أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - هاشم تايه - كيسُ القُبَل














المزيد.....

كيسُ القُبَل


هاشم تايه

الحوار المتمدن-العدد: 1826 - 2007 / 2 / 14 - 02:39
المحور: كتابات ساخرة
    


مذ استيقظت صباح هذا اليوم وجدت كياني كلّه مملوءاً برغبة هائلة في أن أطبع قبلتي على عالم يومي كلّه بأشيائه، وكائناته، وأمكنته، وحتى دقائق ساعاته، رغبة تملّكتْ روحي، وأخضعتْني تماماً لمشروعها الذي لا بدّ من تنفيذه، كما لو أنّه رسالة عُليا عليَّ الانصياع لها وإشهارها بشفتيَّ هاتيْن...
أعددْتُ نفسي كرياضي تهيّأ لمارثون طويل وتنفّسْت بعمق، وملأتُ رئتيّ بأكبر قدر من هواء الصباح الطريّ الذي أرسله الرّبُّ توّاً كفطور للأرواح الملهمة، وكما لو أنني صرتُ كائناً يتمتّع بقوى خارقة شرعْتُ أُنجزُ قبلتي باجتهاد نسائنا القرويّات المثقلات بالأعباء، فهرعتُ كالملهوف إلى المرأة في مطبخ الصباح ومنحتُ وجنتها أول جزء من أجزاء قبلتي الهائلة، فترنّحتْ ثمِلَة، وانحنيتُ على طبّاخها القديم فباركتُهُ بقبلة أطلقتْ النار من عيونه الأربع، وتلقّتْ وجنات أولادي وهم بثياب المدرسة هدايا شفتيّ على عجل، وصعدتُ على كرسي من البلاستيك حتّى بلغتُ المصباح المستطيل المُغبّر وقبّلتُ زجاجته القبلة الخطرة التي كادتْ تطيح بأقدامي من الكرسي الذاهل... وذهبتُ إلى الصور المعلّقة على الجدران لأحبابي الذين ماتوا بحسرة ، لأنّهم لم يروا نهاية طاغيتهم كما كانوا يودّون، فقبلْتُ وجوههم المزجّجة...
وفي الشارع أتحفتُ أرضنا المرهقة بثلاث قُبَل لتستعدّ لاستقبال ألعابنا الصغيرة الخطرة على ترابها المسكين، واضطررتُ إلى أن أقفز قفزة عالية لكي أنوش السماء البعيدة وأقرعها بقبلة مدويّة كالرّعد لعلّها تعود إلينا..
وعموداً فعموداً تعلّقتُ بأعمدة الكهرباء الباردة وأتخمتُها بقبلٍ لاسعة هدرتْ في بطونها الفارغة وهزّت أسلاكها اليابسة... وانطلقتُ في الشوارع والسّاحات كعاشق مسحور أنثر قبلاتي المغرّدة على العابرين الذين لم يأنف أحدٌ منهم من استقبالها ربّما لأنّهم اعتبروها من مجنون لا حرج على قبلاته، وهكذا صرفتُ الساعات حاملاً كيس القُبَل في الأحياء القريبة والبعيدة، فقبّلت أبواب البيوت وعتباتها وشبابيكها، وفي الأسواق نال أصحابُ البسطات الطيبون حظّهم من القبلات، وأشبعتُ باعة أكياس النايلون الصغار بالقُبَل، وهكذا فعلت بدافعي العربات الخشب المكدودين، وحتى السّوّاق الذين لا يعجبهم العجب قبّلتهم في قمرات مركباتهم، ونال شرطة المرور أوفر نصيب من قُبَلي، ولم أترك جداراً في المدينة إلاّ عانقتُه مُقبّلاً حجارته، وكلماته المتقاتلة، وموتاه المكتوبين على إسمنته المتآكل، وأقبلتُ على النخل، وعلى الشجر، وعلى القطط الجائعة، والكلاب الطريدة وعلى تلول النفايات، وأكداس الملابس البالية، فقبّلتُها جميعاً حيث وجدتُها، ورحتُ إلى الجسور المتهدّلة فشفيتُ أوجاعها بقبلاتي الرّحيمة...
وما بقي في كيسي من القُبَل قرّرتُ أن أحمله إلى قاتلينا الرهيبين !! قبل أن يخرجوا إلى شوارعنا ويباشروا قتلَنا فيها ، وسأُقبّل أحزمتهم الناسفة، ومفخخاتهم،وبنادقهم لعلّها ترقّ، وتبرد، وتخجل، وتعود إلى بيوتها نادمة، وتدفن نفسها فيها إلى الأبد، وتُريحنا من نارها، فأنا مثل أخوة الأرصفة، لا يمتلكون غير هذه البسطات الخفيفة التي يُقتَلون عليها ، وغير أكياس القُبَل ....



#هاشم_تايه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نُزهة قاتلة
- على مفرق الحجر
- سياحة عمياء
- بعيداً عن الوحل خذني
- حوار مع الفنان العراقي هاشم تايه
- ميثولوجيا عراقية
- مصالحة في الهواء الطلق
- ذُعْر لا يقوى على حمله الهاتف
- كلاسيك
- المربد ... الصوت والصدى
- ضيف الحجر
- أجراس
- من أجل أمّي
- مَنْ يحلب القيثارة السومريّة في لندن ؟
- كولاج الألم
- لا أذودُ الطّيرَ عن شَجَرٍ
- صنائع الصحفي
- ديمقراطية تبحث عن مكان
- التشكيلي محمد مهر الدين فعل الرسم بين التجريد والرغبة في الب ...
- طريقٌ أم طرق ؟


المزيد.....




- “بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا ...
- المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
- رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل ...
- -هاري-الأمير المفقود-.. وثائقي جديد يثير الجدل قبل عرضه في أ ...
- -جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
- -هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - هاشم تايه - كيسُ القُبَل