محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث
(Mohammad Abdul-karem Yousef)
الحوار المتمدن-العدد: 8389 - 2025 / 6 / 30 - 09:31
المحور:
قضايا ثقافية
ليزلي ماكلوكلين
ترجمة محمد عبد الكريم يوسف
المقدمة:
«أبا إيبان»، المخابرات ، السيدة الحديدية
يعتبر معهد شملان بحق مدرسة فريدة من نوعه : مؤسسة بريطانية أقيمت أول الأمر في القدس قبل نصف قرن لأغراض المخابرات، وظلت وزارة الخارجية البريطانية مسؤولة عنها معظم سني وجودها؟ التي لم تتجاوز الثلاثة والثلاثين عاما. بدأت خلالها بتخديم المعلمين الهواة وانتهت بسمعة عالمية في مضمار التعليم الفعال للغة العربية.
كاد خريجوها ألا يغيبون لحظة من شاشات التلفزيون في أنحاء العالم البلورية خلال أزمة حرب الخليج عام ۱۹۹۰ - ١٩٩۱. أحدهم كان يشغل نائباً للأمين العام للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي، ومدير الدراسات الأول لمركز الشرق الأوسط للدراسات العربية «ميكاس» كان أبا إيبان، وزير الخارجية الإسرائيلي السابق والذي كان ضابطاً في منظمة بريطانية سرية حتى عام ١٩٤٦ (SOE). وفضلاً عن ذلك فأن «مارك لينوكس بويد» أحد الوزراء بالخارجية البريطانية كان طالباً هناك خلال الستينات .
لقد ولدت ميكاس» في فلسطين من رحم الطوارئ العسكرية خلال الحرب العالمية الثانية وظلت طويلاً تحت شروط الانضباط العسكري. على أنها أضحت أكثر مدنية - في عقدها الثاني بلبنان - ومن ثمة بدأت تضحى هدفاً لتعليقات بالغة العدائية خاصة من الدوائر الاشتراكية والوطنية باعتبارها وكراً للجواسيس» .
وعلى الرغم من أنها كانت موضع شبهة لدى العديدين كمركز للإمبريالية أو ما هو أسوأ منها فأنها خرجت بجلدها عبر أزمة السويس أصبحت مركزاً ذا سمعة عالمية خلال الستينات في مجال تعليم اللغة العربية الحديثة .. كما أن طلابها من مختلف البلدان ارتقوا مناصب الهيبة والنفوذ خلال العقود الثلاثة التالية : فأصبح عدد منهم سفراء لبلادهم. أما في بريطانيا ذاتها فان ثلاثة من آخر خمسة رؤساء للسلك الدبلوماسي تخرجوا من ميكاس» وتعين خريج آخر رئيساً لدائرة المخابرات البريطانية، في الخارج ام آی ٦» أو «اس آي اس».
لقد نشأت «ميكاس في بداية الحرب الباردة وتأثرت في كل الأوقات بتلك الظاهرة ونعمت بحياة ساحرة خلال عصف أربعة عقود من الزمان في واحدة من أكثر مناطق العالم اضطراباً. وقد تم إخلاؤها رسمياً مرات أربع كما انقطعت الدراسة بها مراراً بسبب مختلف الأزمات السياسية إلا أنها آخر الأمر قدمت مساهمة لا تفنى صوب فهم أفضل للغة العربية والعالم العربي. ويعود نجاحها إلى حد كبير إلى ما تلقته من سند من طرف السلطات في لبنان - التي كانت مقرها طيلة ثلاثين عاماً. - ومن طرف العديد من الأصدقاء المخلصين في الأردن.
وقد كانت التجربة بالنسبة لنحو ألفي من الرجال والنساء من دارسي اللغة العربية بميكاس» بالغة الأهمية في حياتهم العاطفية والثقافية مما وفر لهم - في حالات عديدة - اهتماماً لا ينقطع بما هو عربي وإسلامي وعمق فهمهم المشكلات العالم العربي العديدة.
ولقد استفادت الحياة الأكاديمية في بلدان عديدة من خريجي ميكاس» : فهم لعبوا دوراً كبيراً في جر فن تعليم اللغة العربية كلغة أجنبية إلى القرن العشرين. وكان يسود اعتقاد عند بداية «ميكاس» في القدس عام ١٩٤٤ أن الطلاب باعتبارهم مبتدئين يجب أن يستهلوا الدراسة بكتبالأطفال العربية. وعن طريق التجربة جرى تصميم أساليب جديدة وبحلول الستينات كانت «ميكاس ناجحة تماماً في تدريس العربية الحديثة لأغراض التواصل. وعبر مبادرة من الحكومة الاتحادية، شرع طلاب جامعات أمريكية في الانخراط في دورات لعام كامل في ميكاس» بترتيب من جامعاتهم متضافرة. أما الطلاب الجامعيون البريطانيون فقد بدأوا بحضور الدورات الصيفية الميكاس». وبحلول السبعينات شرعت بلدان عديدة في إرسال طلابها الدبلوماسيين لدورات دراسية طويلة في شملان بلبنان فيما بدأ رجال الأعمال يتزاحمون عليها بعد ارتفاع أسعار النفط وخصوصاً اليابانيون منهم .
وبحلول عام ١٩٧٥ أصبح الرسميون من الطلاب أقلية وكذلك البريطانيون منهم أغلب الأمر. وحين أغلقت «ميكاس» أبوابها لآخر مرة عام ١٩٧٨ كانت قد أرست سمعة راسخة كأكثر المؤسسات فاعلية في العالم في مضمار تدريس العربية في وقت وجيز.
وعلى أثر إغلاق «ميكاس» لعب العديد من خريجيها دوراً متصلاً في تحسين تعليم العربية كلغة أجنبية عبر الجمعية البريطانية المعلمي العربية، باتا». ونشأت مبادرة أخرى ترسل بموجبها الجامعات البريطانية والأوربية طلابها للدراسة بجامعة الإسكندرية وذلك تحت إشراف أستاذ أكاديمي بريطاني. ومن الطريف أن فكرة وجود أساتذة عرب يدرسون العربية بإشراف أكاديمي بريطاني مفهوم استخدمته «ميكاس» على مدى تاريخها.
انعقدت أول دورة دراسية في القدس قبل أكثر من نصف قرن حينما لبي نحو عشرين رجلاً معظمهم من الضباط البريطانيين نداء الواجب ليدرسوا العربية تحت إدارة مستكشف بريطاني شهير. من كان بوسعه التكهن بأن مؤسسة بتلك السمعة العالية العالمية ستنبت من جراء جهود روائي لواطي، هو ابن أخ الروائي اللواطي الآخر، سومرسيت موم، وكان وقتها ضابطاً في الجيش يعاني من جرح في رأسه. ويحكى الروائي المعين روبين موم الحكاية التي تكاد إلا تصدق في كتابه المغمور الذكر، البدوي». وكان ألبرت حوراني الذي مات في اليوم الذي جرى فيه تحرير هذه السطور والذي نهدي له هذا الكتاب مستشاراً للحكومة البريطانية في ذلك الوقت حول مسألة تأسيس «ميكاس» وقد أكد صحة تلك الرواية.
ویروی روبین موم كيف انه أي قاضي القضاة ورئيس مجلس اللوردات في عامي ١٩٤٢ و ١٩٤٣ بذل كل جهد مستخدماً اسم عمه لورد موم The Lord Chancellor ليجد سبيلاً إلى غلوب باشا وإلى الجنرال سبيرز وإلى رئيس الوزراء تشرتشل. وكان الأمر عاجلاً بالنظر إلى أنه كان محتملاً أن يشق الجنرال الألماني روميل طريقه إلى القاهرة مما يستدعى الحاجة إلى وجود موظفين بريطانيين ذوي معرفة بالعربية للعمل بين صفوف العدو ضد المحور. وحين هزم روميل واستسلم جيشه لحسن الحظ - في مايو/ أيار من عام ١٩٤٣ - جرى تعديل المفهوم المتصل بوجود ضباط استخبارات ذوي معرفة بالعربية ليناسب الاحتياجات المدنية والعسكرية وتم التصديق في مايو/ أيار عام ١٩٤٣ لإقامة المركز .
وفي الأشهر الأولى لعام ١٩٤٤ بدأت دراسة العربية في «ميكاس» في القدس الشريف وبقيت صلة المركز بفلسطين حتى بعد إغلاقه نهائياً في عام ۱۹۷۸
كان ديفيد ميلور وزير الدولة في الخارجية البريطانية والنائب في مجلس العموم ذا اهتمام نشط بفلسطين وذا صلة بالشخصيات الفلسطينية خلال الثمانينات. وفي واقع الأمر فأن مارغريت تاتشر نقلته من منصبه بوزارة الخارجية البريطانية بسبب تعاطفه مع الفلسطينيين. فقد كان، بصفته وزير دولة في وزارة الخارجية وشؤون الكمونويلث ضيفاً رسمياً على عشاء أقيم بلانكيستار هاوس في نوفمبر/ تشرين الثاني عام ١٩٨٧ لتدشين جمعية ميكاس في اللقاء غير الرسمي لخريجيها.
وقد لفت حفل العشاء انتباه صحيفة «التايمز» اللندنية التي كتبت عنه تحت عنوان
"الشبكة القديمة تلتقي مجدداً"
وقد أدى ذلك العنوان أقصى جهده ليستغل أساطير النشاطات الاستخبارية المركز شملان والى أولئك الذين لم تكفهم الإشارة نشرت الصحيفة صورتي جاسوسي الكى جي. بي. بليك وفيلبي.
على أن نص الخبر أنصف المناسبة بحيث انه أعلن عن تدشين الجمعية في الذكرى الأربعين لنزوح "ميكاس" من فلسطين تحت إملاء الظروف القاهرة .
#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)
Mohammad_Abdul-karem_Yousef#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟