أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - علي جرادات - هم السجان ونحن السجين















المزيد.....

هم السجان ونحن السجين


علي جرادات

الحوار المتمدن-العدد: 1823 - 2007 / 2 / 11 - 12:29
المحور: القضية الفلسطينية
    


تَظَلَّموا مِنْ اضطهادِ "اغيارهِم"، واقتلعوا من التاريخ "مسألتهم"، وفي التاريخ زرع جزءٌ منهم "قضيتنا"، نحن الأبرياء مِن "مسألتهم".
عجالتنا، قليلٌ مِن "بطولةِ ومعاناةِ" نيِّفٍ ونصف مليون هُمْ أسرى حرية فلسطين. عجالةٌ الرَّسْمِ بالكلمات لمعنى احتباس (طليق حُر ) الإنسان الفلسطيني في سجون، صَمَّموها ضيقة بِضيقِ "غيتواتهم". عجالة تظهير مَبيت فسيحِ حريةِ نصف مليون ونيف "منا"، عقودا في ضيقِ سجنهم، بدعوى "خراريفهم" عن عبثية "التخريب" فينا.
بلى، عقودٌ بتنا في سجونهم، نحلم في سبيل استعادة سَوِيَّةِ الإنسان لنا (نحن) ولهم (هم)، لنا بعودتنا لجمالية المبيت في بيت أطفالنا، والعمل في مصنعنا وحقلنا، والتَعَلُّم والتعليم في جامعتنا ومدرستنا؛ ولهم بعودتهم عن بؤس ثقافةِ حبس الحرية. عقودُ "بطولتنا" لم تظفر بَعْدُ بحريتنا (نحن) مِنْ سجونهم، وعقود من معاناتنا لم تفلح بعد بغسل ثقافتهم (هُمْ) مِن أدران السجن. عقود و"هم" يرددون: "الإنسان اثنان: سجينٌ وسجان". وعقود و"نحن" نردِّد: بل "السجين والسجان واحد في الإنسان". ونؤكد (نحن) لهم (هُمْ) بالبطولة والمعاناة أن: (زائد سجنهم هو ناقص حريتنا) وأن (ناقص سجنهم هو زائد حريتنا). وشرحنا أنَّ: كما أن في الطبيعة، لا أول بلا ثاني، ولا ثاني بلا أول، فإن في المجتمع: لا سيِّدَ بدون عبدٍ يَخْضَع، ولا عَبْدَ بدون سيد يَسْتَعْبِد. ولكن أنى لنا (نحن) أن نقنعهم (هُمْ)، فلا حياة لمن تنادي، فمنطقنا غريب عليهم، ومنطقهم غريب علينا، فنحن وهم زمنان في زمن: نحن زمن ثقافة "الحرية مِن" السجن، وهم زمن ثقافة "الحرية إلى" السجن. هم "زمن بائد خرافة تفوق الأعراق"، ونحن "زمن الإنسان جذر كل الأعراق". كيفَ لا؟!!!! ونحن حاملُ السجن على الجسد، وهُمْ حامل السجن في الوعي. نلفظ السجن فيبتلعونه. غرابا هو نقول، وحمامة هم يقولون. شوكة واجبة الاقتلاع نُرَدِّد، ووردة جديرة بالغرس يرددون. بإبر قيم الحرية نخلعه، وبفأس قيم العبودية يزرعونه. هذا تناقضٌ مستعصٍ بيننا وبينهم، لا ندري لأيِّ مجهول من آفاق معاناة السجن يقودنا (نحن) السجين؟؟ ولا إلى أيِّ مجهول من آفاق مضغِ ثقافةِ السجن يقودهم (هم) السجان؟؟
لقد نفوا بسجنهم حر طليقنا، فنهضنا ببطولة معاناتنا لاستعادته، ونفي ثقافة سجنهم، فغدونا جمل محامل معاشٍ إنسانيٍ، فيه (اقل الممكن) مِن السجون، و(أكثر المتاح) مِن الحرية.
(17 نيسان)، يوم ليس ككل أيام فلسطين، إنه يومُ السجين، إنه يوم مَن يُحِسُّ بنكدِ ضيقِ "البُرْش"، وضيقِ حيز رَكْنِ الحاجيات. يوم مَن يذوق حلاوة جماعية تقاسم السيجارة، وعظمة نظافة النفس البشرية، يعيشها سجناء أنهوا للتو إضرابا طويلا عن الطعام، وجلسوا بانضباط جماعية الصلاة، لا تقترب يدُ أيِّ منهم لزاده قبل إعلان موعد البدء الجماعي بتناول الطعام، بعد أن فقدوا مَن رقد منهم شهيدا بفعل تحريك "بربيش" التغذية القسرية في معدته لإجباره على فكِّ إضرابه عن الطعام. إنه يوم قسوة انغراس القيد في المعصم. يوم أحاسيس شموخ التمرد على "حاضر يا سيدي". ويوم أحاسيس "عَوف" الزاد يتكرر صنفه على مدار عقود. ويوم أحاسيس غضب التوقف عن المطالعة لانتهاء مدة إنارة غرفة السجن. ويوم أحاسيس الشعور بالقرف والغيظ مِن انتشار حشرات "قمل صدأ روحهم" في "بطاطين" زنازين التحقيق. ويوم أحاسيس شموخ رفض رذيلة التفتيش العاري. ويوم مشاعر مرارة تتكرر شهريا لسجين يعلم مدى عناء أطفاله ووالدته الهرمة، يصحون قبل الفجر، ويعودون بعد منتصف الليل، في كل مرة يحضرون لزيارته من خلف "شبك"، لمدة ساعة، لا تروي ظمأه، ولا ظمأهم. ويوم مشاعر السخط على معنى: أن يُعاقَبَ السجين بإغلاق صنابير "ما جعل الله منه كل شيء حيا" (الماء). ويوم الشعور بالعنفوان للمدافعين بصدورهم عن أوراقهم الثقافية، "غزاهم" السجان لسحبها. ويوم أحاسيس معنى: أن تكون صورة الطفل، أغلى هدية يقدمها سجين لآخر. ويوم مشاعر غيظِ رفضِ جمع الأب بابنه، والأخ بأخيه في سجن واحد. ويوم مشاعر جمالية هزيمة إرادة السجان بسلاح تجويع الأمعاء طوعا لأسابيع. ويوم أحاسيس الاعتداد بالنفس لهزيمة ضباط التحقيق وعدم البوح لهم بما يطلبون. ويوم قسوة مشاعر معاناة انفصال الأمومة (بالسجن) لسنوات عن أطفالها. ويوم شقاء إحساس طفولة يتكسر يانع أجنحتها، بفعل غياب دفء حضن عاطفة أمومة مأسورة. ويوم مرارة مذاق سعال وحشرجات فِعْلِ عبوات الغاز المسيل للدموع، تنهال بالمئات على خيام وغرف الأسرى. ويوم شعور ضيق تقاسم خمسة أسرى لمتريْ مساحة الزنزانة. ويوم لوعة إحساس صرخات استدعاء ممرض السجن، لا يأتي لنقل زميلٍ مريضٍ يتلوى لعيادةِ السجن. ويوم شعور قشعريرة تُولدها صرخات "الله اكبر" في مواجهة هراوات تنهال على رأس السجين ومفاصل جسده. ويوم الإحساس بانكسار النفس البشرية أمام دمعاتِ طفلٍ لا يحظى بدفء حضن أبيه، ويمد أصابعه الطرية عبر ثقوب "شبك" الزيارة الضيقة لتلامس أصابعه. ويوم الإحساس بعفة النفس وصفائها بإيثار إطعام زميلٍ مريضٍ على حساب جوع صاحبها. ويوم الشعور بكبر وعنفوان نفسٍ بشرية فدت غيرها، وتقدمت الصفوف في لحظة غزو حراس السجن (بهراواتهم) لغرف السجن وخيامه. ويم الإحساس بذبحٍ للروح يُوَلِّده الإنصات لتَلاحُقِ أنفاس أطفال تنهال مطارق وعتلات جنود تدق باب منزلهم بغرض اعتقال والدهم. ويوم الإحساس بآلام برد قارسٍ لسجين رماه مُحَقِّقُ في ساحة مكشوفة السقف، "وشَبَحَهُ" موثوق اليدين للخلف مجلل الرأس في ليلة ماطرة أو مثلجة. ويوم مذاق أوجاع التَعرُّض لضربِ الجنود الهمجي في رحلات النقل "البوسطة" من سجن لآخر. ويوم مشاعر الفزعِ والهلعِ لعشرات الأسرى يَفِرُّون مِن خيامٍ (تأويهم) احترقت بصعقة كهربائية، جَراءَ ما أشبعها السجان من عبوات الغاز. ويوم رهيب إحساسِ مَن يستقبله رهط مِن حراس إدارة السجن بهراواتهم، يسومونه اشد صنوف الضرب لإرعابه بتوصية من ضباط التحقيق قبل بدء التحقيق معه. ويوم الإحساس بفزع رهيب لنفسِ "شِبْلٍ" ينام لأول مرة في زنزانة، ويصحو مذعورا على صراخ شرطي ينهره، ويستعد لوضع القيد في يديه الطريتين وكيس شادري يجلل رأسه تمهيدا لجره، إلى غرف التحقيق والتنكيل. ويوم إحساس شابٍ سامه مُحَقِّقٌ كل صنوف الركل واللكمات، فيما "يشبحه" مقيدا للخلف، ويرتجف كورقة في مهب الريح، جراء ما يسكبه المُحَقِّق من ماء على رقبته يسيل على ظهره. ويوم مشاعر الحرج والخجل يُحِسُّهُ زملاء زنزانة يقضون حاجتهم على مرأىً من بعضهم البعض، لا يسمح نظام السجن بذهابهم فُرادى للمرحاض. ويوم الشعور بالتقزز لسجين يُجبَرُ على تناول غذائه داخل المرحاض أثناء فترة التحقيق. ويوم شعور مذاق الصدمات النفسية لسجين وأطفاله بمفاجأة تجديد أمر اعتقاله الإداري مرات ومرات، وذلك لحظات قبل موعد الإفراج عنه بعد انتهاء أمر اعتقاله السابق. ويوم الإحساس بهول رعبِ المرور بحالات "الهلوسة" (اختلاط الخيال بالواقع)، بفعل الحرمان الطويل مِن النوم في فترة التحقيق.
ما تقدم ليس إلا يسيرا مِن رنين حِسِّي مُعاشِ أسرى فلسطين. هو كلمات لرسم شعاع الحد الفاصل بين مَن أَقصى، وبين مَن تَمَّ إقصاءه مِن الإنسان. بلى، هو ليس إلا بضع كلمات لإنارة التخوم بين مَن يلوي عنق التلقائي مِن الحُرِّ الطليق في الإنسان، وبين مَن يُضَحِّي طوعاً بخاص حياته لأجل استمرار جريان هذا التلقائي في دافقِ بحرِ حياة الإنسان. هذه مرافعة مشفوعة بالدلائل، باسمِ أسرى حرية واستقلال فلسطين، أمام قاضي الضمير البشري، لا ننكر حساسيته تخفت أحيانا، تحت سطوة سيادة رواية سَجانٍ، نسج بخيوط العنكبوت "خرافة" "المخربين" لغرسها وتسويقها في وعي بني البشر. إنها كلمات لكي لا تسود "رواية السجان بفعل غياب رواية السجين"، بتحوير للمثل الإفريقي حول سيادة رواية الصياد بغياب رواية الأُسود. إنها كلمات لكي ترى "الأرواح العطشى"، أسرى حرية واستقلال فلسطين، لا في سكون سجنهم فقط، بل وفي جريان نبض حياتهم ودبيبه الواقعي، سكبوه طوعا، وعن طيب خاطر، لا لتبقى قضية شعبهم الوطنية وتنتصر وحسب، بل ومساهمة فلسطينية أُسطورية، قلَّ نظيرها للدفاع عن القيم الإنسانية السامية في الحرية والتحرر.



#علي_جرادات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أعيدوني إلى السجن
- المُغَّب الحاضر
- ذاكرة حرية تسيل
- -الحرية مِن- وإعاقة التحرر الحالة الفلسطينية نموذج


المزيد.....




- شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب ...
- خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
- وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا ...
- جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
- زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
- كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
- مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
- ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
- مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
- جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!


المزيد.....

- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - علي جرادات - هم السجان ونحن السجين