|
(2) ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية - ولادته
مصطفى حقي
الحوار المتمدن-العدد: 1816 - 2007 / 2 / 4 - 10:47
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
( لمحة عن الكاتب علي الدشتي وأعماله في مطلع مقالنا. معجزة القرآن) الحوار المتمدن تاريخ 10/12/2006) وما أغضب أشراف مكة أكثر ما أغضبهم هو واقعة أنّ هذه الدعوة للإطاحة بالبنية الاجتماعية التقليدية قد جاءت من رجلٍ أقلّ مكانة منهم . فعلى الرغم من كون محمد قرشياً ، من القبيلة ذاتها ، إلا أنه لم يكن من المنزلة ذاتها ، نظراً لكونه ذاك اليتيم الذي آواه عمّه إلى بيته ورعاه وحدب عليه . وبعد طفولة قضاها في رعي إبل عمّه وإبل جيرانه ، دخل في شبابه في خدمة خديجة بنت خويلد ، وكانت امرأة تاجرة ذات مال ، ليبدأ عندئذٍ وحسب ، بنيل شيء من التقدير . فإذا بمثل هذا الرجل ، الذي لم يكن يُنْظَر إليه إلا بوصفه قُرشياً عادياً مفتقراً لأي ضرب من ضروب التميّز ، يعمد فجأة إلى ادّعاء سلطة أن يعلّم ويقود بحجّة أنّ الله قد بعثه نبياً ومما يُوضحُ موقف الأشراف وعقليتهم قول الوليد بن المغيرة ، وهو سيد مخزوم من قريش في السنوات الأولى من الرسالة المحمدية ومات قبل العام 615 : أيُنزّل على محمّد وأتْرك أنا كبير قريش وسيّدها | ويُترَك أبو مسعود عمرو بن عمير الثقفي سيد ثقيف ، ونحن عظيما القريتين [ أي مكّة والطائف ]، وقد أتى الردّ على هذا التصوّر الفج في الآيتين 30 و31 من سورة الزخرف : وقالوا لو نُزّل هذا القرآن على رجلٍ من القريتين عظيم * أهم يقسمون رحمة ربّك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا . وكان بنو مخزوم قد أصابوا قدراً كبيراً من النجاح والنفوذ في الشؤون المكّية . وكان بنو عبد مناف من قريش قد انشطروا إلى عشائر أصغر بحسب أبناء عبد مناف ؛ ومن بين هؤلاء كان بنو هاشم ، الذين وُلِدَ فيهم محمد ، وبنو عبد شمس الأثرياء وابن هذا الأخير أميّة . وممّا يعبّر عن عقلية العشيرة قول أبي جهل ، الرأس الثاني في بني مخزوم , للخنس بن شريق ، وهو رأس عشيرة أخرى : تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف : أطعَموا فأطعَمنا ، وحملوا فحملنا ، وأعطوا فأعطينا ، حتى إذا تحاذينا على الركب ، وكنّا كفرسي رهان ، قالوا : من نبي يأتيه الوحي من السماء؛ فمتى تُدْرك مثل هذه . تمكّننا مثل هذه الأقوال وسواها من فهم تفكير أشراف قريش وردّة فعلهم حيال دعوة محمد . فما اتخذوه من موقف مناوئ يعود إلى أنهم لا يؤمنون بوجود إله واحد ولا ببعثة إلهية لرجلٍ من قومهم كيما يعلمهم ويهديهم . وقد تمثّلت مناوأتهم ، التي وردت في القرآن مرّت عديدة ( كما في الآية 8 من سورة الأنعام والآية 12 من سورة هود ؛ والآية 8 من سورة الفرقان ) ، في أنه لو كان ثمّة إله يرغب في هدايتهم لما بعث إليهم برجلً من قومهم ، بل ملاكاً يكون له أن يحقق تلك الغاية . أما الردّ ، الذي يَرِدُ في القرآن أيضاً ( الآية 95 من سورة الإسراء ) ،فهو أنه لو كان في الأرض ملائكة ، لكان الله نزّل عليهم ملاكاً رسولاً من السماء مثلهم . وإنه لذو دلالة أنّ أشراف مكّة لم يُبْدوا أي التفات إلى القضية الأساسية . فهم لم يصغوا أبداً إلى دعوة محمد بأي قدر من إرادة التحقق من صدق هذه الدعوة أو تقويم موافقتها للعقل وخير الجماعة . غير أن ما من جماعة ، مهما يكن شرّها أو فسقها ، إلا ويكون فيها ولو قلّة من ذوي التفكير السليم والنيّة الحسنة المهيئين لتقبّل قول الصدق ، كائناً من كان الذي ينطق به . ولابدّ أن نَعُدّ أبا بكر ، من بين الرجال النافذين في المجتمع المكّي ، أول من صدّق دعوة محمد . وقد اقتدى به بعض القرشيين من ذوي المكانة ، مثل عبد الرحمن بن عوف ، وعثمان بن عفّان ، والزبير بن العوّام ، وطلحة بن عبيد الله ، وسعد بن أبي وقاص , فاعتنقوا الإسلام . ولا يخلو أي مجتمع أيضاً من جماعةٍ لانصيب لها في سعود الجماعة الغنية تشكّل الطبقة الفقيرة والساخطة . ولقد ناصر محمداً وانضمّ إليه في مكّة أفرادٌ من كلتا الجماعتين دفاعاً عنه وعن أفكاره . وفي وضعٍ كوضع مكّة ، كان لابدّ أن ينشب الصراع بين الفريقين . فالأثرياء ، الذين تقف في صفهم غالبية القوم ، كانوا يفاخرون بثرواتهم وأموالهم . أما الأقلية التي وقفت في صف محمد فكانت مقتنعة بعدالة قضيتها ، ولكي تنشر هذه القضية وتذيعها ، فقد نَسَبَتْ لقائدها مقدراتٍ وفضائل خاصة . وإذا ما كان مثل هذا الميل قد حافظ على حدود معقولة في حياة محمّد ، إلا أنه راح يتعاظم باطّراد وتتزايد قوّته بعد وفاته . فسرعان ما عمدت المخيّلة الشعبية إلى نزع الصفات الإنسانية عن محمد لتسبغ عليه صفات ابن الله ، وعلّة الخلق ، ومسيّر الكون . ولكي نبيّن كيف ظهرت معظم هذه التهويمات وانتشرت ، فإننا سنتناول واحداً من الأمثلة المهمّة ، والدليل في هذه الحالة واضح لا جدال فيه ، ذلك أن القرآن بالنسبة للمسلمين هو البرهان القاطع . فالآية1 من سورة الإسراء ، وهي واحدة من السور المكية ، كانت مصدر الإيمان بأن النبي قد أسرى ليلاً إلى السماء . بيد أن ما تقوله الآية بسيط ويعنو للتفسير العقلاني : سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا أنه هو السميع البصير. فلا شك أن هذا القول يمكن أن يفسّر على أنه يشير إلى ضربٍ من الإسراء الروحي أو الرحلة الروحية . خاصة أنّ هنالك أمثلة معروفة على رحلات روحية قام بها مفكرون من أصحاب الرؤى . أمّا في العقل المسلم فقد غُشِّيَت هذه الآية بأساطير عجيبة لا يقبلها العقل . ويكفي هنا أن نورد تلك الرواية المعتدلة نسبياً التي يقدمها تفسير الجلالين ، وهو وحدٌ من أكثر التفاسير القرآنية جدارة بالثقة والاعتماد لأن العلاّمتين المصريين جلال الدين المحلّي ، الذي بدأه ، وجلال الدين السيوطي ( 848/1445- 910/ 1505)، الذي أتمه ، كانا أبعد ما يكون عن التحيّز الطائفي ، وكان شاغلهما الوحيد هو تفسير معاني الآيات وفي بعض الأحيان تبيان أسباب النزول . ومع هذا ، فإنهما يضعان على لسان محمد ، في تفسيرهما الآية 1 من سورة الإسراء ، أقوالاً لاأساس لها . فهل كان قصدهما تفسير معنى هذه الآية وبيان أسباب نزولها ، أم تلخيص الحكايات الدائرة بشأنها بين المسلمين ؟ وهما في الحالين لا يقدمان أي دليل على أنّ النبي قد نطق يوماً بمثل هذه الأشياء . ومن المعلوم أنّ من جمعوا الأحاديث النبوية وصنّفوها قد بذلوا غاية الجهد في تفحّص ما تمّ من تناقل الأقوال المنسوبة إلى النبي ، دون أن يثبت ذلك بالضرورة عِوَل النَّـقـَلـََة أو جدارتهم بالتصديق . لكن المحلّي والسيوطي لا يذكران أي مصدر على الإطلاق . ولعلّ في ذلك إشارة إلى أنهما لا يصدقان القصّة التي يرويانها . وبحسب هذه القصة ، فإنّ النبي قد قال : - أُتيت بالبراق وهو دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه فركبته فسار بي حتى أتيت بيت المقدس ، فربطت الدابة بالحلقة التي تربط فيها الأنبياء ، ثم دخلت فصليت فيه ركعتين ، ثم خرجت فجاءني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن، قال جبريل : أصبت الفطرة ، ثم عرّج بي إلى السماء الدنيا ، فاستفتح جبريل ، قيل : من أنت ، قال : جبريل ، ٌ]لأ : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : أوقد اُرسل إليه ؟ قال : قد اُرسل إليه ، فَفُتِحَ لنا فإذا بآدم فرحّب بي ودعا لي بالخير [ على هذا الغرار يعرّج محمد على سموات ست وفي كل منها يحييه نبي ويدعو له بالخير] .ثم عرّج بنا إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل فقيل : من أنت فقال : جبريل قيل ومن معك فقال: محمد ، قيل : أوقد بُعث إليه فقال : قد بُعِث إليه ، فّفُتَحَ لنا فإذا أنا بإبراهيم فإذا هو مستند إلى البيت المعمور وإذا يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه ، ثم ذهب إلى سدرة المنتهى ( شجرة الزيزفون) فإذا أوراقها كآذان الفيلة ........ فإوحى الله إلي ما أوحى وفرض عليّ في كل يوم وليلة خمسين صلاة فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فقال: ما فرض ربّك على أمتك قلتُ : خمسين صلاة في كل يوم وليلة ، قال : أرجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك وإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم ، فرجعت إلى ربي فقلت : أيْ ربِّ خفّف عن أمتي فحطّ عني خمساً فرجعت إلى موسى قال: ما فعلت فقلت: قد حطّ عني خمساً قال : إنّ أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك قال : فلم أزل أرجع بين ربّي وبين موسى فيحطّ علي خمساً خمساً حتى قال: يا محمد هي خمس صلوات قي كل يوم وليلة ... بيد أن هذا الكلام عن إسراء النبي ليلاً في تفسير الجلالين ليس شيئاً بالمقارنة مع مبالغات تفسير الطبري وكتابات أبي بكر عتيق النيسابوري . وعموماً ، فإنّ التصوير الإسلامي للإسراء يحوّله إلى حكاية خرافية أشبه بمغامرات البطل الفولكلوري أمير أرسلان . بل إنّ محمد حسين هيكل نفسه ، الكاتب المعاصر ، والعقلاني عموماً ، لسيرة النبي ، حينَ ينكر أنّ الإسراء كان صعوداً بالجسد إلى السماء، فإنه يقدّم الرواية الأسطورية بصورة مُعّدّلة مستمدّة من كتاب لإميل دِرْمَنْغم ( مؤلف كتاب حياة محمد – باريس 1929- وكتاب محمد وتراث الإسلام – باريس 1955) (من كتاب : 23 عاما دراسة في الممارسة النبوية المحمدية ) ( الكاتــب: علي الدشتي ترجمة ثائر ديب إصدار رابطة العقلايين العرب)
#مصطفى_حقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(1) ثلاثة وعشون عاماً في الممارسة النبوية - ولادته
-
الفاضلةgrce lady.....
-
العودة إلى الحنبلية وآراء بن تيمية في اتهام الشاب عبد الكريم
...
-
طريق الموت يحصد هذه المرة 26 قتيلاً و5جرحى...؟!
-
(4) ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية . الخلاصة
-
(3) ثلاثة وعشرون عاماًفي الممارسة النبوية. الخلاصة
-
هل الإسلام موجود في العراق ...؟
-
(2) ثلاثة وعسرون عاماً في الممارسة النبوية . الخلاصة
-
(1) ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية. الخلاصة
-
(3) السعي خلف الغنائم .....؟
-
اغتيال الصحفي التركي الأرمني هرانت دينك جريمة إرهابية ..؟
-
(2) السعي خلف الغنائم ....؟
-
ياقضاة مصر .. عبد الكريم سليمان(كريم عامر) شابٌ حرٌ متحمسٌ أ
...
-
(1) السعي خلف الغنائم ...؟
-
جنٌّ مسلمون يغتصبون منزلاً ويحرقونه من بالوعة ....؟
-
(4).... مابعد النبوّة ...الخلافة
-
(3).. ما بعد النبوّة .. الخلافة.
-
(2 )...ما بعد النبوّة ... الخلافة ..
-
(1) ما بعد النبوّة...الخلافة ..؟
-
تحية للدكتورة وفاء سلطان على منبر الحوار المتمدن ...
المزيد.....
-
وسط جدل أنه -استسلام-.. عمدة بلدية كريات شمونة يكشف لـCNN ما
...
-
-معاريف- تهاجم نتنياهو وتصفه بالبارع في -خلق الأوهام-
-
الخارجية الإيرانية ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان
-
بعد طردها دبلوماسيا في السفارة البريطانية.. موسكو تحذر لندن
...
-
مراسلنا: مقتل 8 فلسطينيين بينهم أطفال في قصف إسرائيلي استهدف
...
-
مع تفعيل -وقف إطلاق النار.. -الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا عا
...
-
هواوي تزيح الستار عن هاتفها المتطور القابل للطي
-
-الإندبندنت-: سجون بريطانيا تكتظ بالسجناء والقوارض والبق وال
...
-
ترامب يوقع مذكرة تفاهم مع البيت الأبيض لبدء عملية انتقال الس
...
-
بعد سريان الهدنة.. الجيش الإسرائيلي يحذر نازحين من العودة إل
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|