أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - حسين أحمد - بين الرسمي والتسريبات: قراءة في خطاب أوجلان ومآلات المسار الثالث














المزيد.....

بين الرسمي والتسريبات: قراءة في خطاب أوجلان ومآلات المسار الثالث


حسين أحمد
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8457 - 2025 / 9 / 6 - 16:51
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


في أواخر آب/أغسطس ٢٠٢٥، عاد اسم عبد الله أوجلان إلى صدارة المشهد التركي من جديد عقب اللقاء الذي جمعه بوفد إمرالي. فبينما جاءت الرواية الرسمية مقتضبة، تحدّثت عن قضايا عامة مثل السلام والدستور والتكامل الديمقراطي، سرعان ما ظهرت تسريبات إعلامية منسوبة إليه حملت لهجة أكثر صراحة، واحتوت على انتقادات مباشرة لقيادات كردية سابقة، مع ملامح لرؤية عملية حول شكل السياسة التي يجب أن تسلكها الحركة الكردية في تركيا. هذه المفارقة بين الرسمي والعرض التسريبات تفتح الباب أمام تساؤلات عميقة: أين يتموضع خطاب أوجلان اليوم؟ وما الذي يقترحه فعلياً على القوى السياسية الكردية والتركية؟

التسريبات نسبت إلى أوجلان مواقف نقدية من صلاح الدين دميرطاش (المسجون في أدرنة) وسري ثريا أوندر (المتوفي خلال هذا العام). فقد اعتبر أن الخطاب الذي وجهه دميرتاش إلى أردوغان خلال الانتخابات الرئاسية بعبارة "لن نسمح لك بأن تصبح رئيساً" كان خطأً فادحاً، وأنّه أضعف فرص التحالف الديمقراطي وأدخل الحركة في مواجهة غير محسوبة. وأشار إلى أن دميرطاش ربما أدرك لاحقاً طبيعة هذا الخطأ، لكنه جاء متأخراً.

في خلفية هذا النقد، يبدو أن أوجلان يريد أن يوجّه رسائل لقيادات الحزب بأن الصراع مع السلطة لا يُدار بالشعارات العدميّة ولا بالمواقف الحدّية، بل بالبحث عن مسار يتيح للحركة الكردية أن تتحوّل من "فيتو سياسي" إلى طرف فاعل داخل معادلة التحالفات.

من هذا المنطلق، يبرز مفهوم "المسار الثالث" الذي يردده أوجلان. فالمقصود به ليس الوقوف في منتصف الطريق بين السلطة والمعارضة، بل محاولة بناء أرضية سياسية مختلفة تقوم على قوانين الحرية والدستور الديمقراطي. وهذا يعني أنّ معيار التحالف ليس الأشخاص أو المواقع، بل مدى التزام الأطراف ببرنامج إصلاحي واضح، يبدأ من مراجعة قوانين مكافحة الإرهاب وضمان حرية التنظيم والتعبير، وصولاً إلى إصلاح قانون الأحزاب والانتخابات وتعزيز استقلال القضاء. بهذا المعنى، يصبح المسار الثالث آلةً لفرز القوى السياسية: من يلتزم بهذه القوانين يصبح شريكاً مرحلياً، ومن يتهرّب منها، يبقى خصماً مهما كانت هويته أو موقعه.

لكنّ هذا الطرح يضع أوجلان أمام معادلة دقيقة في التعامل مع أردوغان وحزب العدالة والتنمية. فهو لا يشيطن السلطة بالكامل، لكنه أيضاً لا يقدّم لها شيكاً على بياض. بل يشترط أن تكون أيّ قناة تفاوضية مرتبطة بجدول إصلاحات تشريعية معلنة، يمكن قياسها ومتابعتها، لا بصفقات ظرفية أو إفراجات انتقائية يستخدمها النظام لإدارة الوقت. هنا يكمن جوهر ما سماه "تجنّب المساومات التافهة": فإطلاق بعض المعتقلين أو تقديم تسهيلات إدارية قد يخفّف الضغط مؤقتاً، لكنه لا يغيّر بنية اللعبة. التغيير الجذري لا يكون إلا عبر إصلاحات قانونية تشكّل ضمانة مؤسسية، بحيث لا تبقى المطالب رهناً بالاستثناءات أو بالتفاهمات الأمنية المؤقتة.

وفي السياق ذاته، أبدى أوجلان انفتاحاً على المعارضة، وخاصة حزب الشعب الجمهوري بقيادة أوزغور أوزيل. فالتسريبات ذكرت أنه وجّه التحية إلى أوزيل، ودعا إلى التواصل معه، لكنه ربط ذلك بشرط أساسي: أن يترجم هذا التواصل إلى رزمة قوانين للحرية والإصلاح، لا إلى مجرد مجاملة سياسية أو تحالف انتخابي عابر. بمعنى آخر، أوجلان يحاول أن يضع حزب الشعب الجمهوري أمام اختبار: هل سيظلّ أسير الحساسية القومية التقليدية، أم ينفتح على صياغة عقد ديمقراطي جديد يوسّع المشاركة ويضع قواعد تنافس عادلة؟

في مقابل هذه الرسائل السياسية، كان هناك تحذير أكثر خطورة تضمّنته التسريبات: الخوف من انزلاق المشهد مجدداً إلى الشارع على غرار احتجاجات "غيزي بارك"، أو حتى إلى ما يشبه "حروب البلقان" في مطلع القرن العشرين. وهنا يبدو أن أوجلان يحاول أن يقطع الطريق على أيّ نزعة تعبويّة قد تدفع الحركة الكردية أو المعارضة عموماً إلى خيار المواجهة المفتوحة، خاصة في ظل الحملة التي تشنها السلطة على بلديات حزب الشعب الجمهوري، والتي عادة ما تنتهي إلى تكريس القبضة الأمنية وإضاعة سنوات من الجهد السياسي. فبالنسبة إليه، تحويل الطاقة الشعبية إلى مسار مؤسسي، سواء عبر النقابات أو البلديات أو البرلمان، أكثر جدوى من تحويلها إلى مواجهات ميدانية خاسرة.

ولعل اللافت أنّ أوجلان قدّم نفسه في هذه التسريبات كزعيم يتجاوز إطار الحركة الكردية وحدها. فهو يتحدث عن حرصه على مصالح قنديل، وحزب الشعوب الديمقراطي، لكن أيضاً عن مصلحة حزب الشعب الجمهوري، وحتى عن صورة الدولة التركية نفسها. هذا يعكس انتقاله من موقع الزعيم الفصائلي إلى موقع المنظّر لمسار وطني واسع، يسعى إلى إعادة تعريف العلاقة بين الأكراد والدولة ضمن عقد ديمقراطي جديد. وهو ما يفسّر تكراره لعبارة "السياسة الديمقراطية والتحالف هما المخرج"، وذلك وفق نظرية "الأمة الديمقراطية" التي يطرحها.

في النهاية، سواء صحت هذه التسريبات كاملة أو لا، يبقى المؤكّد أنّ خطاب أوجلان — الرسمي والمسرّب معاً — يتحرك نحو فكرة أساسية: أنّ الحل لا يكمن في صفقات آنية ولا في مواجهات شعاراتية، بل في تأسيس قاعدة قانونية دستورية صلبة، تفتح الباب أمام مشاركة سياسية حقيقية، وتضع حداً لدوامة الاستقطاب الأمني.

بهذا المعنى، يمكن القول إنّ "المسار الثالث" الذي يطرحه أوجلان ليس مجرّد خيار تكتيكي، بل محاولة لإعادة هندسة اللعبة السياسية التركية على أسسٍ جديدة، تُحوّل الصراع من كونه نزاع هوية إلى منافسة ديمقراطية محكومة بالدستور والقوانين.



#حسين_أحمد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماهر تشايان: مسار من الفكر إلى العمل المسلح إلى إلهام أوجلان
- ​إبراهيم كايباكايا (إيبو): قائد ومنظر الماوية في تركيا
- توم باراك يضرب الأرض برجليه كطفلٍ فَقَدَ لعبته: صراع النفوذ ...
- خطاب أردوغان التاريخي: هل هو خطاب تاريخي أم دعاية للخطاب
- تبعات تدخل حزب العمال الكردستاني في الصراع السوري: خسائر جسي ...
- واقع عملية السلام في تركيا وآفاق الحل
- الحوار الكردي بعيون تركية: السياسة تقودها المصالح لا الأوهام
- قراءة في كتاب قبل حلول الظلام للمعتقل السابق معبد الحسون
- كتاب عملية ماموت
- قلم اللاجئ في مواجهة العنصرية
- محطات بارزة في راهن الكرد في سوريا
- مقتطفات من تاريخ الحركة الكردية في سورية
- مقتل قاسم سليماني سيغير معادلات كثيرة في المنطقة
- ما الذي يجري في العالم ..؟؟؟
- داعش و الغرب في علاقة إستراتيجية .؟؟
- نظرة الغرب الاستراتيجية للكورد
- حوار مع الشاعرة الأمازيغية المتمردة مليكة مزان
- إبراهيم اليوسف .... المرأة لن تحصل على كامل حقوقها ، في ظلّ ...
- إبراهيم اليوسف: يبدو أننا إزاء حالة التفكك التي نشهدها، سنتر ...
- الشاعر والقاص الكردي بير رستم :


المزيد.....




- ترامب: آمل ألا يؤثر الهجوم الإسرائيلي على قطر في مفاوضات صفق ...
- إيران تؤكد أن اليورانيوم المخصب ما زال مدفونا تحت منشآت تعرض ...
- حصيلة ضحايا الغارات الإسرائيلية في اليمن تصل إلى 46 قتيلا و1 ...
- ترامب عن اختراق مسيرات روسية أجواء بولندا: -ربما كان خطأً-
- مجلس الأمن يدين بالإجماع الضربات في قطر من دون ذكر إسرائيل ب ...
- نوحٌ يعبر البحر المتوسط بسفنه
- الحرب على غزة مباشر.. عشرات الشهداء بالقطاع وإدانات واسعة بم ...
- بريطانيا تصدر بيانا بشأن -تلميحات- تزعم مشاركتها في الهجوم ا ...
- الحكومة المصرية تؤجل رفع أسعار الكهرباء -للسيطرة على التضخم- ...
- اجتماع طارئ لمجلس الأمن بشأن خرق مسيّرات روسية لأجواء بولندا ...


المزيد.....

- حين مشينا للحرب / ملهم الملائكة
- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - حسين أحمد - بين الرسمي والتسريبات: قراءة في خطاب أوجلان ومآلات المسار الثالث