أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - منهل السراج - ولو بدمعة.. حماة















المزيد.....

ولو بدمعة.. حماة


منهل السراج

الحوار المتمدن-العدد: 1815 - 2007 / 2 / 3 - 11:25
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


ليس ثمة مايكتب بعد مرور 25 سنة. ذلك لأنه ربما لم يعد يوجد ذكرى نحييها، وليس هناك من يشهد بحب وشجاعة، ليس لأن أهل حماة خائفون فقط، بل لأن أحداث شباط 1982 صارت مثل أسمائهم يحملونها مجبرين أو مختارين، ملاصقة لهم، تتدخل بصنع أقدارهم وحاضرهم البائس ومستقبلهم الغامض، لكن من يفكر باسمه أو يتذكره!.
كثيرون مسحوا رؤوسهم، نظفوها أوعصروها أوأفرغوها، وارتاحوا. من حقهم أن يرتاحوا. ولكن لماذا نجح الإنسان الحموي بهذا التمرين الصعب: نسيان الأحداث، ولم يجرب أن يتخلص من سلبيات قاتلة يمارسها كل يوم.
مر الآن خمس وعشرون عاماً. ماذا يفعل اليوم في الشوارع والحارات؟.

أكاد أرى كافيتيريا أفاميا الشام غاصة بالناس، يأكلون الفتة والتبولة والبيتزا، ويدخنون الأركيلة، ويراقبون ثياب بعضهم، سيارات بعضهم، حلي بعضهم، النساء والرجال على السواء، وأرى وجه العاصي مرتجف وعلى وشك البكاء، وواجهة الجامع العتيق بمئذنته الحديثة التي عوضوها بعد الأحداث مثل التعويضات التي منحت للناس ثمن دمائهم وأعمارهم.
وإذا مشيت من الحاضر إلى السوق/ ضفتي العاصي، فعلي أن أشد قميصي لتبقى مؤخرة بنطالي مغطاة. وحركتي مستورة قدر الإمكان. مازال هذا الأمر مطلوباً وأساسياً، ومازال في رؤوسهم، بل ربما هو الوحيد الذي تبقى في رؤوسهم، الرغبة بسترة النساء. أما حالهم..
هل أبالغ إذا قلت إن تسعين بالمئة من أهل مدينة حماه لهم أقارب أو أهلهم أو كلهم في الخارج، أستطيع أن أجزم أن معظمهم في الخارج، وإن كانوا يعيشون في الداخل، يعني في مدينة حماه نفسها، ذلك بسبب العزلة التي طبقت عليهم ومن ثم أدمنوها، صنعوا لأنفسهم دنيا غير الدنيا السائدة وتوازنوا معها. ربما هذا يحتاج إلى تدقيق وبحث ميداني، لطالما حاولت إجراءه، لكن الرعب الذي عاشه أهل المدينة خصوصاً من أحتاج شهادتهم يرتابون بأي فكرة جديدة كانت أو قديمة، مبتكرة أو بائدة، صاروا يتوازنون عبر تفاصيل يومية، الفقير في التقاط لقمته والغني في استعراضاته المتنوعة، تبرعات، حفلات خيرية، مشاريع فاقعة.. إلخ. أما الوسط وهذه نسبة ليست قليلة ولأنها الأكبر، أقصد الوسط الذي يحصل على اللقمة بالحد الأدنى، فهو ملته بحسراته. ذلك لأن التهميش يلسعه كل صباح، من تهميشه في عمله الذي غالباً مايؤخذ مكانه ليعطى لابن القرى المحيطة، إلى تهميشه من قبل جاره الأكثر إمكانية منه في الذهاب إلى مطعم أو في سفرة صيفية. وهناك الفئة القليلة التي صفقت للسلطة فنالت أعلى المناصب، في مديرية المالية والبنوك، أما بقية قطاعات الدولة فغالباً مدراؤها ورؤساء أقسامها من الريف المحيط. ابن الريف الذي غالباً لديه قطعة أرض أخذها أبوه أو جده يوماً في حركات التأميم الإقتصادي من الإقطاعي الشرير في ذلك الوقت، مازال على نهجه السابق في النق، يقوم بدور الضحية بإتقان، صار كالمنشار يقص وهو رايح إلى وظيفته في حماة صباحاً، ويقص وهو عائد من أرضه مساء. ويستحسن لو حصل على وظيفة في مؤسسات تنفعه في مصلحته/ الزراعة، البنك الزراعي، مؤسسة الحبوب وتوابعها، مؤسسة الأبقار، الأعلاف.. طبعاً ليس معنى هذا أنه يعيش ضمن الحدود الإنسانية، لا.. قليل من السوريين يعيشون ضمن حدود الإنسانية، وربما من يعيش ضمن هذه الحدود، يفعل هذا بالتفافه على إنسانيته..
ابن حماة اضطهد عشرات المرات من قبل الدولة أولا، ومن قبل الريفي ثانياً، ذلك لأنه متهم بالفوقية، وهي في الحقيقة ليست تهمة لأن كثيرين مازالوا معبئين حتى الثمالة برفض الريفي. بظنهم أنه أقل مكانة منهم. يطلق بعض أهل حماه على موظفي الدوائر غير الحموية، "برّاويين". يقولون: في الصباح حماة لاتطاق، مملوءة بالبرّاويين.
المشكلة في بؤس الإنسان الحموي ومكابرته أمام واقعه، ولايوجد من هو مكترث بشأنه، أو أن أصحاب القرار باركوا له عنجهيته، وتركوه ينعم بأوهامه مادام صامتاً متنازلاً.
نعم، هذا حال ابن حماة.
ربما تعرفون ماحدث قبل 25 عاماً، ولكن دعونا نستذكر القليل القليل.
في جمعة من شباط 82، قرعوا أبواباً كثيرة، أخذوا معهم رجال البيت وعجائزه وكثيراً من الأطفال! أمروهم أن يصطفوا على جدار البيت الخارجي، ثم حمّلوهم في تلك السيارات التي يسمونها: صندوق.
عادوا واقتادوا غيرهم. وظلت سيارات الصندوق تذهب بالأحياء وتعود فارغة منهم حتى فرّغوا المدينة بزعمهم من الإرهاب.
منذ ذلك اليوم صار للمدينة وسواس اسمه الجمعة. تستطيع أن تعرف يوم الجمعة في حماه من بين مئة يوم، لو كان عدد أيام الأسبوع مئة. تعرفه قبل أن يأتي وبعد أن يمضي..
هدموا معظم المدينة القديمة، كان أهل المدينة بثيابهم المنزلية منكمشين من الخوف والبرد والجوع، من حاول أن يدافع عن نفسه حمل سكيناً وأخطرهم كان حاملاً "بارودة". قبروهم هم وبيوتهم، وجاء أكبر متعهد سوري وضرب على صدره واعداً أنه سيعمر مكان البيوت والناس فندقاً حديثاً، خمس نجوم، لماعاً براقاً شاهقاً.. هذا هو الفندق الذي اعتاد الناس أن يقضوا مساءاتهم في مطعمه، غافلين تماماً عما تطؤه أقدامهم..
بعد الأحداث مباشرة، صارت الصبايا يتذمرن من الأمهات لأن الزيارات تحولت لاستذكار دائم لشباط 1982، فلان قتل، فلان غاب، فلانة ترملت وفلانة فقدت أولادها كلهم، ضاع الرزق، احترق البيت.. الخ. واتفق الأغلبية على حفل النسيان، كي يستمروا.
لم تُسمع بعد ذلك طلقة رصاص واحدة، إلا عندما قطع أحدهم خنصر إصبعه اليسرى، وأفرغ مسدساً قديماً في رأس ابنته التي كانت مستلقية في المشفى بين الحياة والموت، بعد أن ضبطوها في سيارة مع شاب، تدهورا معاً على الطريق الغربي. لقي الشاب حتفه، بينما ظل في البنت رمق من الحياة. ولكي يبرهن أبوها على نخوته وشرفه المستعاد، قطع أصغر أصابع يده اليسرى وقتل ابنته، ثم طلّق الأم وطردها من بيته واضعاً بقية فتياته تحت الإقامة الجبرية مع الجدة والعمات.
وبعد كل تلك السنين من الوجوم والصمت حدث أمر آخر في 23/7 الساعة السابعة مساء سنة 2005، حين كنت أتفقد حماه يوم الجمعة، عادتي التي أمارسها منذ 82. رأيت عناصر من الشرطة فوق الرافعات، وفوق سيارات الإطفاء الحمراء الضخمة. شاحنات تسد الطرقات، وأمواجاً من الناس المتكاثفين والمتدافعين بالعشرات، أحجاراً كثيرة متناثرة على إسفلت الشارع.
أسرعت غير آبهة بالتحذيرات الكثيرة التي تنبهني أن أتراجع، ظننت أن انتفاضة حصلت، وكنت أحضر هتافاتي: من أجل من غابوا، ومن ما زالوا في السجون، ومن فُقِدوا ولا أحد يعرف عنهم خبراً، ومن أجل من قُتِلوا من دون حق، ومن أجل البيوت الجميلة التي هُدمت ومن أجل..
حين اقتربت من ساحة العراك، انحنيت على إسفلت الطريق، أتبين حجم الدماء التي سالت، فوجئت أنها لم تكن أكثر من رايات ورقية حمراء، استُخدِمتْ لمناصرة الفريق الذي ارتدى الأحمر. وخراطيم الماء والرافعات وكل هذه المعدات وعشرات رجال الشرطة والأمن والأبواق التي تولول، كانت لتفريق أنصار الفريقين الرياضيين اللذين تباريا في هذا المساء.
ربما كان علي أن أطلع على نتيجة المباراة أوعلى الأقل اسمي الفريقين المتباريين أونوع الرياضة التي استثارت كل هذا العنف. أو كان علي أن أسأل، إن كان حكم المباراة، قد تجنى وظلم، حتى اندفع أنصار المظلوم بهذه الهستيريا، ليستردوا حق الفريق الخاسر. لكني لم أفعل. كانت تلك الجمعة هي آخر جمعة أخرج فيها لأتفقد حماه.
صادف هذا العام 2007 أن ذكرى شرارة الأحداث 2 شباط هو يوم جمعة، أترى يوجد من يتأمل في النواعير، ويتذكر ولو بدمعة.. حماة؟.



#منهل_السراج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين أعياد العالم وأعياد سورية
- زوجة الشاعر
- خصوصاً النساء
- كاتب مغترب ترك الشقا على من بقى
- ما يطلبه الجمهور
- بين ثياب البعثية وثياب التهريب
- عمنا نجيب.. نحبك كثيراً
- شيطنات اللغة
- بحصات في الحلق
- خبر عاجل وجميل
- قنابل تسيّل الدموع
- احتشمي بيروت
- دونية ومسحوقة أيضاً
- مي شدياق .. أنا أنا لم أتغير
- اعترافات عن عارف دليلة
- كما ينبغي لنهر
- تمرين صعب من اجل السلام
- بين الضفتين
- حقيبة فاتح جاموس
- وصفة لشهرة. وصفة للسترة


المزيد.....




- -لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د ...
- كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
- بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه ...
- هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
- أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال ...
- السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا ...
- -يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على ...
- نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
- مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
- نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟


المزيد.....

- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - منهل السراج - ولو بدمعة.. حماة