أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد بسام العمري - - فلسفة المناعة العاطفية في عالم لا يعرف الحنان-














المزيد.....

- فلسفة المناعة العاطفية في عالم لا يعرف الحنان-


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8451 - 2025 / 8 / 31 - 08:33
المحور: قضايا ثقافية
    


في عصرٍ تغيب فيه القيم الأساسية التي تشكل نواة العلاقات الإنسانية الحقيقية، تبدو مفاهيم مثل الحنان، الاهتمام، والحب وكأنها باتت سلعًا تُشترى وتُباع في أسواق العلاقات الهشة. لكن، وكما تُشير الكاتبة نهي حسن، هذه القيم لا يمكن امتلاكها بالمال أو السلطة، بل إنها نادرة ومرتبطة بجوهر الإنسان ومعدنه النفيس. نحن بحاجة إلى نوع جديد من المناعة العاطفية، مقاومة لقسوة الأيام وتحديات الحياة.
فلسفة الحنان والعطاء
الحب، كما نعرفه في الأدب الصوفي، ليس مادة للبيع أو الشراء. ابن الفارض والحلاج كلاهما يتحدث عن الحب الإلهي والحب الصادق بين البشر، حيث الحب ينشأ من الداخل ولا يُطلب أو يُباع. ابن الفارض يقول في قصيدته الشهيرة: "قلبي يحدثني بأنك متلفي ... روحي فداك عرفت أم لم تعرفِ." إن هذا النوع من الحب يخرج من ذات الإنسان ومن صميم روحه، ولا يمكن تحديده بمال أو طلب، بل ينبع من العلاقة الروحية والتواصل العميق بين الأرواح.
وفي هذا السياق، يقول الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر: "الوجود يسبق الماهية". أي أن ما نكونه من الداخل، ما نحمله من حنان وطيبة، يسبق ما نمتلكه أو ما نطلبه من الآخرين. الحنان، ببساطة، هو تعبير عن الإنسان الذي يمتلك وجودًا عميقًا ومتماسكًا، ولا يمكن فرضه أو استيراده من الخارج.
الصدمات كجزء من الحياة
لا يمكن للإنسان أن يتجنب الصدمات في الحياة. هي جزء من النمو والتطور، وتجربة تضعنا أمام مرآة الحياة القاسية. نرى في الأدب الصوفي أن هذه الصدمات هي دروس روحانية تعيد تشكيل الروح وتقويها. يقول الحلاج في لحظات تأمله: "أنا من أهوى ومن أهوى أنا ... نحن روحان حللنا بدنا." هذه الصدمات هي التي تجمع بين الإنسان وروحه وتجعله أكثر انسجامًا مع الذات، وأكثر قدرة على تجاوز الآلام الخارجية.
وكما أشار الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه: "ما لا يقتلك يجعلك أقوى." الصدمات والتحديات ليست سوى اختبارات، تقوي المناعة الروحية وتجعل الإنسان أكثر مرونة في مواجهة الحياة. وعليه، فإننا بحاجة إلى تلك المناعة التي تحدثت عنها نهي حسن، لأنها تمنحنا القوة لنمضي قدمًا.
الطيبة عملة نادرة في زمن القسوة
عندما يصبح العالم قاسيًا، تصبح الطيبة بمثابة "عملة نادرة"، كما ذكرت نهي حسن. هذه الطيبة التي نجدها في أعماق القلوب الصافية، تشبه تلك الدرر التي تحدث عنها الشعراء الصوفيون. في عالم مليء بالأنانية، نجد أن الطيبة هي البذرة التي تُنبت الأمل والتواصل الإنساني الحقيقي.
الحلاج في تأملاته يرى أن الطيبة ليست مجرد فعل، بل هي طبيعة الإنسان العاشق للخير، الذي يترفع عن الأذى والقسوة. في مقولة له يتحدث عن الطيبة كحالة روحية: "أنا أحبك لأنك أنت، لأنك تجسد ذلك النور الذي لا ينطفئ." هذه الطيبة تتطلب أن نكون أكثر انفتاحًا على العالم وأقل انعزالًا في ذواتنا.
الاهتمام لا يُطلب: فلسفة الكينونة الذاتية
الاهتمام، شأنه شأن الحنان والحب، ينبع من صدق العلاقة الحقيقية بين البشر. لا يمكن إجبار الآخرين على الاهتمام، كما لا يمكن مطالبتهم به. الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر يتحدث عن "الوجود في العالم" حيث يرى أن العلاقات الحقيقية تنشأ من الوجود المشترك بين الأفراد، حيث تكون العلاقات قائمة على الاندماج الطبيعي بين الأرواح، وليس على المطالبة أو الضغط.
الاهتمام يأتي بشكل طبيعي من الذات الحقيقية، والإنسان المتزن والمستقل هو من يقدم اهتمامه للآخرين دون انتظار المقابل. في الأدب الصوفي، نرى أن هذا النوع من العلاقات يستند إلى فكرة العطاء غير المشروط. يقول ابن الفارض: "ولولا الهوى ما ذلَّ في الأرض عاشق ... ولكن عزيز العاشقين ذليل."
الاهتمام الذي لا يُطلب، هو تلك الرابطة العميقة بين العاشق والمعشوق، بين الإنسان والله، وبين الإنسان وذاته. الاهتمام يظهر في الأفعال وليس في الكلمات، ولا يُمكن أن يكون مُقيدًا بشرط.
ضَخ المناعة: دعوة للحماية الذاتية
حين تتراكم علينا قسوة الأيام والصدمات، تأتي فكرة "ضخ المناعة" التي تحدثت عنها نهي حسن كحاجة ضرورية. نحن بحاجة لتلك المناعة العاطفية والروحية التي تمكننا من مواجهة العالم دون أن نفقد قيمنا الحقيقية. الفيلسوف الإغريقي أفلاطون كان يرى أن الروح الإنسانية تحتاج إلى التغذية المستمرة بالقيم السامية مثل الحب والحنان، كما يحتاج الجسد إلى الطعام.
الوعي بهذه الحقيقة يعزز مناعتنا ضد الخذلان والآلام المتكررة، ويدفعنا لنكون أكثر قدرة على الصمود أمام التحديات. في الأدب الصوفي، نجد أن العلاقة بين الإنسان وربه هي المصدر الأساسي للقوة الروحية. ابن الفارض يقول: "فلي حبيب أزورُ في خَلَواتي ... يحمي ويَصونني."
هذه العلاقة تجعل الإنسان في منعة من آلام الدنيا، وتمنحه الأمل والسكينة مهما كانت الصدمات قوية.
الفلسفة الصوفية للمناعة العاطفية
الحب، الحنان، الطيبة، والاهتمام هي قيم إنسانية لا يمكن شراؤها أو طلبها، بل هي تنبع من الذات الحقيقية. وفي عالم قاسٍ تتراكم فيه الصدمات والتحديات، نحن بحاجة إلى تعزيز مناعتنا العاطفية والروحية. الفلسفة الصوفية تعلمنا أن نعود إلى جوهرنا الداخلي لنجد فيه القوة والتوازن، وأن نثق بأن الحنان والعناية الحقيقية تأتيان من علاقة صافية مع الذات ومع الآخرين.
وكما يقول الله تعالى في القرآن الكريم: "أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (الرعد: 28).



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكاية الفصول
- صراع الفكر الحر مع سلطة الدين عبر التاريخ-
- -التحرش سببه ملابس المرأة أم أخلاق الرجل؟-
- الأكسجين والغباء في منظور إنساني وفلسفي
- الوطن بين الفلسفة والسياسة والاقتصاد والنفس: رؤية شاملة
- فلسفة الحب والتفرد في كلمات نزار قباني
- جمال التوافق الأدبي والفكري بين الزوجين
- إلى أجمل امرأة في الدنيا
- كيف تؤثر التحولات الاجتماعية على مفهوم الزواج؟-
- -الوطن وحقوق المواطن: نحو مجتمع يقوم على الكرامة والحرية-
- -ظلّ رجل على الهامش-
- أهمية تدريس الرياضيات في رياض الأطفال
- -صمت العطاء وصخب الوهم -
- -في عمق الأرض يكمن السر-
- وصيّة الجرح وردُّ النور
- -إلى فراشتي... حيث يزهر اللقاء في الأبدية-
- عناصر تقييم النص: بين الكاتب والمصحح اللغوي
- ذاكرةٌ قلقة
- مذكّرات كاتب فقد صوته
- -الصراع بين القلب والعقل: تحليل أدبي وفلسفي لنص الأخطل الصغي ...


المزيد.....




- المغرب - تونس: أزمة دبلوماسية صامتة بعد سلسلة من الحوادث وال ...
- القضاء الأميركي يحكم بعدم قانونية إلغاء ترامب منح جامعة هارف ...
- ماذا تعرف عن القاتل الأعمى الإسرائيلي الموجه لإبادة غزة؟
- نتنياهو: وصلنا إلى مرحلة الحسم في غزة
- ترمب يتعهد وضع حد للجريمة في شيكاغو ويصفها بـ-أخطر مدينة-
- لجنة نيابية أميركية تنشر دفعة أولى من -وثائق إبستين-
- الكونغرس يستأنف جلساته قبل شهر من مهلة إقرار الموازنة لتفادي ...
- شي جينبينغ في خطاب العرض العسكري: العالم أمام خيار السلام أو ...
- البابا يستقبل الرئيس الإسرائيلي وتضارب حول صاحب الدعوة
- روسيا تشن هجوما جويا كاسحا على أوكرانيا


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد بسام العمري - - فلسفة المناعة العاطفية في عالم لا يعرف الحنان-