أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - مغامرة الكتابة الروائية














المزيد.....

مغامرة الكتابة الروائية


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 1816 - 2007 / 2 / 4 - 11:22
المحور: الادب والفن
    


تغدو الرواية مغامرة من اللحظة التي تحقق فيها انعتاقها من سلطة اللغة التقليدية، وبالتالي من البنى الذهنية التي تتلبس بنى تلك اللغة، أي حين تحقق انزياحها الخاص لغةً، شكلاً، ومحتوى فكرياً. ولأن لا شكل صلب ومقنن بصرامة للرواية، ولأن أشياء العالم وموضوعاته كلها يمكن أن تكون في متناولها فإن الرواية هي النوع الأدبي الأكثر مرونة من غيرها، وبحسب باختين فبنية الرواية "لا تزال بحاجة إلى زمن طويل لتستقر بشكل نهائي؛ ولا نستطيع حالياً التكهن بجميع إمكانيات تشكله" وهي، أي الرواية، والقول لباختين أيضاً "لا تمتلك قوانين خاصة؛ وما هو فعال تاريخياً يتشكل من عدة نماذج روائية، وليس من القواعد الروائية بحد ذاتها" وفي الأحوال كلها نكاد نكون أمام حدود مفتوحة، أو شبه مفتوحة. أمام سعة من الحرية لا يتيحها أي نوع أدبي آخر، ومن ثم فإمكانية استمرار الرواية، لمدة طويلة لاحقة، كبيرة. وإمكانية أن تقدّم نفسها، بأشكال جديدة دوماً، كبيرة كذلك. وإذا كان باختين قد تحدث عن عدم استقرار بنية الرواية وعدم اكتمالها، وبالتالي مرونتها العالية فإن كولن ولسن وجد أن ريجاردسن الذي نشر روايته ( باميلا ) في العام 1740 في إنكلترا "قد علّم العقل الأوروبي الاستغراق في أحلام اليقظة" فالرواية هي التي أحدثت ثورة الخيال فغيرت أوروبا وقدرها، فكانت السبب في الثورة الصناعية والثورة الفرنسية ( 1789 ) التي جاءت بعد نشر ( باميلا ) بخمسين عاماً كما يرى ولسن، وهو الذي يذهب إلى حد القول بأن "ماركس وداروين وفرويد قد غيّروا وجه الحضارة الغربية، لكن تأثير الرواية كان أكبر من تأثير هؤلاء الثلاثة مجتمعين".
أطلقت الرواية، على وفق ما يقول ولسن جماح الخيال، ولكن ما الذي جعل الرواية ممكنة ووفر لها شرط انبثاقها؟. هناك من يشير إلى اختراع الطباعة، وهناك من يتحدث عن فكر عصر التنوير الأوروبي وتحرر الذاتية الإنسانية، وهناك من يؤكد على صعود الطبقة الوسطى وتكوّن المدن الحديثة بمؤسساتها وعلاقاتها الاجتماعية، غير أن إدوارد سعيد يجد السبب الأساس لبزوغ فن الرواية في تطلع أوربا إلى ما وراء حدودها مع الاستكشافات الجغرافية والدخول في عصر الاستعمار.
إذن مع إدوار سعيد نكون مع فكرة المغامرة، الخروج من نطاق المكان إلى ما يليه، التعرف على الآخر.. التعرف على الذات من خلال الاحتكاك بالآخر.. تحديد الأمكنة، أو إعادة إنتاج الجغرافية السياسية في ضوء المصالح المستجدة.. أنْ يخترع الغرب شرقه، أنْ يتخيل شرقه، أنْ يعيد صياغة العالم ويفرض على العالم منطقه في إجراء تلك الصياغة.. هنا لا يغدو التاريخ ( الماضي ) وحده سرداً، بل صناعة التاريخ في الحاضر والمستقبل.. أنْ تشيع السلطة/ الغرب مرويتها/ روايتها.. أنْ تستبطن المروية نفسها موجهات السلطة. فالغرب بمنظور إدوارد سعيد عمل على إنتاج الشرق على شكل تركيب لغوي/ نصي، وأحد مقاصده هو تحسس وتعزيز الهوية الذاتية عبر الضد/ النقيض/ الآخر/ المختلف، حتى وإن كان هذا الآخر مختلقاً، متخيلاً.
ومثلما يحكي سعيد عن الناقد جوّالاً وبدوياً متنقلاً فالأمر عينه ينطبق على الروائي. والغرب حين عاش إشكالية البحث عن الهوية أيقظ النزوع نفسه عند الشرقي الذي كان عليه القيام برحلة معاكسة، باجتياز حدوده، بدخول الحاضرة المتروبولية والتماس بثقافتها.. هنا، صارت للشرقي أيضاً مرويته، وتوفر له الشرط والإمكان لكتابة الرواية.
قيل كلام كثير عن موت الرواية إلاّ أن الروايات ما تزال تُكتب، وتجد لها ملايين القراء، فالرواية باستطاعتها بحكم مرونتها وقدرتها على خرق الحدود أنْ تبدّل شكلها، أنْ تغيّر قواعد اللعبة، أنْ تلعب بطريقة مغايرة ( أنْ تغامر في أرض أخرى ) في كل مرة ترتفع فيها الأصوات لتعلن موتها.. إنها مثل العنقاء تستيقظ من رمادها ولكن على نحوٍ جديد في كل مرة ( مرة بطريقة تيار الوعي، ومرة بالأشكال التي سميت بالرواية الفرنسية الجديدة، ومرة بأسلوب الواقعية السحرية، ومرة من منظور ما بعد الكولونيالية. الخ، الخ ). واليوم توضع كلمة رواية على أغلفة كتب تبدو للوهلة الأولى متباينة في تعاطيها مع اللغة وعالم البشر والأشياء وفي أساليبها وأنساقها السردية، أي في قواعدها ومنظوراتها. وفي حوار طريف بين موريس نادو ورولان بارت يقول الأول: " يمكننا أن نقول إن هذا الجنس الأدبي قد تحول وتطور. فلم يعد من الضروري وضع كلمة ( رواية ) على غلاف رواية معينة" فيرد الثاني: "إننا لم نعد نضع كلمة ( رواية ) عندما يتعلق الأمر بالروايات، ولكن بإمكاننا أن نضعها عندما لا يتعلق الأمر بالرواية".
في هذه الحالة، على الروائي أن يلج حقل الكتابة وهو متحرر من أحكام التقويم المسبقة، من سطوة التعاليم المتعالية، من سلطة الممنوعات. هكذا، في مغامرة غير مأمونة العواقب، غير معني بما سيكون رد الفعل، وغير حذر من النتائج.. إنها كتابة تخرج على المعتاد، وتنّكل بالمألوف والمتعارف عليه والحدود، لا في الأشكال والأنساق السردية وحسب، بل وأيضاً في التعاطي مع اللغة، مع مفردات الواقع والتاريخ، وفي الرؤية، ولا سيما في الرؤية. أنْ يرى كل شيء في طزاجته وبراءته وحيويته، وحتى من غير ضمانات تتيح الوقوع على الحقيقة، أو ضمانات أن يخرج أي شيء سالماً منها ( الأفكار، القيم، المعايير، الرؤى، الأشكال، الاتجاهات.. الخ، الخ ). فقط ضمان الوقوف عند تخوم الإمكان، عند أفق الاحتمالات، حيث يغدو المضي بالمغامرة، إلى حدّه الأقصى، هاجساً متطلباً لا خلاص منه. وحيث تصبح الرواية عملاً نقدياً عميقاً، من طراز رفيع.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحلم العراقي
- لماذا علينا نقد المثقف؟
- تكيف الرواية: مقتضيات عصر ما بعد الحداثة
- المثقف بين الممنوع والممتنع
- صنّاع السعادة.. صنّاع التعاسة
- في بلاد حرة: نيبول ورواية ما بعد الكولونيالية
- الجمال في حياتنا
- لعنة حلقة الفقر
- الرواية وعصر المعلوماتية
- قصة قصيرة؛ أولاد المدينة
- السياسة موضوعةً في الرواية
- إنشاء المفاهيم
- من يقرأ الآن؟
- مروية عنوانها: إدوارد سعيد
- ثقافتنا: رهانات مغامرتها الخاصة
- مروية عنوانها: نجيب محفوظ
- إعادة ترتيب: شخصيات مأزومة وعالم قاس
- وعود وحكي جرائد
- رواية-هالة النور- لمحمد العشري: سؤال التجنيس الأدبي
- الطريق إلى نينوى؛ حكاية مغامرات وأعاجيب وسرقات


المزيد.....




- الحكم بسجن الفنان الشعبي سعد الصغير 3 سنوات في قضية مخدرات
- فيلم ’ملفات بيبي’ يشعل الشارع الاسرائيلي والإعلام
- صرخات إنسانية ضد الحرب والعنف.. إبداعات الفنان اللبناني رودي ...
- التراث الأندلسي بين درويش ولوركا.. حوار مع المستعرب والأكادي ...
- الجزيرة 360 تعرض فيلم -عيون غزة- في مهرجان إدفا
- من باريس إلى عمّان .. -النجمات- معرض يحتفي برائدات الفن والم ...
- الإعلان عن النسخة الثالثة من «ملتقى تعبير الأدبي» في دبي
- ندوة خاصة حول جائزة الشيخ حمد للترجمة في معرض الكويت الدولي ...
- حفل ختام النسخة الخامسة عشرة من مهرجان العين للكتاب
- مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” .. ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - مغامرة الكتابة الروائية