|
محمد أركون: ماذا نحتاج أكثر من ابن رشد؟
نائل الطوخي
الحوار المتمدن-العدد: 1818 - 2007 / 2 / 6 - 12:30
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
مفكر علي الحافة بين الشرق والغرب، وشأن جميع من يقفون علي الحافة يثير المفكر الجزائري الكبير والأستاذ بالسوربون محمد أركون مشاعر متضاربة بين جمهوره. غير أنه في المحاضرة التي ألقاها يوم الاثنين الماضي في المركز الثقافي الفرنسي بمناسبة صدور موسوعته تاريخ المسلمين والإسلام في فرنسا منذ القرون الوسطي وحتي يومنا هذا، بدا رافضا لغربيته بوضوح ومعلنا انتماءه لأصله العربي، عندما أبلغته مثلا دنيا أبو رشيد مديرة قسم النشر بالمركزالثقافي الفرنسي بقول أدونيس أن مأساة العالم العربي هو في غياب مفكريه وأن مثال أركون غير واف هنا حيث درس وتلقي تعليمه و أنتج دراساته بالخارج، أعلن الأخير عدم صواب هذا مؤكدا أنه يحتفظ بعلاقات كثيرة ومتشعبة في العالم العربي وأنه يذهب كثيرا إلي جامعات العالم العربي بل وحتي إلي دول إسلامية مثل اندونيسيا وماليزيا. لم يكتف بهذا، وإنما أعرب في نهاية محاضرته التي ألقاها عن أمله بأن تترجم موسوعته الصادرة اخيرا من الفرنسية إلي العربية، مضيفا أنه سيحاول إقناع د. جابر عصفورالذي وصفه بالصديق المنفتح جدا بترجمة الكتاب ضمن مشروع المركز القومي للترجمة. في بداية المحاضرة قال محمد أركون أنه حدث هام أن يتحدث في مصر بصفة خاصة لأنها تحتل مركزا خاصا في البحر المتوسط وأنه تأثر بطه حسين حينما كان طالبا في جامعة الجزائر مشيرا إلي كتاب مستقبل الثقافة في مصر وأنه كرس عمله الجامعي لفكر طه حسين. ثم انتقل سريعا إلي الحروب التي مرت بها المنطقة منذ الحرب العالمية الثانية والتي وقعت جميعها نتيجة لعدم قراءة التاريخ الذي هو ضروري لتجاوز اثر الحروب، ولتحقيق الحداثة التي وعدت بتخليصنا من الحروب الدينية. وقال أن الثقافة اللاهوتية هي التي وضعت نظريات للعنف، مشيرا إلي سان لوجستان الذي كان أول من وضع نظريات للحروب العادلة. هل يعني لكم هذا شيئا؟ حين قرر الرئيس الأمريكي الخروج في ضربة ردع في 11 سبتمبر.. وقع المثقفون الأمريكيين علي عريضة لإضفاء الشرعية علي هذا الفعل باسم الحرب العادلة.
الحلال كقانون
يتحدث أركون عن فصل من كتابه يشرح الانتقال من الحرب العادلة وهو المصطلح المحدد في اللاهوت السياسي إلي الحرب المقدسة قائلا: أي أننا بهذا نغادر الفلسفة السياسية وننطلق لمجال الإيمان والمعتقد الديني الذي تدخل فيه انتماءاتنا، عندما ندخل مجال الايمان فهذا يقلل من نطاق التفكير، لان الدين يضع الصواب في مواجهة الخطأ و من ثم يؤدي الي نشوب الحروب العنيفة. ويشير أركون إلي مثلث أنثروبولوجي يتحكم في جميع المجتمعات الإنسانية ضلعه الاول هو العنف الذي لا يختص به الاسلام وحده، رافضا الربط بينه و بين الارهاب، أما العامل الثاني فهو المقدس الذي تدل عليه كلمة حرام بالعربية. يضيف في ملاحظة جانبية أن الفقهاء قد صادروا عبارة الحرام هذه ليضعوها في سياق قانوني فحسب حين ربطوها بالحلال، و لم يعد لها نفس معني كلمة المقدس الموجودة حتي في المجتمع الفرنسي العلماني الذي يضفي القداسة علي الاشخاص. ثم الضلع الثالث من المثلث الانثروبولوجي هو فكرة الحقيقة.
لاهوت غربي مواز
بعد هذا ينتقل اركون للحديث عن عيسي بن مريم الذي تحدث بلغة سامية و هي الارامية، و لكن تشاء الاقدار ان ينتقل حديثه الي اليونانية بعد سبعين عاما، فحينها ستتم ترجمة الخطاب النبوي الملقي بلغة سامية الي لغة غربية، حيث ظهرت بين الاغريق أصوات تقيم تراثا ثقافيا سيلعب دورا حيويا في بناء اللاهوت اليهودي والمسيحي، وهذا بالتوازي مع الانبياء الساميين الذين ظهروا في الشرق. يلفت أركون النظر إلي أن الفارابي سيكتب بعد ذلك بسنوات طويلة عن الحكيمين، قاصدا اليونانيين ارسطو وافلاطون. أنا أقول هذا حتي أشرح لكم معني خطاب البابا الأخير، حيث غرس الدين المسيحي في بدايته أسلوبا حميميا في الإيمان بالتوحيد وأطلق عليه اسم اللوجوس. أي العقل. هنا نزل جميع المسلمين إلي الشارع وتساءلوا ما الذي يقوله هذا الرجل وهل هذه هي الحرب الدينية؟ ما قاله البابا هو أنه منذ نقل الإنجيل للغات الأجنبية لم تضع المسيحية أي حد للعقل، بينما اوقف الفكر الإسلامي العلاقة مع ذات العقل. يضيف أركون أنه في الحقيقة فإن الفكر الإسلامي قد استقبل العقل واستوعب الفلسفة منذ القرن السابع وحتي الثالث عشر. حينما توفي ابن رشد في 1198. يستشهد بعنوان كتاب ابن رشد فصل المقال فيما بين العقل والشريعة من الاتصال. ثم يتساءل بمرارة ما الذي نحتاجه أكثر من هذا لكي يكون لدينا عالم في الفلسفة؟ لهذا بالتحديد، يبدو كلام البابا بالنسبة لأركون غير مقبول.
الديدان تأكل ابن خلدون
في ذات الوقت، يطبق موسي بن ميمون نفس منهج ابن رشد علي العقيدة اليهودية و يربط بينها و بين العقل. وكذلك يفعل سانتو ماداكا الذي توفي في القرن الثالث عشر. وقتها كانت الديانات الثلاثة تتشاطر في نفس الأدوات الثقافية للعمل برغم وجود توترات داخل كل مجتمع بسبب بعض الفقهاء غير المتفقين مع وجود العقل. ينتقل أركون للحديث عن القرن الرابع عشر ومؤرخ مهم عاش فيه هو ابن خلدون الذي كان يرغب في فتح عينيه علي المجتمعات الخري واحتك بالبربر من متحدثي اللغة البربرية، و ليس العربية، إلي حد أنه اضطر لكتابة العبر في تاريخ البربر لأن شمال أفريقيا كانت بربرية كلها وقتها. علمنا ابن خلدون النظرية النقدية في القرن الرابع عشر. ولكن ماذا تعلمنا نحن من ابن خلدون؟ ومن قرأ مقدمته؟ يجيب علي نفسه بأنه حتي عام 1850 لم يتم تداول مقدمته حيث كانت مخطوطاتها تنام في المكتبات وعرضة للديدان من كل نوع وأنها عاشت بفضل طباعتها في بولاق بمصر وبفضل جهد فرنسيين قاما بنشر بنشر و ترجمة هذا العمل.
محفوظ وابن رشد
هنا يقوم أركون بالإشارة إلي سوسيولوجيا الإخفاق وهو موضوع محاضرته التي سيلقيها بعد محاضرته تلك بيومين في معرض الكتاب. يضيف أن سوسيولوجيا الإخفاق هذا هو موضوع جيد جدا بالنسبة لطلبة المستقبل، و يتساءل بحزن: كيف يمكن لمؤلف إنساني واستثنائي مثل نجيب محفوظ أن يكون له أعداء في مجتمعه و ثقافته و لغته، لقد عاني ابن رشد من نفس الفشل وبمناسبة الفشل، فشل الأفراد والمجتمعات، يشير إلي كتابه المعنون نقد العقل الإسلامي يتحدث بحب عن كلمة النقد، التي هي من أروع الكلمات الفرنسية وهي التعبير عن المسئولية الثقافية. يضيف: ولكني عندما أقول بالعربية نقد العقل الإسلامي يقال أعوذ بالله يا كافر.. تكفر أمامنا! لأن مصطلح النقد في العربية يعني الاحتقار برغم أن قدامة بن جعفر كتب نقدا للشعر و نقدا للنثر حيث كانت اللغة العربية وقتها قادرة علي التعبير، أما الآن فهناك استخدام كسول للمصطلحات. بعد انتهاء المحاضرة تلقي عليه دنيا أبو رشيد سؤالا حول تفسيره للرفض الذي عاني منه طه حسين ووصل لحد إقالته من الجامعة، فيقول أن هذا يتصل بسوسيولوجيا الإخفاق التي تحدث عنها، وبأن المجتمع لا يقبل أبدا الأفكار الجديدة وغير مؤهل لتقبل التغيير، وهو ما يطلق عليه غير المفكر فيه، ومن نماذجه موضوع المرأة والرق في المجتمع العربي لقد أمضيت أمسيات في بعض الدول، ليس من بينها مصر، مع رجال، رجال فقط، وأسموها أمسيات أدبية!! لقد شكل لي هذا معاناة كبيرة. إذ كيف يمكننا استبعاد المرأة من أمسية لتبادل الثقافة والفكر.
#نائل_الطوخي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محاولة جديدة لنسبة الهرم إلى العبرانيين
-
سعد الدين ابراهيم يحاضر امام جمعية لمحبي المصريين في اسرائيل
...
-
الشاعر المصري عماد فؤاد: في بلجيكا مثلما في إمبابة، الأصولية
...
-
روعة الديكتاتور وعمى المثقف.. مخلوقات محفوظ الملتبسة
-
محفوظ عبد الرحمن: رفضت الكتابة عن صدام حسين
-
صاحب مدونة على الإنترنت.. نتنياهو في اخر ادواره الثقافية
-
رسائل من غرفة اعدام صدام
-
عن المسيح و جيفارا و إسماعيل: صدام حسين.. البطل المدلل لكامي
...
-
الرسالة الكامنة للانتحاري
-
معارضو الشارع واولاد الشوارع
-
عن اطفال الشوارع و معارضي الشوارع
-
قراء غير جيدين أو تجار متنكرون: مجانين مكتبة الاسرة
-
الحجاب صليب المسلمين
-
الشيعة ما بين حزب الله و الكائنات ذوي الذيول
-
الروائي الإسرائيلي دافيد جروسمان: انظروا كيف شاخت إسرائيل
-
من كفر قاسم الى بيت حانون:ولازال القتل مستمرا
-
الإخوان المسلمون يشترون طواقي حماس في مؤتمر بعنوان لبيك فلسط
...
-
بيني و بين أبي. بين الإخوان والقاعدة
-
كتب المسلمين الاعلى مبيعا في اسرائيل.. اشكال من العنصرية ضد
...
-
الرواية بعد محفوظ.. العقوق الجميل لأبناء الجبلاوي
المزيد.....
-
ترامب و نتانياهو، علاقة دعم وصداقة، فهل تلتقي المصالح؟
-
المحافظون الألمان يشككون في نظام اللجوء بالاتحاد الأوروبي
-
القناة -14-: ارتفاع عدد إصابات عملية تياسيير إلى 8 بينها حا
...
-
المكسيك تعلن نشر 10 آلاف جندي على الحدود مع الولايات المتحدة
...
-
شاحنات المساعدات تتحرك من مصر إلى غزة
-
-إسرائيل صغيرة كرأس القلم-.. تصريح صادم من ترامب يثير الجدل
...
-
-بوليتيكو-: قوات كييف تحاول إخفاء الخسائر الفادحة بتقارير عن
...
-
الجيش اللبناني ينتشر في بلدة الطيبة بعد انسحاب إسرائيل
-
مكتب نتنياهو: إسرائيل تستعد لإرسال وفد إلى الدوحة لمناقشة تف
...
-
-حماس- تبارك عملية حاجز تياسير وتؤكد أن -الجرائم الإسرئيلية
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|