علي ابوحبله
الحوار المتمدن-العدد: 8438 - 2025 / 8 / 18 - 14:23
المحور:
القضية الفلسطينية
✦ أهمية إعداد وصياغة دستور دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس تحت الاحتلال وفق الرؤية الدولية وقرارات الاعتراف بدولة فلسطين تحت الاحتلال✦
إعداد وتقرير: المحامي علي أبو حبله
مقدمة
تُعد عملية إعداد وصياغة دستور لدولة فلسطين تحت الاحتلال خطوة استراتيجية بالغة الأهمية نحو بناء دولة القانون والمؤسسات، وتعزيز الهوية الوطنية الفلسطينية في مواجهة التحديات السياسية والقانونية. فالدستور ليس مجرد وثيقة قانونية، بل هو تجسيد لرؤية الشعب الفلسطيني في تحديد شكل الدولة، ونظام الحكم، والعلاقات بين السلطات، وضمان الحقوق والحريات الأساسية.
في هذا السياق، برزت مساهمات العديد من الشخصيات الفلسطينية في إثراء النقاش حول الدستور. من أبرز هؤلاء، الدكتور نبيل شعث، الذي ترأس لجنة صياغة الدستور التي شكلها الرئيس ياسر عرفات في أواخر عام 1999. وقد عملت اللجنة، بالتعاون مع المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، على إعداد مسودة للدستور الفلسطيني، معتمدة على التشاور والمشاركة العامة مع مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني. وقد أُجريت ورشات عمل متخصصة لمناقشة بنود المسودة، مما ساهم في إدخال تعديلات عدة على المسودة حتى الوصول إلى الشكل النهائي لها.
أما القائد المرحوم صخر حبش، فقد كان له دور بارز في تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية، وكان من المدافعين عن المشروع الوطني الفلسطيني في مختلف المحافل. على الرغم من أنه لم يكن عضوًا في لجنة صياغة الدستور، إلا أن أفكاره ومواقفه السياسية كانت تؤثر في النقاشات المتعلقة بالدستور. فقد كان يؤمن بأن فلسطين لا يمكن أن تتحرر إلا بالوحدة الوطنية، وكان يسعى دائمًا إلى تعزيز التفاهم والتنسيق بين مختلف القوى السياسية الفلسطينية.
إن إعداد وصياغة دستور لدولة فلسطين تحت الاحتلال يمثل خطوة أساسية نحو بناء دولة فلسطينية ديمقراطية، قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وضمان حقوق مواطنيها في ظل الاحتلال.
اذ تُعتبر الدساتير الركيزة الأساسية لأي دولة، إذ تشكّل المرجعية العليا التي تنظم مؤسسات الدولة، وتحدد نظام الحكم، وتكفل الحقوق والحريات العامة. فهي بمثابة العقد الاجتماعي الذي يوحد المجتمع حول قيمه ومبادئه، وينظم العلاقة بين المواطن والسلطات.
إلا أن الحالة الفلسطينية تمثل خصوصية قانونية وسياسية استثنائية، إذ لم يتسنَّ للشعب الفلسطيني ممارسة سيادته الكاملة نتيجة الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ عام 1967، وما نتج عنه من تهجير وتشريد وانقسام جغرافي وسياسي. وفي ظل غياب الدولة المستقلة ذات السيادة، يظل السؤال الأساسي: هل يمكن صياغة دستور لشعب ما زال تحت الاحتلال؟
لقد شكّل القانون الأساسي الفلسطيني (2002 وتعديلاته) تجربة دستورية مهمة، لكنه ظل ضمن نطاق السلطة الوطنية الفلسطينية، ولم يرتقِ إلى مستوى دستور دولة ذات سيادة. ومن هنا تأتي أهمية صياغة وثيقة دستورية تأسيسية، تكون مرجعية وطنية جامعة، وتؤسس لقيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس.
أهداف الوثيقة
1. ترسيخ الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني ضمن إطار دستوري.
2. توحيد المرجعية الوطنية للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات.
3. سد الفراغ السياسي والمؤسساتي الناجم عن الاحتلال والانقسام.
4. توفير أساس قانوني لمساءلة الاحتلال أمام المحاكم الدولية.
الديباجة
نحن الشعب الفلسطيني، انطلاقًا من حقنا الثابت في تقرير المصير، وعملاً بالشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة، وتمسكًا بحق العودة ورفضًا لكل أشكال الاحتلال والتهجير والضم، واستنادًا إلى ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية وإعلان الاستقلال الصادر في الجزائر عام 1988، وإلى القانون الأساسي الفلسطيني بوصفه تجربة تأسيسية، يتم الإعلان عن هذا الدستور واعتباره وثيقة تأسيسية لدولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس، على أن يشكل مرجعية وطنية جامعة للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، حتى يتحقق التحرير الكامل والاستقلال والسيادة.
وعليه نقترح بحسب اعداد هذا التقرير عدة مبادئ وتتضمن
الفصل الأول: المبادئ العامة
المادة 1: فلسطين جزء من الوطن العربي والإسلامي، وشعبها جزء من الأمة العربية والإسلامية، والقدس عاصمة الدولة الأبدية.
المادة 2: السيادة ملك للشعب الفلسطيني، يمارسها عبر مؤسساته الدستورية المنتخبة.
المادة 3: الشعب الفلسطيني واحد موحد في الداخل والشتات، ولا تجزئة لحقوقه الوطنية وحق تقرير المصير الغير قابله للتصرف
المادة 4: الأرض الفلسطينية وحدة واحدة غير قابلة للتجزئة، ولا يجوز التنازل عن أي جزء منها.
المادة 5: النظام السياسي في فلسطين برلماني ديمقراطي تعددي قائم على المواطنة والمساواة وسيادة القانون.
المادة 6: الشريعة الإسلامية مصدر رئيس للتشريع، مع احترام التعددية الدينية وضمان حرية العقيدة.
المادة 7: تلتزم الدولة بالعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
ووفق هذا التحليل والبنود الواردة أعلاه:
تضع هذه المواد الأساس لهوية الدولة الفلسطينية كجزء من محيطها العربي والإسلامي، وتؤكد وحدة الشعب والأرض، مع ضمان التنوع الديني واحترام المواثيق الدولية، بما يتوافق مع المعايير الدستورية الحديثة.
الفصل الثاني: الحقوق والحريات
المادة 8: جميع المواطنين متساوون أمام القانون، دون تمييز بسبب العرق أو الدين أو الجنس أو الانتماء السياسي.
المادة 9: تكفل الدولة حرية الرأي والتعبير والإعلام والنشر ضمن حدود القانون.
المادة 10: حرية تكوين الأحزاب والنقابات والجمعيات مكفولة.
المادة 11: الحرية الشخصية مصونة، ولا يجوز الاعتقال أو التوقيف التعسفي.
المادة 12: الحق في العودة حق فردي وجماعي لا يسقط بالتقادم.
المادة 13: تكفل الدولة التعليم المجاني والإلزامي حتى المرحلة الأساسية.
المادة 14: تكفل الدولة الرعاية الصحية والاجتماعية لجميع المواطنين.
ووفق ذلك تكرّس هذه المواد الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية، وتؤكد على حق العودة كحق دستوري لا يجوز التنازل عنه، وهي امتداد لما نص عليه القانون الأساسي الفلسطيني بشأن حقوق الإنسان والحريات العامة.
الفصل الثالث: نظام الحكم
المادة 15: النظام السياسي برلماني ديمقراطي تعددي.
المادة 16: الشعب هو مصدر السلطات.
المادة 17: الفصل بين السلطات مبدأ أساسي.
المادة 18: استقلال القضاء ضمانة للحقوق والحريات.
السلطة التشريعية
المادة 19: يتكون برلمان الدولة الفلسطينية من أعضاء منتخبين بالاقتراع العام المباشر.
المادة 20: يتولى أعضاء مجلس البرلمان سن القوانين والرقابة على أعمال الحكومة.
السلطة التنفيذية
المادة 21: يُنتخب رئيس الدولة بالاقتراع المباشر لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط.
المادة 22: يشكل الرئيس حكومة مسؤولة أمام المجلس التشريعي.
المادة 23: تلتزم الحكومة بتنفيذ القوانين ومساءلة الاحتلال دوليًا عن انتهاكاته.
السلطة القضائية
المادة 24: القضاء مستقل، ويصدر أحكامه باسم الشعب الفلسطيني.
المادة 25: تنشأ محكمة دستورية عليا للفصل في دستورية القوانين.
وعليه يعزز اعتماد النظام البرلماني المشاركة الشعبية ويحد من النزعة الفردية، فيما يرسخ استقلال القضاء وسيادة القانون، مع معالجة الثغرات التي ظهرت في القانون الأساسي الفلسطيني، خصوصًا فيما يتعلق بتوازن السلطات.
الفصل الرابع: المرحلة الانتقالية تحت الاحتلال
المادة 26: منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وتبقى المرجعية الوطنية العليا.
المادة 27: تستمر السلطة الوطنية الفلسطينية كجهاز إداري يخضع لإشراف دستوري.
المادة 28: يُعتبر باطلاً أي اتفاق سياسي ينتقص من الحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف.
و:يعكس هذا الفصل واقع الاحتلال، ويضمن استمرار منظمة التحرير كإطار جامع، مع تحديد دور السلطة الوطنية ضمن إطار دستوري يربطها بالمنظمة، بما يحمي المشروع الوطني من التآكل أو الاستبدال.
الفصل الخامس: الأحكام الختامية
المادة 29: لا يجوز تعديل المواد المتعلقة بالقدس أو حق العودة أو وحدة الأرض والشعب.
المادة 30: تظل هذه الوثيقة نافذة إلى حين اعتماد دستور دائم بعد التحرير والاستقلال الكامل.
وبهذا يتم تحصين المواد الجوهرية من أي تعديل يحمي الحقوق الأساسية من أي ضغوط سياسية أو تنازلات مستقبلية.
الخاتمة
إن هذه المسودة ليست دستورًا نهائيًا، بل وثيقة تأسيسية تضع الشعب الفلسطيني على طريق التحرر الوطني، وتؤسس لدولة عاصمتها القدس على أسس ديمقراطية وقانونية راسخة. تكمل هذه الوثيقة ما بدأه القانون الأساسي الفلسطيني، وتتجاوزه لتصبح أداة لمساءلة الاحتلال، وترسيخ الوحدة الوطنية، وصياغة هوية دستورية واضحة للشعب الفلسطيني في الداخل والشتات.
المراجع
1. القانون الأساسي الفلسطيني لسنة 2002 وتعديلاته.
2. قرارات الأمم المتحدة: 181/1947، 194/1948، 242/1967، 338/1973، 3236/1974، 67/19/2012.
3. العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، 1966.
4. العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، 1966.
5. اتفاقيات جنيف الأربع، 1949 والبروتوكول الأول، 1977.
6. محكمة العدل الدولية، الرأي الاستشاري بشأن الجدار، 2004.
7. ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية، 1968.
8. إعلان الاستقلال الفلسطيني – الجزائر، 1988.
#علي_ابوحبله (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟