|
(1) ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية - مسألة النبوّة..
مصطفى حقي
الحوار المتمدن-العدد: 1821 - 2007 / 2 / 9 - 12:25
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
مسألة النبوة ( لمحة عن الكاتب علي الدشتي وأعماله في مطلع مقانا – معجزة القرآن) الحوار المتمدن تاريخ 10/12/2006 عمد مؤخراً عددٌ كبيرٌ من الباحثين إلى إجراء دراسات مفصلة في نشوء الإسلام وانتشاره ، وفي معاني القرآن وترتيبه وأسباب نزول آياته ، وفي أصول الحديث وتطوره . ولقد أنجزّت على هذا الصعيد أعمالٌ قيّمة قام بها باحثون غربيون كبار مثل ثيودور نولدكه ، وإغناز غولدزيهروألفرد فون كريمر، وآدم ميتز ، وريجيس بلاشير ، وسواهم . وقد تفحّص هؤلاء القضايا المطروحة بدقّة مجهرية ومن وجهة نظرٍ علمية صرفة . فكتاباتهم لا تبدي أي أثر من آثار التعصب أو الرغبة في الحط من قدْر الإسلام . وقد عادوا في بحوثهم إلى المصادر الإسلامية الموثوقة والمُعْتَمَدَة . كما أن هنالك أيضاً كتّاباً أوربيين ممّن تركوا للتعصب الديني أن يقود خطاهم .فقد وصفوا محمداً بالأفّاق والدجّال ، ووصفوا القرآن بأن÷ أداته في الوصول إلى السلطة . ولو أنهم انتقدوا على هذا النحو موسى وعيسى ، لكانت آراؤهم تستحق أن يُنْظَر فيها ( وإنْ يكن ذلك أبعد من مدى هذا الكتاب ) ؛ لكنهم افترضوا مسبقاً أنّ موسى وعيسى قد بعثهما الله، أما محمد فلا. وذلك دون أن يسند أقوالهم أي ضَربٍ من ضروب الأدّلة التي يقبلها العقل . وفي الردّ على حَمَلَة مثل هذه الآراء ، فإنّ من الأفضل أن نبدأ بمناقشة مسألة المبدأ . فمن المنطقي القول إن هؤلاء يقرّون بالنبوّة من حيث المبدأ نظراً لما تنطوي عليه تقويماتهم من قبولٍ بها في حالات محددة ورفضٍ لها في أخرى . غير أن مفكرين متعمقين مثل محمد بن زكريا الرازي وأبي العلاء المعري رفضوا النبوة من حيث المبدأ . وقد وجدوا أن الحجج اللاهوتية التي تقدّم عن ضرورة النبوّة بوجه عام هي حجج بعيدة عن المنطق وعاجزة عن الإقناع . ففي حين يقول اللاهوتيون إن الله ينعم على البشر فيبعث الأنبياء لينهوا هؤلاء عن المنكر ، يرى العقلانيون أنّ الله لو كان معنياً بفضيلة مخلوقاته من البشر وتآلفهم ، لخلقهم جميعاً أخياراً بلا آثام ، ولما كان بحاجة آنئذ لأن يبعث فيهم الأنبياء . والردّ المعتاد على هذا هو أنّ الخير والشر ليسا من خلْق الله الذي هو خيرٌ محض ، وأنّ الميول الخيّرة والشرّيرة متأصلة في الطبيعة البشرية . وهذا ما يضطرنا إلى التساؤل من الذي يهب شخصاً طبيعته أو طبيعتها الخاصة بما تنطوي عليه من إمكانيات خيّرة وشريرة . تبدأ حياة الكائن البشري بطبيعة يحدّدها أبواه في لحظة الحمل . وكلّ وليد يجيء إلى هذه الدنيا بخصائص بدنية معينة وتالياً بخصائص فيزيولوجية وذهنية تتوقف على تكوينه أو تكوينها البدني . فليس بمقدور أحد أن يحدّد بإرادته قدرة دماغه ، وطاقته العصبية ، وغرائزه إلا بقدر ما يمكنه أن يختار لون عينيه ن أو شكل أنفه ، أو ضغط قلبه ، أو قامته ، أو قواه الجسدية مثل حدّة بصره . وبعض الأشخاص ذوو مزاج معتدل وهاديء ، وبعضهم الآخر متمرد ، عنيد ، ونزّاع إلى الإفراط ، وأولئك الذين تتميّز شخصياتهم بالتوازن لا يصادرون حرية الآخرين أو ينتهكون حقوقهم . أمّا أولئك الذين تتميّز شخصياتهم بالعدوان فغالباً ما يقترفون أعمال العنف . وحين يقال أن الأنبياء يُبعثون لتغيير طبائع البشر ، فإن السؤال الذي يُطرَح هو ما إذا كان من الممكن تحويل الشخصية المتّسمة بعدم التوازن إلى شخصية متوازنة إلا بقّدْر ما يمكن تحويل البشرة السوداء إلى بشرة بيضاء . فإذا ما كان ذلك ممكناً ،لماذا لا يزال تاريخ الجنس البشري منذ أن تبنّى الدين ملطخاً على هذا النحو بالعنف ، والوحشية ، والجريمة ؟ وإننا لمضطرون في هذه الحالة لأن نستنتج أنّ إرسال الله الأنبياء إلى البشر لم يُفْلح في جعل البشر جميعاً أخياراً وسعداء . ولعلّ مراقباً موضوعياً أنْ يرى أنّ الطريق الأسلم كيما يحقق الله غايته هذه كانت تتمثل في خلقه البشر جميعاً أخياراً منذ البداية . غير أنّ لدى الفقهاء رداً جاهزاً على هذا النقد . فهم يقولون إنّ الحياة في عالمنا هذا ليست سوى اختبار، وإنّ الخير والشر لابد أن يتحدّدا على نحوٍ موثوق وقاطع ، وإنّ إرسال نبي هو ضربٌ من الإنذار يُعلم الأخيار ، الذين يطيعون أوامره ، بثواب قادم في الجنّة ويُعلم الأشرار الذين يعصونها ، بعقاب قادم يستحقونه . لكنّ من ينكرون النبوّة يرون أنّ تصوّر الحياة على أنها اختبار هو تصوّر فجّ يتعذر الدفاع عنه . فلماذا شاء الله اختبار عباده ما دام يعلم ما الذي يضمرونه أكثر مما يعلمون هم أنفسهم ؟ ولماذا يشاء لهم أن يتبينوا طالح أعمالهم ؟ فهم لا يحسبون أنفسهم أشرارا ولا يرون إلى أعمالهم على أنها آثام ، وإلا لما ارتكبوها . إنهم يسلكون بطرائق تتوافق مع طبائعهم وأمزجتهم . ولو كانت للبشر جميعاً طبائع متطابقة ، لتعذّر تفسير واقعة أنّ بعضهم يطيع الأنبياء وبعضهم الآخر يعصسهم . وبعبارة أخرى ، لو كانت ميول الخير والشرّ في طبائع البشرية مقسّمة على نحوٍ متطابق متماثل لكانوا جميعاً بالضرورة إمّا طائعين أو عصاة . وبصرف النظر عن هذه الاعتبارات العامة ، فإن على الفقهاء المسلمين ألا ينسوا تلك الآيات القرآنية الكثيرة التي تُوقِفُ الضلال والهدى البشريين على إرادة الله . ومن ذلك مثلاً ، قوله في الآية 56 من سورة القصص : إنّكَ لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ؛ وقوله في الآية 23 من سورة الزمر : ذلك هدى الله يهدي من يشاء ومن يضلل الله فما له من هادٍ ؛ وقوله في الآية 13 من سورة السجدة : ولو شئنا لأتينا كلّ نفس هداها . فعدد الآيات التي تبين أن الهدى والضلال من عند الله وحده هو من الكثرة بحيث يستحيل إيرادها جميعاً في هذا المقام وهذه الآيات ، وعجز الأنبياء عن تغيير البشر تغييراً جذرياً ، يجعلان جهود الفقهاء المبذولة لإثبات ضرورة النبوّة نوعاً من الهراء بلا معنى . والمغالطة الأساسية في تفكير فقهاء الإسلام وسواه من الأديان تكمن في تصوّرهم عن الخلق ز فإيمانهم بوجود أنبياء مرسلين من عند الله خالق الكون وباريه إنما يتوقف على إيمانهم بوجود الخالق ، وإيمانهم بوجود الخالق يقتضي افتراضهم أن الكون حادث وطاريء وأنّه خُلِقَ من العدم ، أي أن الكون لم يكن موجوداً قبل أن يأتي به الخالق على الوجود . وهذا الافتراض متعذر إثباته والتحقق منه . فكيف لنا أن نعلم أنه قد كان ثمّة زمن لم يكن فيه ثمة كون ، أو أثر للكينونة ؟ وإذا ما كانت فرضيةُ أن الأرض والمجموعة الشمسية والنجوم والسديم لم تكن موجودة على الدوام فرضية يمكن الدفاع عنها ، فإن افتراض أن هنالك عناصر أساسية لم تكن موجودة في السابق ثم أتت إلى الوجود يبدو افتراضاً يصعب تبريره والدفاع عنه . ويبدو أنّ من المعقول أكثر أن نفترض العكس . أي الوجود السابق للذرّات التي ظهرت الشمس التحامها ، على الرغم أننا لانعلم اليقين ما هي العوامل التي سبّبت ذلك الالتحام والظهور . ومما يدعم هذه الفرضية عمليات الرّصد التي تكشف عن سيرورة متواصلةٍ عن ظهور النجوم وانطفائها. وعلى هذا الأساس، فإن المجيء إلى الوجود ليس نشوءاً للمادة بل تغيّراً في الشكل . وفي هذه الحالة يغدو القول بوجود خالق أمراً عسيراً . ( من كتاب : 23 عاما دراسة في الممارسة النبوية المحمدية ) (الكـــاتب: علي الدشتي وترجمة ثائر ديب وإصدار رابطة العقلانيين العرب )
#مصطفى_حقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(2) ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية .طفولته
-
(1) ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية ... طفولته
-
لجوء الجار العراقي إلى سورية ونجدته واجب إنساني قبل القومي ؟
-
(3) ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية... ولادته
-
(2) ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية - ولادته
-
(1) ثلاثة وعشون عاماً في الممارسة النبوية - ولادته
-
الفاضلةgrce lady.....
-
العودة إلى الحنبلية وآراء بن تيمية في اتهام الشاب عبد الكريم
...
-
طريق الموت يحصد هذه المرة 26 قتيلاً و5جرحى...؟!
-
(4) ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية . الخلاصة
-
(3) ثلاثة وعشرون عاماًفي الممارسة النبوية. الخلاصة
-
هل الإسلام موجود في العراق ...؟
-
(2) ثلاثة وعسرون عاماً في الممارسة النبوية . الخلاصة
-
(1) ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية. الخلاصة
-
(3) السعي خلف الغنائم .....؟
-
اغتيال الصحفي التركي الأرمني هرانت دينك جريمة إرهابية ..؟
-
(2) السعي خلف الغنائم ....؟
-
ياقضاة مصر .. عبد الكريم سليمان(كريم عامر) شابٌ حرٌ متحمسٌ أ
...
-
(1) السعي خلف الغنائم ...؟
-
جنٌّ مسلمون يغتصبون منزلاً ويحرقونه من بالوعة ....؟
المزيد.....
-
ضربات -تركية- على نفق أسلحة لقوات سوريا الديمقراطية.. ما حقي
...
-
مصدر مصري لـCNN: السلطة الفلسطينية تستعيد إدارة معبر رفح.. و
...
-
12 سؤالا للحفاظ على صحة دماغك طوال الحياة
-
سوريا: مقتل 15 في انفجار سيارة مفخخة في منبج
-
مقتل مؤسس كتيبة المتطوعين في جمهورية دونيتسك بانفجار في مبنى
...
-
البحرين.. عبد العاطي يؤكد التزام مصر بأمن الخليج
-
طريقة رصد المناطق المحمومة في العالم
-
سقوط سيارات من فوق جسر في تركيا
-
صحة غزة تنشر حصيلة جديدة لضحايا القصف الإسرائيلي
-
إيران ترسل 4 سفن حربية إلى الإمارات لمناورات مشتركة
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|