أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عصام مخول - أداء الحزب الشيوعي ومواقفه في المسألة القومية عصيّة على التشويه! - الجزء الثاني والاخير















المزيد.....


أداء الحزب الشيوعي ومواقفه في المسألة القومية عصيّة على التشويه! - الجزء الثاني والاخير


عصام مخول

الحوار المتمدن-العدد: 1815 - 2007 / 2 / 3 - 11:35
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


ألقديم والأنتيك والطابق العاشر!
قد يجد المرء نفسه يتنقّل من خطوة متعثرة واحدة، الى خطوة اكثر تعثرا، اذا كان الموقف الذي يعتمده، لا يستند الى منطق متماسك، وما دامت فوضى المعلومات والمعارف المبتورة، والاقتباسات المضطربة في غير سياقها، هي البديل عن الموقف وعن السياسة وعن الفكر الحقيقي.
ان من يعترض وبشكل متبرّم على حق الحزب الشيوعي وامينه العام بالقول: "ان الاسس التي قامت عليها تحليلات المؤتمر الثامن عشر للحزب، والبرنامج الذي اقره المؤتمر لمساواة الجماهير العربية في الحقوق القومية والمدنية، كانت صحيحة ولا زالت صحيحة.. وان اية قوة سياسية (على الساحة الاسرائيلية)، لم تنجح في تجاوز هذه التحليلات وأسس هذا البرنامج او ان تقدم ما هو ارقى منه.." (انتهى الاقتباس).
يجعل من حقنا على تبرمه واعتراضه، ان يسوق لنا ولو مثلا واحدا، عن قوة سياسية على الساحة الاسرائيلية، استطاعت ان تطرح اسسا تتجاوز الاسس التي وضعها الحزب الشيوعي في مؤتمره الثامن عشر، او ان يحدد بنودا في برنامج الحزب لمساواة الجماهير العربية، كانت صحيحة، ولم تعد صحيحة اليوم بعد ان استنفدت ذاتها وتجاوزها الزمن، عندها كنا سنفهم هذا التبرّم وسنحترم هذا الاعتراض.
اما ان يعيب علينا تمسكنا بصحة الاسس التي قامت عليها تحليلاتنا، وبُني عليها برنامج المساواة الذي طرحناه، فقط بحجة ان ثلاثين عاما قد مضت على هذا التحليل وهذا البرنامج الذي ندعي صحته، فهذا كثير، خصوصا حين يلجأ هذا المعترض المتبرّم، لاثبات صحة ادعائه، وتثبيت التهمة ضد الحزب وأمينه العام، (التأكيد على صحة الموقف برغم مرور ثلاثين عاما) الى نصوص اقتبسها من الإمام علي بن ابي طالب، قيلت قبل الف واربعمئة عام (علّموا اولادكم بغير علمكم، فقد ولدوا لزمان غير زمانكم" او: "معروف زماننا منكر زمان قد مضى، ومنكره معروف زمان قد يأتي". او يقتبس مقولات لماركس ثم زجها في المقالة بشكل غير ماركسي وفي سياق مختلف تماما عمرها قرن ونصف القرن.
والحقيقة ان المنطق العلمي، الماركسي اللينيني، يدحض بحدة، محاولة الخلط المتعثر بين القديم وبين الانتيك، ويتهكم على التعامل مع القديم الصحيح، على انه انتيك، غير صالح للاستعمال.. وكان عالم الاجتماع الاسباني "فيسينتي نافارو" وهو احد ابرز علماء الاجتماع الماركسيين، والذي شغل في سنوات السبعين منصب المستشار الاقتصادي للرئيس التشيلي الاشتراكي المغدور (في انقلاب بينوشيت) سلفادور اييندي، قد عبر عن ذلك بشكل جميل قائلا: "هناك ضرورة الى العودة الى مقولات ومفاهيم، كانت فئات واسعة في اليسار، قد تسرعت امام العواصف، في التخلي عنها، مثل: "البنية الطبقية"، و"السلطة الطبقية" و "الصراع الطبقي"، والعودة الى الدور العميق الذي تلعبه هذه المفاهيم لفهم الدولة وتحليلها. واضاف:
"ان هذه المقولات العلمية، لا تزال تحمل اهمية حاسمة ومقررة، لا يمكن من دونها فهم ما يجري في اية دولة واي مجتمع".
ويضيف نافارو: "ان المفهوم العلمي، يمكن ان يكون قديما من دون ان يصبح "انتيك" غير صالح للاستعمال. فـ "القديم" و"الانتيك" هما مصطلحان مختلفان". ويسوق مثلا بارعا علّ "المجدِّدون" عنوة في اليسار يستوعبون، يقول: "ان قانون الجاذبية هو قانون قديم جدا، لكنه قانون صحيح، بغض النظر عن قدمه. وما على اولئك الذين يشككون بصحة قانون الجاذبية (بسبب قدمه) الا ان "يتسلقوا" الى الطابق العاشر ويقفزوا منه، عندها لا بد ان تتأكد صحة قانون الجاذبية". ويضيف نافارو: "ان هناك خطرا حقيقيا، في ان بعض شرائح اليسار قد تضطر الى ان تدفع ثمنا سياسيا وفكريا، ليس اقل "انتحارية" من القفز من الطابق العاشر، بفعل تنكرها لمفاهيم قديمة، ليست اقل علمية من قانون الجاذبية، مثل "الطبقة" و "الصراع الطبقي" بحجة انها باتت مفاهيم قديمة". (Vienti Navaro: Monthlyreview sept. 2006 The worldwide class struggle)






* أولوية الرؤية الطبقية!يولي حزبنا اهتماما كبيرا للكشف عن البعد الطبقي في الممارسات السياسية والاجتماعية، والتي تعمل قوى طبقية على اخفاء طابعها الحقيقي. وفي هذا الصراع، يجري تستير الطبقات المسيطرة على الطابع الطبقي لممارساتها، من جهة، وتصويرها، حاجة موضوعية، او خيارا وحيدا، بينما يتمحور دور القوى المعنية باحداث التغيير الثوري العميق، بفضح هذا الطابع وطرح بدائل طبقية، تتجاوب مع مصالح الطبقة الاوسع والاكثر عرضة للظلم والاستغلال، طبقة العاملين، وشرائح المسحوقين.
ان السؤال الحقيقي عندما نتحدث عن الدولة، هو ليس حول خيار طبقي، وخيار غير طبقي، وانما السؤال – أي خيار طبقي تختار؟! ديكتاتورية رأس المال الكبير والليبرالية الجديدة، او خيار الطبقة العاملة ومصالح الاكثرية المنتجة في المجتمع، واذا كان نفس الرأسماليين يحيي الرأسماليين ومصالحهم، الذين ينسقون في "دافوس" مثلا، على نسق نفس الرجال يحيي الرجال فان نفس النضال الطبقي يحيي النضال الطبقي وينعشه، ويتطلب تضامنا عماليا في وجه هجمة الليبرالية الجديدة. واذا كان تحرك رأس المال المعولم نحو ارباحه لا ينحصر بالحدود القومية، فان التضامن العمالي وتضامن ضحايا ديكتاتورية رأس المال يصبح بالضرورة غير قابل للانحسار الى داخل الحدود القومية والاثنية والدينية والانتماءات الطبقية، بل يحتاج الى آفاق الاممية الواسعة.
ان الفكر الذي تجهد الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني والنخب المسيطرة على اعادة انتاجه في اسرائيل مثلا وفي العالم، يحاول ان يخرج مسائل مثل حقوق الانسان، وحقوق المواطن، وحقوق الاقلية القومية، والمسائل البيئية، وحقوق المرأة، وحقوق الطفل، والمنتديات الاجتماعية، والحركة المناهضة للحرب، خارج دائرة الصراع الطبقي. وهو يبقى بذلك فكرا مبتورا ومجزوءا، يتعامل مع قطع "البازل" puzzle ، كل واحدة على حدة، لكنه عاجز عن تركيب الصورة الحقيقية الكاملة، للمجتمع، وعاجز عن رؤية الصورة الكاملة، وعاجز عن انتاج الادوات الطبقية التي ترتقي الى مستوى المواجهة المطلوبة في ظل الرأسمالية المتأخرة، التي تشكل نظاما تميزه التناقضات العميقة والبنيوية، وغياب العدل، والعدوانية والحرب، وتدمير البيئة العالمية، وسحق انجازات العاملين، ونظام عالمي تقف في مركزه الامبريالية الامريكية، بكل ما اوتيت من عدوانية.
* ألمؤسسة الايديولوجية ومواصلة التستير على الجوهر الطبقي للصراع الدائر!
إن الحزب الشيوعي الاسرائيلي كان قد حدد في "وثيقته الاستراتيجية" التي اقرها مجلس الحزب القطري مؤخرا "انه في اوائل القرن الحادي والعشرين، تلائم الرأسمالية نفسها وتتأقلم مع التغييرات التكنولوجية والعلمية، وتعيد تنظيم نفسها من جديد، وتنجح الرأسمالية الى حد كبير في اخفاء جوهرها الطبقي، واخفاء حقيقتها كنظام يقوم على الاستغلال والتمييز والفقر الذي تعاني منه شرائح واسعة".
ان الاصرار على تحديد الطابع الطبقي للصراع، في هذه القضايا، لا يأتي من باب تسجيل موقف صحيح اضافي. وانما من باب فضح الطابع الطبقي الذي يحاولون التستر عليه، وتحديد هدف المواجهة، وآفاق التقدم في المعركة على احداث التغيير.
ونحن نرى مسؤوليتنا تتطلب منا ان نفسر ان الرأسمالية حتى بعد ان يجري ترميمها والتستير على جوهرها، فانها تبقى رأسمالية.. وهي بترميم نفسها تعمل على تعميق الاستغلال، وتركيز الثروة في ايدي القلة، وانتشار الفقر بين اوساط الاكثرية. وعندما يجري الحديث عن الرأسمالية "الخنازيرية"، يجب التأكيد ان الرأسمالية في جوهرها، هي الاب الشرعي "للخنازيرية الاجتماعية" وقوامها فائض في رأس المال من جهة، وفائض في قوة العمل والعاملين من الجهة الاخرى.
ان رأسمالية اتحادات كبريات الشركات العالمية التي تمثل ديكتاتورية رأس المال الكبير، ترى بالدمقراطية وحقوق الانسان والمساواة والعدالة الاجتماعية عائقا امام ارباحها واهدافها وتحقيق مصالحها. فالحكومات تقلص بشكل متواصل، حقوق المواطن، وحقوق العاملين والعاطلين عن العمل في تبعية فاضحة لرأس المال الكبير.
ان المعركة في عصرنا دفاعا عن حقوق الانسان وعن حقوق العاملين والحق في التنظيم، مثل المعركة على الدمقراطية العميقة، ونضال الحركة البيئية، والحركة المناهضة للحرب، وحقوق الاقليات، وتحرر الشعوب، هي معارك تصطدم موضوعيا وبنيويا مع ديكتاتورية الرأسمالية الامبريالية المنفلتة، وقاعدتها الليبرالية الجديدة، ولذلك توظف جهود هائلة من قبل الطبقة السائدة في سبيل تغييب اية فرصة للوعي، بأن هذا الصراع، هو في جوهره صراع في مواجهة الرأسمالية، وان حل هذه القضايا لا يتم في اطار الرأسمالية بل في تجاوزها الى البديل الاشتراكي.
ونحن عندما ننظر بمنظار طبقي الى عالمنا، والى الممارسات السياسية، فاننا نشير الى العلاقة البنيوية بين الليبرالية الجديدة، وبين الحرب والعدوان، والعنصرية، فالحروب الامبريالية، وفي صلبها ما يسمونه "حرب الدمقراطية على الارهاب"، وما نطلق عليه نحن "الحرب الارهابية على الدمقراطية وعلى حريات الشعوب"، بحاجة الى الليبرالية الجديدة لتمريرها وتبريرها، بينما يحتاج تمرير الليبرالية الجديدة والتستير على اهدافها وحقيقتها الى الحروب والعنصرية وكراهية الآخر.
وعندما يقوم الاحتلال الاسرائيلي بتجويع العاملين الفلسطينيين، فانه لا يقوم بذلك من اجل تحسين مستوى حياة العاملين الاسرائيليين، وانما من اجل تسهيل تمرير الضربات الاقتصادية، والمس بالمخصصات الاجتماعية، ومستوى حياة العاملين في اسرائيل حتى تجويعهم ايضا. وعندما تقوم الولايات المتحدة وقوات احتلالها بتمزيق الشعب العراقي ووطنه، فانها لا تقوم بذلك من اجل نغنغة العامل الامريكي وحقوق الانسان والمواطن الامريكي، بل انها تشكل الركيزة لضرب الدمقراطية وحقوق الانسان ومستوى معيشة المواطن العادي الامريكي نفسه.
ان توجهنا في تحليلنا طبقي واممي، فنحن نقسم العالم بشكل آخر، بالنسبة لنا التقسيمة المقررة ليست بين اليهود والعرب، وانما بين اولئك الذين لهم مصلحة في النظام الطبقي القائم، وبين اولئك الذين لهم مصلحة في تغيير النظام الطبقي القائم واستبداله، كذلك نطرح سياسة يهودية – عربية بدلا عن سياسة لليهود واخرى للعرب.
وعلينا ان نشير عند هذا الحد، ان الرأسمالية المتطورة، تعيد انتاج المدارس الفكرية، في مؤسساتها الايديولوجية، وجامعاتها، ومراكز ابحاثها وجمعياتها، في محاولة للتستير على الطابع الطبقي، وما "سوسيولوجيا الاقليات"، و "التعددية الثقافية" و "الدمقراطية التوافقية"، وغيرها من الترويج للانتقال من الافق المفتوح للتحليل الطبقي الفاضح، الى السقف المحدود، القومي او الاثني، او الطائفي المغلق الا جزء من دعوتنا الى التعامل مع قطع البازل، من دون ان يكون بمقدورنا ان نرى الصورة التي يمكن ان نركبها منه كاملة.





* ألمؤسسة الرسمية وسهولة الوقوع في شرَكها الفكري والسياسي!
لا شك ان هناك مكانا في سياق معين الى اعتبار عدوان حزيران 1967 على الشعوب العربية، حدثا فارقا ومؤثرا في حياة شعوب المنطقة ، ومنها موقع الجماهير العربية في اسرائيل. ومعروف ان هناك دراسات عديدة، اجتماعية وسياسية انطلقت من التحولات التي ارتبطت بنتائج هذا العدوان، واحتلال اسرائيل للاراضي الفلسطينية (الضفة كانت جزءا من المملكة الاردنية) والسورية والمصرية، وما تلا ذلك من تواصل واتصال، وانعكاس اقتصادي. اما ان يكون ذلك مبررا للادعاء بان المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي قد انعقد في ظل هزيمة حزيران 1967 او في ظل "معركة الكرامة تحديدا 1968"، ومن ثم يبدأ تحليل المؤتمر اعتمادا على هذه المعطيات وتبدأ فوضى الاقتباسات من سموحة ومن ماخلس يعيدنا ثانية الى منطق "اما الدودة".. فكيف يمكن ان نحلل المؤتمر الـ 18 على اساس هذين الحدثين وفي ظلهما بينما كان قد انعقد المؤتمر السادس عشر في العام 1969، في ظل عدوان حزيران، وانعقد المؤتمر السابع عشر للحزب في العام 1972، خمس سنوات بعد هذا العدوان. فتأتي "في ظل" هذه، كما لو كنا نقول ان المؤتمر الثامن عشر قد عقد في ظل الحرب العالمية الثانية مثلا؟
لكن الاخطر في هذا السياق ليست هذه المغالطات التي لا مبرر لها، بل اعتبار ان التحولات الكفاحية لدى الجماهير العربية وتطور استراتيجيتها السياسية، ليست مرتبطة بالتفاعل بين دور الحزب الشيوعي القيادي، وبين جاهزية الجماهير الكفاحية التي رعاها وراكمها هذا الحزب في طريق النضال الشجاع والمسؤول، بل مرتبطة بان: "هذه الحرب انعكست على المؤسسة الاسرائيلية، فازدادت ثقتها بنفسها وفسحت حيزا اكبر في الهامش الدمقراطي للعرب، وخفّفت من قيود الحكم العسكري غير المباشر، بعد الغائه في الـ66، مما اتاح للجماهير العربية ان تؤكد حقوقها اكثر واعمق" (انتهى الاقتباس).
ان هذا التحليل المؤسساتي مرفوض وخطير، وظالم للجماهير العربية التي لم تحظ من المؤسسة الاسرائيلية الحاكمة على مدار سنوات وجود الدولة مرورا بالعام 1979 وحتى اليوم، على أي هامش دمقراطي الا ودفعت ثمنه بالعملة الكفاحية وبالعرق والجوع وظلام السجن والدم، وانتزعته بالنضال المشترك مع القوى الدمقراطية اليهودية، التي دعمت نضالها دفاعا عن الدمقراطية وعن انسانيتها هي.
ان هذا التحليل المرفوض، يفترض ان الجماهير العربية ما "خرجت لتؤكد حقوقها". الا بعد ان وسّعت المؤسسة الاسرائيلية الحاكمة صدرها، حين استعادت ثقتها بنفسها، بعد انتصارها في عدوان 1967.
ان هذا الكلام مسيء للجماهير العربية، التي خاضت اشرس المعارك والنضالات، في وجه هذه المؤسسة، ابان الحكم العسكري، وضد الحكم العسكري، وبنت الاصطفافات والجبهات برغم الحكم العسكري، واصطدمت جسديا مع وحشية هذه المؤسسة في ايار 1958 في مظاهرات العاشور في الناصرة، ومعركة الاحتجاج على اقامة كرميئيل على حساب قرى الشاغور وغيرها الكثير، في الجامعات، وفي المواجهة على سياسة هدم البيوت، واضطرت الى المواجهة في الصدام الدموي الذي فرضته المؤسسة الحاكمة بعد انتهاء الحكم العسكري وبعد ان "وسعت هذه المؤسسة صدرها، وبعد ان استعادت ثقتها بنفسها". في حين "لم يتسع صدرها الواسع" لممارسة حق الجماهير العربية الاساسي بالاضراب، وخرجت تشهر الحديد والنار والموت على الجماهير العربية في يوم الارض الخالد.
ان هذا الوهم والايهام، بان مشكلة اسرائيل في التعامل مع الجماهير العربية نابعة عن عدم ثقة المؤسسة الاسرائيلية بنفسها، دخيل على فكرنا وسياستنا وثقافتنا، ويحسن الابتعاد عنه. فالتضييق على الحيز الدمقراطي في وجه الجماهير العربية في اسرائيل تفاقم وتصاعد، كلما ازدادت قوة اسرائيل العسكرية والاقتصادية والسياسية، وكلما اتسعت احتلالاتها، وكلما ازداد الدعم الامريكي لبرامجها العدوانية. في اطار هدف استراتيجي لعزل الجماهير العربية، ونزع شرعيتها ووضعها في صدام دائم ليس مع سياسة الحكومة الظالمة للعاملين العرب واليهود، وانما في صدام مباشر مع العاملين اليهود. ان العقد الاخير لم يتميز بتوسيع الهامش الدمقراطي، بل تميز في تضييق حدود الدمقراطية، وانفلات عناصر اليمين الفاشي والترانسفير والتحريض العنصري وما تحمله من خطر على الدمقراطية في اسرائيل، وتضاعفت القوانين العنصرية الموجهة مباشرة ودون ان ترتجف "الدمقراطية الاسرائيلية" او يرف "لصدرها الواسع" جفن.





* ألمنطق المضغوط! والصياغات الملتبسة! ونفس يعقوب!إن القول بان "انتصار جبهة الناصرة، هو ليس امرا مؤثرا في تاريخ الجماهير العربية وحسب، وانما داخل الحزب الشيوعي ايضا"، لا يختلف كثيرا عن القول بان انتصار جبهة الناصرة هو امر مؤثر داخل جبهة الناصرة. فالحزب الشيوعي هو الذي اقام جبهة الناصرة، جبهة معه، وشكل قلبها النابض، وهو بهذا المعنى متأثر بهذا الانتصار، كما يتأثر المنتصر بانتصاره ويعمل على تعزيزه. وهذا امر طبيعي. اما ان يكون ذلك مقدمة للقول: "فالحزب (الشيوعي) طوال سنوات الخمسينيات والستينيات عاش في حالة صراع داخلي خفي تفجر وأدى الى الانقسام 1965". فان هذا القول، اما ان يكون خلطا للحقائق والتاريخ واما اغتصابا للمنطق، اما ان يكون المقصود منه ان هذا "التفجر والانقسام عام 1965" قد اثر على الانتصار عام 1975، وساعد على حدوثه بعكس صيغة الادعاء (فليس من الوارد ان يؤثر الانتصار عام 1975 على الانقسام عام 1965)، وإما ان يكون المقصود بهذا المنطق المقلوب والمضغوط عنوة، القول بان هذا "الصراع الداخلي الخفي.. الذي ادى الى الانقسام عام 1965، كان لا زال قائما في العام 1975، وساعد انتصار جبهة الناصرة على حسمه". وعندها سيكون هذا القول افتراء مرفوضا، وجهلا مطبقا، بالحزب الشيوعي وتاريخه، ودسا خطيرا بحق الحزب وقيادته.
ان مواصلة هذا الكلام بالقول: "ولا شك ان جبهة الناصرة، الى جانب كل الشيوعيين الحقيقيين (هل كان الحزب الشيوعي يتشكل من شيوعيين حقيقيين وشيوعيين غير حقيقيين بعد انتصار جبهة الناصرة؟ ع.م) العرب واليهود، امثال ماير فلنر وولف ايرلخ وروت لوبيتش وعوزي بورشتاين وغيرهم، قد اكدت على الحقوق القومية للعرب الفلسطينيين اكثر منها في مرحلة الصهيونيين ميكونس وسنيه".
ان هذا اللف والدوران الملتبس حول قضية ميكونيس وسنيه، بمقدوره ان يسلم رأس صاحبه. ان الحزب الشيوعي – لا يعيبه، انه خاض معركة باهظة الثمن في العام 1965 من اجل التخلص من المنحرفين عن خطه الفكري والسياسي، وبالاساس عن موقفه وبنيته ونهجه الاممي اليهودي – العربي، وعن التزامه الطبقي، وتنظيمه الثوري.. ان التزام حزبنا الشيوعي بالتصدي لأي انحراف قومي، كان صلبا عنيدا في العام 1965، واصبح اشد صلابة وعنادا بعد الانقسام. لم يقبل حزبنا باولئك الذين نادوا بالتخلص من النهج الاممي اليهودي العربي، بحجة تسهيل عمل الحزب بين الجمهور اليهودي في العام 1965، ولا يقبل باولئك الذين ينادون بالتخلص من النهج الاممي اليهودي العربي، بحجة تسهيل عمل الحزب وزيادة اصواتنا بين العرب، بعد العام 1965.
ان الحقيقة المشرفة التي يعتز بها الحزب الشيوعي وتعتز بها جبهة الناصرة واهل الناصرة، ان موقف جبهة الناصرة منذ بادر الحزب الشيوعي الى اقامتها، كان من موقف الحزب الشيوعي، وان انجازاتها شكلت دائما كنزا استراتيجيا، لا يفرّط الحزب الشيوعي به، محليا وقطريا.
لقد كانت انجازات الحزب في اواسط السبعينيات وفي صلبها انتصار الناصرة، ويوم الارض، والمؤتمر الثامن عشر مبنية على موقف موحد للشيوعيين اليهود والعرب، يؤكدون جميعا من دون انتقاء و من دون استثناء على "الحقوق القومية (والمدنية) للعرب الفلسطينيين، اكثر منها في مرحلة الصهيونيين ميكونيس وسنيه".
ولكن ما العمل اذا كان المنطق الملتبس لا يفارقنا، فيما يخص "مرحلة الصهيونيين، ميكونيس وسنيه".
ان من يقول لاحقا "فالحزب الشيوعي اكد منذ سنة 1948 ضرورة الاعتراف بالجماهير العربية كأقلية قومية، ومساواتها القومية والمدنية في جميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ("الاتحاد" 2/11/1948) وقد اكد المؤتمر الثاني عشر المنعقد سنة 1952 على المساواة القومية في كل مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقومية، وهذا الموقف تواتر في مؤتمرات الحزب المختلفة ما قبل يوم الارض، ومن الجدير تأكيده ان شعار "المساواة القومية" يختلف عن شعار "الحقوق القومية"... فتعني المساواة القومية بين شعبين لا فضل لاحدهما على الآخر في أي مجال. "وتجدر الاشارة هنا الى ان الحزب الشيوعي قد اكد في الخمسينيات على حق تقرير المصير حق الانفصال للشعب العربي الفلسطيني بما في ذلك القسم الكائن في اسرائيل". (المؤتمر الـ 13 1957).. (انتهى الاقتباس).
ان من يقرر التغني بعمق موقف الحزب الشيوعي من "الحقوق القومية للعرب الفلسطينيين" (معتمدا بالاساس على مرحلة الصهيونيين ميكونيس وسنيه في الخمسينيات والستينيات)، قد يكون التبس عليه الامر عندما كتب "ولا شك ان جبهة الناصرة الى جانب كل الشيوعيين الحقيقيين العرب واليهود... قد اكدت على الحقوق القومية للعرب الفلسطينيين اكثر منها في مرحلة الصهيونيين ميكونيس وسنيه"، ام ان ذلك جاء لخلق الالتباس، لامر في نفس يعقوب؟!





* لبنان – مثل الدمقراطية التوافقية الذي يُمتثل وأحد مصادر وحيها!
من المثير للضحك القول: "يتطرق الرفيقان مخول وزعاترة الى مسألة "الدمقراطية التوافقية" التي يعالجها فلاسفة كبار منذ عشرات السنين" و "يبين الرفيق مخول رفضه لها بحجة النظر الى الوضع في لبنان!! "الرفيق مخول ذكر المثل الذي لا يمتثل في "الدمقراطية التوافقية" فلماذا اورد الرفيق مخول لبنان نموذجا، ولم يورد سويسرا او بلجيكا.. الخ".
ان هذا القول، يثير اول ما يثير بسمة عريضة، وخصوصا عندما يتوقف القارئ عند زج "مناقشة فلاسفة كبار منذ عشرات السنين"، في الموضوع، وكأن كبر الفيلسوف، هو دليل على صحة موقفه.. ان اللجوء الى "الفلاسفة الكبار" في هذا السياق هو اشبه باعادة انتاج عقلية آخذة بالانقراض في مجتمعنا، كان مصدر شرعية الموقف فيها كونه "مكتوب في الجريدة".. او "الراديو حكى" وما الى ذلك.
ان الفيلسوف الهولندي الكبير "ليبهارت" يعتبر الاب الشرعي لنظرية الدمقراطية التوافقية، وقد توصل اليها من خلال ابحاث حول نماذج سياسية مختلفة، تمت ممارستها في اماكن مختلفة في العالم، بنى على اساس عوامل نجاح وفشل هذه النماذج، نظريته. درس التجربة البلجيكية القريبة اليه، ودرس النموذج القبرصي، وخصوصا قبرص بين الاعوام 1960 – 1963 ابان حكم المطران مكاريوس، والتي انتهت الى اعلان نظام الطوارئ، ودرس نماذج مختلفة في سويسرا وغيرها، ولكنه تركز بشكل واسع حول النموذج اللبناني، قبل الطائف، وكان هذا النموذج مصدر وحي هام له في بناء نظريته. فهل يحق "لفيلسوف كبير" من لدنّا – ان يدعي ان لبنان "مثل لا يُمتثل"، فقط لانه مثل فاضح لقصورات هذه النظرية!! وان مثلنا هو سويسرا مثلا؟.
ان الحقيقة، ان الدمقراطية التي تحاول الامبريالية الامريكية تصديرها الى العراق الممزق، والى الشرق الاوسط الكبير والجديد، هي في نهاية المطاف، دمقراطية توافقية، تمزق الدول والشعوب، وتفككها على اسس اثنية ومذهبية وطائفية.
ان هناك امكانية لتطويع "الدمقراطية التوافقية" على الورق لتصبح جوابا نظريا على قصور الدمقراطية الاسرائيلية، ولكن هذه النظرية "التي صاغها فلاسفة كبار"، لا تدعي انها قادرة على حل مشكلة الفوارق القائمة، والشرخ والتمزق العميق، بل تطمح في احسن الاحوال الى ادارة الازمة فقط في ظل الحفاظ على الشرخ القائم وليس التغلب عليه. واعادة انتاج نظام محاصصة معين ترضى عنه النخب. انها بهذا المعنى تعبير عن المشكلة وليس عن حلها. ترتيب للتمزق وليس علاجا له.
ان الفيلسوف ليبهارت نفسه، يضع عددا من الاشتراطات، ليصبح هذا النموذج قابلا للتطبيق، وصالحا للممارسة، ومن هذه الاشتراطات غير المتوفرة في الواقع الاسرائيلي، استعداد جميع النخب اليهودية والعربية في الحالة الاسرائيلية، للتوصل الى حل وسط، فهل النخب الصهيونية السائدة معنية بالمعادلات التي تطرحها "الدمقراطية التوافقية"؟! ومنها ايضا، ان يكون وزن هذه النخب، والقوة التي تمثلها، متوازنة وقريبة الى بعضها بعضا، فهل هذا حال النخب العربية على طاولة النخب الاسرائيلية في الواقع الذي تعيشه؟! ومن هذه الاشتراطات ان تكون للنخب من جميع الاطراف قدرة للسيطرة على الجمهور والتحكم بتصرفه واقناعه بأسس المحاصصة المقترحة. فهل هذا هو حال النخب الاسرائيلية في ظل الازمة الخانقة التي تعيشها القيادة الاسرائيلية الصهيونية؟!
ان هذه الملاحظات الاولية حول "الدمقراطية التوافقية" لا تهدف الى استنفاد النقاش حول اوراق العمل المقدمة، ولا الى التقليل من الجهود التي بذلها عدد من المختصين في صياغة الورقة المقدمة حول الرؤية المستقبلية، وهم في الغالب اكاديميون نحترمهم ونقدر عطاءهم . ان هذه الملاحظات تهدف الى فتح نقاش فكري حقيقي، سيبقى الحزب الشيوعي وفكره قطبا هاما من اقطابه، من دون ان يلوّح لنا أي كان، بان: "مسألة الدمقراطية التوافقية يعالجها فلاسفة كبار منذ عشرات السنين".



#عصام_مخول (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحن ندعو الى التحزب للثقافة القومية الوطنية مواقف الحزب الشي ...
- جدلية المعركة على السلام والمساواة والدمقراطية العميقة!
- أطروحات الحزب الشيوعي في المسألة القومية – حالة الجماهير الع ...
- أطروحات الحزب الشيوعي في المسألة القومية – حالة الجماهير الع ...
- من العبث تحميل الفلسطينيين مسؤولية ضمان يهودية دولة اسرائيل!
- فشل استراتيجية بوش- يجعله اكثر خطرا
- حزبنا الاممي اليهودي العربي يشكل موضوعيا الجواب والامل والمس ...
- غيوم الخريف- وخريف الرئيس بوش!
- من مجزرة كفر قاسم إلى -تحرك أم الفحم-! دور الحزب الشيوعي في ...
- التجربة النووية الكورية الشمالية: بين نظرية الأمن الأمريكية ...
- لا بشائر حقيقية دون وقف العدوان - لإطلاق سراح الشعب الفلسطين ...
- انطلقوا.. نخترق واياكم جدران الفصل العرقي
- الإنتخابات لم تخرج إسرائيل من الأزمة السياسية والإجتماعية-ال ...
- عرب 30 اذار 1976 تغيّرنا فانجزنا يوم الارض وعندما انجزنا يوم ...
- السياسة الإسرائيلية مصابة بانفلونزا الطيور ان لم تحاصرها حاص ...
- المعركة الانتخابية فرصتنا لابراز تميز بنيتنا اليهودية-العربي ...
- ذاهبون لننجز - دَعَوْنا تاريخيا لوحدة الصف الكفاحية في تميزه ...
- التغيير في رئاسة حزب -العمل- فرصة لتوسيع تأثير الحزب الشيوع ...
- على معسكر السلام أن يتحرك! إستراتيجية الحزب إزاء تعمق الأزمة ...
- ألمطران ريا – كان رجل دين ورجل وطن، لا يكتمل الاول الا بالآخ ...


المزيد.....




- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 583
- تشيليك: إسرائيل كانت تستثمر في حزب العمال الكردستاني وتعوّل ...
- في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية: ما أشبه اليو ...
- التصريح الصحفي للجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد خل ...
- السلطات المحلية بأكادير تواصل تضييقها وحصارها على النهج الدي ...
- الصين.. تنفيذ حكم الإعدام بحق مسؤول رفيع سابق في الحزب الشيو ...
- بابا نويل الفقراء: مبادرة إنسانية في ضواحي بوينس آيرس
- محاولة لفرض التطبيع.. الأحزاب الشيوعية العربية تدين العدوان ...
- المحرر السياسي لطريق الشعب: توجهات مثيرة للقلق
- القتل الجماعي من أجل -حماية البيئة-: ما هي الفاشية البيئية؟ ...


المزيد.....

- الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل / آدم بوث
- الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها ... / غازي الصوراني
- الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟ / محمد حسام
- طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و ... / شادي الشماوي
- النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا ... / حسام عامر
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ... / أزيكي عمر
- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عصام مخول - أداء الحزب الشيوعي ومواقفه في المسألة القومية عصيّة على التشويه! - الجزء الثاني والاخير