|
يسقط ...يسقط الأستقلال
جورج شكرى
الحوار المتمدن-العدد: 1813 - 2007 / 2 / 1 - 09:22
المحور:
كتابات ساخرة
تعرفون أن (أم نبوية) لا تملك سوى (دكرين بط) وتعرفون أن (رجال البلدية) لا يرحمون ولا يدعون كذلك رحمة الله تجد طريقها إلى بني البشر. على هذه الخلفية المعرفية سوف نستطيع أن نتفهم ما سيحدث الآن؛ (أم نبوية) تحاول أن تبيع (دكرين البط) خاصتها كي يتسنى لها أن تجد ما يأويها هي وأولادها (أم نبوية) لا تملك محل تجاري وليس لديها رخصة ولم تحصل على إذن من الحي لكي تفعل.. كل ما في الأمر أنها وجدت مساحة جغرافية مناسبة في السوق فأخذت تنادي في الأسواق ويسمع صوتها في الشوارع والآن المشهد المعتاد.. رجال البلدية الجبابرة العتاة يخترقون كادر الكاميرا يقلبون موائد الصيارفة ويطردون الباعة من الشارع. يتلذذون بصفع قفا هذا.. ويستمتعون بركل مؤخرة هذه، ولا يخلِّفون ورائهم سوى سيل من السباب واللعنات والعبارات المتطايرة المنذرة بالويل والفوضى.. الفوضى الخلاقة حسب تعبير الحاجة (كوندليزا رايس) لكن الأمر اختلف قليلاً في هذه المرة فقد كان بطلنا المغوار ضمن معطيات المشهد (أم نبوية) تصرخ مستغيثة.. النخوة والشهامة والرجولة وكلمات عربية أخرى تحمل نفس المعنى تستيقظ في نفس بطلنا المغوار على صوت صراخ (أم نبوية).. إنه يتقدم في شجاعة إغريقية نادرة ليواجه الجبابرة العتاة.. معركة صغيرة تنتهي بهروب رجال البلدية لكنه – ولأنه أحمق ولأن المخرج عايز كده – لم يكن يعرف أنهم هؤلاء هم رجال البلدية.. في نطاق حواسه الإداركيه كانوا مجرد لصوص في حالة تعدي على (ولية غلبانة) ولو عرف لتظاهرت نخوته وشهامته ورجولته المزعومة وبقية الكلمات التي تحمل نفس المعنى بالنوم العميق فما هي إلا لحظات حتى أصيب الجحيم بالتخمة وتقيأ.. الأمن المركزي يحتل قلعة الكبش وإذاعة الـ B.B.C تعلن أن (رجال البلدية اتضربوا يا رجالة) ولا داعي لذكر تفاصيل أكثر بطلنا المغوار يدفع ثمن شهامته خلف قضبان السجن وتحديداً على البورش بعدما أهدرت آخر قطرات كرامته. ويدور السؤال الخالد من أرفع المساجين مقاماً وأعلاهم شأناً (أنت إيه اللي جابك هنا.. سرقة ولا نصب ولا مخدرات) لا يجد البطل مصطلحاً تفصيلياً (للي جابه هنا) سوى.. سياسة وكأنها افتح يا سمسم.. ما أن يضغط على زناد فمه ويطلق كلمته هذه (سياسة) حتى تنفتح أبواب السجن ولسبب إخراجي ما يتم الإفراج عن المتهم هنا يقرر أرفع المساجين وأعلاهم شأناً أن يغير نشاطه طالما أن كلمة سياسة هذه تفتح أبواب السجون للخارج كما للداخل أيضاً.. يُحمل على الأعناق ويصرخ (يسقط.. يسقط الاستقلال) ويردد وراءه بقية المساجين (يسقط... يسقط الاستقلال) .........................................
إنه من مشهد فيلم (جواز بقرار جمهوري) وهو مشهد يحمل إسقاطات سياسية واضحة المعالم بحسب رؤيتي النقدية المتواضعة والتي لا ترقى بأي حال من الأحوال لمستوى النقد الفني الراقي وبعيداً عن تلك الإسقاطات السياسية التي لا حصر لها والتي قدمها خالد يوسف في فيلمه (جواز بقرار جمهوري) إلا أن تلك الجملة (يسقط.. يسقط الاستقلال) ظلت تحتل مساحة ضبابية مُبهمة المعالم في ذهني.. مساحة لم تعلن عن نفسها ولم تتجلى لي إلا حينما سمعت أحدهم وقد فاض به الكيل وطفح حتى قال: (يارب أمريكا بقى تُخش علينا وتخلصنا على الأقل هنلاقي طائرات تحدف علينا أكل) إلى هذا الحد كان أحدهما يعاني؟! نعم لقد بلغ به الجوع والطفح والمعاناة إلى الحد الذي جعله يقايض حرية بلاده بخلاص أمريكي ويفرش للمخلص القادم وطواعياً تراب هذه الوطن بسجاجيد الدماء وزهور الموتى في مقابل طائرات (تحدف علينا أكل)
كان فقيراً مُعدماً، منهك القوى، خائر العزيمة، عاجز ومقهور، جمعتني به ظروف عاتية حيث امتطينا سوياً واحدة من عربات الموتى التي قررت ولسبب لا ندريه أن تنقلنا إلى مقار بيوتنا التي تحولت بدورها إلى مقابر تحوى ودائماً داخلها قصص مأساوية عن بؤساء مصر. لن أستطرد كثيراً هنا في الحديث عن العربة التي كانت تقلنا لكن يجدر بنا أن نذكر أن العربة - مثلها مثل كثير من العربات المشابهة - كانت بلا رخصة ولا تحمل كذلك أرقام تدل على هويتها وسائقها دائماً مخمور، أو لعب جوان البانجو برأسه، أو جلست بجواره حسناء (من وجهة نظره) أنسته الدنيا وما فيها. إما الطريق الذي كان يسلكه فمستنقعات تنزانيا ستكون ألطف كثيراً من تلك المنحنيات الأفعوانية والمطبات المُنهكة التي تُشعرك بعد أن تغادر العربة بأن رأسك لم يعد رأسك وجسدك لم يعد كذلك.. في هذه الظروف المأساوية إلتقينا وكانت كلماته التي جردت عبارة (يسقط.. يسقط الاستقلال) من عباءتها الضبابية المُبهمة فبدت لي عارية وقد عبث المنطق بتفاصيلها حتى غدت لي كحقيقة مجردة
حقاً نحن وإن عشنا في ظل دولة مستقلة ذات سيادة إلا أننا نعيش أسوأ أنواع الاحتلال نعم يا سادة نحن مُحتلون. نحن مُحتلون من الحزب الوطني وقياداته وسياساته الديكتاتورية التي لا تؤمن بحق وجود قوى أخرى مُعارضة ومُجابهة ومناهضة... ديكتاتورية لا تؤمن بحق الشعب بتحديد مصيره واختيار مساره فالشعب – في عين الديكتاتورية ورمزها الأعلى – ساذج، متقهقر عقلياً لم ينضج بعد ولم يشب عن الطوق ويبدو أنه لن يشب.. شعب لا يستحق حتى كسرة الخبز العفنة وكوب الماء الموبوء بالكوليرا والطاعون..!!
نحن مُحتلون من أجهزة أمنية قمعية ترويعية لا تجد رادع لها ولا جهة مرجعية تضع علامات الاستفهام في طريقها.. أجهزة تعيث في أرضنا وسماءنا فساداً.. تُحيل حياتنا إلى حمم جحيمية لا ينقطع سيلها.. تستبيح كرامة خيرة شباب هذه الأمة وتهبط بمستوى كرامتهم إلى مستوى ممسحة الأقدام.. أجهزة طورت شعارها الأمني أخيراً إلى (الشرطة في خدعة الشعب)..!! مُحتلون من فكر وهابي مؤسلم مُسيطر وبصورة مُقهقرة على عقول شبابنا حتى تحولوا إلى شرذمة من الملتحين والمنقبات.. شرذمة مُكفرة لآخر يعيش في دياجير الضلال ويحتاج إلى من يمهد له الطريق بنور الهداية.. شرذمة حولت مصر إلى مسجد كبير بملايين الأئمة.. !!
مُحتلون من فكر إعلامي مقيت يتعامل معنا على أننا جوقة من السذج والمجانين والمختلين عقلياً.. يمسح جوخ هذا ويمارس الموالسة مع تلك ويقرر أن حذاء هذا يحتاج إلى تلميع وأن ملابس هذه تحتاج إلى تمزيق.. إعلام يتحرك في الظل ويتعامل مع الظل.. إعلام ضبابي تعتيمي يتعامل بصورة هلامية مع اللاحقائق..!!
مُحتلون من عقول تعليمية ظلامية حولت منابر مدارسنا وجامعاتنا إلى جبهات لإطلاق أفكارها الرجعية المسمومة.. عقول منحت لنفسها السلطة المطلقة في ضخَّنا بمناهج تعليمية مشوشة، مزيفة وموضوعة حسب اهواء شخص احتكر لنفسه حق ضخَّنا بما يمليه عليه عقله المريض وبما يتناسب معنا نحن الحمقى المضخوخين..!!
مُحتلون من الفقر المدقع والجوع الكافر وتردي الحال والأحوال وغلاء وبلاء المعيشة، خبز عفن وماء موبوء وسحابة سوداء تسيطر على الأجواء وتجثم كجاثوم كوبسي على أنفاسنا، أبقار أصيبت بالجنون وبالحمى القلاعية، دجاج قرر أن يموت بالأنفلونزا، وطماطم ارتفع سعرها وسعارها حتى أصابت حبات التفاح بالخجل..!! نحن نعاني.. نحن نموت.. نحن حطام.. نحن شعب من المقهورين والثكالى.. نحن شعب من العجزة والمساكين. ألا يحق بنا بعد كل هذا أن نصرخ وقد طفح بنا الكيل!! يسقط.. يسقط الاستقلال..!! يسقط.. يسقط الاستقلال..!!
لا أنا بل نعمة الله التي معي
#جورج_شكرى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هيا بنا نحطم الصخر بمعاول من ورق
-
الأقباط فى الأمثال الشعبية 1
-
جرعة زائدة من بول الأبل تتسبب فى كتاب فتنة التكفير
المزيد.....
-
رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل
...
-
-هاري-الأمير المفقود-.. وثائقي جديد يثير الجدل قبل عرضه في أ
...
-
-جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|