رشا فاضل
الحوار المتمدن-العدد: 1822 - 2007 / 2 / 10 - 11:20
المحور:
الادب والفن
قال المنادي وهو يعتلي منبر النداء ويؤذن في ذاكرة الحلم :انهضي وصلي للحياة صلاة الريح وافتحي نوافذ الليل على صدر الدعاء الغائب في ذاكرة الدمع ..
نهضت من قمة يقظتي... ومن رأس يأسي انبعث صوتي: كيف امنح للأرض سـجودي وما من ماء للوضوء ؟
قال المنادي باصرار: لاتستسلمي للنعاس لئلا يسرقك النوم فيسقط الفجر من خطواتك ، قومي واغتسلي من يأسك بمرايا الضوء... واوقدي الدعاء في صدر العتمة ..
قلت وقد استعرت من الصحراء صوتها بعد ان ضاع صوتي في ممرات النحيب : لقد سرق القتلة الماء واحرقو سجادتي الخضراء المطرزة بدعاء امي الغائبة في عليائها ....
( ما من ماء للوضوء ) كانت صرختي في قعر جرحنا المستدير فوق الخرائط ..وكنت احمل كأسي الفارغة وادور بها تحت انظار السماء حتى استقر شعثي تحت فم الشتاء ورحت اردد بما يشبه الغناء : كأسي تحت عينيك يحلم بالمطر ..
وقلبي طائر تائه تناهب الغربان عشة..
وحين ارتد نظري يعانق صدى الدعاء وجدت كأسي تفور بالدماء وتمتليء حتى تتقيأ الزائد منها فوق ارض السواد وتستنبت عند كل قطرة وجها ..وضحكة لها اجنحة ..وظلال..
...كان الفجر يشتد وصوت المنادي يخفت حتى يتلاشى ..وخطواتي تحاول ان تستدل الدرب الى بياض الورق ..آخرة الحزن ومعقله ..ورغيف الروح المملح بطعم الدمع ..
عند اعتاب الفجر المشرع صدره بوجه صلاة الوحشة والخوف ..
عاد اليّ المنادي بصوت اخرس اختنق فيه النداء ..ووجدتني اعتلي منبره مباركة بصمته وتواطئه مع بكائي الذي راح يؤذن في المهجّرين من غرف الطفولة والحلم : لاتيئسوا.. لكم الريح وسادة ..والتراب مهادا .. لم يغب الماء سخطا ..لكن الدمع انقى واطهر ..وبه وحده تقاتل اجسادكم ديدان العفن الزاحفة نحوها من ازمنة حظر الشمس ..
كان الفجر قد فتح بوابة ضيائه بوجة ندائي.. وكانت خطواتي تزاحم امرأة تحمل أكفانا بيضاء همست لي بشفة بكائها المختنق تحت غبار اعوامها الخمسين : هذا لأبني ..والاخر لأبنتي .. مازالا يرقدنا في ثلاجة الموتى منذ عمر ..ينتظران ان يغتسلا من ايدي القتلة والرصاص الفاجر ..لكن.. لاماء للاغتسال ؟
ضممت اكفانهم الى كفني وامسكت بيدها ورحنا نرتقي سلم الضوء.. حتى تعثرنا برصاصة زرعت في نحول جسدها جناحين طارا بها الى غرفة السماء...هناك..حيث جلجلة شهقة العناق في أقاصي الزرقة...
كان الريش الابيض ينهال على جسدي المرتمي فوق سلالم الريح ..
ريش ناعم...يشاكس خشونة الارض وهي تغلق الابواب بوجه اشلاؤنا وتمنحها للريح ..والمزابل ..وتضع ماتبقى منها في سلة النيران ..
صرنا أنا والبياض على سلم الريح.. صوت وصدى
يرددان بوجه بعضهما ..بالحيرة ذاتها :
لاماء للوضوء...
ولا تراب للدفن .. .
#رشا_فاضل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟