أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - الجولاني وسط الحوار المرئي، الحقائق تُكشف














المزيد.....

الجولاني وسط الحوار المرئي، الحقائق تُكشف


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8467 - 2025 / 9 / 16 - 00:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


رغم أنه لم يعد مهمًّا من جاء بأبي محمد الجولاني إلى واجهة السلطة، ولا من سمح لتركيا بتصعيد دعمها لهيئة تحرير الشام، ولا من أجبر بشار الأسد ونظامه على الانسحاب وترك سوريا للمنظمات التكفيرية؛ كل ذلك بات معروفًا للجميع، حتى المخفية خلف الأروقة السوداء، ما يهمنا اليوم هو قراءة الحقائق التاريخية التي أخذت تتجلى، فقد بدت واضحة في تصريحات الجولاني على قناة الإخبارية السورية، وفي الاتفاق الذي جرى بينه وبين روسيا، وهو في جوهره تأكيد لما كان قد بُني عليه قبل أسابيع وربما قبل أكثر من عام، خصوصًا مع توجيه الأسد للانفتاح على الدول العربية، أو الطلب من الدول العربية وخاصة الخليجية لفتح الأبواب له، وتمهيده للعودة إلى الجامعة العربية، وتطلّعه إلى التملّص من الحلف الإيراني، خاصة بعد الدمار الذي الحقه إسرائيل بأدواتها، كحماس وحزب الله وقصف الحوثيين، وكان على دراية أنه من ضمن السلسلة المعنية بالأمر.
لكن هذه التحولات لم تكن ثمرة قوى سورية فاعلة، بل عكست موقعها كأدوات تنفيذ، فالجولاني لم يكن يملك القوة الكافية ليسقط النظام، ولا النظام كان هشًّا إلى الدرجة التي تسمح بانهياره أمام هيئة تحرير الشام، بل إن الهيئة نفسها لم تكن سوى أداة مؤقتة، توظَّف لتحقيق مصالح إقليمية ودولية، أشبه بواجهة وظيفية تُستخدم ثم تُزال، أما الاتفاقية، فكانت ذات بعدين:
الأول، كان مخرجات مؤتمرات سوتشي وأستانه بين تركيا وإيران، والتي هدفت إلى تثبيت سوريا كدولة مركزية ترفض الفيدرالية وتتجاهل الحقوق القومية للشعب الكوردي. غير أن هذه الرؤية لم تكن محل ترحيب كامل من روسيا، وهو ما دفع بوتين، بعد سقوط النظام المجرم في بعض مراحله، إلى التصريح بأن الأفضل لسوريا أن تكون دولة لا مركزية تقوم على نظام فيدرالي، وقد كانت رسالة مباشرة إلى تركيا قبل إيران، خاصة على خلفية الخلافات التي ظهرت في مؤتمر سوتشي الأخير، وظهور بوادر عودة تركيا إلى حضن الناتو كخطوة استباقية لمواجهة عدة إشكاليات تخشاها، وفي مقدمتها خشيتها من تحوّل سوريا إلى دولة لا مركزية يحصل فيها الكورد على إقليم فيدرالي معترف به.
أما الثاني، فتمثل في التفاهمات بين روسيا وأمريكا وإسرائيل، والتي هدفت إلى تقليص نفوذ إيران، مع مراعاة التوازن الدقيق مع تركيا التي وُظفت كراعٍ رئيسي لهيئة تحرير الشام. وقد فُرض ضمن هذه التفاهمات أحد أهم الشروط، أن تتحكم هذه القوى مجتمعة بمسار النظام السوري القادم، وهي المعادلة السياسية التي بدأت ملامح نهايتها تتكشف شيئًا فشيئًا.
من هنا، بدا واضحًا أن حكومة الجولاني تمر بمرحلة انتقالية، قد تطول عامًا أو عامين، لكنها لن تتحول إلى سلطة راسخة أو قوة شرعية، فكما أُزيحت الميليشيات الإيرانية، ستُذيب القوى الكبرى هيئة تحرير الشام مهما غيرت من سماتها، متى ما استُنفد دورها، حتى لو مُنحت اعترافًا شكليًا بحكومتها الانتقالية تحت سمة الحكومة السورية. الجميع يدرك أن منهجيتها التكفيرية وثقافتها الظلامية تجعلها عاجزة عن بناء أي مشروع سياسي أو عسكري مستدام، فضلاً عن أنها لم تكن ندًّا للنظام المجرم، بل مجرد ورقة ضمن لعبة أكبر.
وهكذا وجدت سوريا نفسها في مرحلة انتقالية عصيبة، بين نظام إجرامي غارق في الدماء، ومنظمة إرهابية تُستخدم كأداة في يد الآخرين، واحتمالات بعيدة لتأسيس وطن ديمقراطي، في هذه المعادلة، ظل الشعب السوري هو الضحية المباشرة، بينما تعرض الكورد، ومعهم الموحدين الدروز وأبناء الساحل السوري، والمكون المسيحي، لاستهداف مضاعف، يُطعنون من الاستبداد باسم المركزية، ويُشيطنون من التكفير باسم الدين.
سوريا اليوم تبدو في الظاهر وكأنها مسرح لصراع بين نظام مستبد ومنظمات منفلتة تكفيرية متطرفة، لكن في الجوهر لا فرق بينهما، فكلاهما جزء من جسد واحد، فالمنظمات التكفيرية هي التي شكّلت ما سُمّي بـ"الحكومة السورية الانتقالية"، وقدمتها للعالم كواجهة سياسية، فيما بقيت هي الذراع العسكرية ذاتها، الحكومة لم تكن سوى ظل لهذه التنظيمات، تغطي جرائمها بشعارات منضبطة، لكنها في الواقع هي التي فتحت لها المجال، بل وقدمت لها الدعم، لتنفذ المجازر بحق السوريين والكورد.
كلما ارتكبت جريمة، خرجت الحكومة لتبرّر نفسها بذرائع واهية، تارة تلقي باللوم على "فلول النظام"، وتارة على "منظمات منفلتة"، وأخرى على "شرائح غير منضبطة". لكن الحقيقة التي لا جدال فيها أن الحكومة نفسها هي الراعي، وهي القناع السياسي الذي تتحرك خلفه هذه القوى التكفيرية، بذلك تتكرّس وحدة الشر، سلطة تقتل باسم الدولة، ومنظمات تذبح باسم الدين، وحكومة انتقالية تشرعن كليهما تحت مسمى المعارضة.
في هذه المعادلة الجهنمية، الشعب السوري وقوده الأول، والكورد ضحيته المضاعفة، مطعونين من المركزية العروبية للنظام، ومشوَّهين بالدعاية التكفيرية التي تصورهم كخطر وجودي، وما أشبه الأمر بقدر مكتوب، حيث يُحاصر الكوردي بين سيفين مسمومين خرجا من غمد واحد.
إن ما صرح به الجولاني في حواره المنمق لغويا، لكنه الهش، والضحل سياسيا وتاريخيا، وما يجري في سوريا، ليس حرب على مخلفات النظام البائد، بل هو إعادة إنتاج لجدلية الشر، استبداد يتغذى من أجهزة القمع، وتكفير يتغذى من القهر ذاته، كما قال بول ريكور: "الشر ليس غريبًا عن الإنسان، بل هو انحراف في فهم الحرية." وفي سوريا لم يكن الشر طارئًا، بل كان صناعة متعمدة، نظام صنع الإرهاب ثم ادعى محاربته، ومنظمات تكفيرية صنعت حكومة انتقالية لتدّعي تمثيل المعارضة، وفي العمق كليهما كانا شركاء في جريمة واحدة.
ويبقى السؤال المعلّق، هل يمكن أن يولد مشروع تحرر حقيقي من رحم هذا الجسد الموبوء، أم أن سوريا ستظل أسيرة لعبة يتبادلون فيها الأدوار، حيث يظل الشعب ضحية، وتظل القضية الكوردية مطموسة، وتظل الحرية مجرد وهم يتلاشى مع كل جولة جديدة من التواطؤ؟

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
15/9/2025م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكتلة الوطنية لماذا تتنكرون للفيدرالية وتعيدون إنتاج خوف ال ...
- قمة قادة العرب في قطر لحظة إعلان نهاية حماس
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- يُمنح الإرهابيون المنابر ويُحرم الكورد من مقعدهم في هيئة الأ ...
- تراجع شعبية إسرائيل وصعود المأزق الفلسطيني
- منطق القوة لا يرحم الكورد بين عجز المجلس الوطني وهيمنة الإدا ...
- منطق القوة لا يرحم الكورد بين عجز المجلس الوطني وهيمنة الإدا ...
- منطق القوة لا يرحم الكورد بين عجز المجلس الوطني وهيمنة الإدا ...
- هل تعطّلت مخرجات مؤتمر قامشلو؟ 2/2
- هل تعطّلت مخرجات مؤتمر قامشلو؟ 1/2
- الحكومة السورية الانتقالية بين خطاب الوحدة وممارسة التجزئة
- كوردستان وقادم الشرق الأوسط تحولات كبرى وصراع على المستقبل
- قسد بوابة خلاص سوريا من الاستبداد والإرهاب
- برلمان الجولاني شرعنة للتقسيم تحت قناع الديمقراطية
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- الجولاني بين وهم الأبدية وحتمية السقوط
- مؤتمر الرقة ورسائل الصراع غير المعلن بين أمريكا وتركيا
- هل صار الاستجداء هوية كردية؟
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- الثقافة السائلة في المأساة السورية والكوردية


المزيد.....




- ما رد -حماس- على تحذير ترامب من -استخدام الرهائن كدروع بشرية ...
- إبحار سفن أسطول غزة من تونس: كوماندوز إسرائيلي يتجهز لاعتراض ...
- ما حقيقة المفاوضات الإسرائيلية الأمريكية لـ-نقل قادة حماس- إ ...
- المفوضية الأوروبية: الوضع في ليبيا حرج والانخراط السياسي ضرو ...
- خبيرة أممية تؤكد أن حرب غزة تشهد أكبر حصيلة قتلى للصحفيين بت ...
- -لا تتحدثوا العبرية-.. كيف تحول الإسرائيليون إلى منبوذين في ...
- نموذج -ثلاثي الأبعاد- لحفظ حقوق الضحايا في سوريا
- ترامب يعلن توجية ضربة جديدة إلى قارب يقل -تجار مخدرات- فنزوي ...
- ماذا يفعل وفد أميركي في تونس؟ وماذا يريد من قيس سعيد؟
- قتيل و13 جريحا في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان


المزيد.....

- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - الجولاني وسط الحوار المرئي، الحقائق تُكشف