جهاد حمدان
الحوار المتمدن-العدد: 8442 - 2025 / 8 / 22 - 22:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد سبعة أشهر من هيمنة دونالد ترامب على سياسة الأمن القومي الأميركي، تبلورت حقيقتان واضحتان. أولاً، لا توجد سياسة أمن قومي شاملة، ولا يوجد من هو مؤهل لصياغة وإدارة سياسة كهذه. ثانياً، إنّ أكبر تحدٍّ للأمن القومي هو الصين، باعتبارها أهم دولة ترتبط بعلاقات ثنائية دولية مع الولايات المتحدة. ويبدو للمراقب أنّ إدارة ترامب تفعل كل ما بوسعها، عن قصد أو دون قصد، لجعل الصين أقوى، ولإضعاف مكانة الولايات المتحدة أمامها. وتتواصل عملية تجهيل الولايات المتحدة في عهد ترامب، بينما تترسخ مكانة الصين وتتعاظم قوتها في الساحة الدولية.
على مدى 75 عاماً، نادراً ما استخدمت الصينعلى قوتها العسكرية، باستثناء تدخلها في كوريا في خمسينيات القرن الماضي لوقف تقدم القوات الأميركية، وتدخلها غير الناجع عام 1979 لـ "تأديب الفيتناميين"، بينما خاضت الولايات المتحدة حروبًا خاسرة في فيتنام، وأفغانستان، والعراق، ونفذت عمليات سرية فاشلة لإسقاط حكومات ديمقراطية في إيران وغواتيمالا والكونغو وتشيلي.
امتدّت تدخلات واشنطن العسكرية، التي كان من المفترض أن تستمر أسابيع أو أشهر، إلى عقود من القتال والاحتلال، بينما كانت الإدارات الأمريكية تنفي أنها تهدف من وراء ذلك إلى “بناء دول جديدة”، وهي تنفق مئات المليارات على ذلك. وبلغت العبثية ذروتها في حرب العراق، التي قُدمت على أنها ستجلب الديمقراطية إلى العالم العربي بأسره، ولكنها لم تحقق أي هدف استراتيجي، ولم تُستخلص منها أيّ دروس.
في هذه الأثناء، انتقلت الصين من إحدى أفقر دول العالم إلى ثاني أكبر اقتصاد عالمي، مع قوات نووية تنمو بوتيرة غير مسبوقة. وعلى مدى 40 عاماً، حققت أسرع نمو اقتصادي في العالم بمعدلات سنوية تجاوزت أحياناً 10%. ففي النصف الأول من هذا العام، نما اقتصادها بنسبة تزيد عن 5%، مقابل 1% فقط للولايات المتحدة. أمّا سياسات الرسوم الجمركية، فأفقدت واشنطن عددا من حلفائها حول العالم.
تطلّب تحوّل الصين إحداث سلسلة من الإصلاحات في أنظمتها المالية والضريبية والحكومية، ترافقت مع مستويات عالية من التصنيع والتحضّر. وأدى نجاحها إلى استثمارات ضخمة في الجنوب العالمي، حيث تفقد الولايات المتحدة نفوذها. وبينما اعتمدت أميركا على إبراز القوة العسكرية، تجنبت الصين التدخل في القرارات والسياسات الداخلية للدول الأخرى.
في عصر التطور التكنولوجي، تتميز الصين بسيطرتها على المعادن الإستراتيجية، وخاصة تلك المطلوبة في الغرب لأنظمة الدفاع. وقد مكّنها ذلك من الوصول إلى الأسواق المالية وأسواق السلع، بالإضافة إلى الوصول إلى المعرفة الأميركية. ويشير زميلي السابق في الكلية الحربية الوطنية، مارفن أوت إلى حصول مئات الآلاف من طلبتها على درجات علمية متقدمة من أرقى الجامعات الأميركية، ومن بينهم أبناء أعضاء في المكتب السياسي للحزب الشيوعي. أما سياسات ترامب، فأضعف أهم المؤسسات التعليمية والبحثية الأميركية.
لا تفعل الولايات المتحدة شيئاً لتحسين علاقاتها مع الصين، فيما يواصل ترامب ونائبه جي. دي. فانس، ووكيل وزارة الدفاع إلبرج كولبي، تبني سياسات عدائية قوية ضد بكين. في ولاية ترامب الأولى، ساهم الصقور المعادون للصين مثل مات بوتينجر وديفيد فايث في تدهور العلاقات الثنائية. ومع انسحاب إدارة ترامب من مؤسسات دولية مهمة مثل منظمة الصحة العالمية واليونسكو، تُعزز الصين حضورها ونفوذها فيها.
قبل خمسين عاماً، انتهجت أمريكا سياسة هدفت إلى تأجيج العداء بين الاتحاد السوفييتي والصين، ودَفعت كلاً منهما لتحسين علاقاتها بواشنطن. أما اليوم، فتدفع سياسات ترامب العدوانية روسيا والصين لمزيد من التقارب. أما تهديده بتحريك الغواصات النووية الإستراتيجية، فسيدفع بالتأكيد إلى حوار استراتيجي أوثق بين موسكو وبكين.
قبل عقدين، كانت الولايات المتحدة تتفوق على الصين في معظم التقنيات الاستراتيجية، أما اليوم، فالصين تتصدر العالم في معظمها، مما عزّز قوتها العسكرية في البر والبحر والجو والفضاء والأمن السيبراني. وفي مجالات التكنولوجيا المتقدمة، فأبحاثها هي الأكثر استشهاداً عالميًا في مجالات مثل المغناطيسات والموصلات الفائقة، والاتصالات البصرية، والذكاء الاصطناعي، والبطاريات الكهربائية، إضافة إلى ريادتها في تكنولوجيا البيئة: السيارات الكهربائية وبطارياتها والألواح الشمسية، بينما يرفع ترامب شعار “أشعلها ودعها تحترق” في مجال الوقود الأحفوري.
يطالب ترامب بفرض رسوم جمركية في كل مكان وعلى كل شيء. وبدلاً من العمل بشكل تعاوني مع أقرب الحلفاء في أوروبا، وكذلك مع اليابان وكوريا الجنوبية، يهدد بفرض رسوم أعلى، حتى على جيراننا المقرّبين – كندا والمكسيك. وبدلاً من إقناع الصين ببناء مصانع للسيارات والبطاريات في الولايات المتحدة، تتخذ إدارته خطوات من شأنها رفع تكاليف الإنتاج داخلياً. وبدلاً من إعادة الدعم الفدرالي للبحث العلمي واستقطاب الخبراء الأجانب، يجري دعم القطاعات القديمة مثل الفحم والنفط.
“الصقور المعادون للصين” في إدارة ترامب يفاقمون التوتر مع بكين بدلاً من السعي للحوار والدبلوماسية. ويردد قادتهم في الإعلام، مثل بريت ستيفنز في نيويورك تايمز وديفيد إغناتيوس في واشنطن بوست، خطاب ترامب، لجعل الزيارات الأميركية رفيعة المستوى إلى تايوان “روتينية لدرجة تنسى معها بكين الاحتجاج عليها". وكما تحدى الرئيس شي جين بينغ سياسات الرسوم الجمركية، ستتصدى بكين لمحاولات واشنطن دعم تايوان.
تمتع الصين اليوم بأقوى موقع دولي منذ سقوط أسرة تشينغ (1644–1911). ويُنظر إلى شي جين بينغ باعتباره أقوى زعيم صيني منذ ماو تسي تونغ، الذي رحل عام 1976. أما سياسات ترامب الانعزالية والمتقلبة، فمن شأنها أن تضمن استمرار صعود الصين وتعاظم نفوذ شي في السنوات القادمة.
ميلفين أ. غودمان، زميل أول في مركز السياسات الدولية وأستاذ بجامعة جونز هوبكنز، عمل محللاً سابقاً في الـسي آي إيه. من أبرز مؤلفاته فشل الاستخبارات، انعدام الأمان القومي، واحتواء دولة الأمن القومي (2021.
CounterPunch 8 August, 2025
#جهاد_حمدان (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟