|
لينين والقضية الفلسطينية
أحمد الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 1817 - 2007 / 2 / 5 - 12:20
المحور:
القضية الفلسطينية
مساهمة في نقاش " نداء إلي الأحزاب والقوى الماركسية العربية "
مــوقــف لــيــنــيــن
قام بعض الكتاب مؤخرا بإعادة طرح موقف اليسار العربي عامة من القضية الفلسطينية. وفي اعتقادي أن إعادة طرح تلك المسألة بعد ستين عاما من احتلال فلسطين موضوع مازال بالغ الأهمية ، ليس لأنه مجرد نبش في أوراق الماضي ، لكن لأن طرح القضية يطرح كيفية التعامل " الآن " مع إسرائيل ركيزة الاستعمار في المنطقة ، والموقف المنشود الذي ينبغي لليسار العربي أن يتخذه من تلك القضية التي شكلت حجر عثرة أمام تطور قوى اليسار بل ووقف حائلا بينها وبين الانتشار الجماهيري . ذلك أن حركة اليسار ارتبطت بتصورات ومواقف الأممية الشيوعية فيما يخص المسألة القومية عامة وما يخص مسألة فلسطين خاصة . وقد نشأ ذلك الارتباط في نهاية الحرب العالمية الثانية ، وعلى أرضية اعتراف الاتحاد السوفيتي بدولة إسرائيل . وكان الموقف السائد عامة هو تأييد موقف ستالين النظري ، وإن كان ذلك لم يستأصل ظهور مواقف استثنائية من تلك القضية برزت في مواجهة التيار العام ، ومنها موقف تنظيم " طليعة العمال والفلاحين " المصري الذي رفض تقسيم فلسطين حينذاك . وفي السبعينات ظهر تنظيم " العمال الشيوعي المصري " الذي طالب الاتحاد السوفيتي بسحب اعترافه بإسرائيل ومراجعة موقفه منها . جدير بالذكر أن قوى ماركسية عديدة داخل روسيا استنكرت – بعد زوال الاتحاد السوفيتي – موقف السوفيت من إسرائيل ، وأعلنت أن اعتراف ستالين بإسرائيل كان خطأ تاريخيا . وعادة ، ما يعتبر اليساريون بشكل غير واع ، أو دون تنبه ، أن موقف السوفيت من القضية الفلسطينية كان موقفا واحدا ، لم يتعرض لتبديل . على حين أن موقف لينين من المسألة كان يختلف اختلافا جذريا عن موقف ستالين ، وعن الأممية التي ظهرت بعد ذلك . ومع ذلك فإن موقف لينين لم يجد ما يكفي من التعريف به بين الأوساط اليسارية العربية وظل غائما كأنه جزء من موقف ستالين . وأستشهد هنا بما كتبه الأستاذ نايف سلوم في مجلة الآداب البيروتية حين قال إن لينين أعرب في المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية عن اعتقاده بأن : " على روسيا السوفيتية أن تتعايش ولفترة من الزمن مع بلدان أوروبا الغربية في محيط رأسمالي " ( كأن لينين بهذه الفقرة كان ينبذ الصراع مع الرأسمالية والاستعمار ) ويقول : " وقد أكد المؤتمر الثالث أن الأداة الثورية الكفيلة بإنجاز هذه المهمة تتمثل في الجبهة العمالية المتحدة القائمة على أساس وحدة العمل والنضال بين جميع العمال بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية وعن قناعاتهم الأيديولوجية " . ثم يضيف : " وقد طالب المؤتمر جميع الأحزاب الشيوعية بالسعي إلي إقامة مثل هذه الجبهة بغض النظر عن الخصوصية الكولونيالية والقومية لبلد من البلدان " . وينتهي أ . سلوم إلي أن : " مثل هذه التصريحات كانت تصب الماء في طاحونة المشروع الصهيوني " . هكذا إذن – وفقا لما طرحه أ . نايف سلوم فإن لينين طالب الأحزاب الشيوعية بإقامة جبهات عمالية بغض النظرعن القضايا القومية ؟ وبداهة فإن طلبه العام هذا يمتد ليشمل بطبيعة الحال الموضوع الفلسطيني . هكذا يبدو وكأن لينين طالب بجبهة عمالية في فلسطين بغض النظر عن خصوصية المسألة القومية هناك ؟ ولهذا فإن تصريحات لينين كانت تصب في مصلحة المشروع الصهيوني على حد قول الكاتب . وبهذا الصدد لابد من القول : أولا : إن اعتقادا شائعا يدمج دون وعي كل مراحل الثورة الروسية الشيوعية في حالة واحدة متصلة دون تمييز بين مرحلتيها : الأولى بقيادة لينين ، والثانية بقيادة ستالين . وهما مرحلتان مختلفتان تماما . لقد كان ستالين هو الذي اعترف بمنطق انتهازي بالدولة الإسرائيلية ، وكان ستالين هو مروج كل الأفكار التي نبتت على شجرة الطموح إلي " الدولة العظمى " . لكن دمج المرحلتين معا ، يشبه تماما أن ندمج المرحلة الناصرية ومرحلة السادات معا باعتبار أن كل ذلك هو " ثورة يوليو " . وهل يكفي لتبيان تلك الحقيقة القول بأن مؤلفات لينين كانت تنشر طيلة العهد السوفيتي بعد خضوعها للرقابة وحذف المقالات التي لا تتماشى مع القادة السوفيت ؟ وأن هذه الرقابة لم تنته عند لينين ، بل امتدت لتشمل ما كتبه أدباء عظام مثل مقال الروائي العملاق فيودور دوستيوفسكي عن " المسألة اليهودية " ؟ ولعل القراء العرب قد لاحظوا في ترجمة الأعمال المختارة للينين إلي العربية ذلك القطع المفاجئ الذي تنتهي به الكثير من المقالات ، والنقاط التي تفصل الفقرات عن بعضها ، أما ما لم يلاحظوه فهو غياب بعض الكتابات كاملة من الأساس . ثانيا : كان موقف لينين من القضية القومية واضحا ، ليس فقط فيما يتعلق بفلسطين، فقد واجهته تلك المسألة بشدة داخل روسيا التي ضمت قوميات مختلفة بلغ عددها مئة قومية ، كما واجهته تلك القضية بالنسبة للمستعمرات الروسية ، وكانت رؤيته لكل ذلك تقوم على " حق تقرير المصير " ، ولن أشير هنا إلي كتبه التي تناولت المسألة ، وفيها جميعا تبنى لينين الدعوة " لبناء جبهات بغض النظر عن الخصوصية الكولونيالية و القومية لبلد من البلدان " ، لكن ذلك جاء في سياق شرحه للتعصب القومي ومن ضمنه التعصب الروسي الذي ندد به كثيرا . ثالثا : بهذا الصدد فإنني أحيل القارئ إلي كتاب روسي بعنوان " سياستان إزاء العالم العربي " لمؤلفه " بونداريفسكي " صدرعام 1975 ، وفيه – وهي حقائق معروفة – أن المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية ( الكومنترن ) الذي عقد في آب – أغسطس 1920 ناقش " المسودة الأولية لقضايا المسألة القومية وقضايا المستعمرات " التي أعدها لينين خصيصا للمؤتمر . وأن وثيقة لينين أشارت في البند الحادي عشر إلي خصائص النضال الأيديولوجي في البلدان المستعمرة والتابعة . ونوه القسم السادس من ذلك البند بضرورة : " التوضيح والفضح الدائبين أمام أوسع جماهير الشغيلة في جميع البلدان ، وخصوصا المتخلفة ، للخداع الذي تمارسه الدول الإمبريالية باستمرار والتي تنشئ بحجة تأسيس دول مستقلة سياسيا دولا تابعة لها كليا من النواحي الاقتصادية والمالية والعسكرية " (1) وقد ناقشت اللجنة الخاصة بالمسألة القومية – تحت إشراف لينين شخصيا – هذه الوثيقة الهامة في جلستي المؤتمر العامتين الرابعة والخامسة . وطرحت في النقاش بحدة ضرورة فضح الصهيونية نظريا وتطبيقيا وخصوصا تأسيس دولة صهيونية في فلسطين تحت الحماية البريطانية . وأشارت مندوبة المؤتمر " فرومكينا " بوضوح إلي أن : " السكان اليهود في فلسطين لا يشكلون أغلبية . فهنا أقلية تسعى إلي إخضاع جماهير الشغيلة التي تشكل أغلبية السكان إلي نير دول الوفاق ، ويسعى الصهاينة إلي كسب أنصار لهم في جميع البلدان وهم يخدمون بدعايتهم مصالح طبقة الرأسماليين ، وعلي الأممية الشيوعية أن تكافح هذه الحركة بأشد ما يكون من الحزم " (2) وحين قام ممثل حزب " بوعالي – تسيون " بطلب الكلمة في المؤتمر ، بذل جهده للبرهنة على أن نضال الشعوب العربية نضال ديني لا يستهدف الاستعمار ، خلافا لأهداف الصهاينة . ودعا ممثل ذلك الحزب المشبوه إلي تكوين طبقة عاملة يهودية تتزعم نضال الفلاحين العرب ضد الإقطاع والاستعمار . لكن المؤتمر اعتبر تلك الكلمة دفاعا صريحا عن الصهيونية وحرمه حق الحديث ! وكان ذلك الممثل هو " أ . كون " الذي تسلل إلي المؤتمر بالاحتيال والإدعاء بأنه يمثل الحزب الاشتراكي الفلسطيني ! وفي 28 تموز – يوليو عام 1920 أقر مؤتمر الكومنترن الثاني في جلسته العامة الخامسة بإشراف لينين الموقف اللينيني من القضايا القومية وقضايا المستعمرات ، وأضيف إلي القسم السادس من البند الحادي عشر ما نصه : " والدليل الواضح على خداع جماهير شغيلة الأمة المضطهدة بالجهود المشتركة لإمبريالية دول الوفاق وبرجوازية هذه الأمة يتجلى في عملية الصهاينة بشأن فلسطين ، كما يتجلى في الصهيونية عموما التي تقدم إلي الاستغلال البريطاني بحجة تأسيس دولة يهودية في فلسطين قربانا هو السكان العرب الكادحون في فلسطين حيث يشكل الشغيلة اليهود مجرد أقلية ضئيلة " (3) إن التعديلات التي جرت فيما بعد على موقف لينين الثوري كانت جزءا من عملية تراجع عام عن الثورة قام به ستالين لصالح الدولة ، وهي العملية التي شملت المجال الاقتصادي حين أوقف ستالين العمل بخطة لينين " الخطة الاقتصادية الجديدة " التي كانت تسمح بتعايش أكثر من نمط اقتصادي داخل إطار الاشتراكية ، وفي نفس السياق أجهض ستالين إلي الأبد الديمقراطية الحزبية التي كانت تسمح لأقل أعضاء الحزب شأنا بمناقشة لينين علنا واتهامه بمختلف التهم أو مجادلته بمختلف الأساليب . ونتيجة لوأد الديمقراطية استطاع ستالين أن يصفي أيضا أغلب المثقفين الروس ، والثوريين ، لينفرد بالحكم . ولم يكن اعتراف ستالين بدولة إسرائيل سوى امتداد لمواقفه المماثلة من القوميات غير الروسية التي تعيش في روسيا، فلم يكتف بحرمان تلك القوميات من أبسط حقوقها ، بل وقام بتشتيتها وترحيلها في جماعات ضخمة داخل عربات شحن في الليل ، من منطقة إلي أخرى ، ومن بلد لآخر . إن إلقاء الضوء على موقف لينين من القضية الفلسطينية لا يستهدف الدعاية لهذه الشخصية الثورية التي تركت بصماتها على القرن العشرين والتي لا تحتاج إلي دعاية، لكن التنبه للموقف الماركسي الحقيقي من تلك القضية ، يساعدنا على أن ندرك بمزيد من العمق عدالة قضيتنا ، وأن ندرك أيضا أن هناك مفكرين و ثوارا آخرين ، كانوا يفهمون القضية على النحو الذي نفهمه نحن . ولاشك أن ذلك كله إنما يرسخ فينا شعورنا أننا كنا وما زلنا على صواب ، وأننا لسنا وحدنا ، ولم نكن وحدنا في تصورنا المبدئي أن فلسطين أرضنا ، ولا في تصورنا أن شعوبا كثيرة عانت من فترات احتلال أطول زمنا ، ومع ذلك قادها النضال إلي التحرر . د . أحمد الخميسي
هوامش : 1- لينين – المؤلفات الكاملة بالروسية – المجلد 41 – ص 167 2- المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية – موسكو – 1934 – ص 141 3- المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية – موسكو – 1934 – ص 495
#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عندنا ما فيش قتل .. فيه منع بس
-
حماس لتحرير الحكومة أم فلسطين ؟
-
الحركة الثقافية وحياة خليل كلفت
-
رسالة بهاء طاهر إلي المعارضة المصرية
-
عن أي حجاب يدور الحديث في مصر؟
-
الناس يصعدون إلي السماء
-
بلاغ ضد الشعب
-
الإمبراطورية الأمريكية تحكم الرقابة على العالم
-
د. رشاد الشامي .. رحيل عالم كبير
-
المسلسلات المصرية
-
غزة تفطر على مدافع الاحتلال
-
قوات الديمقراطية الأمريكية والصحافة العراقية
-
إسرائيل عدو الثقافة الأول
-
نجيب محفوظ لحظة وداع
-
حجر وورد .. وجوه لبنانية
-
تحرير الانتصار اللبناني من الكذب القادم
-
المقاومة اللبنانية وتفكيك الشخصية الصهيونية
-
لن نغفر ولن ننسى
-
المقاومة اللبنانية وفلاسفة الهزيمة
-
الليل طويل والطيارات مش نايمة
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|