أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - صباح محسن جاسم - سمكة دون زعانفها














المزيد.....

سمكة دون زعانفها


صباح محسن جاسم

الحوار المتمدن-العدد: 1812 - 2007 / 1 / 31 - 11:22
المحور: كتابات ساخرة
    


قصة قصيرة
ثمة جدار خشبي بلون التربة الندية من ألواح للفايبر قسّم صف الطلبة إلى نصفين ، طلاب على جهة اليمين وطالبات على جهة الشمال ربما أريد به حجب فضول تبادل النظرات والهمس بما يعكر صفوَ انسياب المعلومات إلى قرارها في النفس وفي الروح لا الجسد فحسب! مثل تلك التوجيهات والأوامر الصارمة كانت تدخل بلباس خفي باسم السلطة فتجثم على رؤوس الجميع دون استثناء.
فيما جلس الطلبة يتشاورون حول موضوع درسهم تناهى إلى الأسماع صوت الجرس يدق إعلان بدء المحاضرة.
دلف إلى القاعة المتواضعة أستاذ جليل اعتمر عمّة فبدا رأسه أكبر قياسا إلى حجم جسمه. تنحنح وهو يتطلع إلى جمع الطلبة. فضول ما دفعه لينزع نظارته ماسحا عدستيها ثم يعيدها أعلى انفه وليهمهم مع نفسه بصوت خافت غير مسموع . يؤدي تحية السلام ويبدأ الدرس.
رتب من وضعه وهو يلتفت إلى الخلف متأملا المساحة الخضراء ، وكأنه اكتشف خللا ما ، فهمّ واقفا ومن ثم متجها صوب السبورة ماسكا بين إصبعيه قطعة طباشير. عند الزاوية العليا إلى اليمين ثبّت تاريخ ذلك اليوم ، ثم عنوان الدرس . قبل عودته إلى المنصّة نبهته إحدى الطالبات وهي ترفع يدها مشيرة إلى ضرورة تصحيح كتابة التاريخ.
شكرها مرتبكا وهو يبدي نوعا من تأفف جليّ ثم صحح التاريخ ممررا قطعة الطباشير على أصل ما كتب فبرز الرقم 74 ناصعا بدلا من 47 .
وكعادته مضى الأستاذ يقدم موضوعه بمقدمة سريعة تشويقا للدرس ، وليبدأ :
- ماذا نسمي سمكة دون زعانفها؟
همس وهمهمة.. قهقهة هنا واعتراض هناك .. الآ أن أحدا لم يعط جوابا شافيا يكف به الحاحَ الأستاذ الذي عاد يؤكد لأحدى الطالبات :
- بل هي سمكة حقيقية لا رسم أريد به ليقبع على لوحة زيتية كما تفضلّت.
انبرى طالب آخر : هي نوع من سمك الأنكليس، فهي لا تحمل زعانف عدا الذيل.
طعن في الإجابة آخر وهو يؤكد :
- بل انك لتؤكد امتلاكها لزعنفة ذنبية.
حاجج آخر:
- ذلك مخالف لطبيعة الخلق! كيف تريد لسمكة أن تكون لذاتها دون زعانفها التي تسبح بها وتشق طريقها داخل المياه ؟!
تبسّم الأستاذ مؤيدا بحركة من رأسه ثم تابع يستحث طلبته على إجابة أبلغ . عقّبت طالبة أخرى بسخرية بادية :
- ليس أسهل من أن نقطع بسكين حاد كل زعانف السمكة ثم نقشر ما اخشوشن وبرز من قشورها بعدها نشق جسمها جهة الظهر ونباشر تنظيفها وغسلها .. نذر عليها الملح ونتركها فترة ثم نضعها في الفرن أو نعلقها داخل تنور موجور. فهي إذن سمكة مشوية.
ارتسمت على محيّا الأستاذ ابتسامة واسعة شاركه فيها آخرون فيما رفع كفه إلى وجهه بحركة مقصودة معلقا:
- بلغتنا رائحة شواء يسيل لها اللعاب!
أبدى آخر مداخلته :
- بل هي ميتة لا محال .. فسمكة دون أطرافها تبقى مبتورة ناقصة.. سرعان ما تموت ذلك أنها تكون قد فقدت ما يسوغ لها الحركة داخل وسطها لتواصل العيش والحياة.
أثنى الأستاذ على ما طرح من أفكار للإجابة مستوضحا البعض الآخر ومنبها إلى مقصد سؤاله. ثم طلب من الجميع الكتابة حول ما دار ونصح اختيار عنوان مناسب للموضوع .
قبل أن ينتهي وقت المحاضرة بدأت الدفاتر تتجمع عند حافة المنصّة . ما إن أعلن الجرس الإذن بانتهاء الدرس حتى سمح للجميع بالمغادرة بعدها راح الأستاذ يرتب دفاتر طلبته ليحملها إلى غرفة التدريسيين بغرض مراجعتها ووضع ما يناسب من العلامات.
قبل أن يغادر جال بنظره فضاء قاعة الدرس معتزا بـ ( العشّة) كما أحبّ أن ينعتها حتى لفت انتباهه حزم من ضوء تملأه الحركة تتخلل جدار الفايبر الفاصل.كانت أشبه بحشود من سمك يهاجر عبر تلكم الأبواب . سمك جذل بزعانف ملونة يعبر دونما خوف. ألقى برزمة الدفاتر في موضعها متخذا بعض خطوات قرب الجدار ليتأكد مما رأى علّه خداع من بصر.
توزعت الجدار خروم وثقوب مختلفة عديدة حولته إلى شباك كبير مطل على حديقة غنّاء تزدان فيها أزاهير مختلفة الألوان.. كم أدهشته الفكرة وحزم الضوء تلك بقوس قزحها البراق !
أقعى صريع ذهول ممتزج بغيظ .. نكص عائدا كالمصدوم يحمل دفاتره. أسقط في يده وهو يجاهد السيطرة على أعصابه والتخفيف من غلواء ما سيقدم عليه. شعور معاكس هجم عليه بغتة. ولما لم يستطيع كبح جماحه انفجر بضحكة مدوية مرددا بصوته الجهوري:
- اللعنة ، ما لي ولكل تلك الدفاتر؟ لقد فعلها الجرذان ! حقا لقد استوعبوا الدرسَ وأجابوا مسبقا عن سؤالي الصعب !
مضى قرابة الشهر اختفى بعدها الجدار تماما غير أن تلك الابتسامة المميزة لم تختف عن وجوه الجميع بما فيها وجه الأستاذ الذي شرع يعد لموضوع آخر من مواضيعه الجديدة الشيّقة



#صباح_محسن_جاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وأكَلْنا شَجَرَتنا الزيتون
- كزار حنتوش - يؤيؤ أيّكتنا
- الأخير والأول معا
- فراشة المستنقعات
- قبلة من وليد حسن الإنسان الفنان الشهيد
- جوْزتُنا تَنضو ثيابها
- كفاح حبيب .. نتونس بيك وانت معانا
- عصفور المشهداني ، ديك بريمر وقندرة شارلي شابلن
- عصفور المشهداني ، ديك برايمر وحذاء شارلي شابلن
- تنوع- لبابلو نيرودا
- ما يشبه الضحك .. ما يشبه البكاء
- النهرُ سمكة
- تلك الزهرةُ البريّة
- بيضتا هرّ - قصة قصيرة -
- مما وراء السوريالية
- مواساة لشجرة البمبر
- عذابات يحيى
- الفعل .. بستان
- أكنيتا فالك .. الحبّ وضده
- أكنيتا فالك : الحبّ وضدّه


المزيد.....




- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - صباح محسن جاسم - سمكة دون زعانفها