|
الهجوم الأمريكي على إيران: أصبح الآن اندلاع حرب نووية أكثر احتمالًا
حازم كويي
الحوار المتمدن-العدد: 8391 - 2025 / 7 / 2 - 15:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الولايات المتحدة مُهددة كإمبراطورية، والصين تزداد قوة. يمكن فهم الهجوم على إيران على أنه محاولة يائسة لإثبات القوة، لكنه لا يجعل العالم أكثر أماناً. إنغار سولتي* ترجمة: حازم كويي
نحن على الطريق السريع نحو الجحيم. إنه مساء الانقلاب الصيفي. سافرت إلى لاهاي من أجل القمة المضادة لقمة الناتو المرتقبة. شركة السكك الحديدية الألمانية (دويتشه بان) منعت مشاركتي. يُقال إن حالة "الحصان الحديدي" تُضعف الجاهزية الحربية – وفي هذه الحالة، أعاقت خصومها. في الفندق، أقرأ قبل النوم كيف علِمت الشيوعية الروسية والمُناهضة للعسكرة ألكسندرا كولونتاي في 28 يونيو 1914 بمحاولة الاغتيال التي استهدفت فرانس فرديناند، ولي عهد الإمبراطورية النمساوية المجرية، والتي أشعلت شرارة الحرب العالمية الأولى. كانت آنذاك برفقة مغنية روسية في جولة فنية بألمانيا، تحضر سباق خيل قرب برلين عندما أنتشر الخبر. وتصف حالة الصدمة التي إنتابتها بعد ذلك. قبل أن تبدأ بتنظيم المقاومة ضد الحرب. في صباح اليوم التالي، 22 يونيو 2025، أستيقظنا في كابوس الحاضر.
تقويض القانون الدولي كما في الحرب العالمية الأولى، تطور هذا الكابوس تدريجياً على مدى سنوات. لقد جادلتُ مراراً في العام الماضي، وكتبت في كتابي "انتصار ترامب؟" وفي أماكن أخرى، أن احتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة في العصر النووي قد ينشأ من ثلاثة صراعات ومناطق تنافس جيوسياسي: انطلاقاً من أوكرانيا، ومن غرب المحيط الهادئ، ومن الشرق الأوسط. وكان السيناريو الأخير ـ الشرق الأوسط ـ في نظري الأقل احتمالاً، لكنه يظل ممكناً، بالنظر إلى التحالف الاقتصادي والسياسي والعسكري بين إسرائيل والولايات المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي، وبالنظر إلى التحالف الاقتصادي والسياسي ـ وإن لم يكن عسكرياً ـ بين إيران وروسيا والصين وبقية دول البريكس. علينا أن نفهم ما تعنيه هذه القصفات في السياق العام. علينا أن نفهم ما تعنيه في هذه اللحظة المحددة من التاريخ العالمي ـ لحظة تتميز بتحول مركز الاقتصاد العالمي من الشمال والغرب إلى الشرق والجنوب، وبانحدار الهيمنة الأمريكية والغربية، وصعود الصين والجنوب العالمي. نعم، من المُرجّح أن تؤدي هذه القصفات إلى تصعيد الصراع بين إسرائيل وإيران، بشكلٍ أو بآخر. نعم، من المحتمل أن تؤدي هذه الهجمات إلى المزيد من الضحايا المدنيين في كل من إيران وإسرائيل ـ بشكل متماثل أو غير متماثل، وذلك حسب ما إذا كانت المنشآت النووية الإيرانية قد دُمّرت فعلياً أم لا، وحسب ما تبقى لدى إيران من قدرات للرد والانتقام. (يبدو أن البرنامج النووي لم يتم تدميره،فقد أقرّ نائب الرئيس الأمريكي ج. د. فانس بذلك، ولم تُسجّل حتى الآن، بحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أي تسربات إشعاعية ـ وهو أمر كان متوقعاً في حال أنَ هذا الهجوم قد أدى بالفعل إلى كارثة نووية). ونعم، هذه القصفات تمثل أيضاً خطوة أخرى في مسار تقويض القانون الدولي. فالدول القوية في العالم تستطيع استغلال هذا الأمر لتحقيق مكاسب قصيرة الأمد تصبّ في مصلحتها. لكن على المدى البعيد، سيدفع العالم ثمناً باهظاً مقابل ذلك.لما ما حدث في ليلة 21/22 يونيو.
الحفاظ على الهيمنة الخاصة دع هذا الأمر يستقر في وعيك وأن تفكّر فيه جيداً: اعتباراً من اليوم، أصبحت الولايات المتحدة في حالة حرب مباشرة مع دولة تُعد حليفاً مهماً لروسيا، وهي ـ منذ الغزو الروسي لأوكرانيا وما تبعه من عقوبات وعقوبات مضادة ـ تُعتبر أيضاً أهم ممر تجاري لروسيا. في ليلة 21/22 يونيو 2025، بدأت الولايات المتحدة حرباً مباشرة مع دولة تُعد مورداً أساسياً للطاقة إلى الصين، وعضواً في مجموعة بريكس، وعضواً في منظمة شنغهاي للتعاون، وشريكاً أستراتيجياً في مبادرة الحزام والطريق الصينية. وكما قامت الولايات المتحدة، في عهد ترامب، في نصف الكرة الغربي بتهديد الحرب لطرد شركات خاصة مقرها هونغ كونغ من اثنين من أصل خمسة موانئ في قناة بنما ـ والتي انتقلت لاحقاً إلى يد أكبر صندوق استثماري في العالم، بلاك روك الأمريكي ـ وأجبرت في الوقت ذاته دولة بنما على الانسحاب من مبادرة الحزام والطريق التي انضمت إليها عام 2017، فإن إشعال الصراع في الشرق الأوسط من قبل الولايات المتحدة ـ وخاصة من قبل ترامب، الذي سبق أن وافق في ولايته الأولى على النقل الاستفزازي للعاصمة الإسرائيلية إلى القدس ـ يمثل أداة أخرى لتعطيل التكامل الاقتصادي والسياسي في أوراسيا، وعرقلة توسع مبادرة الحزام والطريق. الولايات المتحدة المُتراجعة تحكم من خلال الصراع للحفاظ على هيمنتها العالمية وتلجأ، وهي في حالة تراجع، إلى إثارة الصراعات كوسيلة للحفاظ على هيمنتها العالمية، ولعرقلة صعود الصين والجنوب العالمي. فلو استمرت الأمور بسلمية وفق قواعد النظام الاقتصادي النيوليبرالي القديم، فإن صعود الجنوب العالمي سيكون أمراً لا مفر منه. السبب في فشل كل محاولات الغرب لإقناع العالم بشعار "الديمقراطيات ضد الأنظمة الاستبدادية" والدفع نحو حرب باردة جديدة، هو أن الصين أصبحت اليوم الشريك التجاري الأهم لأكثر من 120 دولة حول العالم. لقد اضطرت الصين عام 2001 إلى الانضمام إلى النظام التجاري العالمي (منظمة التجارة العالمية) وفقاً لشروط قاسية جداً، صيغت بما يخدم مصالح رؤوس الأموال الأكثر قدرة على المنافسة، وعلى رأسها رأس المال المالي الغربي. واليوم، أصبحت الصين آخر مدافع عن منظمة التجارة العالمية بين دول مجموعة الثماني، لأنها تحقق النجاح في المنافسة الاقتصادية، وقد فازت فعلاً في العديد من المجالات ـ مثل التكنولوجيا الخضراء والتنقل الكهربائي. سياسات الحماية الجمركية التي يتبعها الغرب ضد السيارات الكهربائية الصينية، والألواح الشمسية وغيرها، تُعد بمثابة إعلان استسلام.
الولايات المتحدة تسعى لفصل أوروبا عن الصين ولهذا السبب تحديداً، تعتمد الولايات المتحدة بشكل متزايد على آخر نقاط قوتها الكبرى: القوة العسكرية. كما أنها تمارس ضغوطاً على الأوروبيين، باستخدام الوصول إلى السوق الداخلية الأمريكية ـ والتي أُغلقت كمركياً ـ كأداة ابتزاز لدفعهم نحو زيادة التسلح، بحيث تُخفف عن الولايات المتحدة أعباء هيمنتها العسكرية. وفي أوروبا، يُعرض هذا المشهد كعرض مسرحي ظريف: إذ يُقال إن زيادة التسلح تهدف إلى تقليل الاعتماد على الولايات المتحدة. لكن في الواقع، فإن التسلّح الذي بدأ في عامي 2013/2014، وسُمِّي بعد إنتخاب ترامب الأول عام 2016 بـ"الاستقلال الاستراتيجي" لأوروبا، كان في الحقيقة خضوعاً لمطالب الولايات المتحدة. هذا ما ألمح إليه وزير الخارجية الألماني الحالي فاده فول ، حين قال: كلما زادت الإنفاقات على التسلح، زادت فرص تهدئة ترامب في نزاع الرسوم الكمركية. في ذلك الحين، كانت مطالب الولايات المتحدة تقتصر على تخصيص 2% من الناتج المحلي الإجمالي. "مؤخراً، أعلنت دول الناتو الأوروبية ووزراء الدفاع الاشتراكيون الديمقراطيون استعدادهم لزيادة نفقاتهم العسكرية إلى ما لا يقل عن 5%، أي ـ في حالة ألمانيا ـ ما يعادل نصف الميزانية العامة للدولة. هذه النسبة تعبّر أيضاً عن توازنات قوى جديدة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بعد حرب أوكرانيا." تحاول الولايات المتحدة فصل العالم، وخاصة ألمانيا والاتحاد الأوروبي، ليس فقط عن روسيا، بل بالدرجة الأولى عن الصين والسوق الصينية. وتُعد القوة العسكرية، وتسييس سلاسل التوريد، والحرب الكمركية هي الأدوات المفضّلة لتحقيق هذا الهدف. لكن حتى الدول المقرّبة من الغرب، مثل كوريا الجنوبية وكذلك الهند، ترفض أن تُجبر تحت التهديد على الانحياز إلى أحد الطرفين. فهي على علاقات اقتصادية وسياسية وثيقة بكلا الجانبين، ولا تملك الموارد الكافية لمجاراة سباق تسلح جديد. وما كان يُعرف سابقاً باسم "عدم الانحياز"، أصبح اليوم يُعرف بـ"تعدد الانحيازات" أو "الاصطفاف المتعدد". وحتى في السابق، كان غير المنحازين هم من دفعوا باتجاه سياسات التهدئة، ونزع السلاح، والرقابة على التسلّح. في هذا السياق، يُعتبر الدعم المباشر من الولايات المتحدة للحرب العدوانية الإسرائيلية على إيران، التي لا شك في مخالفتها للقانون الدولي، أمراً خطيراً للغاية. ولكي لا يكون هناك سوء فهم: الملالي الإيرانيون يمارسون القتل المروع ، مُضطهدين الشعب الإيراني. بلغ عدد الإعدامات 975 في العام الماضي، وهو الأعلى عالمياً، كما أن عدد السجناء مرتفع أيضاً، حيث يبلغ 228 لكل 100,000 نسمة، وهو رقم يقارب نصف معدل الولايات المتحدة (541 لكل 100,000). تم طرد العديد من المعارضين ـ من الليبراليين والاشتراكيين والشيوعيين ـ خارج البلاد بعد الثورة عام 1979. حركات المعارضة الشجاعة داخل إيران ـ مثل الثورة الخضراء عام 2009، وموجة الاحتجاجات الكبرى التي قادتها النساء في 2022/2023 ـ قُمعَت بشدة. كما هو الحال مع أي حكومة أو نظام يدهس العدالة،فإن حالات الأطاحة بنظام الملالي الحاكم ممكنة. لكن: هذا ليس كأس العالم لكرة القدم، حيث تختار الفريق الأكثر تعاطفاً معه وتشجعه وهو يلوح بعلم وطنه. هنا الموضوع ليس مسألة إعجابك بالنظام الإيراني (وهو أمر غير محتمل) أو عدم إعجابك به (وهو أمر محتمل)، أو حتى الإيمان مرة أخرى بالوهم القائل بأن تغيير النظام ممكن باستخدام وسائل عسكرية خارجية، رغم الموت الذي سيجلبه ذلك، ورغم إرث سياسة الغرب تجاه إيران، التي كانت تدور حول أمور كثيرة، لكن حب الإنسان والديمقراطية لم يكونا من بينها. ففي عام 1953، أطاحت الولايات المتحدة بحكومة يسارية وديمقراطية، واستبدلتها بالشاه الديكتاتوري لإيران، الذي أطيح به في ثورة 1979، والتي ما زلنا منذ ذلك الحين في صراع معها، بل ودعم الغرب في ثمانينيات القرن الماضي صدام حسين بالسلاح لشن حربٍ على جاره، قبل أن يهاجموه هم أنفسهم بعد عام 1990 ويسقطوه عام 2003.
هل ستحدث الحرب العالمية الثالثة؟ الموضوع هنا ليس حول ما إذا كنتم تعتقدون أن إيران قد تهاجم إسرائيل النووية بأسلحة نووية وتبدأ بذلك دماراً متبادلاً. فهدف بنيامين نتنياهو هو إضعاف الحكومة الإيرانية. ويدّعي نتنياهو، تقريباً كل عام منذ 1995، أن إيران على وشك الانتهاء من صنع القنبلة النووية، وهو ما يبرر به حرباً وقائية شرعية. لكن الأمر ليس حول كل هذه التفاصيل: إنه حول حرب عدوانية مخالفة للقانون الدولي، تشنها الآن الحكومة الأمريكية اليمينية المتطرفة والحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة معاً، وتأثيراتها على السلام العالمي. وبغض النظر عمّا إذا كانت الولايات المتحدة وإسرائيل قد قرّبتا العالم خطوة أخرى نحو حرب عالمية ثالثة يمكن أن تُستخدم فيها الأسلحة النووية، (وإذا كنتم قد نسيتم كيف ستكون تلك الحرب، وما تعنيه لكم ولعائلاتكم وللحياة على هذا الكوكب، ربما من المفيد قراءة كتاب آني جاكوبسن. تحذير المفسد: الوداع مع أحبائكم لن يكون مسألة سنوات أو أشهر أو أسابيع، بل دقائق قليلة فقط. وحتى بالنسبة للحكام الاقتصاديين والسياسيين في هذا البلد، لن تكون اللحظة التي يخرجون فيها من ملاجئهم النووية الخاصة بعد الشتاء النووي لحظة مبهجة، لأن الكافيار والجمبري ستكون قد نفدت). لا يزال التصعيد الكامل، أو السير النائم نحو حرب عالمية ثالثة في عصر الأسلحة النووية، أمراً غير محتمل إلى حد كبير، لكن مجرد الاحتمال وازدياد فرص حدوثه يجب أن يجعل الدم يتجمد في العروق.
كيف يتم استفزاز الصين ما يجعل حدوث ذلك ممكناً، لكنه في الوقت الحالي غير محتمل هو: أن الرئيس الروسي قد أعلن بالفعل أن روسيا تدعم إيران، ولكن ليس عسكرياً. وهذا موقف منطقي، لأن روسيا وإيران لا يربطهما أي التزام عسكري بالدعم المتبادل. هذا الالتزام موجود فقط مع كوريا الشمالية. مع إيران، اتفقت روسيا على عدم دعم أي طرف من أطراف الحرب في حال وقوع نزاع. الدعم الإيراني لروسيا في حرب أوكرانيا ليس مبنياً على اتفاقيات. على المدى القصير، تستفيد روسيا من ارتفاع أسعار النفط نتيجة الحرب في الشرق الأوسط، وهو أمر يخشاه الاتحاد الأوروبي، وربما أيضاً من أن الحرب التي تشنها القوى الغربية هنا تخفف الضغط عن الجبهة الأوكرانية. جيوسياسياً، سيكون فقدان شريك تجاري وبلد عبور كارثياً بالنسبة لروسيا، خصوصاً أنها فقدت بالفعل، عقب استيلاء الإسلاميين المُتشددين المدعومين من الغرب على السلطة في سوريا، وصولها المباشر التقليدي إلى البحر المتوسط. حتى الآن، يمكن لروسيا أن تعتمد على أن بعض السياسيين في الغرب، بمن فيهم ترامب نفسه، يحلمون علناً بتغيير النظام في إيران، لكن الغرب يدرك أن مثل هذا التغيير لا يمكن تحقيقه إلا عبر قوات برية مثل العراق. والجميع يعرف كيف انتهت الحروب البرية الغربية في العراق وأفغانستان: رغم التفوق العسكري الساحق، تُنتصر في المعركة الأولى ويُعلن النصر الكبير كما فعل جورج بوش في مايو 2005، لكن الحرب تُخسر في النهاية. انقسام قاعدة ترامب "ماغا" بسبب حرب إيران، مع وجود ستيف بانون وتاكر كارلسون في جانب، وترامب وليندسي غراهام وتيد كروز في الجانب الآخر، هو عامل آخر يجعل ج.د. فانس يُخمد التصعيد ويقول إن تغيير النظام ليس الهدف. من جهة أخرى، ربما لا تكون الصين مُهتمة بامتلاك إيران لقنبلة نووية. لكن الطريقة التي تستخدم بها الولايات المتحدة قوتها العسكرية على الصعيد العالمي، والتي تضر بشكل كبير بالمصالح الاقتصادية الصينية ـ ففي بنما وحدها قضت الولايات المتحدة على حجم كبير من الاستثمارات المدنية باستخدام التهديد العسكري فقط ـ بالكاد يمكن للصين أن تتجاهل ذلك دون رد، حتى وإن كان هذا البلد الذي لم يشهد حرباً منذ أكثر من أربعة عقود لا يمكنه ولا يريد أن يدخل في صراع عسكري مع الولايات المتحدة.
إيران تريد الآن بالتأكيد القنبلة النووية لانعرف بعد ما هي عواقب هذا التصعيد الجديد، ولا يمكننا أن نعرفها. العنف والموت الذي ستنتجه، ما زال مجهولاً. قد يكون العنف متوقفاً لعدم وجود بدائل. لأن إيران لم تعد قادرة، والولايات المتحدة لم تعد تريد، ويجب على الصين وروسيا ودول البريكس الأخرى أن تقبل العنف. لكن المؤكد أن العواقب ستكون دراماتيكية. وستشمل عنفاً وموتاً فورياً وطويل الأمد. بما في ذلك العنف من قوى ضعيفة جداً على المواجهة المباشرة مع إسرائيل والولايات المتحدة، لكنها قادرة على خوض حروب غير متناظرة من خلال إرهاب المجتمع المدني.
الضحايا سيكونون من الأبرياء مرة أخرى. عالمياً سيكون معروفاً على الأقل: إذا لم تكن لديك قنابل نووية، فسوف تقصفك القوى النووية متى شاءت لأنها تستطيع ذلك. وإذا حاولت الحصول عليها، فسوف تُقصف. تماماً كما أن روسيا لم تكن لتهاجم أوكرانيا لو أنها احتفظت بأسلحتها النووية عام 1994، وكذلك ترامب ربما كان سينجح في فرض حرب على كوريا الشمالية في فترته الأولى لو أن هذا البلد لم يكن قد تمكن بأقصى الجهود من الحصول على القنبلة النووية. ومثلما تدعي إسرائيل، القوة النووية السرية، أنها لن تكون آمنة إذا امتلك إيران أيضاً القنبلة النووية، فإن القوى في إيران التي تقول إنه لا أمان من قصف إسرائيل التعسفي إلا عندما يُعاد بناء البرنامج النووي ويُنجز، تتعزز الآن. وفي هذا الصدد، أعلن ديمتري ميدفيديف، رئيس حزب روسيا الموحدة ونائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، بالفعل أنه سيساعد إيران على إستئناف برنامجها النووي، ليس فقط المدني بل أيضاً العسكري.
الصراع مبرمج. سباق التسلح النووي أيضًا مبرمج. ساعة الرعب كلما زادت الأسلحة النووية في العالم، زادت إحتمالية استخدامها أيضاً، خاصةً مع التدمير الجزئي لأسطول القاذفات النووية الروسية التي كانت ـ بموجب الاتفاقيات ـ تعمل تحت السماء المفتوحة، وذلك بواسطة الطائرات بدون طيار الأوكرانية. بعد أن تم إلغاء اتفاقيتي "" (INF) و"الأجواء المفتوحة" (Open Skies) من قبل الولايات المتحدة أولاً ثم روسيا، من المتوقع أن يتم إلغاء معاهدة "ستارت" (START) العام المقبل، رغم أن روسيا كانت قد أعلنت منذ شهور استعدادها لتمديدها. لكن هذه الاتفاقيات كانت تحاول، خلال الحرب الباردة، أن تمنع اندلاع صراع نووي حدث فقط بسبب أزمة كوبا عام 1962 وإنذار خاطئ في 26 سبتمبر 1983. حتى رونالد ريغان، الذي وصف الاتحاد السوفييتي بـ "الإمبراطورية الشريرة" وقاد سباق التسلح ضده حتى أوشك على الهزيمة، تفاوض في النهاية مع ميخائيل غورباتشوف، العدو من "مملكة الشر"، ووقع عام 1987 اتفاقاً لتخفيض الأسلحة النووية ومراقبة التسلح، إدراكاً منه أن الحرب النووية لا يجوز أن تحدث لأنها لا يمكن أن تنتصر فيها. (وهذا ما يبدو أن من إنتقدوا بيان الحزب الديمقراطي الأجتماعي(SPD ) بسبب اقتراحه التفاوض مع روسيا قد نسوه تماماً.) ليلة 21 إلى 22 يونيو 2025 سيغير عالمنا إلى الأبد. بسبب أشخاص مثل دونالد ترامب، ماركو روبيو، وـ يا إلهي ـ مايك هوكابي، وأشخاص مثل بنيامين نتنياهو، الذي يقول منذ ما يقرب من ثلاثين عاماً كل عام إن إيران على بعد أسابيع قليلة من الانتهاء من قنبلة نووية، وبسبب العنصريين والفاشيين الحقيقيين والمحتملين الذين يقفون خلفه، والذين يقودون مع الدعم الألماني في غزة حرباً إجرامية ضد الإنسانية، بل حرب إبادة جماعية، ويعلنون ذلك صراحةً. هناك مثل ألماني يقول: "الطريق إلى الجحيم مرصوف بالنوايا الحسنة". أما الطريق السريع إلى الجحيم فلا يعد حتى ذلك. الدعم الصريح، الساخر، والذي لا يختفي حتى مع ضمائر مثقلة، للحرب العدوانية التي تنتهك القانون الدولي والتي تشنها حكومتان يمينيتان متطرفتان في الغرب، من قبل النخب السياسية الألمانية من المعارضة الخضراء إلى وزير الدفاع الديمقراطي الاجتماعي بوريس بيستوريوس، وحتى المستشار فريدريش ميرتس، الذي قال إن اليمينيين المتطرفين الإسرائيليين "يقومون بالأعمال القذرة نيابةً عن الجميع"، هو عرض مسرحي حقيقي. سيتذكر الناس هذه المهزلة عندما يتحدث هؤلاء الأشخاص مرة أخرى عن "السياسة الخارجية القائمة على القيم"، و"النظام الدولي القائم على القواعد"، و"القانون الدولي" وحماية "سيادة الدول" من "المُعتدين"، وعن التسليح الذي يُقال إنه يهدف إلى تحقيق موقف أكثر استقلالاً عن الولايات المتحدة، وعن "السد المنيع ضد اليمين". على أي حال، هذه هي ساعة الرعب، لا يسعني إلا أن أفكر في قصيدة لـ ويليام بتلر ييتس بعنوان: "المجئ الثاني" (The Second Coming)، التي كتبها الكاتب الإيرلندي مباشرة بعد فظائع الحرب العالمية الأولى وفي خضم الموت الجماعي في جائحة ما بعد الحرب.
تدور الدوائر بلا إنقطاع الصقرُ صارم، لا يعي حكّامه، العالم ينهار، المركز لم يعد يُحتمل، انطلقت الفوضى بلا غطاء، وسالت دماء كالنهر الهائج، البراءة غارقة في اللعب العنيف، الأفضلون مُلئوا بالشكوك، وا لسييئون مشحونون بالعنف والهياج. قريباً يهلّ الوحي العظيم، قريباً عودة قد لا تُقاوم، العودة! وقبل أن تُنطق الكلمة، ترتسم في روحي رؤية قاتمة، من رمال الصحراء يلوح، أسد برأس رجل صارم، عينه كالشموس الحارقة، يرتجف وسط صمت موحش، تُحلّق الطيور الغاضبة حوله، ويرجع الظلام يخيّم من جديد. ولكن الآن قد أدركت، عشرين قرناً من سباتٍ صلب، أيقنت من كابوس الموت الأسود، وحان وقت المخلوق الحقير، يزحف لينجو، ويولد من جديد في بيت لحم.
إنغار سولتي*كاتب ألماني،مؤلف عدة كتب،يعمل في مؤسسة روزا لوكسمبورغ.
#حازم_كويي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عصر التراجع
-
-في الرأسمالية لا يوجد تنافس حرـ النيوليبرالية ليست نظام أسو
...
-
الشرق الأوسط يشهد تصعيدًا دراماتيكيًا في الأوضاع.
-
هل نعيش في زمن الفاشية المتأخرة؟
-
الرأسمالية تتغير – لكنها لا تتحول إلى -إقطاعية جديدة-
-
العولمة انتهت، لكن النيوليبرالية ما زالت حيّة
-
عن سبل الخروج من أزمة المناخ
-
الحزب الشيوعي النمساوي.. حزب لا مثيل له؟
-
كيف يُعرض ترامب الدولار للخطر؟
-
أميركا أولاً،مهما كان الثمن،إلى أين؟
-
إلى أين يتجه اليسار الجديد؟
-
ترامب وأزمة المناخ
-
مقارنات الحقبة النازية وإستمراريتها
-
أميركا تستعد لتأثيرات ترامب في فترة رئاسته الثانية
-
دكتاتورية الليبراليون الجُدد
-
الرجعيات العالمية والشبكات اليمينية في أنحاء العالم
-
كيف سيتصدى حزب اليسار الألماني أمام صعود اليمين المتطرف
-
البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية
-
عودة حزب اليسار الألماني
-
تزايد المشاكل التي تواجه جورجيا ميلوني
المزيد.....
-
تداول فيديو توقيع ترامب على قميص نادلة بعد إقرار قانون الإنف
...
-
كانوا بمخيم صيفي.. فقدان أطفال عدة وسط فيضانات عارمة اجتاحت
...
-
مصر.. حادث طرق جديد يودي بحياة 9 أشخاص وإصابة 11 آخرين
-
مواجهات مستمرة.. القوات الأوكرانية تستهدف قاعدة جوية روسية ف
...
-
بوتين ربما يهزأ بواشنطن بشأن كييف، لكنَّ ترامب لن يفعل شيئا
...
-
مصادر فلسطينية: مقتل العشرات بغارات إسرائيلية في غزة
-
ألمانيا: تراجع طلبات اللجوء 50 % في النصف الأول من عام 2025
...
-
تشهد معارك شرسة.. ما الأهمية الإستراتيجية لمدينة بابنوسة بكر
...
-
عرض مسلح لحزب الله يثير انتقادا حكوميا
-
الطفلان شام وعمرو.. نماذج مؤلمة لحرب التجويع الإسرائيلية بغز
...
المزيد.....
-
نقد الحركات الهوياتية
/ رحمان النوضة
-
الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو
/ زهير الخويلدي
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
المزيد.....
|