أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث الجادر - الليبرالية الأوروبية والإسلام السياسي: من لندن إلى ( الخريف ) العربي















المزيد.....

الليبرالية الأوروبية والإسلام السياسي: من لندن إلى ( الخريف ) العربي


ليث الجادر

الحوار المتمدن-العدد: 8466 - 2025 / 9 / 15 - 15:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يمكن القول إن الليبرالية الأوروبية، سواء عن قصد سياسي أو كنتيجة غير مباشرة لانفتاحها، كانت المسؤول الأول عن صعود الإسلام السياسي في القارة. فالعاصمة البريطانية لندن، على سبيل المثال، يمكن أن تُوصف – بموضوعية – بأنها أمّ الحواضن للإسلام السياسي، بما وفرته من بيئة قانونية وإعلامية واقتصادية مثالية لنمو الحركات الإسلامية. وفي هذا المناخ تحديدًا وجدت قطر مجالًا رحبًا لتعزيز حضور الإخوان المسلمين، ليس فقط عبر ضخ الموارد، بل من خلال ربط الدعم المالي بأذرع إعلامية ومبادرات تعليمية وثقافية صاغت فضاءً متكاملًا يخدم المشروع الإخواني. هذا الحراك لم يكن وليد الصدفة، بل تم وفق مقاربة مدروسة تسعى إلى ترسيخ التأثير الإخواني داخل المجتمعات المسلمة في أوروبا، مع توظيف مرونة القوانين الليبرالية كوسيلة لتحقيق مكاسب سياسية واجتماعية ممتدة. وبذلك تبلورت الدوحة كلاعب محوري في هندسة نفوذ إخواني متماسك داخل أوروبا، بعيدًا عن الصورة التقليدية التي تقتصر على دورها الخيري أو الإنساني.

وحينما يُشار إلى أن الإسلام السياسي المعاصر ما هو إلا نتاج رأسمالي عالمي، يهبّ في وجهنا المتفيهقون التافهون متهمين إيانا بعقلية المؤامرة. والحقيقة أن مثل هؤلاء إنما هم جزء من آلية التآمر على الفكر، لأن كل الحقائق الموضوعية والمعلومات التي يستند إليها تشخيصنا إنما تصدر من مراكز دراسات وإعلام وصحافة عالمية. والتحامل على هذا التشخيص بتهمة «عقلية المؤامرة» هو في ذاته آلية لإسقاط النقد الموضوعي؛ فاتهام الناقد بالهوس بنظريات المؤامرة يفرغه من مصداقيته ويحوّل نقاشًا عن بنيات مادية وسياسات تمويلية إلى سجال لغوي عن صدقية المتكلم.

الأدهى أن من يلجأون إلى هذا السلوك غالبًا ما يكونون جزءًا من شبكة معرفية وإعلامية تسهم في تشكيل الرأي العام نفسه — مراكز أبحاث، وسائل إعلام، ومنظمات تمويلية — التي تستمد منها الخطابات الرسمية شرعيتها، بينما تُبقي على الحدود المرسومة لـ "المسموح قوله". إن الحقائق والوثائق التي نربط بها تشخيصنا ليست خرافات تُؤلف في المقاهي، بل تقارير وتحقيقات وبيانات مالية وسياسات منشورة في مؤسسات عالمية؛ وتجاهلها أو تشويهها باسم محاربة «المؤامرة» ليس جريمة نقدية فحسب، بل هو مشاركة فعلية في عملية تبييض العلاقات الاقتصادية والسياسية التي أنتجت الإسلام السياسي المعاصر. ومن هنا لا يهدف التحليل المادي إلى إنكار البُعد الأيديولوجي أو الفاعلية الذاتية للتيارات الإسلامية، بل إلى وضعهما داخل خرائط القوة والتمويل والفرص التي صنعتها العولمة الليبرالية وسياسات الرعاية والاحتضان.

وإذا ما وصلنا إلى ما سُمّي بالربيع العربي، فإننا لا نكون أمام ثورة شعبية بالمعنى التاريخي التحرري، بل أمام انقلاب رجعي في مسيرة التاريخ. انقلاب جرى تنظيمه وتجهيزه ورعايته من قبل أنصار النهج الليبرالي المتوحش وحلفائه، سواء داخل المنطقة أو في مراكز القرار الغربية. لقد أُعيد إنتاج الإسلام السياسي في تلك اللحظة باعتباره القوة "الجاهزة" لملء الفراغ، بينما جرى تهميش البدائل المدنية والتقدمية أو سحقها بالعنف والإقصاء.

إن تصوير الربيع العربي كحلم تحرري محض، يتجاهل عن عمد البنية المادية التي أحاطت به: شبكات إعلامية عملاقة صاغت سرديته، ومؤسسات تمويلية سخرت مواردها لإسناد حركات الإسلاميين، وعواصم غربية رأت فيه أداة لتجديد سيطرتها بأدوات ناعمة. وهكذا تحوّل الحراك من إمكانية تاريخية للتغيير إلى فرصة لإعادة تدوير القوى الأكثر رجعية، التي جرى تمكينها تحت غطاء "الديمقراطية الانتخابية" و"الشرعية الشعبية".

بهذا المعنى، لم يكن الربيع العربي سوى امتدادٍ للسياسات الليبرالية نفسها التي احتضنت الإسلام السياسي في أوروبا ومكّنته ماليًا وإعلاميًا وثقافيًا. إنه لحظة ذروة في مشروع متكامل: مشروع يربط العولمة الرأسمالية بمصالحها الجيوسياسية، ويستثمر في الإسلام السياسي كأداة للهيمنة، لا كعدو لها.

:إشارات واقعية :
تظهر الأمثلة الواقعية في مصر وليبيا وسوريا، فقد جرى في كل حالة تفعيل الإسلام السياسي كحركة تحظى بالدعم غير المباشر من مؤسسات دولية وغربية، مع استغلال الفوضى السياسية لإقصاء القوى الوطنية المدنية التقدمية. في مصر، استُثمر الفراغ بعد 2011 لتثبيت هيمنة جماعة الإخوان، قبل أن تتدخل السلطة العسكرية لاحقًا لإعادة الهيمنة التقليدية، بما يؤكد أن المشروع الليبرالي لم يكن هدفه بناء ديمقراطية حقيقية، بل إعادة ترتيب القوى لصالح مصالحه. في ليبيا، استُخدم الإسلام السياسي كورقة أساسية في الصراع بين الميليشيات والدوائر الغربية، بينما في سوريا أصبح حليفًا طبيعيًا لسياسات النفوذ الخارجي، مما أظهر كيف يمكن للأيديولوجيا أن تتحول إلى أداة تنفيذية لمصالح القوى العظمى.

وفي اليمن، لعبت أحداث الانتفاضة اليمنية نفسها دورًا مشابهًا، إذ مهّدت الطريق أمام تصاعد نفوذ الحوثيين. الفراغ السياسي وانهيار الهياكل التقليدية للدولة، جنبًا إلى جنب مع التدخلات الإقليمية والدولية، خلقا بيئة خصبة لصعود هذه الحركة التي استغلت الاضطراب لتحقيق هيمنة على مناطق واسعة، ما يعكس كيف يمكن للربيع العربي أو ما سُمّي به مناضل سياسي أن يتحول إلى فرصة لإعادة تموضع القوى الأكثر رجعية والموالية للمصالح الخارجية.

من هذا المنظور، يصبح واضحًا أن الإسلام السياسي المعاصر لم ينشأ في فراغ، ولا يمكن فهمه بمعزل عن البيئة الليبرالية العالمية التي سمحت له بالنمو، وعن التحالفات الإقليمية التي وفرت له الموارد والغطاء القانوني والإعلامي والسياسي، وصولًا إلى لحظة ذروته خلال ما سُمّي بالربيع العربي.

خاتمة تحليلية:
ما يبرزه هذا السياق هو أن الإسلام السياسي، سواء في أوروبا أو في الشرق الأوسط، ليس ظاهرة عشوائية أو "أيديولوجيا فطرية"، بل هو نتاج مركب لسياسات الليبرالية العالمية، والعولمة الرأسمالية، والاستثمار الإقليمي في القوى الأكثر رجعية، واستغلال الفراغات السياسية والاجتماعية. من لندن إلى صنعاء، ومن القاهرة إلى طرابلس، يمكن رؤية أن التحولات السياسية الكبرى كانت دائمًا مرتبطة بتوظيف الإسلام السياسي كأداة لإعادة رسم خرائط النفوذ، وليس لتحرير الشعوب. لذلك، قراءة الأحداث المعاصرة تتطلب إدراك العلاقة بين البيئة الليبرالية، القوى الإقليمية، والحركات الإسلامية نفسها، لفهم أن ما يسمى بالربيع العربي لم يكن سوى فصل من كتاب طويل لإعادة إنتاج الهيمنة القديمة بواجهة جديدة، والاعتراف بهذا الواقع هو الخطوة الأولى لتجاوز سرديات الخداع والافتتان بالأيديولوجيا الزائفة.



#ليث_الجادر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشيخة قطر.. دعم مالي وإعلامي لحركة الإخوان المسلمين
- البعد التاريخي لتواجد الإخوان في قطر
- قطر: راعية حماس تختبئ خلف ستار “وساطة سلام”
- فضلات بغداد إلى أوروبا: تجارة غير متوقعة في بدايات القرن الع ...
- الاقتصاد الرقمي: سلعة وهمية بين الرأسمال الوهمي والوهم السيا ...
- الماركسية اللينينية وفهم الصراع الدولي المعاصر...ج3
- الماركسية اللينينية وفهم الصراع الدولي المعاصر...ج2
- الماركسية اللينينية وفهم الصراع الدولي المعاصر...ج1
- إقليم كردستان.. عقدة الصراع الإقليمي بين تركيا وإيران وإسرائ ...
- إقليم كردستان.. عقدة الصراع الإقليمي بين تركيا وإيران وإسرائ ...
- النفط العراقي بين منفذ الأردن واستراتيجية -النفط مقابل الماء ...
- النفط العراقي بين منفذ الأردن واستراتيجية -النفط مقابل الماء ...
- بين القانون والسياسة: مفارقة القضاء التركي
- تركيا : الصناعة الدفاعية كأداة تموضع إقليمي
- الأرستقراطيه المقاتله..من بدر الى معركة شرقاط..ج6
- الأرستقراطيه المقاتله..من بدر الى معركة شرقاط...ج5
- الأرستقراطيه المقاتله..من بدر الى معركة شرقاط ...ح4
- الأرستقراطيه المقاتله..من بدر الى معركة شرقاط...ج3
- ألأرستقراطيه المقاتله ..من بدر الى معركة شرقاط..ج2
- الأرستقراطية المقاتلة من بدر إلى معركة شرقاط...ج1


المزيد.....




- ما رد -حماس- على تحذير ترامب من -استخدام الرهائن كدروع بشرية ...
- إبحار سفن أسطول غزة من تونس: كوماندوز إسرائيلي يتجهز لاعتراض ...
- ما حقيقة المفاوضات الإسرائيلية الأمريكية لـ-نقل قادة حماس- إ ...
- المفوضية الأوروبية: الوضع في ليبيا حرج والانخراط السياسي ضرو ...
- خبيرة أممية تؤكد أن حرب غزة تشهد أكبر حصيلة قتلى للصحفيين بت ...
- -لا تتحدثوا العبرية-.. كيف تحول الإسرائيليون إلى منبوذين في ...
- نموذج -ثلاثي الأبعاد- لحفظ حقوق الضحايا في سوريا
- ترامب يعلن توجية ضربة جديدة إلى قارب يقل -تجار مخدرات- فنزوي ...
- ماذا يفعل وفد أميركي في تونس؟ وماذا يريد من قيس سعيد؟
- قتيل و13 جريحا في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان


المزيد.....

- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث الجادر - الليبرالية الأوروبية والإسلام السياسي: من لندن إلى ( الخريف ) العربي