا على عقب، بل هو ـ فوق ذلك ـ رأي مشبوه يقصد الى التمويه على الطبيعة العدوانية لاسرائيل، تمهيدا وتسهيلا لتحضيراتها العدوانية اللاحقة.
لقد فشلت اسرائيل، بالرغم من كل المآسي الانسانية التي تسببت بها عصابات ما يسمى "الجيش الاسرائيلي"، في ارهاب وترويع وفرض الاستسلام على جماهير الشعب اللبناني.
وبالمقابل، لقد نجح حزب الله في اقامة شكل من اشكال "توازن القوة" مع الجيش الاسرائيلي، و"توازن الرعب" مع "المجتمع الاسرائيلي".
ولكن ـ وقياسا على اي بلد عربي آخر، سوريا مثلا ـ كان ولا يزال بالامكان الحديث عن نوع من "توازن الثقة" بين اسرائيل وقيادة نظام ذلك البلد، حيث يمكن ـ طبقا لاتفاقات فصل القوات وما اشبه ـ ضمان "امن اسرائيل" و"عدم ازعاج خاطرها" ولو بضربة حجر، في احتلالها للاراضي العربية، او في تركها حرة طليقة اليدين في ارتكاب الجرائم اليومية ضد الشعب الفلسطيني المظلوم، وفي متابعة سياسة تهويد الارض الفلسطينية والعربية وانتهاك الحرمات والمقدسات، من اجل طعن كرامة واذلال وتركيع الشعوب العربية والاسلامية قاطبة!!!
اما في حالة الموجهة المصيرية، اللبنانية ـ الاسرائيلية، فإنه ليس بالامكان اي حديث عن اي "توازن ثقة" بين اسرائيل وحزب الله خاصة، وبينها وبين الشعب اللبناني عامة، باستثناء السلطة العميلة والطابور الخامس طبعا، اللذين ـ في حساب ميزان القوى ـ من الخطأ الفادح ان يوضعا في رصيد الجانب اللبناني، لانهما ليسا اكثر من "طابور اميركي ـ اسرائيلي" بهوية مزورة لبنانية، وهما رأس حربة في العدوان الاميركي ـ الاسرائيلي على الشعب اللبناني المناضل.
انطلاقا من هذا الواقع، من المؤكد ان اميركا واسرائيل وبإمرتهما السلطة العميلة والطابور الخامس في لبنان، يستعدون لجولة عدوان جديدة، لتحقيق الهدف القديم لاحتواء وتطويع لبنان عامة، والمقاومة بقيادة حزب الله خاصة. وسيناريو ارسال بالونات الغازات السامة وتحريك الشريط الحدودي، بتغطية "شرعية" من حكومة السنيورة ومن رئاسة الامم المتحدة ذاتها، يدل ان تحضيرات العدوان جارية على قدم وساق.
ونظرة الى النشاط اليومي المحموم الذي يقوم به المفوض السامي الاميركي فيلتمان، والتوتر العصبي الذي يلازمه، تدل ليس فقط على مأزق السياسة الاميركية في لبنان، بل وعلى انه يجري تحضير مؤامرة العدوان الجديد على لبنان، على نار حامية.
ولا ننسى ان الادارة الاميركية الحالية هي امام استحقاق الانتخابات الرئاسية التي اصبحت قريبة جدا، ومن المرجح ان يذهب جورج بوش، ومعه طاقم "المحافظين الجدد"، في "اجازة" الزامية، لن تكون مريحة كثيرا لسنه، لانها ستكون مرفقة بكوابيس الاشلاء الممزقة لاطفال قانا ومئات الوف الضحايا البريئة من المدنيين اللبنانيين والفلسطينيين والعراقيين، والوف التوابيت للجنود والضباط الاميركيين، ناهيك عن كوابيس الارواح الانسانية المعذبة لالوف الابرياء الذين أخضعوا ويخضعون للتعذيب الوحشي في مسالخ سجن ابو غريب وسجن غوانتانامو وغيرهما من السجون المعروفة والسرية الاميركية والاسرائيلية، التي هي لطخة عار في جبينه وجبين جميع الوحوش البشرية "الدمقراطية" امثاله.
وبسبب هذا الاستحقاق "الدمقراطي" الانتخابي، فإن ادارة جورج بوش هي في عجلة جدا من امرها. وبالرغم من ضخامة المديونية الاميركية والازمة الاقتصادية الكبرى في اميركا، فإن ادارة بوش طلبت من الكونغرس الاميركي رفع ميزانية الحرب عشرات المليارات الدولارات الاضافية. ومن السذاجة الاعتقاد ان قسما كبيرا من هذه الاعتمادات الاضافية لن يكون مخصصا للساحة اللبنانية، من اجل العمل الحثيث لسد ثغرة الفشل الذي حاق بأميركا واسرائيل لبنان، ولا سيما في حرب تموز الاخيرة.
وبطبيعة الحال ان القيادات ومراكز الدراسات الستراتيجية والسياسية والنفسية والاعلامية وغيرها، الاميركية والاسرائيلية، هي عاكفة منذ اللحظات الاولى على دراسة "الثغرات" في حرب تموز، وكذلك كل "الثغرات" السابقة في مخطط احتواء وتطويع لبنان، بهدف وضع خطة عدوان جديدة لتحقيق هدفها القديم ـ الجديد ضد لبنان والشعب اللبناني، ولا سيما ضد المقاومة بقيادة حزب الله.
والملاحظة الاولى والاساسية على هذا الصعيد، هي ان كل المحاولات السابقة لتطويع لبنان كانت تعتمد على احدى ستراتيجيتين:
ـ اما التدخل الخارجي (الاسرائيلي، السوري، العربي، او الدولي).
ـ واما القمع او اشكال التآمر والفتن الداخلية (بواسطة السلطة العميلة او الطابور الخامس)، ولا سيما: اللعب على المسألة الطائفية.
وحتى حينما كان يجري استخدام الاسلوبين معا، كان ذلك يتم بالتزامن والتوازي. حيث كان، مثلا، الاحتلال الاسرائيلي والتدخل السوري يسيران جنبا الى جنب، وكلاهما يسير الى جانب الاغتيالات والتفجيرات واعمال التخريب والفتن والمذابح الطائفية، الخ.
ومن خلال مراقبة المجريات الراهنة على الارض، في الاطر اللبنانية والعربية والدولية، يمكن ملاحظة ما يلي:
1 ـ تعنت ما يسمى قوى الموالاة، ولا سيما السلطة العميلة والطابور الخامس، في تبسيط حل الازمة السياسية الراهنة التي قادوا البلاد اليها، وخصوصا رفض القبول بما يسمى "حكومة وحدة وطنية"، او اجراء انتخابات نيابية مبكرة، كما تقتضي الاعراف عند نشوب اي ازمة سياسية كبرى في اي بلد في العالم.
2 ـ استمرار اسرائيل في سياستها العدوانية المكشوفة حيال لبنان، ومتابعة سياسة "التحرش" باشكال مختلفة، قديمة (الطيران) وجديدة (بالونات الغاز وتحريك الشريط الحدودي).
3 ـ التحرك الدبلوماسي الاميركي المكثف وواسع النطاق. ومعلوم بالتجربة ان الدبلوماسية الاميركية ليست اكثر من غطاء للجاسوسية والاستخبارات والمؤامرات.
4 ـ التقاطع العجيب في القدح احيانا والمدح احيانا اخرى، وما بينهما من اتصالات معروفة ومفاوضات سرية، بين النظام الدكتاتوري المكيافيلي السوري وبين الادارة الاميركية وعملائها و"اصدقائها" الاقليميين امثال اردوغان والطالباني وعباس. مما يدل على ان "البازار" ماش تماما، على حساب القضية الوطنية الفلسطينية والعراقية واللبنانية. ومعلوم تماما بالتجربة المرة ان النظام السوري قد كدس "خبرة تاريخية" كبيرة في "البيع من جلد غيره".
5 ـ "الوساطات" العربية، التي تقوم بها جامعة الدول العربية والسودان ومصر وبالاخص السعودية. ومعلوم بالتجربة ايضا ان هذه "الوساطات"، وبصرف النظر عن نوايا بعض القائمين القائمين بها، انما تستخدم لـ كسب الوقت"، ولـ"اختبارالنوايا" و"كشف الثغرات" لدى ما يسمى "المعارضة"، وكستار وغطاء للتعمية عما يجري من مؤامرات.
ومن خلال هذه الملاحظات يمكن الاستنتاج ان القوى المعادية ستعمد هذه المرة الى اجتراح خطة عدوانية جديدة، تقوم على الدمج بين اشكال العدوان الخارجية والداخلية، لدمج القوى والعوامل المعادية في خطة موحدة لتدمير لبنان والسيطرة عليه من الداخل والخارج معا. ومن خلال متابعة ما يجري على الارض، ففي رأينا ان اعداء الشعب اللبناني (من اميركا والحلف الاطلسي الى اسرائيل الى الانظمة العربية الرجعية والدكتاتورية الى السلطة العميلة والطابور الخامس اللبنانيين) سيوحدون صفوفهم في "جبهة عمل" واحدة، ولن يوفروا اي شكل من اشكال التمزيق والتفرقة والتدمير والقتل، وأي نوع من انواع الاسلحة القديمة والجديدة، واي شكل من اشكال الحصار والضغط الاقتصادي والسياسي والاعلامي والنفسي، الا وسيستخدمونه في "حزمة واحدة" لكسر ارادة وصمود الشعب اللبناني المناضل عامة، ولتحطيم المقاومة بقيادة حزب الله خاصة. وفي تقديرنا ان سيناريو العدوان الجديد على الشعب اللبناني سيتخذ الاشكال التالية:
1 ـ إنشاء مركز "قيادة عمليات" (عسكري ـ سياسي ـ امني ـ اعلامي) موحد، في السفارة الاميركية في عوكر، بعد تحويلها الى حصن حقيقي. وقد شرع في استقدام اسلحة ودروع شخصية وغيرها، لتوزيعها على العناصر التي ستحمي هذا الحصن. وستقوم على حراسة هذا الحصن عناصر من مختلف القوى والاحزاب اللبنانية والاسرائيلية و"السورية" و"العربية"... "الحليفة"! وستتمثل في هذا المركز كل الاطراف المعنية: الاميركية والاطلسية والاسرائيلية والعربية واللبنانية على اختلافها، حتى يكون اخذ القرارات مشتركا، ويكون التبليغ والشروع في التنفيذ فوريين، وتكون هناك "مرونة" في الحركة وتغيير القرارات حينما "تدعو الحاجة".
2 ـ يوضع هذا المركز بقيادة اميركية (عسكرية ـ استخباراتية ـ سياسية ـ اعلامية) موحدة، تخضع لها كل الاطراف الاخرى.
3 ـ يتم فرز وتحديد القوى الهجومية الرئيسية، التي يقدمها كل طرف، واماكن تواجدها. ومن ثم يتم تحديد القوى المساندة، واماكن تواجدها.
4 ـ يتم تشكيل قيادة سياسية عليا، وان بشكل غير رسمي، يقودها السفير الاميركي، ويشارك فيها "القادة اللبنانيون" اصدقاء اميركا. وتعمل هذه القيادة بشكل مستقل، لرسم السياسة العامة وتحديد الاهداف الستراتيجية، دون الدخول في تفاصيل العمليات الميدانية.
5 ـ يتم تشكيل قيادة عسكرية عليا، يقودها اميركيون ويشارك فيها اسرائيليون و"عرب" و"لبنانيون".
وبالمثل يتم تشكيل "خلية عمل مركزية" مخابراتية، و"خلية عمل مركزية" اعلامية.
6 ـ تستقدم من الخارج، ومن غير اللبنانيين، كل القوى التي يمكنها ان تشارك في المعارك على الارض اللبنانية. ومنها بشكل خاص:
أ ـ قوات لحد التي فرت الى اسرائيل، ويمكن ان توضع في اطار "القوات اللبنانية".
ب ـ عناصر سريانية سورية، وعناصر اثورية ـ كلدانية عراقية، يمكن ايضا ان توضع في اطار "القوات اللبنانية"، وان تحارب هذه العناصر في لبنان مقابل الوعد بمنح عائلاتها الجنسية اللبنانية لاحقا.
ج ـ عناصر عربية (دروز وبدو) ويهود يتقنون اللغة العربية، تخدم الان في الجيش الاسرائيلي، يمكن ان توضع في اطار الميليشيا الطائفية لوليد جنبلاط، التي ـ بدون الحد الادنى من الرجولة والحياء ـ لا تزال تستخدم اسم الحزب التقدمي الاشتراكي، الذي اسسه الزعيم الوطني الشهيد كمال جنبلاط.
د ـ عناصر سنية (اخوان مسلمون وما اشبه، واكراد سوريون وعراقيون من جماعة الطالباني والبارزاني، وفلسطينيون من جماعة اوسلو، كما من "احتياطي" وعملاء المخابرات السورية) يمكن ان توضع في اطار مرتزقة تيار "المستقبل".
7 ـ تشن ضد جماهير الشعب اللبناني حرب سرية لا تستدعي تدخل قوات اليونيفيل، تتخذ الاشكال المحتملة التالية:
أ ـ نشر الامراض بمختلف السبل، مثل الديزنطاريا والرمد والجرب والانفلونزا والايدز (كما جرى في ليبيا في عملية حقن الاطفال بمرض الايدز، وفي افريقيا الجنوبية بعد وصول حزب نيلسون مانديلا الى السلطة بنشر الايدز على نطاق واسع جدا اصاب عشرات الملايين)، وذلك عن طريق تلويث البحر والمياه والالبسة والاغذية والمشروبات الغازية، المستوردة، الخ.
ب ـ نشر الآفات الزراعية وامراض الدواجن والمواشي، لقتلها بالجملة، وتجويع اللبنانيين.
ج ـ افتعال الحرائق في الاحراج، ومستودعات الوقود، ومحطات الطاقة، والمصانع وغيرها، بواسطة العملاء وعن طريق رش المواد القابلة للاشتعال الذاتي.
8 ـ افتعال اعمال القتل والاغتيالات والمجازر الطائفية، على الطريقة العراقية، بنسف دور العبادة على اختلافها، وتفجير السيارات والشاحنات المفخخة، في مختلف الاحياء ذات الاغلبية الطائفية المعينة. وتنظيم عمليات الخطف والذبح على الهوية على نطاق واسع ومتنقل، لبلبلة البلاد وتضييع البوصلة السياسية للجماهير الشعبية.
9 ـ شق صفوف الجيش اللبناني، واستدراجه الى الفتنة الطائفية من جهة، والى الاصطدام بالمقاومة وجماهيرها من جهة ثانية.
10 ـ تحويل لبنان الى حقل تجارب للاسلحة الاميركية الجديدة، التي تصنع خصيصا لمحاربة الحركات الشعبية، ومنها ما اعلن عنه مؤخرا مثل: سلاح الاشعة الذي يعمل على طريقة "المكروويف"، اي يؤدي الى تسخين الاجسام الحية الى الدرجة التي يريدها مستخدم السلاح، اي من الشعور بالحرارة الشديدة في الجسم ومن ثم الفرار، حتى الاختناق والاحتراق. وسلاح الجليد المصطنع الذي يأخذ لون الارض التي يرش عليها، كلون الزفت اذا كان على الطريق، ولون التراب الخ... ويشل حركة كل من يسير عليه بحيث يلتصق حذاؤه بهذا الجليد الاصطناعي، واذا خلع الحذاء تلتصق رجله بالجليد.
11 ـ استخدام الغازات على انواعها، خصوصا ضد الانفاق والملاجئ التي يختبئ فيها المقاتلون والسكان.
12 ـ القاء الصواريخ التي تزرع مختلف المناطق بالقنابل المتأخرة الانفجار، والتي تنفجر لاحقا بالريموت كونترول، لتفجيرها "حسب الطلب" بواسطة عناصر الطابور الخامس.
13 ـ ايجاد "مناطق امنية" مغلقة، خصوصا ذات طابع ديني ومذهبي، في الجبال والمدن وعلى السواحل. وتستخدم هذه المناطق، اولا، كمراكز تجمع لعمليات انزال اسرائيلية وغيرها. وثانيا، كمراكز انطلاق لعمليات تخريبية وهجومية تكتيكية مختلفة. وستكون هذه المناطق، في المعركة القادمة حسب التخطيط الاميركي ـ الاسرائيلي، هي مناطق انطلاق العمليات الاسرائيلية الرئيسية ضد المقاومة، وليس الهجوم عبر الحدود. وهذا ما يعطي اسرائيل ميزتين: الاولى، تجنب الاصطدام بقوات اليونيفيل. والثانية، تجنب الظهور بمظهر "المعتدي"، حيث ان الهجمات ستكون "من الداخل" وستتخذ شكل وغطاء النزاع الداخلي. وما ينفضح من عناصر التدخل الاسرائيلي يتم ادراجه تحت بند "مساعدة اللبنانيين"، و"مساعدة الاخوة المسيحيين" بالنسبة لعناصر لحد، و"مساعدة الاخوة الدروز" بالنسبة للدروز الاسرائليين، و"مساعدة الاخوة السنة" بالنسبة للاخوان المسلمين والعملاء الاكراد والفلسطينيين، الخ الخ...
14 ـ وبطبيعة الحال فإن هيئة اركان الحرب المفتوحة الجديدة التي يتم تحضيرها ضد لبنان، ستكون لديها مؤسسة خاصة للدعم اللوجستي، التسليحي وغيره، وستقوم هذه المؤسسة بتزويد القوات والمناطق "الموالية" و"الطابور خامسية" و"الحليفة"، بالمؤن والاغذية والالبسة والادوية واللوازم الضرورية لتفادي الاضرار التي ستنشأ عن استخدام الاسلحة المحرمة والحرب الجرثومية والكيماوية ضد الشعب اللبناني.
15 ـ ان الهدف الستراتيجي من مؤامرة تدمير لبنان سيكون:
أ ـ الاخضاع التام لشعبه الابي وكسر ارادته الوطنية وتحطيم المعنويات والكرامة الانسانية لمواطنيه واذلالهم وتحويل من يتبقى منهم الى مجرد قطيع من الدواجن البشرية ينحصر هم كل واحد منها في "نشدان السلامة الشخصية فقط" ومجرد العيش (الاكل والشرب والنوم والتناسل) لخدمة "الاسياد الجدد... والقدماء" معا (وقد رفعت جماعة السلطة العميلة والطابور الخامس منذ الان شعار "بدنا نعيش!!!")، بوصفه شعار المرحلة، ضد شعارات التحرر والسيادة والاستقلال، للمعارضة والمقاومة، التي اعتبروها موازية للـ... موت! وفي هذا ما فيه من تهديد صريح بالموت لكل اللبنانيين الشرفاء، على يد اسرائيل واميركا و"حلفائهما".
ب ـ التخلص النهائي حتى من اسطورة "الدمقراطية التوافقية"، بعد ان استنفدت الاغراض منها، والعمل على تفكيك لبنان، وتحويله الى محمية اسرائيلية مباشرة، عن طريق "بعث جديد" لنظام القائمقاميتين الجبليتين: الدرزية (بزعامة جنبلاط) والمارونية (بزعامة جعجع)، واعطاء زعامتي هاتين "القائمقاميتين" "مكانة كيانية" خاصة جديدة، على غرار "المكانة" الخاصة المعطاة للبارزاني والطالباني وعصاباتهما في العراق. ومن ثم "إلحاق" بقية المناطق بهما، سياسيا وعسكريا وامنيا، مقابل السماح للبرجوازية الكومبرادورية (خصوصا السنية) بممارسة دورها المركنتيلي المعهر، وهي التي لا يهمها سوى اخذ سمسراتها وتكديس ارباحها، ولو كان عن طريق المتاجرة بدماء واعراض اللبنانيين والفلسطينيين وكل العرب والمسلمين، وتحويل لبنان الى ماخورة دعارة والى مزرعة حشيش وافيون ومركزدولي لتوزيع المخدرات، والى قاعدة عسكرية وتجسسية اميركية ـ اطلسية ـ اسرائيلية.
ج ـ واذا تعذر تحقيق ذلك "بسهولة!"، وفي "الوقت المناسب!"، العمل على توسيع وتبديل صلاحيات وصفة اليونيفيل لتشمل كل الاراضي اللبنانية، ولتصبح "قوات احتلال دولية" (طبعا "شرعية!" ،ـ وربما لهذا يستعجلون انشاء "محكمة دولية" خاصة بلبنان، غير محددة المعالم والآليات والاهداف، باسم كشف الحقيقة حول اغتيال الرئيس الاسبق رفيق الحريري، الذي لا يملك اي اعتراض على ما صار يدبر باسمه للبنان!)، وفرض وصاية دولية كاملة على لبنان، بحجة حماية شعبه من "الموت!" وتركه "يعيش!"، ومن ثم إجراء "انتخابات تأسيسية" او "استفتاء" لتنفيذ مشروع "الفدرلة" بطريقة "شرعية" كذلك، وباشراف دولي، توصلا الى الهدف الاساسي وهو تحويل لبنان الى محمية اسرائيلية، بعد اخذ "موافقة!" شعبه المظلوم.
XXX
ان لبنان المقاوم، جنبا الى جنب المقاومة الفلسطينية البطلة والمقاومة العراقية الشريفة، يمثل خط الدفاع الاول بوجه الهجمة الامبريالية الاميركية ـ الصهيونية العالمية لسحق وإخضاع الامة العربية، كشرط اساسي مسبق لتحقيق الهيمنة الامبريالية الاميركية على العالم.
ولهذا، وبعد ان فشلت كل الاشكال السابقة لاخضاع وتطويع لبنان، فإن الامبريالية الاميركية تستجمع الآن كل القوى، وتلجأ الى احط واوحش الاساليب لسحق وتدمير لبنان والشعب اللبناني الابي.
فاذا نجحت الامبريالية الاميركية في لبنان، فإن الامة العربية بأسرها والشعوب الاسلامية المناضلة جميعا ستكون مهددة في صميم وجودها القومي والانساني ذاته.
ولا شك ان المقاومة الوطنية الاسلامية، بقيادة حزب الله، تدرك تماما حقيقة واهمية المخاطر التي يتعرض لها لبنان في الوقت الحاضر.
هل ستستطيع المقاومة مواجهة هذا التحدي المصيري؟!ـ
من الواضح تماما ان الهجمة الراهنة، التي تستهدف لبنان، انما تحشد لها كل القوى الممكنة المحلية والاقليمية والدولية، الامبريالية ـ الصهيونية ـ العربية واللبنانية العميلة والطابورخامسية.
والمقاومة، بقواها الذاتية ـ اللبنانية فقط، ستستطيع الصمود، وعرقلة هذه الهجمة الشرسة، ولكنها لن تستطيع الانتصار عليها. لان الاختلال في توازن القوى هو كبير جدا.
وهذا ما يستدعي استنفار كل امكانيات الدعم والمساندة، العربية والاقليمية والدولية، في المعركة الواحدة الموحدة ضد الامبريالية الاميركية والحلف الاطلسي والصهيونية العالمية واسرائيل.
ولتكن معركة لبنان، داخل وخارج حدوده السايكس ـ بيكوية، معركة كل القوى العلمانية والتقدمية والوطنية الشريفة، العربية والاسلامية والعالمية!ـ



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حزب الله في الكماشة
- صدام حسين.. المثال النموذجي للسقوط التاريخي للبرجوازية الصغي ...
- النظام الليبي يدخل بامتياز في اللعبة الاميركية
- من ارتكب الجريمة الكبرى ضد الاطفال الليبيين؟ ولماذا؟
- الدور المتنامي لحزب الله ومحاذير الاندماج بالدولة اللبنانية
- مخاطر تجديد الحرب الاهلية في لبنان والمسؤولية التاريخية لحزب ...
- هل ينجح -حزب الله- في اجتياز حقل الالغام الداخلي؟
- دعوة حزب الله لانشاء -دولة قوية، قادرة وعادلة- وجامعة الدول ...
- اي -حكومة وحدة وطنية- يريد السيد حسن نصرالله؟
- السقف المنخفض للوطنية القطرية في مواجهة اسرائيل
- وليد جنبلاط... اعتذار كلامي لا يكفي!
- لبنان اسرائيل: من سيقتلع من؟
- ....والافلاس التاريخي ل-الوطنية النظامية- العربية
- نصر...! وأما بعد...!
- الافلاس التاريخي لستراتيجية الحرب النظامية العربية
- الخطة الاميركية الاسرائيلية لتطويع لبنان... امام المفاجآت!!
- لبنان ليس الجولان ولن يكون ارمينيا
- العدوان لا يستهدف فقط لبنان
- المسيحية: البوتقة الايديولوجية القومية، الاولى والاساسية، ل ...
- ويبقى السؤال: من سلّم الجولان بدون قتال، وهادن الاحتلال، ولم ...


المزيد.....




- أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن ...
- -سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا ...
- -الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل ...
- صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
- هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ ...
- بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
- مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ ...
- الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم ...
- البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
- قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال ...


المزيد.....

- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - جورج حداد - الخطر الاعظم: هل يستطيع الشيطان الاكبر إخضاع لبنان الصغير المقاوم؟!