حسين قنبر
الحوار المتمدن-العدد: 8466 - 2025 / 9 / 15 - 18:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بقلم الفكر والباحث الاستاذ حسين قنبر مدير مركز دراسات الشرق للسلام
الكرد والعرب… إخوة في التاريخ والمصير
مدخل
كثير من المحللين والمفكرين يكتبون بلغة معقدة لا تصل إلى عامة الناس، لكن ما أريده هنا هو طرح وجهة نظر بسيطة وصريحة يفهمها الجميع:
الكرد والعرب إخوة في التاريخ والمصير. وما يؤكد هذه الحقيقة هو أن أكبر المصائب التي نزلت على شعوب المنطقة – مثل معاهدة سايكس بيكو ووعد بلفور – لم تفرق بينهما في الخسارة، بل أضرت بالقوميتين معاً، وجعلتهما في موقع الضحية، بينما استفاد الآخرون.
الجذور التاريخية للكرد والعرب
التاريخ يروي لنا أن الكرد هم شعب قديم استوطن مناطق جبلية تمتد عبر العراق وإيران وسوريا وتركيا، فيما يُعرف اليوم بـ"كردستان الكبرى". وقد كانت لهم ممالك وإمبراطوريات، مثل دولة الميديين التي استمرت حتى منتصف القرن السادس قبل الميلاد. لكن خيانة "هارباك" ضد الملك أستياك فتحت الباب لسقوط تلك الإمبراطورية وقيام الدولة الفارسية، ومنذ ذلك الحين لم يقم للكرد كيان قومي موحد، بل عاشوا في شكل إمارات محلية (مثل البهدينانية، السورانية، البابانية وغيرها) تتأرجح قوتها بحسب الظروف والصراعات.
أما العرب، فقد ورد ذكرهم منذ القرن التاسع قبل الميلاد في النقوش الآشورية، باعتبارهم أهل البادية. وانقسمت شبه الجزيرة العربية إلى ثلاثة أقاليم بحسب الجغرافيين: العربية الحجرية شمالاً، العربية السعيدة جنوباً (اليمن)، والعربية الصحراوية التي شملت معظم الجزيرة. ومع الإسلام، تحولت القبائل العربية إلى أمة واحدة، وأقاموا إمبراطورية واسعة امتدت من الأندلس غرباً إلى آسيا الوسطى شرقاً. لكن مع انتقال الخلافة إلى أيدي غير العرب (الأتراك العثمانيين) فقد العرب وحدتهم السياسية، وتوزعوا بين ولايات السلطنة.
ما قبل سايكس بيكو: الوعود الخادعة
عندما بدأت الإمبراطورية العثمانية تتهاوى في الحرب العالمية الأولى، استغل الأوروبيون حالة الغضب لدى شعوب المنطقة. فقدموا وعوداً كبيرة للعرب والكرد:
الشريف حسين حصل على وعود بكيان عربي موحد.
الكرد تلقوا إشارات من بريطانيا بضمان حقوقهم القومية.
لكن ما حدث هو العكس تماماً. فبينما ضحى العرب والكرد ووقفوا ضد العثمانيين، كانت القوى الأوروبية ترسم الخرائط في الغرف المغلقة.
سايكس بيكو ووعد بلفور: بداية المأساة
عام 1916 تم توقيع اتفاقية سايكس بيكو سراً بين بريطانيا وفرنسا لتقاسم تركة "الرجل المريض".
العراق أصبح ضمن النفوذ البريطاني.
سوريا ولبنان تحت السيطرة الفرنسية.
فلسطين وُضعت تحت إدارة دولية تمهيداً لتسليمها لليهود.
وفي 1917 جاء وعد بلفور ليعطي اليهود "وطناً قومياً" في فلسطين، وهو أخطر وعد استعماري في القرن العشرين.
الكرد والعرب معاً كانوا الخاسر الأكبر:
الكرد تم تقسيمهم بين أربع دول، وحُرموا من أي دولة خاصة بهم رغم وعود معاهدة "سيفر".
العرب، بدلاً من الوحدة، توزعوا في كيانات مجزأة، ثم خُدعوا بجامعة الدول العربية التي لم تحقق طموحهم القومي.
قرن من التشتت والانكسارات
مر أكثر من مئة عام على سايكس بيكو، لكن آثارها ما زالت حاضرة.
الكرد ما زالوا منقسمين بين دول أربع، ونضالهم القومي المشروع تعثر بسبب الانقسامات الداخلية، وتبعية بعض القوى الكردية لإرادات خارجية. حتى عندما سنحت لهم فرص تاريخية، مثل 1975 أو التسعينات في العراق أو مع بداية الأزمة السورية، ضاعت تلك الفرص بسبب غياب وحدة الموقف.
العرب أيضاً فشلوا في بناء وحدتهم، وظلت مشاريع الوحدة مجرد شعارات. التجربة المصرية-السورية انتهت سريعاً، وغزو العراق للكويت فتح الباب لتدخل أميركي دمّر العراق وأضعف العرب أكثر.
اليوم، نرى العرب 22 دولة ممزقة، والكرد يعيشون تحت أربع حكومات، وكلاهما بلا إرادة سياسية مستقلة، بينما يظل القرار الحقيقي بيد القوى الغربية، خاصة الولايات المتحدة.
مقارنة مع تركيا وإيران
رغم أن سايكس بيكو أضرت أيضاً بالترك والفرس، إلا أن قياداتهم تعاملت بعقلانية أكبر:
الأتراك أسسوا دولة قومية قوية وحافظوا على موقعهم عبر الناتو وعلاقات متوازنة مع الغرب.
إيران نهضت كقوة إقليمية رغم الضغوط والعقوبات، وحافظت على استقلال قرارها.
أما العرب والكرد، فما زالوا أسرى الخلافات الداخلية، وضعف القيادة، والارتهان للخارج.
جوهر المشكلة: القيادة
المشكلة ليست في قوة الشعوب، بل في قياداتها:
القادة الكرد كثيراً ما رهنوا مصيرهم بالخارج، وتناحروا فيما بينهم بدل التوحد.
القادة العرب بقوا أسرى أوهام الماضي، ومغرورين بشعارات الوحدة دون عمل حقيقي، وفي النهاية صاروا مجرد أدوات بيد الغرب.
كما قال أحد الرجال البسطاء في كركوك:
> الكرد يقودهم سياسيون سطحيون يسمعون كلام الأجنبي أكثر من الأقرباء، والعرب يقودهم سياسيون مغرورون بالتاريخ يظنون أن الغرب يحترم أمجادهم القديمة.
الخاتمة: هل هناك أمل؟
اليوم، وبعد قرن من سايكس بيكو، ما زالت منطقتنا مشتعلة. الصراعات لا تنتهي، والتدخلات الأجنبية تتحكم بكل شيء، بينما شعوب المنطقة هي من يدفع الثمن.
لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن الكرد والعرب إخوة في المصير. كلاهما كان ضحية للخداع والتقسيم، وكلاهما يملك طموحاً قومياً مشروعاً لم يتحقق حتى الآن.
إن الحل لا يأتي من انتظار وعود الغرب أو إعادة إنتاج سايكس بيكو بشكل "أكثر عدلاً"، بل من إرادة وطنية صادقة، تقوم على وحدة الموقف بين الكرد والعرب، وإيمانهم أن مصيرهم واحد، وأن قوتهم الحقيقية تكمن في التكامل والتعاون لا في التناحر والارتهان للخارج.
#حسين_قنبر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟