|
بند -الاعتراف- في -الحوار المكِّي-!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 1819 - 2007 / 2 / 7 - 11:56
المحور:
القضية الفلسطينية
بند "الاعتراف" في "الحوار المكِّي"!
كانت القدس "أولى القبلتين" فجَعَلَ الله، في الإسلام، تلك المكانة لمكَّة، وجَعَلَ للقدس مكانة "ثالث الحرمين الشريفين". أمَّا إسرائيل فلَمْ تتخلَ نهائيا بعد، على ما يبدو، وعلى ما تشي به إلينا أفعالها، عن سعيها التلمودي إلى هدم "ثالث الحرمين الشريفين"، وإقامة هيكلها الثالث مكانه، أو تمكين اليهود من أن يمارسوا هناك، أي حيث يقوم "ثالث الحرمين الشريفين"، وفي طريقة لا يقبلها ولا يقرها الإيمان الديني للمسلمين، ما يرون فيه حقا دينيا لهم. القدس ما عادت "أولى القبلتين"؛ ولكن هذا لا يمنع من أن تبقى؛ حتى تُستعاد، "القبلة السياسية الأولى" للعرب (والمسلمين) على وجه العموم، وللفلسطينيين على وجه الخصوص.
مكة مدعوة اليوم إلى أن تنصر القدس، وتبلسم جراح أبنائها، وتعينهم على أن يدرأوا عن أنفسهم، وعن قضيتهم القومية، شرور "فئة ضالة"، لا عمل لها تؤدِّيه سوى إخراج الفلسطينيين عن الطريق المؤدية إلى القدس.
في مكَّة، حرامٌ، على ما أعتقد، أن يبحثوا في أمر "الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود"، أو في أن يجعلوه سببا للنزاع أو الاتفاق، فليس هذا الاعتراف هو الذي ينبغي له أن يكون في منزلة الركن الأول من أركان الإيمان السياسي الفلسطيني، وإنَّما "الاعتراف بحق فلسطين في الوجود".
لقد أوضحت الرئاسة الفلسطينية، في سعيها إلى توحيد اللغة السياسية الفلسطينية قدر المستطاع، أنَّ "حماس" ـ التنظيم ليست مدعوة إلى التزام ما يمكن أن يُفْهم ويُفسَّر على أنَّه اعتراف (كلِّي أو جزئي، صريح أو ضمني) بإسرائيل، فهذا الاعتراف مُلْزِم لـ "الحكومة"، ولـ "السلطة" على وجه العموم، ومُلْزِم، بالتالي، لكل من ارتضى المشاركة في الحكومة. وهذا معناه أنَّ ممثِّل "حماس" في الحكومة يجب أن "يتحلى" بـ "ازدواج الشخصية السياسية"، فهو يعترف بإسرائيل بصفة كونه عضوا في الحكومة، ولا يعترف بها بصفة كونه عضوا في "حماس".
إنَّ "حماس" و"فتح" مدعوَّتان، في "حوراهما المكِّي"، إلى حسم هذا الأمر، أي أمر الاعتراف بإسرائيل، ولكن في طريقة مختلفة هذه المرَّة، فإذا قرَّرت "حماس"، وبصفة كونها جزءا من الحكومة الفلسطينية المقبلة، الاعتراف بإسرائيل في طريقة ما فإنَّ عليها، وعلى "فتح"، أن تُضَمِّنا اتفاقهما نصَّا تقولان فيه، وبالجامع المانع من الكلام، إنَّ هذا الاعتراف لا يعني، ويجب ألا يعني، "اعترافا فلسطينيا بحق إسرائيل في الوجود". ليعترفوا بإسرائيل، وفي الطريقة التي يرتأون، على أن يعلنوا ويوضِّحوا ويؤكِّدوا أنَّهم لم يعترفوا قط، ولن يعترفوا أبدا، بـ "حق إسرائيل في الوجود". وقد تحدَّثنا من قبل، وغير مرة، عن ضرورة وأهميه تمييز "الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود" من غيره من صيغ وأشكال وصور الاعتراف الفلسطيني (والعربي) بإسرائيل.
أعلم أنَّ حسم أمر الاعتراف بإسرائيل على هذا النحو سيُشعِل فتيل خلاف بين الفلسطينيين وبين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.. و"اللجنة الرباعية الدولية"؛ ولكنِّي أعتقد أنَّ خلافا كهذا يمكن أن يعود على الفلسطينيين وقضيتهم القومية بالنفع والفائدة إذا هُمْ أحسنوا إدارته وسعيهم لحلِّه. وهذا إنَّما يعني أن يدعو الفلسطينيون تلك القوى الدولية (و"المجتمع الدولي") إلى أن تعترف، وإلى أن تدعو إسرائيل إلى أن تعترف، بـ "حق فلسطين في الوجود"، فمن خلال ذلك فحسب يمكن أن يتأسَّس لقضية "الاعتراف المتبادل" منطقا يُخالطه قدر كبير من الواقعية السياسية.
تلك القوى (ومعها إسرائيل) ستُسْمِع الفلسطينيين، عندئذٍ، من الكلام السياسي وغير السياسي ما يحتاج الفلسطينيون إلى سماعه؛ لأنَّ هذا الكلام سيمكِّن الفلسطينيين من أن يُسْمِعوا العالم صوتهم. تلك القوى ستقول: لا يمكننا الاعتراف بحق فلسطين في الوجود؛ لأنَّه اعتراف ينطوي على نفي لحق إسرائيل في الوجود. وستقول متسائلة: ما هي حدود فلسطين التي تدعوننا إلى الاعتراف بحقها في الوجود.. هل هي "فلسطين الكبرى" أم "الوسطى"، بحسب قرار التقسيم، أم "الصغرى"، أي الضفة الغربية وقطاع غزة؟ وثمَّة "فلسطين الرابعة"، أي تلك تعيَّنت حدودها، ضمنا، في "رسالة الضمانات" التي تسلَّمها شارون من بوش، والتي يراد لـ "الجدار الأمني" أن يكون حدَّاً غربيا لها.
وإذا كانوا يريدون للفلسطينيين أن يتخلوا عن تصوُّرِهم لأرض فلسطين على أنَّها "وَقْف إسلامي"، ولا يجوز، بالتالي، شرعا التفريط في أي جزء منها، فعليهم أن يُقِرُّوا بضرورة اتِّخاذ ما يشبه "العلمانية" ميزانا يزنون به الحقوق القومية والتاريخية للشعوب، فـ "الوعد الربَّاني"، بحسب الخرافة التوراتية، لإبرام العبراني يجب ألا يُتَّخَذ سببا للقول بحق إسرائيل في الوجود، فالله ليس موزِّعا للأوطان، يَمْنَح شعبا حقا في امتلاك أرض هي وطن لغيره!
الفلسطينيون، وبما لا يتعارض مع حقهم في أن تكون لهم دولة قومية ذات سيادة، يشمل إقليمها كل أراضيهم التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967، وبما لا يتعارض مع حق اللاجئين الفلسطينيين في حلِّ عادل واقعي (ونهائي) لمشكلتهم، يمكنهم أن يعترفوا بإسرائيل، اعتراف دولة بدولة، ومن غير أن يُفْهَم اعترافهم هذا ويُفَسَّر على أنَّه "اعتراف بحق إسرائيل في الوجود"، فَهُم، أي الفلسطينيون، وبكلام جامع مانع، إنَّما يعترفون بدولة إسرائيل، وبحق هذه الدولة في العيش في أمن وسلام وضمن حدود آمنة ومعترَف بها، مؤكِّدين، في الوقت نفسه، أنْ ليس لهذه الدولة من حق في الوجود.
والفلسطينيون الآن، حيث لم تَقُمْ لهم دولة بعد، لا يمكنهم أن يقفوا من مسألة الاعتراف بإسرائيل إلا موقفا قوامه أنَّهم ملتزمون أن تلتزم دولتهم، عند قيامها، تبادل الاعتراف مع دولة إسرائيل، فقيام الدولة الفلسطينية تلك مع حل مشكلة اللاجئين حلا عادلا واقعيا هو وحده ما يؤسِّس لـ "اعتراف متبادل"، تعترف، بموجبه، كلتا الدولتين بحق الأخرى في العيش في أمن وسلام وضمن حدود آمنة ومعترف بها.
وإلى أن يستوفي هذا الاعتراف المتبادل شروطه لن يكون الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل، ويجب ألا يكون، إلا من قبيل الاعتراف بحقيقة واقعة؛ وانتفاء "الحق" في "الحقيقة الواقعة" لا يمنع من الاعتراف بها.
"حماس"، ومع تأكيدها أنَّها تقف ضد كل اعتراف فلسطيني (أو عربي) بـ "حق إسرائيل في الوجود"، وأنَّها، بصفة كونها تنظيما، لا تلتزم، في شأن الاعتراف بإسرائيل، ما تضمَّنه كل اتفاق توصَّلت إليه السلطة الفلسطينية (أو منظمة التحرير الفلسطينية) مع إسرائيل، يمكنها المشاركة في حكومة فلسطينية تلتزم كل ما التزمته "السلطة" و"المنظمة" من قبل، كما يمكنها تأكيد أنَّها ستكون مع، أو لن تكون ضد، أن يتحقَّق "الاعتراف المتبادل" من خلال "اعتراف دولة بدولة"؛ وهذا الاعتراف لا يستوفي شروطه إلا بتفاوض سياسي، يفضي إلى اتفاق، تُقام بموجبه دولة فلسطينية ذات سيادة في الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967، وتُحلُّ مشكلة اللاجئين حلا عادلا واقعيا، ولا يكتسب، أي ذاك الاعتراف، معناه السياسي الواقعي إلا من خلال اتفاق الدولتين على أن تعترف كلتاهما بحق الأخرى في العيش في أمن وسلام وضمن حدود آمنة ومعترف بها.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شلال دمٍ من أجل -عَظْمَة-!
-
الطريق التي افتتحها اجتماع -الرباعية-!
-
ثلاث سنوات من الجَزْر الديمقراطي!
-
والمفتي إذ أفتى!
-
لن يُغْفَر للشعب الفلسطيني سكوته!
-
-التقارب- بين الرياض وطهران!
-
جدل قانون الأحزاب الجديد!
-
التقريب بين المذاهب.. في الدوحة!
-
الخلوة الدمشقية!
-
كفَّرْنا بعضنا بعضا فعُدنا غساسنة ومناذرة!
-
رايس وصلت إلى رام الله في زيارة للعراق!
-
بوش.. من -العجز- إلى ارتقاب -معجزة-!
-
الوعي
-
درءا لنصر يُهْزَم فيه الشعب!
-
في الدياليكتيك
-
هذه هي -الاستراتيجية الجديدة-!
-
المرئي في -المشهد- ومن خلاله!
-
موت كله حياة!
-
حَظْر الأحزاب الدينية!
-
أوْجُه من الفساد!
المزيد.....
-
إيران تعلن البدء بتشغيل أجهزة الطرد المركزي
-
مراسلنا في لبنان: سلسلة غارات عنيفة على ضاحية بيروت الجنوبية
...
-
بعد التهديدات الإسرائيلية.. قرارت لجامعة الدول العربية دعما
...
-
سيناتور أمريكي: كييف لا تنوي مهاجمة موسكو وسانت بطرسبرغ بصوا
...
-
مايك والتز: إدارة ترامب ستنخرط في مفاوضات تسوية الأزمة الأوك
...
-
خبير عسكري يوضح احتمال تزويد واشنطن لكييف بمنظومة -ثاد- المض
...
-
-إطلاق الصواريخ وآثار الدمار-.. -حزب الله- يعرض مشاهد استهدا
...
-
بيل كلينتون يكسر جدار الصمت بشأن تقارير شغلت الرأي العام الأ
...
-
وجهة نظر: الرئيس ترامب والمخاوف التي يثيرها في بكين
-
إسرائيل تشن غارتين في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بعشرات
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|