أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميرة الوردي - الخليلان















المزيد.....

الخليلان


سميرة الوردي

الحوار المتمدن-العدد: 1816 - 2007 / 2 / 4 - 02:48
المحور: الادب والفن
    



زرافات مشوا ،وجوه كالحة ،شفاه مشققة ،،تلاعب الريح أجسادهم المتيبسة بردا وجوعا ،سقط منهم من سقط في الطريق .
أمن الممكن ان نكون هنا ، نظر بعيني امه مالذي حول تلك العينين الزاهية الخضرة الى الرمادي ، خاطبها في سره
:أماه لاتتركيني في جوف هذا الخلاء الموحش وحيدا . نظر للسماء ، أخافه النجم المنتشر فدرب التبانة طويل وبعيد ، جاءه صوت امه واهنا أين نحن ياعلي ومن الذي جاء بنا في هذا الطريق الموحش ؟، أين الناس الذين كانوا معنا؟. أين عبد الغني ؟ نزلت دموعه رغما عن سنينه الأربعين
: اسكتي يا أُمي فما زلنا محوطين برجال الأمن ، يبدو اننا ما زلنا في وطننا ولم نجتزْه ، صمتٌ يعم المكان ما عدا صرخات أطفال رضع تبعثرها الرياح ، كلٌ منزوٍ لهمومه لا ألفة بين الناس رغم وحدة المحنة ،الفصل خريف لكنه في البراري مثلج .
: لماذا أخرجونا من دارنا ياعلي لقد تعبنا في بنائه وبذلت وأخيك كل ماورثتماه من أبيكم ومن تعبكم في الوظيفة
: أرجوك امي اسكتي ، ما زالت ظلال بنادقهم معنا ، ولا ندري إلى أين يدفعون بنا .
: لماذا استولوا على دار عبد الغني ؟!، لم يفعل لهم شيئا !، هل وصل لديار الغربة سالما وعائلته كم أتمنى لو استطعتَ ان تذهب معه بعد أن رحلت بان وامها، وكيف اتركك وأنت مريضة !
: لستُ أكثر مرضا منك .
: هل تخلى عبدالغني عنا ؟
: كلا يا امي لم يتخل ولكنه لم يلحق ليدبر لنا شيئا ، وصل حديثا الى السويد ،وصلتني منه رسالة يطمئنني بأنه سيبذل كل طاقته كي نلحق به ، لكن الأوباش لم يمهلونا .
: أشعر بالبرد يأكل عظامي ، مد يده لجبينها مازالت الحمى تشتعل بجسدها الناحل، لا يدري الى أين يصلون ومتى . تقرحت أقدامهم ،مر وقت طويل منذ أن اقتادتهم أجهزة الأمن والشرطة من بيوتهم وأجبرتهم على ركوب شاحنات رافضة أن يأخذوا أى طعام أو شراب معهم ، عوائل كثيرة سبقتهم ، منعوهم من أن يأخذوا مراضع لأطفالهم الا من استطاع أن يخفيها بطريقة ما ، لفلف والدته المريضة ببطانيتها واحتظنها ،صعد بها ظهر الشاحنة وفوهات البنادق فوق رؤوسهم ، وجوه كثيرة طالعته ، لو كان في وضع آخر لكتب مشاهداته ، وخزةٌ في قدمه لم يعرها انتباها ، فمصيبته كبيرة لم تدع له التفكير ، أو الإحساس بشئ ،ألم مض غير قادر على تحمله ، حذاؤه مهترئ ،لايستطيع خلع جوربه التصقت بكعب قدمه في مكان الجرح أدرك أن حالته خطرة ، حذروه الأطباء من مغبة إصابته بأي جرح فالسكري عنده حاد ولا يمكن شفاؤه بسهولة .
أرادت قطرة ماء منذ أن فتحت عينيها ، وجهان كالحان طالعاها لم يكن علي يبنهما ألقت عليهما نظرة مرعوبة
: أين علي وأين نحن ، تبادلا النظر ، تجاوزا سن الشباب منذ زمن بعيد ، أجاب أحدهم أمي كلنا ذاهبون الى المجهول وقد سبقك ولدك اليه فإذا كُتبت لك النجاة فستبقين لتروي ما يجري لكل من تعرفين . ارجوكما : أين علي ، لف الثاني لفافة تبغ كانت معه وقال لها بنبرة حزينة : لم يعد الموت يخيفنا بل حتما سنذوقه ، ضعي عينيك في السماء قد تنتقم لك ولنا ، لقد مات علي وانت في غيبوبة طويلة استنجد بنا وتركك أمانة في أعناقنا غلبته ( الغنغرينة ) التي أصابته ولا علاج لها ، أين دفنتموه ، بالله عليكما أرجعاني لقبره ،
: لا عليك سيُنتقم لنا جميعا .
أين مكتبة ابيهما العامرة وقد جلس واخيه فيها يكتبان القصة والشعر ، يتسلقان سلمها يتسابقان ليأخذا أعلا وأندر كتاب فيها ، يتباريان في حفظهما للموروث من الشعر والنثر، ويتحدثان شتى صنوف الحديث كلما سهرا وأصدقاءهما ، أين تلك الأيام التي يتسابقان للفوز بنجاحهما أو بمشاركتهما في كتابة القصص والمقالات ، أين دارهما الواسعة العامرة بالأهل والأصحاب ، قشعريرة متيبسة في جسدها ، ألقت نظرة على الوجهين الغريبين وقد صفت بشرتها وعادت خضرة عينيها أشد بهاء وتمتمت بكلمات مبهمة ( ليس هناك ما أحيا من أجله ثم توضح صوتها بعبارة الراحة عند الممات )
.....................
هوس أصاب السلطة بملاحقة الناس واضطهادهم فسعار أجهزتها لايهدأ ليل نهار حتى لم يجد الناس مفرا من الهجرة من استطاع اليها سبيلا . ذهبت لأبيها مستنجدة به طالبة منه عنوان عبد الغني الذي سبقهم بعد أن اغتصبوا داره، استطاع أن ينجو وعائلته الصغيرة قبل أن تجبره السلطة على الرحيل ، تناول أبوها رسالة من صندوق صغير، رسالة وصلته من صديق عمره عبد الغني فقد جمعتهما أشياء مشتركة كثيرة أهمها مبارياتهما الشعرية وعلاقة الصداقة الممتدة على مساحة نصف قرن . رسالة مطولة قرأتها بلهفة ، يسأل فيها عن امه وأخيه ويبث قلقه فيها يحاول الاتصال بهما ولكن ما من مجيب ، ثم ينتقل للحديث عن الغربة وما تورثه من ألم وندم ومحن ، يصف ذلك المجتمع الراقي الذي يسود فيه القانون ولا شئ يُعلا عليه ولكنه يخلو من العلاقات الحميمة ويرد مثلا لذلك صديق له سويدي فقد ولديه في حوادث منفصلة ولا يجد من يواسيه سوى ادمانه على الشراب وما يتبقى من شرابه يأخذه ويسكبه على قبريهما لترتوي الزهيرات التي أنبتها عليهما وأحاديث أخر كتكريمه في محفل أدبي في فرنسا .
حاول أبيها أن يثنيها عن السفر يردد أمامها في كل وقت (من لا وطن له لا أهل له ) ، خوفا من المجهول عليها وعلى أحفاده، لكنها أبت إذ لا يوجد أكثر من المجهول التي تحياه في كل لحظة ويحيطها وعائلتها في كل حين وما يجري أمامها وما تسمعه كل يوم ، أين مجالس عبد الغني الأدبية أين داره الواسعة وحديقته الغنية بأندر الزهور والنباتات وقد حولهما الى منتدى للأدب وملجئ لكل عاشق أدب ومثقف .
لم تكن اجراءات السفر تخلو من المخاطر بل هي المجازفة بعينها . ولكنها وعائلتها جازفا واستطاعا الإفلات من أجهزة السلطة والوصول الى السوبد بعد مسيرة شاقة ومضنية .
تلفنت لعبد الغني وصورة امه شاخصة أمام عينيها كم كانت تودها وتأنس لأحاديثها عندما تأتي لزيارتهم تُعجب ببهاء وجهها رغم تجاوزها السبعين ورقي أخلاقها وروح المودة التي تشيعها حولها . أجابها صوت لم تألفه أن عبد الغني في المستشفى وبحالة خطرة وأن ولديه وامهما رحلا منذ زمن إلى مكان آخر كي يُكملا دراستهما، أخذت اسم المستشفى أرادت السفر اليه لكن بُعد المسافة وغلاء أسعار وسائط النقل وعدم السماح لها بالتنقل بحرية لحين قبول لجوئها حالا دون الزيارة .



#سميرة_الوردي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وحدها النجوم ترى
- لاحياة لمن تنادي
- تداعيات عام مضى وآخر قادم
- اللهب
- وأزهر الشجر
- من أشعل النار فيها
- الندم الثاني
- سعد والله
- زينب والمسرح
- حكاية من زمن الموت
- مناجاة
- التلفاز
- الآن حان الدرس الأول
- الحب بعد الرحيل
- الندم الأول
- أعاصير
- تاريخ أسفارنا /الفارزة الأولى والثانية
- تاريخ أسفارنا / الفارزة الثانية
- في يوم ما
- صورة


المزيد.....




- Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي ...
- واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با ...
- “بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا ...
- المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
- رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل ...
- -هاري-الأمير المفقود-.. وثائقي جديد يثير الجدل قبل عرضه في أ ...
- -جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
- -هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميرة الوردي - الخليلان