|
(3) ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية... ولادته
مصطفى حقي
الحوار المتمدن-العدد: 1817 - 2007 / 2 / 5 - 12:12
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
(لمحة عن الكاتب علي الدشتي وأعماله في مطلع مقالنا – معجزة القرآن) الحوار المتمدن تاريخ 10/12/2006 ومن الجلي لكل من اطلع على القرآن ، الذي تنعكس فيه حوادث السيرة النبوية وتجاربها ، أنّ النبي لا ينطق بمثل هذه الأشياء وأنّ هذه الحكايات الخرافية هي اختلاقاتُ خيال أناسٍ سُذّج تصوّروا النظام الإلهي نسخة من بلاطات ملوكهم وحكامهم . ذلك أنّ النبي في سورة الإسراء ذاتها ، التي ولّدت آيتها الأولى هذه الأسطورة ، يُلَقـَّنْ في الآية 93 كيفية الردّ على أولئك الذين يطالبونه بمعجزة : ( قل سبحان ربي هل كنتُ إلا بشراً رسولاً) أما الآية 51 من سورة الشورى فتبين بوضوح أنه " ما كان لبشرٍ أن يكلمه الله إلا وحياً " وما دام الوحي قد تنزّل على النبي ، فلا حاجة به لأن يصعد بنفسه إلى السماء. وحتى لو افترضنا وجود مثل هذه الحاجة ، فما المبرّر للدّابة المجنّحة أو المحمولة جواً !؟ وهل تمرّ الطريق إلى السماء بالمسجد الأقصى ؟ وهل ثمة حاجة بالإله الجبار ، لصلوات عباده ؟ ولماذا لم يُعْلَم سَدَنَةُ السماء بإسراء النبي من قبل ؟ تصل العقول الساذجة السبب بالنتيجة دون إشارة إلى الواقع . فالنبي يحتاج إلى ركوبه لأنه ماضٍ في سفر طويل ؛ ولذلك فإنه ينبغي لهذه الركوبة ، التي تشبه البغل ، أن يكون لها جناحان لكي تتمكن من الطيران مثل حمامة . ولأن الله يشاء أن يُبْهِرَ محمداً بجلالته وعظمته فإنه يأمر جبريل بأن يُري محمداً عجائب السماء . ومثل ملك مستبد يأمر موظفيه بجمع ضرائب باهظة كيما يسّد نفقات الدولة، فيحذره وزير ماليته من أنّ زيادة الضرائب سوف تُفْقِر الرعيّة ، فإن الربّ يطالب عباده بالصلوات فيناشده نبيه أنّ الخمسين صلاة لا تُطاق. ليست عظمة محمد محلّ شك . فقد كان واحداً من أبرز عباقرة التاريخ البشري. وإذا ما اُخِذتْ في الحسبان ظروفُ عصره الاجتماعية والسياسية فلن نجد له نداً بين من أطلقوا التغيرات الكبرى وبادروا إليها . فرجالٌ مثل الاسكندر , وقيصر , ونابليون ، وهتلر , وكورش وجنكيز خان ، وتيمورلنك لا يصمدون لدى المقارنة معه . ذلك أن هؤلاء جميعاً كانوا مدعومين بالجيوش وبالرأي العام لشعوبهم ، في حين شقّ محمد طريقه في التاريخ أعزل ومحاطاً بمجتمع مناوىء . ولعلّ بمقدورنا أن نعدّ لينين أقدر الرجال في هذا القرن ونقارنه مع محمد . فعلى ما يقارب العشرين عاماً( 1904- 1924)، أعمل لينين فكره وكتب، وأدار النشاطات الثورية ، بقدرة وعزيمة لا تعرفان الكلل وبإخلاص لمبادئه عنيد لا سبيل إلى زحزحته، فلم يهدأ أو يستكن إلى أن أقام أول دولة شيوعية ييئة روسيا غير الصالحة لذلك مادياً أو اجتماعياً . ولا شكّ أنّ لينين قد تغلّب على عدد هائل من العقبات في الداخل والخارج ، غير أنّ الحركة الثورية كانت قد ظهرت في روسيا قبله بنصف قرن ، وكان مئات الآلاف من الثوريين والناقمين مهيّئين لمساندته . أما الفارق الآخر اللافت فيتمثّل في أنّ لينين قد عاش في فقر على الدوام او في ضرب من التقشّف كان خياره الذاتي . ومن طبيعة الأمور ومُعْتادها أن تنشأ الأساطير عن العظماء بعد وفاتهم . ذلك أن نقاط ضعفهم تُنْسى بعد فترة فلا يُذكر لهم أو يُشاع بين الناس سوى نقاط قوتهم وحدها. فحياة كثير من المفكرين والفنانين لم تكن بأي حال من الأحوال تلك الحياة الخالية من العيوب أو العصية على الانتقاد ، لكن ذلك لم يَحُل دون بقاء أعمالهم والإعجاب بها . ونحن لا نعلم كيف تدبّر نصير الدين الطوسي . أمر أن يصبح وزير الفاتح المغولي هولاكو؛ لكن كتاباته العلمية جعلته ابن فارس المُبَجّل ، بصرف النظر عمّا اتّبعه من وسائل غير أخلاقية . لاعجب إذاً أن تنطلق المخيّلات إلى العمل بعد وفاة قائد روحي عظيم فتسبغ عليه كماً هائلاً من الفضائل والمزايا . والمشكلة هي أنّ هذه العملية لا تقف عند حدود معقولة بل تبدو مبتذلة ، وسوقية ، وسخيفة منافية للعقل . لقد تمّت ولادة محمّد على النحو المعتاد وبلا أيّة عواقب مباشرة، شأنها في ذلك شأن ولادة الملايين من الأطفال ؛ لكن ّ جنون البشر بالمعجزات دفعهم إلى اختلاق الحكايات الخرافية عن ولادة محمد وتصديقها . ومن هذه الحكايات أنّ إيوان كسرى في طيسون ( المدائن ) قد ارتجس ما إن ولد محمّد وأنّ نار فارس قد خمدت . وحتى لو كانت مثل هذه الحوادث قد وقعت في حينه ، فما الذي يجعلها نتيجة لولادة النبي وكيف لها أن تكون إنذاراً من الرب ؟ يقتضي العقل ، والملاحظة ، والرياضيات أن تكون للنتائج أسبابها. فظواهر العالم جميعاً ، سواء كانت مادية أم اجتماعية أم سياسية لها مسببّاتها . وهذا ما يتبدّى واضحاً في بعض الأحيان ؛ فأشعة الشمس تعطي الدفء والنور ، والنار تحرق أن لم يتمّ توقيها ، والمياه تجري نازلة مالم تُضَخ إلى أعلى . غير أنّ الأسباب لاتكون واضحة في أحيان أخرى ولايمكن اكتشافها إلا ببذل كثير من الجهد ، كأسباب الرعد والبرق أو المرض والإبلال . أما بين ولادة طفل في مكّة وخمود النار في فارس فلا يمكن أن تكون ثمّة علاقة سببية . وإذا ما كان إيوان كسرى قد تصدّع ، فلا بد أن يكون ذلك ناجماً عن انخساف ما . لكنّ تجّار المعجزات من عصرٍ لاحقٍ راحوا يصفون هذه الحوادث بأنها تحذير إلهي ّ مفاده أن الله كان يرغب في أن ينبه أهل طيسفون ( المدائن ) ، وملك فارس على وجه الخصوص ، إلى كارثة وشيكة ، وفي أن يُعلّم سدنة معابد النار في فارس بمجيء من سيطيح بعبادة النار . ولكن كيف يمكن للملك الإيراني أو للكهنة الزرادشتيين أن يعلموا أن تصدّع الإيوان وانطفاء النيران هما إشارتان إلى ولادة طفل لن يباشر رسالته الدينية قبل انقضاء أربعين سنة على تلك الحوادث ؟ ولماذا يشاء الله ، بحكمته وعطفه ، أن يلتفت الفرس إلى الإسلام قبل أربعين ستة من بعثه محمداً مبشّراً به وداعياً إليه ؟ كل ما تعرفه عن وضع الجزيرة العربية قبل الإسلام يثبت ما جاء في القرآن من أنّ محمداً نفسه لم يكن له علم مسبق بنبوته القادمة . وإذا ما كان الله قد رغب في أن يشير إلى الأهمية الفائقة التي لولادة محمّد ، فلماذا لم يُعْطِ أيّة علامةً لأهل مكة ؟ كان بمستطاعه ، وهو الكلّي القدرة ، أن يجعل سقف الكعبة يهوي وأن يجعل أوثانها تتداعى ، مما كان سيمثّل بالنسبة للقرشيين تحذيراً أشدّ بكثير من انطفاء النيران في معابد نائية . ومن ثمّ , لماذا لم تصاحب بعثة النبي معجزةٌ كفيلةٌ بأن تقنع القرشيين جميعاً وتوفر على الرسول المصطفى ثلاثين عاماً من العداوة والاضطهاد ؟ لماذا لم يسطع النور في قلب الملك كسرى أبرويز فيهديه إلى الإيمان ويثنيه عن تمزيق رسالة النبي ؟ لو تمّ ذلك لكان الفرس قد حذو حَذْوَ مليكهم واقتدوا به ، وغدوا مسلمين دون أن يذوقوا مرارة الهزيمة قي معركتي القادسية والنهوند . منذ سنوات كثيرة مضت ، قرأت حياة يسوع للكاتب الفرنسي العظيم إرنست رينان( 1823-1892) ، الذي رسم للمسيح لوحة واقعية بارعة ونابضة بالحياة . وبعد ذلك بحين ، وقعتُ على كتاب آخر ، عنوانه ابن الإنسان ، زعم كاتبه الألماني ، إميل لودفيغ ، الذي بذل غاية الجهد ، أنه كتاب يضاهي في وقائعيته أي كتاب آخر يمكن أن يُكْتَب حول هذا الموضوع في ظرف يتسّم بندرة الوثائق التاريخية ندرةً بالغة . لم أحاول ، في عملي الموجز هذا ، أن أقدّم رواية كاملة عن السنوات الثلاث وعشرين من أصل السنوات الستين التي عاشها النبي محمد . وبعيداً عن التواضع الزائف ، فإنني لاأعد نفسي ممتلكاً ما امتلكه إرنست رينان من موهبة وحساسية أو ما امتلكه إميل لودفيغ من طول أناة وقدرة على البحث ، وجميع هذه خصال لابد من توافرها إذا ما أردنا أن نقدّم صورة وافية لرجلٍ غيّرت قوته الروحية والأخلاقية مجرى التاريخ البشري . غايتي في هذا العمل المقتضب أن أرسم الخطوط العريضة وأن أبدّد وهماً . ذلك أنّ صورة هذا الكتاب كانت قد طرأت على ذهني من قراءة القرآن والتأمل في نشوء الإسلام . وبغية المزيد من الدقـّة والصراحة ، فإنني أعترف أنّ جزءاً من الدافع إلى كتابة هذا الكتاب كان قد تأتّى عن النظرية النفسانية أو الملاحظة النفسانية بعبارة أدق . فالأفكار التي تُغرَس في ذهن الشخص في الطفولة تظلّ ، كما نعلم جميعاً ، في خلفية تفكيره أو تفكيرها . وهذا ما سيدفعه أو يدفعها إلى السعي وراء جعل الوقائع مطابقة للأفكار المغروسة ولو لم يكن لهذه الأخيرة أي سند واقعي . ولا ينجو حتى الباحثون المتفقهون ، إلا في حالات استثنائية قليلة ، من هذا العبء الذي يثقل كاهلهم ويعيقهم عن استخدام حسّهم السليم ؛ أو إنهم إذا ما استخدموه ، فإن ذلك لا يكون إلا في الحالات التي يتوافق فيها مع أفكارهم الراسخة . وإذا ما كان البشر قد وُهبوا ملكتي الإدراك والاستدلال المنطقي اللتين تمكّنان من حلّ المشاكل العلمية ، فإن هؤلاء البشر أنفسهم مهيّئون في قضايا الاعتقاد الديني والسياسي لأنْ يدوسوا بالأقدام ليس الأدلّة العقلية وحسب بل الأدلة الحسية أيضاً ( من كتاب : 23 عاماً دراسة في الممارسة النبوية المحمدية ) ( الكـــاتب : علي الدشتي ، ترجمة ثائر ديب ، إصدار رابطة العقلانيين العرب )
#مصطفى_حقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(2) ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية - ولادته
-
(1) ثلاثة وعشون عاماً في الممارسة النبوية - ولادته
-
الفاضلةgrce lady.....
-
العودة إلى الحنبلية وآراء بن تيمية في اتهام الشاب عبد الكريم
...
-
طريق الموت يحصد هذه المرة 26 قتيلاً و5جرحى...؟!
-
(4) ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية . الخلاصة
-
(3) ثلاثة وعشرون عاماًفي الممارسة النبوية. الخلاصة
-
هل الإسلام موجود في العراق ...؟
-
(2) ثلاثة وعسرون عاماً في الممارسة النبوية . الخلاصة
-
(1) ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية. الخلاصة
-
(3) السعي خلف الغنائم .....؟
-
اغتيال الصحفي التركي الأرمني هرانت دينك جريمة إرهابية ..؟
-
(2) السعي خلف الغنائم ....؟
-
ياقضاة مصر .. عبد الكريم سليمان(كريم عامر) شابٌ حرٌ متحمسٌ أ
...
-
(1) السعي خلف الغنائم ...؟
-
جنٌّ مسلمون يغتصبون منزلاً ويحرقونه من بالوعة ....؟
-
(4).... مابعد النبوّة ...الخلافة
-
(3).. ما بعد النبوّة .. الخلافة.
-
(2 )...ما بعد النبوّة ... الخلافة ..
-
(1) ما بعد النبوّة...الخلافة ..؟
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|