|
ما الذي لا يحدث لكي لا ننتبه /الى الشاعر الراحل خال حمرين
محمد خضير سلطان
الحوار المتمدن-العدد: 1815 - 2007 / 2 / 3 - 11:02
المحور:
الادب والفن
لم يكن الشاعر الراحل (خال حمرين) بهذا الاسم ولم تحمله قصائده وكتاباته ، انما أطلقه عليه اصدقاؤه ومعارفه الكثيرون من الادباء والفنانين الكورد ويعني- خال الحمير- ،اطلقوا تلك التسمية للتندر عليه اتقاء للذعاته الفكهة وتهربا من شطحات مزاحه التي تركزت على موضوع واحد لمخلوق اسمه الحمار، حماروين، حماريه، حمرين، ويتردد الاسم اكثر على لسان الذين يجالسونه في مقهى (مجكو) الملاصقة لقلعة اربيل للتعريف به لضيوف المقهى من الادباء العرب القادمين من بغداد خاصة حين يبدأ هجومه عليهم ثم يأتي ردهم بتلفظ الاسم ( هذا خال حمرين، خال الحمير)، وكاتب السطور واحد من الذين تعرف اليه بهذه الطريقة منذ اشهر قليلة ماضية، وسط تعليقاته الودية الثقيلة ورد جلسائه المقابل،انه يقلب الطاولة بالتعبير الشائع ولكن بطريقته اللغوية فتصير كما يقول طولة ويتحول المعنى من طاولة للبشر الى طولة للبشر ايضا، ويتلقى الاخوة الكورد دعاباته بحرج اقل وود اكثر واذا حدس بانه لم ينل استحسانا ، قطع تعليقاته وقهقهاته من الاشارة للاشخاص وتحول الى صديقه الاثير ومكانه من العالم وبالعكس، وبالرغم من وعيه المتمرد وتعليقاته الساخرة الا انه محاط دوما بزملائه واصدقائه وهو محل محبتهم واعجابهم بل انه يحسن التعريف بهم للضيوف لأنه يجيد اللغة العربية، ويضفي المزيد من التبجيل بحق على تجاربهم. والواقع ان الراحل خال حمرين ابعد من ان يستخدم المزاح للتعليق المباشر على جلسائه من اجل الهزء بهم قدر ما يستفز السامع معرفيا كونه يحط من السمو الانساني في نظرته الساخرة الى الفجائع الانسانية ، ولا يرتفع عما يخل بالمعايير الادبية العامة انما هو مسكون بفكرة استعارية ملازمة لتفكيره بالعالم،تدور حول مفارقة ، بأن البلاهة( الحمارية) سمها ما شئت احيانا اكثر عقلانية من العقل او هي نظام عقلاني على نحو ما اذا نظرنا بدقة وعبرالتاريخ الى كوارث الانسان لاخيه الانسان العاقل، ومثل تلك الفكرة لن يمنحها احد سوى هذا الكائن السادر في التاريخ ، تدور الدنيا وهو الواقف الابدي، تتحرك الاكوان وهو الممسك بمداره القريب من لمحته المنطفئة، ليس له امام او مستقبل لأنه لم ينتظر شيئا سوى لكزة عصا لكي يتحرك، وفي اثر هذه الفرضية السوداء ، اطلق خال حمرين على صحيفته التي اصدر منها اعدادا قليلة اسم (قورجة) وتعني النغزة او اللكزة بالعصا على مؤخرة الحمار لكي يتحرك، وترجمت الى العربية خطأ بالقرصة. -لم اخترت دلالة هذا المخلوق. -لأنه موجود في كل مكان باليابسة،تراه هائما على طريقته في كل واد، من الجزيرة والسهل حتى الجبل، ومن المتيسر ان تكون دلالاته واضحة ومتماثلة لاغلب شعوب الارض عدا بعضها القليل جدا. ولاتحسب ايها القارىء الكريم بان الراحل، ينطلق من توجه عدائي للسلطة والمجتمع لأنه اختار في الوسط الاعلامي هذه الاستعارة المرة حين اطلق اسم قورجة على صحيفته، ولم يعبر بها عن نتائج تصور متشائم في محصلة تقوم على فهم خاطىء ويائس بحيث تاتي افكاره تدميرية، تمسخ ما حولها وتلاحق اهدافها بالشتائم، كلا، ولكنه يخلط الاستفزاز المعرفي بالسخرية، ويعد نفسه في هذا السياق، مكسبا لحرية التعبير المسؤول في كوردستان العراق ونوعا من الاطلاق الحر للوعي الابداعي في مجتمع عراقي عانى الكثير من الويلات وتلقى افدح التضحيات ومع ذلك لا تتسامى المعاناة الى تجربة عقل ناضجة في بلادنا الواسعة ولم تلوح بشائرها وتظل المعاناة متأرجحة بين الاستمرار والقطع وربما الارتكاس، من يدري، واذا كان عقل التجربة( اية تجربة) ينبع من واقعها الحقيقي، فلا سبيل الى اعتبار التجربة العراقية، تحتاج الى واقع اكثر دموية وفداحة وفظاعة من الذي يجري حتى تتعقل او تستنبط معاييرها العقلانية. خال حمرين يتساءل دوما ، لماذا هذا الواقع الكاريكتوري المخالف لسيرورة الواقع في التاريخ، ما الذي لم يحدث في وطننا من كوارث لكي لا ننتبه....سيما وان الاوطان والبشر جميعا من حولنا منتبهون الى الحركة والمعطى الا اننا نتحرك بلا معنى، بل اننا محركون بلا معنى ايضا، وبعضنا يحاذر من مواجهة الطرق المسدودة ومن عجائبنا اذا ما متنا انتبهنا، في اشارة الى القول المأثور- الناس نيام حتى اذا ما ماتوا انتبهوا- . - ولكنكم الآن في كوردستان احياء ومنتبهون، واثبتت النخب السياسية انسجامها مع فضائها الاجتماعي في سير منظم ومنتظم مع العالم. - صحيح دون ان نكون خالين من الاخطاء ولكنني اتحدث عن الوطن والعالم كذلك. وفي ضوء تجربته الابداعية، يعتمد الفقيد خال حمرين فكرة شعرية واسطورية قديمة، ويتمسك بها بلطف حول هذا الكائن( الحمار) الذي لم تأخذ منه المعرفة الاولى ألا استعارة واحدة، ظلت سائرة في الاحقاب، وهي البلاهة الغامضة التي تحيط باي وقفة لهذا المخلوق ازاء الانواء، ولكن من يستطيع التيقن من هذه البلاهة حقا، ولو كانت الخيول المطهمة تحمل اسفارا، فهل تدرك ما تحمله على ظهورها ألا ان التشبيه الانجيلي ( كالحمار يحمل اسفارا)، ينضوي على استهانة لهذا الكائن، يعارضها الخال حمرين متهكما، وحين انزلوا الاسفار عنه واستخدموا كائنا آخر بدلا منه ، وأنتفت الحاجة اليه ، وصموه بأستعارة قرآنية جديدة بأنكر الاصوات، وعبر النزاع التاريخي مع اللغة وانعكاساتها عليه، طفق يشغل مكانه الخالي منه ويعرض ببلاهته الغامضة عن أي شيىء .انه يتمتع بالتعاطي الاقل مع الفكرة الداروينية بالنشوء والارتقاء. ويضم الخال حمرين صوته الى ان اول من لفت الانظار الى الحمار ، هو دستيوفسكي في احدى رواياته اذ لايستفيق الامير ميشكين من نوبة الصرع ألا على نهيقه العظيم وكلما مر الامير وشاهد حمارا كلما شعر بارتياح كبير، وبذلك فقد زحزح الروائي البارع الاستعارة المعرفية وادخلها في عصر جديد، لاول مرة في التاريخ يغدو هذا المخلوق عنصر ايقاظ ويستدرك الخال حمرين ضاحكا ، ربما هي استعارة مماثلة من قبل دستيوفسكي ولكن على نحو جديد. يعترض احد جلساء الخال حمرين مازحا، بان الحمار مخلوق ، من الممكن ان يقوم بمبادرة استثنائية!! قال الخال: كيف؟ قال: مبادرة الانتحار عند البغال من على شاهق جبلي، فلا ننسى ان نصفها حمار. قال الخال: وما ادراك بان البغل، ينتحر بنصفه الحماري ياصديقي، ولكن الاقرب الى المنطق هو نصفه الحصاني، الجامح، الواثب الذي يدفعه الى هذا الفعل اما نصفه الاخر فيجره الى الاذعان وتحمل الاعباء فقط، يقهقه الشاعر الراحل ويزداد شحوب وجهه، ونغادر نحن اربيل محملين بكتابات كوردستانية عنه ومنه ولم ندرك اننا نرثيه يوما، او نقول وداعا عبر السطور..........فوداعا ايها العراقي الكوردستاني النبيل.
#محمد_خضير_سلطان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صانع الجرار التي لاتتحطم
-
الجدار العالي بين مجرى الدم ومسرى النفط
-
المصالحة الثقافية اولا
-
مقارنة بين الدستورالاتحادي والفدرالي الكوردستاني/ المركب الس
...
-
تطبيقات مبكرة لهوية السرد في الذاكرة الرافدينية/ القاصان محم
...
-
العلامة حسين علي محفوظ/ لم اقو على السياسة ولو بحمل عصاي بعد
...
-
قراءة في مسودة مشروع قانون لهيئة الاعلام العراقي-- الطرائق ا
...
-
رواية (سبت يا ثلاثاء) لزيد الشهيد/ النموذج الاخير في البناء
...
-
حيوا المجازين ......نصيحتان للبرلمانيين قبل لقائهم بالناس
-
تعريف وحوار المعضلة العراقية على طاولة مفكر عراقي
-
الالف توقيع
-
الاحساس بالزمن
-
من يؤيد الاحتلال ؟من يقف ضد الفاشية؟
-
تصل او لاتصل.....رسالة الى اربيل
-
الوجه الغائب عن تحليل الديمقراطية العراقية/هدم الكهف واطلاق
...
-
الديمقراطية العراقية -صورة اولية لصنع الذات وتحققها على الار
...
-
تلازم صحة القرار السياسي مع الارتقاء الامني
-
احزان مرحة
-
العائدون من المقابرالجماعية/جمهورية فاضل الديمقراطية العادلة
-
نسق الثقافة والمتغير الاجتماعي محاولة في نقد المفارقة
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|