|
الفصل 2 من رواية : كش ملك
حبيب هنا
الحوار المتمدن-العدد: 1826 - 2007 / 2 / 14 - 02:40
المحور:
الادب والفن
الرجل الذي تعلمت منه قواعد اللعب أن تتحدث عن رجل لا يعرفه الآخرون أسهل عليك من الحديث عن علم يشار إليه بالبنان، رغم أنه شخصية عامة تختلف فيه الآراء وتكثر حوله القصص، ذلك أن الحديث عن العام، غالباً ما يصطدم بمحبيه ويخلق بالتالي حالة من التشاحن قد تؤدي إلى التراشق بالألفاظ التي من شأنها الضغط على أعصاب المستمعين. والرجل الذي نقل أمامي الخطوة الأولى، كان موظفاً بسيطاً عندما التحق بالعمل الحكومي، وتدرج مع مرور الوقت وتقدم سنوات الخدمة إلى أن أمسى على درجة متقدمة أمنت له حياة كريمة عندما أحيل إلى التقاعد. فلم يكن يشغل باله من أمور الحياة غير التحايل على ثقل الوقت الذي بات يشكل عبئاً على يومه. كان فيما مضى، وهذا حال معظم الموظفين الحكوميين، بعد الانتهاء من ساعات الدوام الرسمي، يلتقي مع جماعات منهم في الأماكن التي يرتاحون فيها، يمارسون هواياتهم ويتحدثون في مختلف الأمور، شأنهم في ذلك، شأن الذين يهدرون أوقاتهم في المقاهي ولعب الورق، مع فارق طفيف أن بعضهم كان يحاول الإفادة من الوقت بما يخدم وجهته العامة في الحياة. ومن هذه الوجهة إتقان لعبة الشطرنج لما لها من تأثير على تنشيط خلايا الدماغ وعدم ركونها للخمول والتلف الذي مع استمراره يسرع في فقدان الكثير من مخزون الذاكرة، وعندما التقيت به بالصدفة، كان يلعب مع أحد أصدقائه أمام جمع لفيف من الناس الذين يحبون هذه اللعبة، دون أن يعكر صفوهم التفاف الناس حولهم بصمت يكاد يكون مطلقاً . شدني إليه طريقته في اللعب، علماً أنني لم أكن أعرف أبجديات اللعبة، ولكن التأني وعدم التسرع في تحريك القطع أوحى لي بعمق تفكيره، وضرورة إجراء الحسابات قبل كل حركة وقد كنت آنذاك لا أتجاوز عمر أصغر أبنائه، ومع ذلك، نمت بيننا علاقة شعرت بالارتياح لها وسعيت إلى تطويرها بما يعزز مكانته ويؤكد حضوره المشروط بانتزاع الاحترام من الآخرين. وشيئاً فشيئاً، صرت أقرب الناس إليه. فتح عالمه الخاص أمامي، وأطلعني على أدق تفاصيله، صرت بالنسبة له كاتم أسراره، وأصبح بالنسبة لي معلمي الأول بعد أبي . حدثني عن حياته، فأعادني إلى سن مبكرة من الطفولة، فتح علي ناراً وجدت صعوبة في إخمادها، وفتحت عليه مواجع كان الزمن كفيل بعلاجها لو لم أظهر في حياته، فغدوت أهم شيئاً فيها. وذات مساء، لظرف لا أعرفه، تغيب اللاعبون عن الحضور، فما كان منه إلاّ أن رتب الرقعة في الوقت الذي قال فيه: - دعني أعلمك قواعد هذه اللعبة. نظرت إليه وأنا أتساءل في سري: هل من الممكن أن أصبح لاعباً متميزاً كما هو شأنه الآن؟. وقبل أن يصدر ردي عليه، كان قد لعب الخطوة الأولى متقدماً ببيدق الوزير خطوتين. هززت رأسي بالإيجاب، فانبري يشرح حركة البيادق، ثم طاف على القطع المختلفة، بيد أنه توقف عند الحصن متحدثاً بإفاضة عن أهميتها في السيطرة على أرض المعركة، في وقت عكف فيه على وجوب إجراء حساب دقيق للمربعات التي تحتلها في حال التقدم صوبها، والمربعات التي يتم إخلاؤها في حال الانتقال إلى مربعات جديدة أكثر أهمية للخطوة التي تعقبها. وفجأة، توقف عن الحديث كمن تذكر شيئاً، ثم ما لبث أن قال، الممارسة خير كفيل على التعلم وزيادة الخبرة وتطوير عمل العقل في هذا الحقل. انتظرت أن يواصل حديثه، وعندما لم يفعل مددت يدي إلى بيدق الوزير وتقدمت به خطوتين. نظر إليّ ثم حرك بيدق الفيل خطوتين. حملت بيدق الملك بين أصابعي وتقدمت به خطوتين. نظر إليّ متفحصاً، ثم قال على غير توقع: - هذه الخطوة لا يقدم عليها سوى المحترفين، وأنت تقول لا علاقة لك بهذه اللعبة، كيف تفسر لي هذا الأمر؟ - ببساطة إنها مجرد حركة صدفية لا أعرف كيف أستكملها وإلى أين يمكن لها أن تفضي بي؟! بدأ يشرح قواعد اللعبة وتقنياتها ووجوب وضع الخطط لها مع بدء الحركة الأولى ومعرفة ردود فعل الخصم. وشيئاً فشيئاً أخذت أتعلم منه أصول اللعب، فغدوت أمهر منه، وبات يجد صعوبة في التغلب عليّ عندما يكون اللعب انعطف نحو المنحى الجاد الذي يظهر فيه كل طرف قدراته على الطرف الآخر بغية الفوز عليه. وهكذا، بدأت اللعبة تشغل مساحة واسعة من تفكيري، عملت جاهداً على تطويرها كلما سنحت الفرصة محلياًً وعربياً إلى أن صرت ما أنا عليه الآن من مهارة أسعى على الدوام من أجل تطويرها وتزويدها بالخبرة الضرورية اللازمة من خلال وسائل الاتصال الحديثة. وعلى هامش اللعب انفتح عالمه الخاص أمامي على مصراعيه، وتعرفت من خلاله على التشكيل الأسري الذي لازم العائلة أب عن جد. وأحببت خيوط النسيج التي منها تشكلت حياة الأب عندما كان عاملاً بسيطاً، وصولاً إلى بناء مصنع خاصاً به، وما ترافق معه من تجارة في هذا المجال مكنته من تعليم أبنائه العلم الذي يرغبون فيه وتوفير حياة كريمة تضمن لهم رغد العيش وتجنبهم العوز عند المنعطفات الحادة. والأمر نفسه، انتقلت عدواه إلى الابن الذي سعى بكل ما أوتي من قوى كي يوفر لأبنائه ما وفره أبوه إليه؛ فعلمهم الطب والهندسة وإدارة الأعمال، وضمن لهم مكانة اجتماعية تحظى باحترام مختلف شرائح المجتمع.
#حبيب_هنا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفصل الأول من رواية :كش ملك
-
فرصة اللحظات الأخيرة
-
مسرحية جديدة -نحكي وإلا ننام
-
الحب الفجيعة :قصة قصيرة
-
الراقص المقعد :قصة قصيرة
-
قلعةلبنان تقتحم من الداخل
-
قصة قصيرة
-
خروب عسل-- قصة قصيرة
-
أمريكا ..الذهاب إلى الانتحار
-
ملامح استراتيجية جديدة بتكتيك قديم
-
إسرائيل الخاسر الوحيد من الحرب
-
إسرائيل.. رياح التغيير تخطف النوم والأمن
-
قانا و-متلازمات جينوفيز-
-
لبنان وحزب الله في طور التحول
-
رسالة الى غسان كنفاني في الذكرى ال33 لاستشهاده
-
-17-مازال المسيح مصلوبا
-
مازال المسيح مصلوبا 15
-
-13- مازال المسيح مصلوبا
-
مازال المسيح مصلوبا 11
-
مازال المسيح مصلوبا
المزيد.....
-
Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي
...
-
واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با
...
-
“بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا
...
-
المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
-
رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل
...
-
-هاري-الأمير المفقود-.. وثائقي جديد يثير الجدل قبل عرضه في أ
...
-
-جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|