حسام حسين نعمان
شاعر وكاتب
(Hossam Naman)
الحوار المتمدن-العدد: 8411 - 2025 / 7 / 22 - 18:21
المحور:
كتابات ساخرة
أيها السادة الطهاة المحترفون في أروقة العواصم الاستعمارية هل مللتم من الأطباق التقليدية؟ هل تشعرون أن غزو البلاد العادي أصبح مملاً كحساء العدس؟ لا تخافوا مطبخكم السياسي يقدم لكم اليوم "كورس كامل" من فنون طبخ المؤامرات في حوض المتوسط والشرق الأوسط، مع تركيز خاص على الطبق السوري الشهير نضمن لكم نتائج مبهرة:
دول ممزقة، شعوب متحاربة، وثروات مستنزفة... كل ذلك بطعم الفوضى الخلّاقة الشهي
-المقبلات: سلطة "سايكس-بيكو" الطازجة
المكونات:
- 1 خريطة عثمانية قديمة (يفضل أن تكون بالية).
- 2مجموعة أقلام رصاص حادة (لرسم حدود مستقيمة تعاند الجغرافيا والتاريخ).
- 3 كميات وفيرة من الجهل المحلي بحقوق وعادات وخصوصيات الشعوب.
- 4 رشة خبيثة من الوعود المتضاربة للقبائل والسياسيين والزعماء.
طريقة التحضير:
1. مزقوا الخريطة العثمانية بعنف، لا تترددوا القطع غير المتساوية تضيف جمالاً
2. باستخدام المسطرة والأقلام، ارسموا خطوطاً مستقيمة عبر الصحاري والجبال. لا تهتموا لو قطعت الخطوط قبيلةً في نصفين أو فصلت مدينة عن مينائها. الاستقامة فوق كل اعتبار
3. وزعوا القطع (التي تسمونها دولاً) على الطهاة المساهمين (بريطانيا، فرنسا.. الخ). تذكروا: من يدفع أكثر في الحملات العسكرية يأخذ القطعة الأكثر عصارةً
4. قدموها ساخنة للشعوب مع تذكرة "استقلال وهمي".
شاهدالنتيجة: شعور بالانتماء المزيف وخلافات حدودية لا تنتهي أفضل مقبلات لفتح الشهية للتدخلات المستقبلية
الطبق الرئيسي: "يخنة سوريا: فوضى بالعظم واللحم"
المكونات:
-1 دولة سورية فتية (يفضل أن تكون غنية بتنوعها وموقعها الاستراتيجي).
- 2 كمية كبيرة من "الربيع العربي" (يجب أن يكون مجمداً ومذاباً بسرعة ليصير فوضى).
- 3 مجموعة متنوعة من "المعارضين" (يتم تخزينهم في ثلاجات الدول المجاورة حتى موعد الاستخدام).
- 4 وفرة من الأسلحة (يجب أن تكون متعددة المصادر لتضمنوا استمرار القتال).
- 5 مقادير سخية من الإعلام العالمي (للتحكم في الرواية ولف الصورة الحقيقية بالضباب).
- 6 بهارات سحرية: طائفية، قبلية، إرهاب مستورد (داعش من أفضل الماركات).
طريقة التحضير:
1. سخنوا الفرن (المنطقة) بواسطة خطابات تحريضية عن "الديمقراطية" و"حقوق الإنسان". لا تبالغوا في التسخين، يكفي أن يبدأ الغليان الداخلي
2. أضيفوا "الربيع العربي" المجمد فجأة . حركوا بسرعة بواسطة حسابات التواصل الاجتماعي المدفوعة. الهدف: ذوبان سريع يؤدي إلى فقاعات عنف
3. ألقوا بكميات كبيرة من "المعارضين" المخزنين. تأكدوا من تنوعهم وتضارب أجنداتهم الوصفة لا تنجح إلا إذا تشاجرت هذه المكونات فيما بعد.
4. صبوا الأسلحة بغزارة على جميع الأطراف. القاعدة الذهبية: "القتال يجب أن يستمر حتى آخر سوري". استخدموا قنوات التهريب للحفاظ على نضارة الأسلحة
5. أضيفوا بهارات الطائفية والقبلية والإرهاب المستورد (داعش). حركوا جيداً لتندمج وتخلق نكهة مرعبة تبرر أي تدخل لاحق.
6. غطوا الطنجرة بغطاء الإعلام العالمي. ركزوا على قصص معينة وانسوا أخرى
الهدف: إدارة الغضب العالمي حسب الطلب.
7. اتركوا القدر على نار هادئة لسنوات. لا تتعجلوا الطبق يحتاج لوقت طويل حتى تنضج الفوضى وتتحول المدن إلى ركام، ويتم استنزاف كل الموارد. النتيجة المرجوة: دولة فاشلة سهلة التقسيم أو السيطرة الدائمة
الحلويات: كعكة تقسيم سوريا "المنشودة"
المكونات:
- بقايا يخنة سوريا (المذكورة أعلاه).
- كريمة "الأقليات والأكثريات" المخفوقة (يتم خفقها بوعود الاستقلال ثم تبريدها فجأة بخيانة الحلفاء).
- طبقة من "المتمردين المعتدلين" الهشّة (تنكسر بسهولة).
- سكر لامع من خطابات "الحل السياسي" التي لا تنتهي (للتحلية الكاذبة).
- حشوة سميكة من المصالح الدولية والإقليمية المتضاربة.
طريقة التحضير:
1. اخترقوا بقايا اليخنة السورية لتحديد مناطق النفوذ. استخدموا سكاكين حادة (قواعد عسكرية، مليشيات موالية).
2. افردوا طبقة كريمة الأقليات والأكثريات بحذر . وعِدوهم بزينة رائعة (دولة) ثم اتركوها تذوب تحت الضربات وتراجع الدعم. المرارة هنا عنصر أساسي
3. حاولوا وضع طبقة "المتمردين المعتدلين" . شاهدوا كيف تنهار وتختلط ببقايا الإرهاب. الفشل المتوقع جزء من النكهة
4. اصنعوا حشوة غليظة من المصالح المتضاربة للقوى الكبرى والإقليمية. تأكدوا من أنها كثيفة لدرجة تجعل أي توحيد للكعكة (سوريا) مستحيلاً
5. صبوا فوق الكعكة سكر "الحلول السياسية" اللامع (مؤتمر جنيف، أستانا..). يجب أن يبدو حلواً وجميلاً من الخارج بينما يخفي الفساد والانقسام الداخلي
6. قدموها باردة للشعب السوري مع شمعة واحدة مكتوب عليها "معلش طول بالك" تنطفئ سريعاً. الاستمتاع بالطعم المر للواقع هو ذروة هذه التحلية
الصلصات والمقارنات:
صلصة "العالم الحر": تُخفق من دموع التماسيح حول "معاناة الشعب" وكميات هائلة من النفاق. تُستخدم لتغطية طعم المصالح النفطية والجيوسياسية.
مقارنة مع الكب كيك العراقي: تم إعداده مسبقاً بنفس الوصفة تقريباً (غزو، حل الجيش، تفجير الطائفية، داعش) وهو الآن يُقدم كـ ديمقراطية مكلفة الصيانة
مقارنة مع حلوى فلسطين المشكل: أقدم وصفة في المطبخ الاستعماري تعتمد على سرقة الأرض الأساسية (طحين) واستبدالها بقطع حلوى صغيرة معزولة (غزة، الضفة) مغطاة بطبقة سميكة من المستوطنات (الشوكولاتة الداكنة التي تغطي كل شيء)
اللمسات الأخيرة ونصائح الطهي:
الإرهاب: التوابل السرية لا تنسوا إضافة جماعات متطرفة عند الحاجة. هم كالفلفل الحار: يحرقون البلاد ويشغلون العالم عن الطباخين الأصليين
اللاجئون: بقايا الطبق شاهدوا كيف يفرّ ملايين السوريين من طنجرة الفوضى. استخدموهم كورقة ضغط على أوروبا أو كيد عاملة رخيصة. لا تهدرون أي شيء
الغرب: نادل المطعم دوره تقديم الطبق (الفوضى) بابتسامة وبيع الأسلحة للجميع، ثم التظاهر بالصدمة من العنف والتدخل لـ"حماية مصالحه"
التذوق: أفضل طريقة هي من بعيد اجلسوا في قصوركم أو عواصمكم، تابعوا شاشاتكم، وتمتعوا بصراخ الضحايا كخلفية موسيقية لوجبة عشائكم الفاخرة.
الخاتمة: مطبخ لا يغلق أبوابه
أيها السادة الطهاة الاستعماريون (الجدد والقدامى)، لقد أتقنتم وصفة الدمار من "سلطة سايكس-بيكو" إلى "يخنة سوريا" و"كعكة التقسيم"، فنكم قائم على مبدأ بسيط: اقتلعوا جذور الاستقرار، ازرعوا بذور الفتنة، ثم احصدوا الثروات فوق أنقاض الأمم. مطبخكم لا يحتاج لموقد عادي، بل لبراكين من الحقد ومحيطات من دماء الأبرياء.
هذا الطبق يُقدم مع دموع التماسيح الاستعمارية، ومسحوق عظام الضحايا، وريع البيع يذهب لتمويل الوصفة القادمة شهية طيبة... أيها القتلة.
ملاحظة:
هذه المقالة الساخرة واللاذعة تهدف إلى كشف الآليات الوحشية والمتواطئة للتدخلات الخارجية التي غذت الصراعات ودمرت دولاً مثل سوريا. السخرية هي سلاح لفضح التناقض الصارخ بين خطاب "القيم" والممارسات المدمرة على الأرض. الدماء الحقيقية والمعاناة الإنسانية ليست أبداً مادة للسخرية، بل هي الوقود المأساوي الذي تغذيه هذه الآلة الشيطانية.
#حسام_حسين_نعمان (هاشتاغ)
Hossam_Naman#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟