الحسان عشاق
روائي وكاتب صحفي
الحوار المتمدن-العدد: 8393 - 2025 / 7 / 4 - 18:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المعطيات و المؤشرات الدقيقة والتقارير المنجزة من هيئات المجتمع المدني الفاعل والنشيط تؤكد أن المغرب يعيش في السنين الاخيرة حالة من الردة والتراجع في قضايا حرية التعبير وحقوق الإنسان باعتبارهما قضايا جوهرية وأساسية في المجتمعات المتحضرة ويتجلى ذلك في التضييق على الحريات الفردية والجماعية ومصادرة الرأي والقناعات الشخصية وقد تعداه الأمر الى الاجهاز على ما تبقى من هيئات وطنية مشهود لها بالنزاهة والكفاءة والتعاطي المسؤول في محاربة الفساد السياسي والمالي وطبعا مجرد بداية ولن يتوقف قطار الدهس والسحق على قطاع معين بل سينتقل الامر الى مجالات اخرى تشكل ازعاجا وتهديدا حقيقيا لرؤوس الاموال التي تتحكم في مصير الشعب وتخضع لاملاءات مؤسسات دولية بعد التحركات المعيبة لاقبار جمعيات حماية المال العام ومنعها من الترافع تحت مبررات واهية بل وتمرير قوانين للتساهل مع لصوص المال العام ووسم جمعيات المجتمع المدني بعينها بالارتزاق والتسول دون تقديم ولا دليل واحد، نفس المنحى يتكرر مع المجلس الوطني للصحافة الذي يتم تقطيعه وتمزيقه لافراغه من الداخل وجعله خاضعا لحفنة من التابعين مخطط ضمن مخططات اخرى تسعى لضرب مقومات الدولة الحديثة وهذا الطاعون لن يتوقف بل سيزحف على المؤسسات الفاعلة وضرب المكاسب الوطنية .
حالة التراجع والانتكاسة الخطيرة للديمقراطية في الوطن لم تعد مستترة بالنظر الى غياب المعارضة الفاعلة والمؤثرة في المشهد السياسسي العام والدوس على الدستور في مناسبات متعددة مرورا الى المحاكمات وخنق الأصوات الحرة بجميع الوسائل المتاحة مع اطلاق العنان للأبواق الموالية لنشر الميوعة والتفاهة لضرب المقومات الفكرية والثقافية للمجتمع تحقيقا للاذعان والاستسلام للامر الواقع وصولا الى حالة الصمت والانزواء انطلاقا من الفهم السائد الغالب مرغوب و إذا عمت هانت .
الاصوات الحرة التي ترفض الاصطفاف في الطابور وتلقي الاملاءات يمارس عليها القمع بشتى انواعه طمعا في اقبار اصواتها او التدجين او اعلان التوبة بل يعتبر ممارسة الصحافة جريمة وان الصحافي حالة شاذة في المجتمع يجب التخلص منه باستغلال السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية لخدمة اجندات غير معلنة ،
فالدولة العميقة تجر المجتمع الى الفوضى واعادة تكرار فصول ومشاهد سنوات الرصاص رغم رفع وتسويق شعارات مستهلكة بدون قيمة نظير حرية التعبير و دولة الحق والقانون وترسيخ المبادئ الديمقراطية في المؤسسات العمومية رغم اننا نشاهد سقوطا مذويا لهذه المسكنات والمهدئات التي لم تعد ذات مفعول ولا تاثير يذكر في الاوساط الشعبية التي احست بالغبن.
فالدولة عموما ارتهنت لاستراتيجية المصالح وتصفية الحسابات مع الخصوم السياسيين المفترضين حين فشلت في تحقيق تطلعات الشعب المغربي لذلك تبحث عن وسيلة للالهاء لاحساسها الملموس بفقدان الثقة و تعاطف الشارع الذي اكتشف زيف الشعارات والخطابات السياسية المبسترة ناهيك عن حجم الانتظارات التي لم تستطع الحكومة الحالية تحقيق نسبة معينة من البرامج الانتخابية وهذا مصدر قلق اكيد وحاضر لدى القوى السياسية المشاركة في الحكومة يستوجب تفريغه والتنصل منه بالبحث عن مشجب وغريم لانه مؤشر حقيقي على انكشاف حقيقة الشعارات والمخرجات الناقصة والمعيبة لتدبير مستقبل الشعب الذي يشعر بالصدمة والغبن لما الت اليه الاوضاع العامة ناهيك عن دخول الوطن في ارتكاسة ديمقراطية وانقلاب واضح على التحول الديمقراطي وهذا مصدر قلق لدى فئات عريضة ونخب وازنة في المجتمع.
حين تفشل التوجهات الحكومية في تحقيق الاصلاحات العميقة ومحاربة الاثراء غير المشروع والهشاشة والفقر والاقصاء والتهميش فانها ملزمة بالبحث عن عدو مزعج او خلقه، لكن ليس عدوا قادرا على الرد نظير حزب سياسسي قادر على المواجهة باستنفار التنظيمات الموازية وخلق القلاقل والدعوة الى الاحتجاج ورد الضربة باحسن منها بل البحث عن عدو اعزل ولا احسن من الصحافة الحرة والنزيهة التي تلعب دورا مزعجا في المشهد العام يقض مضجع السلطة الحاكمة التي تعتبر النقد البناء قلة احترام ولا تتواني في جر الاقلام المشاكسة والمبدئية الى المحاكم للقصاص بل رغبة في القتل المادي والمعنوي وارسال اشارات لباقي الرؤوس الملتهبة المعتنقة للافكار الكونية المتقدمة للكف على ازعاج ممثلي الشعب في مؤسسات الشعب.
فمطاردة الاصوات الاعلامية الحرة التي تغرد خارج السرب اصبح هدفا حكوميا بل مشروعا حكوميا ولا حاجة لمعرفة مبرراته السياسية والقانونية والتوجهات التي تؤطره وتحركه بغية تحقيق الاهداف غير المعلنة وهي تصفية تركة احزاب الصف الوطني والديمقراطي التي رسخت مبادئ وقيم في علاقة الصحافي بالمؤسسات الوطنية طيلة عقود من الزمن وتم إرساء ثقافة الحوار والتسامح واعتبار الاختلاف في الراي والتوجه السياسسي والايديولوجي وسيلة لخوض المعارك وتصفيه الخصوم بل طريقة ديمقراطية لاستيعاب جميع الاراء والافكار المختلفة والمواقف والتصورات التي لا تتماشى مع الراي الواحد.
ولا يجب اعتبار نقد السلطة الحاكمة جريمة تقتضي استنفار الترسانات القانونية في مواجهة صحافي اعزل ازعج بمقالات نقدية وزير العدل او شخصيات سياسية تستغل المنصب لتحقيق الغايات المضمرة مما يعتبر عنفا وهجوما وتراجعا خطيرا على المكتسبات و يؤكد بالفعل ان من يملك السلطة والمال عليه محو وسحق الاخر وهذا الامر يؤدي قطعا البى تفتيت التوازن في بنية المجتمع الذي يجب ان يكون منقادا مستسلما للسلطة ممنوع من المشاركة الاجتماعية في صناعة القرار.
الصحافي حميد مهداوي وعشرات من امثاله على امتداد عقدين من الزمن امنوا بدولة الحق والقانون وحرية التعبير ووجدوا انفسهم وراء القضبان بتهم ثقيلة واحكام قاسية وغرامات خيالية وهذه الهجمة على المكتسبات تروم في الواقع السيطرة على الافراد والتحكم الخطير والتعسفي في صناعة القرارات السياسية و الاجتماعية والاقتصادية بدون ردات فعل، فاذلال الصحافة وتركيعها باعتابرها اذاة ضرورية للتنوير والتثقيف ونشر الوعي وخلق النقاش بين طبقات المجتمع ينظر اليه على انه جريمة تستحق الى جانب العقوبات السالبة للحرية الغرامات الثقيلة اسلوب تخويفي وهجومي لبث الرعب والخوف في النفوس لالتزام الصمت و الاكتفاء بالتفرج على الواقع الذي يعاد تشكيله بنظرة احادية تنعدم فيه العلاقة و التفاعلية بين الحاكم والمحكوم وتنتفي فيه دعائم الحق والقانون والحرية.
المغرب الان في ظل حكومة اخنوش في مفترق الطرق يراكم الاخطاء ويخلق توترات ويواجه تحديات كبيرة داخلية وخارجية ملزم للحفاظ على المكتسبات وتحقيق التوازنات الاقليمية والدولية اعادة الانتصار لقيم العدالة والتطبيق السليم للقانون لتنظيم علاقة السلطة بالمجتمع سعيا لخلق المناخ الهادف للتنمية الشمولية تفعيلا لمبدا سيادة الدولة الديمقراطية كما ان الهجوم على الصحافة وجرها الى ردهات المحاكم لاسكات الاصوات المشاكسة لافراغهم من الاختلاف ليس الوسيلة الفعالة لفرض سيادة القانون مدام الصحافي المستهدف يشتغل داخل القانون.
اغلب الصحافيين الذين اعتقلوا وادينوا بعقوبات سالبة للحرية تعرضوا للتشهير والتنمر قبل ان تدينهم المحاكم بل تم تجريدهم في حالات كثيرة من الصفة الانسانية والاخلاقية من طرف ابواق السلطة وهي وسيلة من ضمن وسائل اخرى للقتل المعنوي عبر قمع جميع اشكال التضامن من طرف الجمعيات الحقوقية والاحزاب السياسية.
حميد المهداوي ضحية الايمان العميق بالانتاح والشعارات السمينة المستهلكة واعتقد لربما ان قول الحقيقة وانتقاد مسؤول حكومي سيقابل بالورد والتحايا والاعتراف الضمني بحق الصحفي في ممارسة النقد والبحث والتقصي في ما يجري ويدور في الوزارات والمؤسسات العمومية التي تمول باموال دافعي الضرائب كنوع من الرقابة الشعبية على المال العام امام انعدام معارضة قوية فشلت في تنظيم صفوفها وخلق قوة اقتراحية وجبهة موحدة للتصدي لجميع المحاولات التي ترمي الى تقويض دولة الحق والقانون .
محاكمة الصحافة المشاكسة يطمح ايضا الى تكميم الافواه والاخضاع لتحويل المعارضين الى متفرجين ومصفقين على تمزيق اوصال المجتمع من منطلق الفهم القاصر والمعيب للسلطة التي تحولت في السنين الاخيرة الى سيف دامقليس مسلط على رقاب المخالفين للتوجهات السياسية اللاشعبية التي تضع المغرب في مفترق الطرق وتنتظره تحديات كبرى ومعارك حقوقية وسياسية .
#الحسان_عشاق (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟