|
دليلُ القاريء إلى القتلة / 1
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 1818 - 2007 / 2 / 6 - 07:04
المحور:
كتابات ساخرة
إنه الصَنيعة ، يتكلم
لو أنّ منجّماً أو قارئ فنجان ، تنبأ لي بعواقب التمديد ، لما وافقتهم من أصله . ولكن ، هل كان بوسعكَ أن تبدي رأياً أمام ذلك الصبيّ النزق ، ياهوْ !؟ القصة يا جماعة ، إبتدأت قبل ذلك بسنوات ، وللحقيقة منذ لحظة إحضاري لدمشق موجوداً لأمثل أمام أبيه ، الوصيّ السابق ـ رحمه الله ، على كل حال . يومذاك ، بعدما أُمرتُ بتحضير نفسي لشغل منصب الفخامة ، وصار وقت إستئذاني للعودة إلى بيروت ، إذا به يقول لي وإبتسامة على شفتيه الرقيقتين : " قبل إستلامك المنصب ، يتعيّن عليكَ البقاء عندنا فترة لإستكمال دَوْرَة محافظ ! " . لم أفهمه ، للوهلة الأولى . ولكنّ إتساع شدقه عن ضحكة مجلجلة ، أوضح لي المسألة بجلاء . ولكي لا آخذ على خاطري ربما ، تابعَ الوصيّ الأب موضحاً : " أيّ حثالة لدينا ، حينما نريدُ جعله مسؤولاً خطيراً لا بدّ من أن يشغلَ أولاً منصب محافظ ، لكي يبرهن لنا على أنه ليسَ فاسداً أو مرتش ٍ أو عديمَ ناموس ! .. وأنتَ ما شاء الله ستصبح رئيساً لبلدك ". نعم ، صرتُ رئيساً في لابلدي هذا ! كان عليّ بعدئذٍ ، يعني لما تسنمتُ منصب الفخامة ، أن أواجه المنافسة ، الأزلية ، بين الرئاسات الثلاث . رئاسة المجلس النيابي ، لم تكن مشكلة أبداً ؛ لأنها بيد حليفنا . أما رئاسة الحكومة ، فكانت أكثر من مشكلة : الرجل سني ، وهوَ فوق ذلك ربيب الملوك الذين يشحذ منهم وصيّنا ! لم يكن المغدور أقلّ كرماً منهم ، الحق يقال . ولكنّ كرمه مع اللئيم لم يشفع له . قررَ الوصيّ ، إذاً ، التخلص من الرجل . وأقسمُ لكم ، بشرفي العسكري ! ، أنّ التمديد كان دافعاً شكلياً للجريمة . كان ظهور زعيم سنيّ ، شعبيّ وقويّ ، في البلد الذي يعتبرونه " مزرعة أبيهم " ، غير محتملاً بحال . لأنّ هذا من الممكن أن يُشجع إخوانه في المذهب ، هناك في سورية ؛ حيث الأغلبية المقهورة . . الخ
فيما بعد ذهلتُ حقاً ، حينما طلبوني سراً إلى " عنجر " . على فنجان قهوة وقبل الحديث بالبيزنس حتى ، إذا بالمندوب السامي إياه ، الذي تعرفونه ، يفاتحني بكل بساطة بموضوع العملية . " كل شيء إلا هذا ، بَرْدون ! " ، قلتُ له بتصميم فرنسيّ . ولكنه لم ينصت إليّ ، بل أخذ يشرح دوري في تلك العملية : " المطلوب منك شغلة بسيطة . أن تؤمن لنا بعض رجالك المخلصين ، الموثوقين ، في الأمن والدرك " . أوهموني أنهم يريدون منا خدمة لوجستية ، ليسَ إلاّ ! وما لم يكن في الحسبان ، غدرهم بي ، الوضيع . إذ أوعزوا لأحد متعهدي التفجير أن يتصل بمكتبي ، بعيد خمسة دقائق من وقوع الجريمة .. لكي يوثقوا تورطي بها . وها أنا كما ترون ، أحمل على كاهلي وزر دم الرجل . وبعد خروج عسكرهم ومخابراتهم من عندنا ، أضحيتُ مضحكة الجميع ، فلا أزورُ ولا أزار ! وياليتني بقيتُ مع رئيس الحكومة ذاكَ ، المرحوم ، لأن جماعة الإستقلاليّة جاؤوا إلى الوزارة بمعيّة إبنه هذه المرة . هكذا صرتُ عاطلاً تقريباً ، ما دام الأخوان في الحكومة الجديدة ، الإستقلالية ، يرفضون التعاون معي . هذا في النهار . أما مساءً ، فلا أرفع عيني عن التلفزيون السوري بفضائته اليتيمة . كتر خيرهم ، يتذكرون أنني ما زلت رئيساً للبنان ، في وقت أنكرني الجميع . فشريط الأخبار في فضائيتهم يعيدُ تكرار إسمي على مدار الساعة مع أشياء اخرى ، مثل أنّ سورية لها دور حضاري في العالم ، كما يقول عالم بريطاني في حفر القبور .. أقصد ، في حفر الآثار ! .. وعلى الأثر ، يطلع في الشريط هذا الخبر : " الرئيس اللبناني يستقبل أبو حشيشة ، أمين سرّ حركة القيامة الفلسطينية ! " . شيء رائع ، بيرفع الرأس ..
ولكن في حرب الصيف مؤخراً ، قلتُ لحالي جاءكَ الفرج ! حتى أنني بدأتُ أخرج من شرنقة القصر وأقوم بجولات ميدانية ـ بوصفي رئيساً ! ورفعتُ صوتي أمام الصحافة ، لأول مرة منذ دهر : " أنظروا إلى الهمجية الصهيونية .. أهذا هوَ الديمقراطية الأمريكية ، ياهوْ !؟ " . ثم أخذتْ الأرجُلُ على قصرنا أيضاً . وكل مسؤول ، أو شبه مسؤول ، يحضر لدمشق ، يمرّ عليّ في بيروت بطلب من الإخوة السوريين ، لكي يخفف عني الوحشة . ثم كانت زيارة أردوغان الأخيرة . تعرفون ، أمي أرمنية وكذلك زوجتي . يعني مسألة محرجة ، حقيقة ً ، أن أستقبله عندنا في القصر . ليسَ باليد حيلة ، فهو الصديق الوحيد للسوريين في المنطقة . جاء الرجل لتفقد قواته في الجنوب ومرّ علينا . قعد بمواجه خلقتي ، وراح يتأملني ملياً . كان يفكر في نفسه ، على الأرجح ، بأشياء غير طيبة : " ها ، قرداش ! هربتم من سكاكين أجدادنا إلى دول اخرى ، لكي تصبحوا فيها رؤساء جمهورية !؟ " . ساعياً لإشاعة جو إلفة وثقة بيننا ، بددتُ الصمتَ قائلاً بمودّة : " تركية بلد ديمقراطي حضاري عظيم .. وهي على مرّ تاريخها منارة للقيم الإنسانية والتسامح ، حقاً ! وبالمناسبة ، فالأرمن كما تقول الشواهد كلها ، ذبحهم الأكراد وأقاموا على جثثهم دولة كردستان " . ضيفنا التركي ، لم تفته المجاملة . زمّ عينيه المغوليتين ، ونبسَ بلهجة مستخفة : " لا وجود لشيء إسمه أكراد وكردستان .. إنهم أتراك جبليين ! وقريباً سنضمّ أيضاً إخوانهم الذين في العراق ، لكي يستعيدوا لغتهم التركية وتاريخ جدّهم الأول أرطغرل أوغلو ! " . هكذا كان الحال مع سليل العثمانيين ذاكَ ، وغيره من الضيوف . على أنّ أموري ، للحقيقة ، لم تتغيّر كثيراً . مصيري معروف ، ولكنه مؤجل . ما يُعزيني ، أنّ الله لم ينسني بعدما تخلى البشر عني : مرة ، يرسلُ الجنرالَ ليخربط لهم اللعبة . مرة ثانية ، يرسلُ عليهم سماحة السيّد لكي يحاورهم ويضيّع وقتهم ويشغلهم عن موضوع إسقاطي . مرة ثالثة ، حرب . رابعة ، إعتصام ونزول إلى الشارع لإسقاط حكومتهم ، والحيلولة دون المحكمة الدولية . هذا دليلٌ أنّ الله بجانبي ، لأنني متهمٌ بريء . أقسمُ لكم مجدداً بـ .... ولكن دعونا من الشرف !
[email protected]
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الكوكبُ والشّهاب : أمّ كلثوم في حكايَة كرديّة
-
النغمُ والمشهَد : زمنُ السينما الرومانسيّة
-
تاريخٌ تركيّ ، بلا عِبْرة
-
شيطانُ بازوليني 2 / 2
-
الطاغية والطفولة
-
أفلامُ عطلةِ الأعياد ، المفضّلة
-
السلطة والمعارضة : الإسلام السياسي واللعبة الديمقراطية / 2
-
شيطانُ بازوليني 1 / 2
-
نفوق الوحش ونفاق الإنسان
-
نوتوريوس : هيتشكوك وتأسيس الأدب السينمائي
-
حكاية باموك : إسمٌ بينَ الوردةِ والأحمَر / 3
-
حكاية باموك : إسمٌ بينَ الوردةِ والأحمَر / 2
-
السلطة والمعارضة : الإسلام السياسي واللعبة الديمقراطية
-
النبي ؛ هل كانَ جبرانُ نبأً كاذباً ؟
-
الهولوكوست اليهودي والهلوَسة الإسلاموية
-
سياحات : دمشق بأقلام الرحّالة 2 / 2
-
نادية : نهاية زمن الرومانسية
-
العتبات الممنوعة
-
العصابة البعثية والتفجير الطائفي
-
سياحَات : دمشق بأقلام الرحّالة 1 / 2
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|