أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مظهر محمد صالح - سيدة الجنوب الاولى ومحراب الحسين: دموع لا تموت…!














المزيد.....

سيدة الجنوب الاولى ومحراب الحسين: دموع لا تموت…!


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 8392 - 2025 / 7 / 3 - 02:50
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


لم تكن التضحية يومًا شعارًا مجرّدًا، بل كانت ولا تزال قيمة حية تسكن أرواح الكبار، وتُترجم في أفعال من لا ينتظرون مقابلاً إلا وجه الحق. إنها تلك الطاقة التي تسري في شرايين التاريخ، فتدفع دواليبه إلى الحركة في اتجاه الإصلاح، لا بصرخات، بل بدماء تسيل في صمت وتترك أثرها في ذاكرة البشرية.

في محراب هذه القيمة، يقف الحسين بن علي عليه السلام ، سبط رسول الله، لا كبطل مأساوي، بل كـ أيقونة إصلاح إنساني خالد. لم يذهب إلى كربلاء ليموت، بل ذهب ليحيا… ويُحيي.
اختار أن يزرع دمه في أرض العطش، ليورق بعد قرون في ضمير كل من ما زال يؤمن أن الحق لا يُقاس بالقوة، وأن الكرامة لا تباع.
رأيت مشهدًا لا يُنسى، لا في كتاب ولا في فيلم، بل في امرأة قروية طاعنة في السن، خرجت من جنوب العراق تمشي على قدميها، أيامًا وليالي، عطشى وجائعة، لا تسندها إلا دموعها وصلواتها.
كانت تتجه نحو كربلاء ، لا لتحجّ، بل لتواسي. لم تحمل خطابًا سياسيًا، ولم ترفع راية، لكنها كانت تقول للعالم: “ما حدث في الطفّ لا يُنسى، ولا يُغتفر”. كانت تقرأ الحسين بطريقتها، تقرأه دموعًا ودمًا، تعبًا وذكرًا، وتؤكد للعابرين أن القضية لم تنتهِ، بل ما زالت حية.
في دموعها العجوز ، رأيت كربلاء ، رأيت العطش يمتزج بالبطش، والدم يختلط بالجوع. رأيت حرابًا جاهلية لا تزال ترفعها أحقاد من زمن النبوة، تحاول أن تطفئ نورًا لا يُطفأ.
لم اجد ابلغ من رسالة الحرية التي طبعت بارجلها سيدة قروية كبيرة السن وهي في عقدها الثامن بعد ان قطعت اياماً وليالي مشياً على قدميها متسلقةً الارض من جنوب العراق نحو المزار الشريف ، وهي تكابد العطش والجوع وترتوي بدموعها على ماحل بآل محمد من قتل وبطش وظلم في واقعة الطف . فقد وجدت تلك السيدة المؤمنة الزمان والمكان المناسبان ،
لتحاكي محراب الفطرة البشرية السليمة بعدالة القضية وانسانيتها لقاء الظلم والتنكيل والكفر والفساد في واقعة نادرة في التاريخ البشري اختصت آل محمد الاطهار قتلاً ، وتجسدت بشخصية ملائكية هي الحسين عليه السلام جذع النبوة واصولها في العقيدة .
فقد اكدت تلك السيدة الطاعنة في السن في عطشها ودموعها ان شيئاً ما لايصدق من افعال الهمجية قد حصلت في واقعة كربلاء ، اختلط فيها العطش بالبطش والجوع بالدم الزكي بفعل حراب ظلت رؤسها مخضبة باحقاد جاهلية حُملت منذ ظهور النبوة.
احزنني ان تلك السيدة الطاعنة السن قد توفيت ولم تغفل لحظة عن ارض تخضبت بدماء الاحرار لتدفن في ارض اسمها وادي السلام ، لتقترب من ايقونة في عالم روحاني شديد النقاء يلتف حول العرش في تسابيح الصالحين لايعرفها الا الاحرار.
اذ يبقى العطاء هو المبدأ السامي الاول في التضحية. فاكثر الناس تضحية اعظمهم تاثيرا في ولادة امة يبقى ديدنها العطاء وطريقها الإصلاح وهي ترسم مبادئها على جدران الحاضر القوية حتى يقرأها المستقبل .

هكذا هي كربلاء إذًا ، لم تكن لحظة ماضٍ ، إنها نبض دائم لمن يفهم أن الإصلاح يبدأ من الداخل، من الروح المؤمنة التي ترفض أن تساوم أو تنكسر. إن الذين يضحون، لا يفعلون ذلك ليربحوا، بل ليعلّموا. وان الحسين لم يمت، بل استحال منارةً لا تنطفئ .
وفي زمن يعجّ بالضجيج والخذلان، تبقى الرسالة الأوضح في العطاء الصامت. فالأمم العظيمة لا تولد من خطابات وشعارات، بل من تضحيات عظيمة لا تُقابل إلا بالإصلاح، ومن أرواح طاهرة تُغرس في الأرض لتُثمر حريةً وإنسانيةً لأجيال قادمة.
ختاما، وحين علمت ان سيدة الجنوب ماتت بعد رحلتها، شعرت أنها عادت إلى الأرض التي أحبّت، تلك التي تخضبت بدماء الشهداء، واختارت أن تُدفن في حضن الأرواح الحرة التي تُسبّح دون انقطاع، قرب عرش الله، حيث لا مكان إلا للنقاء .
وفي محراب سيد الأحرار، تكتب الحقيقة بالدم لا بالحبر، وتُقرأ القيم في وجوه البسطاء، وتُبنى الأمم من قاماتٍ لم تطلب شيئًا… سوى أن يُولد الإنسان حرًا.
فمن الجنوب إلى ارض الطف: رحلة إيمان،وتاريخ يُكتب بالاقدام.



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في بلد نفطي : أمة تغفو… وسحلية تستيقظ
- الجغرافيا السياسية تحسم الانتصار: من حروب الأرض إلى معركة ال ...
- حوار الطالب وعامل النظافة : كرامة تلامس البحر
- الحي 798: ركيزة العاصمة بكين في الاقتصاد البنفسجي
- وضعت الحرب أوزارها على سجادةٍ إيرانيةٍ شديدةِ التوهج : سردية ...
- شلالات فكتوريا… ليس هديرها استعمارًا، بل إفريقياً سردية ثقاف ...
- حيدر آباد: رفاه الحُكم وتواضع الرحيل
- الولايات المتحدة في الشرق الاوسط: حربٌ بلا حرب
- سلطان إبراهيم: السمك الذي يحسم الجدل
- سور الصين العظيم . جدار الذاكرة … جدار الأمة
- اطفال الآيس كريم في قاعة صندوق النقد الدولي: تربية ناعمة في ...
- رُعاة البقر والهواتف الذكية: تأملات على هامش زيارة إلى كنساس ...
- هل بقي للحياة من طَعم؟
- في سنغافورة: الألماس خلف الزجاج، و الفقراء خلف الأمل
- مصافحة دبلوماسية ناعمة بلا عناء ولكن…؟
- لماذا يرتفع الدينار العراقي في السوق الموازي ؟.
- بين العقل والمال : رحلة في دهاليز التفكير الطبقي…!!
- بين انحناء العامل واستواء السوق:قراءة في وهم التكافؤ
- القمة العربية الاولى في الكويت : ذكريات حزينة برفقة الرئيس ا ...
- الكادح الريعي بين السركال والسجان .. قصة من حياتي .


المزيد.....




- -انتصارٌ للديمقراطية-.. شاهد ترامب من شرفة البيت الأبيض يُشي ...
- بين مطالب حماس وإسرائيل وأبرز العقبات.. إليكم ما نعرفه عن مق ...
- متعاقد أمني سابق في مؤسسة غزة الإنسانية: زملائي فتحوا النار ...
- عاشوراء: لماذا يحيي الشيعة ذكرى مقتل الحسين وكيف تُقام طقوسه ...
- في خان يونس.. -منظمة غزة الإنسانية- تؤكد إصابة موظفَين أميرك ...
- -ندعم وحدة أراضيها-.. أردوغان: لن نقبل بأي خطة لتشريع التنظي ...
- بيانات تكشف ما -أخفته- تل أبيب: خمس قواعد إسرائيلية تحت القص ...
- إسرائيل تتّبع سياسة تدمير جباليا بالكامل
- رئيس الغابون يطلق حزبا سياسيا جديدا تحضيرا للانتخابات البرلم ...
- شاهد.. نيفيز وكانسيلو ثنائي الهلال يبكيان جوتا ويشاركان في ت ...


المزيد.....

- السيرة النبوية لابن كثير (دراسة نقدية) / رحيم فرحان صدام
- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مظهر محمد صالح - سيدة الجنوب الاولى ومحراب الحسين: دموع لا تموت…!