أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - الثورة الاشتراكية - نضال من أجل مجتمع حر وعادل - الثقب الأسود المصري















المزيد.....

الثقب الأسود المصري


الثورة الاشتراكية - نضال من أجل مجتمع حر وعادل
منظمة سياسية

(Socialist Revolution - Struggle For A Free And Just Society)


الحوار المتمدن-العدد: 8392 - 2025 / 7 / 3 - 23:30
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


حسن مصطفي

الثقب الأسود هو مكان في الفضاء يتمتع بجاذبية هائلة خارقة يصعب تصورها، تجذب كل ما يقترب منها من أجرام وأشياء، سواء كانت غازات أو نيازك أو كواكب أو نجوم أو ضوء، فلا يستطيع حتى الضوء الفكاك منها إذا مرّ في مجالها. وفي الوقت نفسه، فإن ما يجذبه الثقب الأسود يختفي… يصبح غير موجود.

في مصر، ثقب أسود من نوع آخر، لا علاقة له بالفضاء، لكنه يتشابه معه في كثير من الخصائص. إنه ثقب أسود سياسي، خلقه ويسخّره النظام العسكري المصري لتثبيت حكمه وتجميد الواقع عند لحظة تاريخية محددة: لحظة يمتلك فيها هيمنة مطلقة على جميع مناحي الحياة العامة، من صنع السياسات، إلى تحديد اتجاهات وأولويات المصلحة العامة للدولة، إلى مهددات الأمن القومي، وبالطبع احتكار الوطنية.

صيغة رجعية متخلفة من الحكم، تعتمد على قدرة لا نهائية على استخدام العنف والقمع، وإخفاء وطمس الحقائق. في هذه الورقة، سأشرح – من خلال واقعتين حدثتا خلال الشهر الماضي- وجه الشبه بين الثقب الأسود الفضائي والثقب الأسود في واقعنا السياسي المصري، وهى واقعة: منع قافلة الصمود، وملاحقة وتوقيف النشطاء المشاركين بها، وترحيلهم، وواقعة: صدور تقرير عن ظهور مختفين قسريًا بعد سبع سنوات من الاختفاء.

قافلة الصمود تسقط ورقة التوت الأخيرة عن النظام

منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية على الفلسطينيين في قطاع غزة، والنظام المصري ينحاز بوقاحة للاحتلال الإسرائيلي. هذا الانحياز ليس جديدًا، فطبيعة العلاقة بين النظام المصري والاحتلال هي علاقة تبعية وهيمنة من الطرف الثاني على الأول، نتيجة الهزائم العسكرية المتلاحقة وانسحاق الطبقة الحاكمة المصرية أمام الاحتلال، وخضوعها له مقابل دعم الولايات المتحدة الأمريكية الاقتصادي للجيش والحكومة، عبر معونة عسكرية ومدنية تضمن بقاء واستمرار هيمنة الجيش والطبقة الحاكمة على المجتمع، تلك هي صيغة وشكل علاقة النظام المصري بالاحتلال الإسرائيلي منذ توقيع اتفاقية السلام (كامب ديفيد) عام 1979 وحتى اليوم.

إلا أن وقاحة نظام السيسي في التعامل مع الملف الفلسطيني منذ بداية العدوان الإسرائيلي فاقت كل الحدود، إلى درجة باتت معها مصر شريكًا مباشرًا للاحتلال في جريمة الإبادة. ليس فقط من خلال حصار قطاع غزة، الذي تم تشديده منذ صعود السيسي إلى السلطة عبر إخلاء المنطقة الحدودية في شمال سيناء من السكان، لخلق منطقة أمنية عازلة بهدف منع التهريب وإحكام الحصار على القطاع، بل ومنذ بداية حرب الإبادة أغلق نظام السيسي معبر رفح، إلى أن قامت القوات الإسرائيلية باحتلال محور فيلادلفيا، وهو المحور الذي يفصل قطاع غزة عن شمال سيناء.

إلى جانب ذلك، قدّم نظام السيسي تسهيلات عسكرية ولوجستية للاحتلال، كُشف عنها مصادفة، ما يفتح الباب لأن تكون تلك التسهيلات أكبر بكثير مما تم الكشف عنه. وفي الوقت الذي يغلق فيه نظام السيسي معبر رفح في وجه الفلسطينيين، ويمنع نشطاء قافلة الصمود من الوصول إليه، ويطلق بلطجيته للتعدي عليهم، ويعتقل ويخفي البعض منهم قبل ترحيلهم، فإنه يسمح للإسرائيليين بالقدوم إلى جنوب سيناء لقضاء العطلات، والهروب من ضجيج صفارات الإنذار ودخول الملاجئ بسبب صواريخ إيران والحوثيين.

جاءت قافلة الصمود لتُسقِط ورقة التوت الأخيرة عن النظام، وتتركه عاريًا. ونحن معه، أمام حقيقة مفادها أن النظام المصري بات نظامًا وظيفيًا ترتبط مصالحه أوثق الارتباط بمصالح الاحتلال. ومع ذلك، لا يزال يواصل تصدير احتكار الوطنية داخل مصر.

أمام هذه الظاهرة، علينا – كخطوة أولى – أن نقوم بتحليل سلوك النظام ومواقفه كي نفهم طريقة عمله بالشكل الذي يجعلنا قادرين على وضع تصور لإدارة الصراع معه، والخروج من دائرة رد الفعل التي يفرضها علينا، إلى دائرة الفعل والتأثير. ومن وجهة نظري، هناك نقطتان رئيسيتان يجب في البداية تسليط الضوء عليهما، لأنهما تعدّان ركيزتين تحكمان سلوك وتوجه النظام على المستويين الداخلي والإقليمي والدولي.

النقطة الأولى: التفويض الدائم وإدامة لحظة السيطرة

الصيغة التي يعتمدها نظام السيسي في الحكم تقوم على استدامة إحدى اللحظات التأسيسية في عمره، والمتمثلة في جمعة التفويض 26 يوليو 2013، وتحويلها من لحظة عابرة، حدثت في سياق من التضليل والديماغوجية التي شاركت فيها غالبية النخب السياسية، إلى لحظة مستدامة يمكن استحضارها وإعادة إنتاجها بصيغ مختلفة عند كل منعطف يرغب النظام في تجاوزه أو تمريره. يتم ذلك عبر حشد أعداد من المواطنين من خلال شبكات المصالح القريبة من السلطة والموظفين، فيما يُعرف بـ”الزبائنية السياسية”، بحيث يكون بمقدور النظام حشد مجموعات من المواطنين للرقص والتهليل له في أي وقت أراد.

وفي المقابل، تستمر عملية استدامة شيطنة “الآخر” واستباحته، بنفس الطريقة التي استُبيح بها رافضو الانقلاب بعد جمعة التفويض، في مذبحة فض اعتصام رابعة العدوية 14 أغسطس 2013، وما سبقها من مذابح، وما لحقها.

تخول آلية “التفويض الدائم” للنظام قدرة لا نهائية على القمع، وعلى تمرير ما يرغب في تمريره: من الانتخابات البرلمانية والرئاسية، إلى تعديل الدستور، إلى مواجهة أزمات سياسية كما رأينا في مظاهرات المنصة المؤيدة، التي نظمَت بعد المظاهرات ضد النظام في القاهرة والسويس والإسكندرية في 20 سبتمبر 2019 استجابة لدعوات محمد علي. وآخرها المظاهرات المؤيدة لمواقف النظام من الحرب ورفض التهجير، والتي حُشد لها في صحراء شمال سيناء، أمام الشريط الحدودي في مسرحية هزلية سخيفة، على أنقاض مدينة رفح المصرية التي أزالها نظام السيسي استجابة لمطالب الاحتلال الأمنية.

وذلك بعد ما كادت دعوة السيسي للمواطنين للنزول في 20 أكتوبر 2023، لإظهار دعمهم له في مناورة تفويض جديدة، على وشك أن تتحول إلى كارثة، إذ إنه بمجرد ما سُمح للمواطنين بالتجمع، خرجت الهتافات ضد السيسي والنظام والتفويض والتي كان أشهرها “المظاهرة بجد مش بنفوض حد” في القاهرة والإسكندرية، لكن نجح الأمن في نهاية اليوم في تفريق المتظاهرين واعتقال أعداد كبيرة منهم (ما زالوا حتى اليوم رهن الاعتقال). في مشهد كاد أن يقترب من مشهد نهاية ديكتاتور رومانيا الشهير “تشاوشيسكو”، الذي أُعدم في اليوم التالي على دعوته الجماهير لسماع خطبته التي قوطعت بهتافات ضده، وبدأت الجماهير بمهاجمة المبنى الذي كان يطل من شرفته، ما اضطره إلى الفرار هو وزوجته عبر مروحية هبطت على سطح المبنى في اللحظة الأخيرة. لكنه اعتُقل مساء نفس اليوم، وأُعدم مع زوجته في اليوم التالي.

لكن يبدو أن حظ السيسي أفضل من تشاوشيسكو… على الأقل حتى الآن.

في مقابل آلية “التفويض الدائم”، يمارس النظام آلية “الفضّ الدائم” عبر: اعتقال المعارضين والمتضامنين مع فلسطين (خارج إطار الموقف الرسمي بالطبع)، وإغلاق مقرات الأحزاب، وحجب الصحف، وإسكات كل الأصوات التي ترفض الرقص والتهليل للنظام.

فالمواطن الجيد في نظر النظام هو المواطن الذي يرقص أو يصمت. غير ذلك، فسيكون المواطن المسحول أو المسجون أو المقتول… أو جميعهم معًا.

النقطة الثانية: الزبائنية السياسية داخليًا وخارجيًا

العقلية التي تحكم المشهد السياسي الداخلي بشبكات المصالح، والزبائنية السياسية، وآلية “التفويض الدائم” على طريقة “هبرة” و”بكته وألف جنيه وشريط ترامادول” – تعبيرات عبد الفتاح السيسي – هي ذاتها العقلية التي تشكل نمط علاقات النظام المصري على المستوى الدولي والإقليمي.

هذا النمط يتخذ من اتفاقية السلام (كامب ديفيد)، ومن شراكته مع الولايات المتحدة الأمريكية والاحتلال الإسرائيلي، قاعدة أساسية لبقائه واستمراره. فالصيغة التي نسجها السيسي ونظامه منذ انقلاب 2013 هي أن: “حكمًا عسكريًا قويًا في مصر هو الصيغة الأنسب لحماية المصالح الإسرائيلية ومصالح الغرب وحلفائهم في الخليج” (السعودية – الإمارات – قطر – البحرين)، وأن الديمقراطية في مصر ستجلب “المتطرفين والمتشددين”.

وهي صيغة استعمارية بالية، تستخدمها الديكتاتوريات والقوى الاستعمارية لتبرير استبدادها، وغزوها، أو دعمها للطغاة. وبالطبع، نفهم جميعًا أن القيم الليبرالية التي يتغنى بها الغرب من ديمقراطية وحقوق إنسان، لا يتردد لحظة في أن يلقى بها في سلة المهملات حين تتعارض مع مصالحه، أو مع مصالح إسرائيل، أو مع استقرار مشايخ النفط في الخليج.

كل ذلك من أجل الحفاظ على نمط العلاقات الذي يضمن استمرار الهيمنة الاستعمارية، والتفوق الأبيض على شعوبنا وبلادنا.

ظهور بعد اختفاء قسري لسبع سنوات

ماذا يعني أن يظهر ثمانية مواطنين، وثّقت “الشبكة المصرية لحقوق الإنسان” إخفاءهم قسرًا منذ سبع سنوات؟ وماذا تعني مطالبات المنظمات الحقوقية بإنهاء ملف آلاف المختفين قسرًا خلال السنوات السابقة؟

يعني أمرًا واحدًا: أن الإخفاء القسري، شأنه شأن الإعدام خارج إطار القانون، والتعذيب، والحبس الاحتياطي، والمحاكمات الاستثنائية، كلها أدوات مركزية في منظومة القمع. ووسيلة لإهدار كرامة المواطن وحقوقه، وبث الرعب في المجتمع، ودفع الناس للعزوف عن أي مشاركة في المجال العام، بالشكل الذي يُفرّغ المشهد السياسي من أي مؤثرين حقيقيين، باستثناء المعارضة الرسمية التي يستخدمها النظام وقت الحاجة ليظهر اصطفافها معه.

الثقب الأسود السياسي: وظيفة النظام داخليًا وخارجيًا

هذا هو ما أصفه بالثقب الأسود السياسي، الذي توفّره بيئة قمعية عنيفة إلى أبعد الحدود، على المستوى الداخلي، تقوم على الزبائنية السياسية. وفي الوقت نفسه، هي زبائنية سياسية أيضًا على المستوى الإقليمي والدولي، يقدم فيها السيسي نفسه ونظامه كـ”حاكم قوي” داخليًا، قادر على كبح الشارع المصري وضبطه، وكـ”زبون موثوق” لإسرائيل، والولايات المتحدة، والغرب، يمكن الاعتماد عليه لحماية مصالحهم في المنطقة.

ولذلك، فإن هذا النظام يحظى بدعم سياسي ومالي مستمر، لضمان استقرار حكمه واستدامته. ويفسر هذا مثلًا الاستثناء الوحيد الذي منحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عند إقراره بقطع المساعدات الأمريكية عن كل بلدان العالم، باستثناء الاحتلال الإسرائيلي والنظام المصري.

إذًا نحن أمام حالة استثنائية لديكتاتورية عسكرية، تتلاقى مصالحها مع مصالح قوة احتلال صهيونية مدعومة غربيًا على حدودنا الشرقية. وهذه القوة الاحتلالية تدرك جيدًا أهمية استمرار نمط الحكم العسكري في مصر لصالحها.

وهذا بالضبط ما أعنيه بـ”الثقب الأسود السياسي”:
نظام يتماهى مع مصالح الاحتلال، يحتكر الوطنية في الداخل، ويمارس قمعًا غير محدود على المجتمع. وهذه الديناميكية تكشف الترابط بين الجغرافيا والسياسة، وتوضح كيف أن الموقع الجغرافي لمصر يمنح النظام مساحة واسعة للمناورة، بات يُحسن استخدامها جيدًا، إلى درجة تجعله يتفادى تقديم أي تنازلات داخلية، أو القيام بإصلاحات سياسية حقيقية، أو الدفع نحو تحول الديمقراطي.

لكن في المقابل، فإن مواجهتنا لهذا الواقع السياسي المعقد – بكل ما يفرضه علينا موقعنا الجغرافي – هو أمر لا يمكن تجاهله، أو الفكاك منه. وكل يوم نؤجل فيه هذه المواجهة، يعني مزيدًا من التدهور المركب لمجتمعنا.

ما العمل؟

يبقى السؤال: كيف يمكننا أن نواجه هذا الواقع السياسي المركب، ونخرج من الثقب الأسود الذي ابتلعنا فيه النظام العسكري؟
خاصة أن النظام يستعد الآن لإجراء انتخابات برلمانية بنفس صيغة البرلمان الصوري المنتهية ولايته، لأن البرلمان الجديد سيكون المسؤول عن تمرير تعديل دستوري يحتاجه السيسي لتمديد فترة حكمه التي تنتهي قانونًا في 2030 مرة أخرى.

ولا أظن المواطن الأريب يحتاج إلى شرح حول الكيفية التي سيتمكن بها السيسي من تمرير ذلك… لكن، اختصارًا، سيتم الأمر بنفس الطريقة التي مُرّرت بها اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية عام 2017، والتي فرّطت في جزيرتي تيران وصنافير، وبنفس الطريقة التي مُرّرت بها التعديلات الدستورية في 2019 التي مددت بقاء السيسي في الحكم حتى 2030.

الآلية الوحيدة القادرة على كسر الثقب الأسود الذي يُحكم النظام حلقاته علينا هي تحركنا الجماعي عبر الثورة، التي يجب التجهيز لها بشكل جيد ومتأنٍ، كي تكون قادرة على تأمين المكتسبات التي تحققها، ومنع ارتدادها مرة أخرى حين يشن النظام هجومًا مضادًا عليها، كما حدث في ثورة 2011 ثم هجوم الثورة المضادة في 2013، والذي لا نزال نعاني من تبعاته حتى الآن.

ولكي تتمكن الثورة من الدفاع عن نفسها وتأمين مكتسباتها السياسية الأساسية، من ديمقراطية وحرية تنظيم وتداول سلمي للسلطة، يجب أن تتحول إلى ثورة اشتراكية تقودها الطبقة العاملة؛ لأنها الطبقة الوحيدة الثورية حتى النهاية، والتي لا تربطها أي مصلحة بالطبقة الحاكمة يمكن أن تُساوَم عليها.
بعكس باقي الطبقات والتيارات والنخب السياسية الليبرالية، والناصرية، والدينية، واليسارية الشعبوية، التي تميل – في أوقات الثورات – إلى عقد صفقات واتفاقات مع الطبقة الحاكمة لتأمين مصالحها الذاتية الضيقة.

كما رأينا في تحالف الإخوان مع المجلس العسكري بعد ثورة 2011، ثم تحالف جبهة الإنقاذ واللجنة التنسيقية مع الجيش في انقلاب 2013.

هذه التحالفات نابعة من وعي طبقي تدرك من خلاله تلك النخب أن المطالب الجذرية للجماهير تُهدد مصالحها، لذلك تلجأ – في لحظات الثورة – إلى التحالف مع القوى المسلحة القادرة على قمع الجماهير بالقوة لحماية مكاسبها، على أمل أن يؤمن لها هذا التحالف توسيع تلك المكاسب في المستقبل. لكن هذا لا يحدث أبدًا.

فبعد أن استخدمت السلطة الإخوان، قامت بسحقهم وزجّ من بقي منهم في السجون.
وبعد أن استخدمت قيادات التيار المدني، حاصرتهم وأبقت عليهم مهمّشين، لا يُستعان بهم إلا حين ترغب السلطة في توظيفهم سياسيًا، سواء عبر اصطفافات وطنية، أو مناصب شكلية مثل تعيين كمال أبو عيطة وزيرًا في حكومة الانقلاب، أو أدوار تكميلية كالترشح في انتخابات صورية لإعادة تتويج الديكتاتور، كما فعل حمدين صباحي وفريد زهران، مرشحي الرئاسة السابقين، وجميعهم من قيادات جبهة الإنقاذ.

المحصّلة أن نجاح الثورة لا يمكن أن يتحقق إذا تُرك مصيرها للعفوية، التي تفتح الباب أمام المتسلقين من تلك النخب والتيارات السياسية.
ولا أعني بالطبع أن نفس الأشخاص سيكررون نفس الأدوار، بل أقصد أن وجود هذه النماذج الفاسدة، والنظر لها باعتبارها قيادات ناجحة، يشجع عشرات، إن لم يكن مئات، من شباب السياسة الصاعد، على اتخاذ نفس النهج: التقرب من السلطة والاصطفاف معها عند كل سانحة، واعتبار ذلك معيار النجاح السياسي. وهؤلاء هم المرشحون للعب أدوار صباحي وزهران وأبو عيطة في الثورة القادمة.

وللأسف، الأمثلة كثيرة.

لذلك، ولكي تنجح الثورة، يجب أن تنتقل من العفوية إلى ثورة اشتراكية واضحة المعالم والأهداف، تقودها منظمة أو حزب قادر على تنظيم جماهير الثورة بالشكل الذي يسمح بتحقيق أهدافهم. والثورة الاشتراكية تعني قطيعة كاملة مع النظام العسكري القائم، الصيغة الوحيدة القادرة على حماية الرأسمالية في دولة مفقرة مثل مصر. وهذه القطيعة تعني تفكيك أدوات القمع، وهدم منظومة الدولة الاستبدادية. فنحن لا نسعى إلى تحسين شروط العبودية التي تكبّلنا، ولا إلى المساومة على حريتنا، بل إلى تهشيم تلك القيود من أساسها.

وهذا الهدم والتفكيك لمنظومة الحكم العسكري الطبقي المتحالف مع الاحتلال الصهيوني، هو خطوة أساسية على طريق بناء نظام حكم اشتراكي تقدمي يهدف إلى إلغاء الطبقية، يكفل حماية الديمقراطية وإطلاق الحريات العامة، وعدالة توزيع الثروة. (سوف يشمل برنامجنا السياسي الذي نعمل حاليًا على إعداده، شرحًا مفصلًا لرؤيتنا للتحول الاشتراكي).

الرهان على الثورة

إن الرهان على الثورة كأداة لتغيير المجتمع هو الرهان الواقعي الوحيد، للأسباب التي سبق شرحها. ولأن الثورة كانت، وستظل، الوسيلة التي تلجأ إليها الجماهير في لحظات اليأس من التغيير بوسائل أخرى، وحين تشعر في الوقت نفسه بأنها تستحق واقعًا أفضل.

لكن بقاء الثورة في طورها العفوي، كما أشرت سابقًا، سيُبقي الباب مفتوحًا أمام النظام لابتلاعها مجددًا، وسحق الجماهير، عبر امتطاء الجماعات الطائفية، والانتهازيين، والوصوليين، والمعارضين الرسميين، ونشطاء “الاصطفاف الوطني”.هذه ليست سوى محاولة بسيطة لتحليل طبيعة الأزمة السياسية التي نعيشها، والكشف عن الأدوات التي يستخدمها النظام لاستدامة سيطرته، من أجل فتح نقاش أوسع حول الثورة كآلية رئيسية للتحرر في واقعنا. وحتى نتمكن معًا من تعميق تلك النقاشات ووضع التصورات، وإطلاق العنان لخيالنا السياسي، كي نحلم ونخطط لوطن لا يحكمه العسكر، حتى يأتي يوم نحقق فيه هذا الحلم.

إنضموا إلينا وناضلوا معنا…


soc-rev-egy.org



#الثورة_الاشتراكية_-_نضال_من_أجل_مجتمع_حر_وعادل (هاشتاغ)       Socialist_Revolution_-_Struggle_For_A_Free_And_Just_Society#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا نطلب القبول فقط ، بل نسعى لثورة اجتماعية تحقق التحرر الجن ...
- نحلم بأكثر من البقشيش
- من “الجون” إلى الجُبن: كيف وقعت مصر في مصيدة الغاز الصهيوني؟
- القافلة التي أرادت أن تُحرج مصر… ففشختها!
- تعليق علي منع قافلة الصمود: لو أن في شتمكم نفعًا، لسوّدنا في ...
- من البحر إلى البر: الطريق أطول والتحديات أصعب
- إلى الرفاق: تقرير حول الأزمة السياسية
- النصر حليف ليلي والعار يحاصر الفرعون
- الحرية لعلاء عبد الفتاح، الحرية للمعتقلين
- الموت جوعًا… الخزي للنظام وداعميه إلى الأبد
- قانون الانتخابات: مصادرة جديدة على حرية التعبير
- إذا لم تستحِ، فافعل مثل أحمد ماهر
- فلسطين 77 عام من النكبة والإبادة المستمرة
- هل كانت حرب أكتوبر انتصار ؟ ام كذبة من كذبات النظام ؟
- أمانة شباب الحركة المدنية مسار إصلاحي بلا إصلاح
- فعلتها العصابة وقتلتهما بدم بارد، لن ننسي لن نغفر لن نسامح
- لن تكون هذه الزيادة الأخيرة ما لم نتحرك الآن
- لا لتهجير أهالي الوراق يا سيسي
- من أجل معتقلين وأطفال ولاجئين وناجيات وغيرهم
- عدوان امريكي على اليمن وإعادة تشغيل الإبادة الفلسطينية


المزيد.....




- عشرات القتلى والمفقودين.. خبير أرصاد جوية يشرح سبب فيضانات ت ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن القبض على عناصر -خلية مدعومة من إيران- ...
- هجمات روسية دامية على العاصمة كييف ومناطق عدة بأوكرانيا
- كل 15 دقيقة.. طفل قتيل أو مُصاب في الشرق الأوسط وشمال أفريقي ...
- ضابط سابق في الموساد يكشف: هكذا نجنّد جواسيسنا داخل إيران
- هجمات 7 يوليو 2005.. لندن تُحيي الذكرى العشرين لأول تفجير ان ...
- المبعوث الأميركي -راضٍ- عن ردّ لبنان بشأن نزع سلاح حزب الله ...
- إيران: عودة نحو 450 ألف لاجئ أفغاني لبلادهم بعد قرار طهران ت ...
- كأس أفريقيا للسيدات: بداية موفقة للجزائر والمغرب وخسارة لتون ...
- سرايا القدس تقصف جنود وآليات الاحتلال المتوغلة في خان يونس


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - الثورة الاشتراكية - نضال من أجل مجتمع حر وعادل - الثقب الأسود المصري