نادي التثقيف العمالي
لجنة الدراسات والإعلام
أنزا- أكادير -المغرب
********************************************************************************************
العولمة الرأسمالية
الهجوم
المقاومة
البــديـــل
********************************************************************************************
يونيو 2001
إهـــــــــــــداء
وضع نادي التثقيف العمالي ضمن أهدافه ، لما تأسس قبل عامين ، نشر ثقافة الرفض ، رفض الاستغلال والاضطهاد ، و ثقافة النضال : إدراك الجوهر لتبديد الأوهام وشحذ الهمم .
وقد تناولت إصداراته لحد الآن مجالات النضال العمالي والشعبي وأخطار الشغل وقوانينه والحماية الاجتماعية و قضايا النساء ، وتخللها نزر من ثقافة النضال الجديدة : ثقافة مناهضة الرأسمالية المعولمة .
وبهذا الكتيب يضيف النادي خطوة على نفس السبيل .ولن يثنيه في ذلك ما نرى من استقالة غالبية المثقفين " التقدميين" ومسايرتهم للهجوم الليبرالي الجديد .فقد كان نادي التثقيف العمالي من القلائل الذين رفعوا، في مسيرة النساء 2000 بالرباط ، لافتات تطالب بإلغاء الديون وتطبيق ضريبة توبين ، في وقت طمس فيه مؤطرو المسيرة كل المطالب المضادة لسياسات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي. هذا رغم ان المبادِرات بمسيرة نساء عالمية في كندا وضعـن هذه المطالب في المقدمة . لكن لا سر في ذلك لأن حكومة "أونا" لا تطبق فعلا غير تلك السياسات ، وكان الميل الغالب بين منظمي مسيرة الرباط يساير الحكومة منتظرا منها إصلاح أحوال النساء ضدا على التصلب الرجعي المعادي لـ"خطة إدماج المرأة "( ).
فليكن هذا الكتيب هدية لكل المناضلين : هدية الى مناضلي أطاك –المغرب المضطهدة ، هدية الى طلبة فاس المقموعين بالعصا وبالبهتان الإعلامي ، والى منتفضي زاكورة وكافة المعطلين ، والى العمال الذين لا يتذكرهم الحاكمون سوى لاستصدار أحكام استعجالية باقتحام إعتصاماتهم بقوة السيمي او تأليب كلاب شركات القمع الخاصة عليهم (تم التنكيل بعمال وعاملات فندق رياض السلام بالدار البيضاء يوم الاثنين 11 يونيو 2001 و أسفر العدوان الغاشم على اعتقال 29 عاملا وعاملة واصابات بجراح منها كسر ).
وليكن تحية الى نشطاء حقوق الإنسان الفعليين الذين ينزلون الى الميدان ، فيتعرضون للقمع والمحاكمة لدفعهم الى خلوات إصدار البيانات العاجزة ومجالس الاستشارة في مجال التضليل ومباركة العسف.
وليكن هدية لملايين النساء الكادحات في المعامل والمؤسسات العمومية والحقول والمنازل كخادمات او كربات بيت .
وليكن أيضا حجرا نحو نافذة المنافقين الذين يمنعون جمعية أطاك –المغرب المناضلة لاجل ضريبة توبين ، ويتسلون في امميتهم ، التي ليست غير الأداة المنفذة للسياسة النيوليبرالية، بمناقشة نفس الضريبة ( ).
~ فهرس ~
إهداء :………………………………………ص 3
تقديم :………………………………………ص 5
من الشمال الى الجنوب : أزمة الديون وبرامج التقويم الهيكلي …ص6
التضحية بالتعليم العمومي على مذبح أزمة الرأسمالية ……….ص12
الشعوب تقاوم : جزر موريس ، النساء في مقدمة المعركة……ص18
المسيرة العالمية للنساء 2000 : النساء يمهدن الطريق ……….ص23
جمعية أطاك : حركة تثقيف شعبي متجهة نحو الفعل ……….ص26
من اجل إبداع جديد لسياسة الحركة النقابية ……………ص32
سبل نحو بدائل :تلبية الحاجات الإنسانية الأساسية للجميع …..ص41
الأموال التي يسرقها حكام العالم الثالث
ويودعونها في البنوك الأجنبية: هل تمكن استعادتها ؟ ……...ص50
تـقديـم
اعتمد انتقاء مادة هذا الكتيب 3 محاور :
الأول :صورة إجمالية عن الهجوم الرأسمالي المسمى تقويما هيكليا
وهو سياسة صندوق النقد الدولي والبنك العالمي التي طبقها المساكون بزمام المغرب منذ 1983 ، ويواصلونها حاليا تحت أسماء جديدة وبطاقم جديد . ثم ضوء كاشف لإحدى أقسام تلك الصورة : تفكيك التعليم العمومي والإجهاز على ما ضم من مكاسب .وسيتضح للقارئ أن ما سمي عندنا ميثاقا وطنيا للتربية والتكوين ليس الا نفس المعول الرأسمالي الذي يخرب في أرجاء العالم تمهيدا لجعل التعليم سوقا تدر الأرباح .
الثاني : لمحة عن أشكال مقاومة الرأسمالية النيوليبرالية :
مثال حي عن التصدي الفعلي للعدوان في بلد من البلدان التابعة .وهو مثال يسقط قناع التنديد الكلامي المستشري عندنا ، ويسائل حركتنا العمالية أيما مساءلة . الى جانب تقييم لمسيرة النساء 2000 ،وتعريف بجمعية أطاك ، وتشريح للحركة النقابية العالمية واستشراف لآفاقها . واستكمالا لهذه اللمحة نحيل القارئ على الكراسة الصادرة عن نادي التثقيف العمالي بعنوان " من تجارب النضال الشعبي لاجل الإصلاح الزراعي" التي تعرف بحركة العمال الزراعيين عديمي الأرض بالبرازيل .
الثالث :البدائل :
إحاطة بعدد من الأفكار حول البدائل المتبلورة في خضم جهود المقاومة ،ثم تفصيل لاحداها يهم بوجه خاص بلدان العالم الثالث التي تعاني من تسلط احكام لصوص على أموالها .
ختاما : تأتينا اقتراحاتكم وانتقاداتكم على الرحب والسعة .
1-من الشمال الى الجنوب
أزمة الديون وبرامج التقويم الهيكلي
بقلم اريك توسان رئيس اللجنة من اجل الغاء
انطلاقا من سنوات 1980 جرى ، سواء في بلدان العالم الثالث او الشرق او البلدان الصناعية ، استعمال أزمة الديون العمومية بكيفية ممنهجة لفرض سياسات تقشف باسم التقويم . فقد اتهمت الحكومات القائمة سابقاتها بالعيش في مستوى يفوق إمكاناتها باعتمادها السهل على الاقتراض وبررت بدلك لجوءها الى " تقويم " للنفقات العمومية والاجتماعية بوجه خاص كما لو تعلق الأمر بتقويم حزام بشده درجات إضافية . فيما يخص بلدان العالم الثالث والشرق بدأ النمو الهائل للديون العمومية في نهاية سنوات 1960 وأفضى الى أزمة تسديد انطلاقا من 1982 . ولهده الاستدانة مسؤولون وهم موجودون أساسا في البلدان الأكثر تصنيعا : البنوك الخاصة والبنك العالمي وحكومات دول الشمال التي سلفت مئات ملايير الاورودولارات والبترودولارات .
لاجل استثمار فوائضهم من الرساميل والبضائع قام هؤلاء الفاعلون بمنح قروض بمعدلات فائضة منخفضة جدا . وعلى هدا النحو تضاعفت الديون العمومية لبلدان العالم الثالث والشرق اثني عشر مرات فيما بين1968 و1980 . وفي البلدان الصناعية أيضا ارتفعت الديون العمومية بشكل كبير في سنوات السبعينات لما حاولت الحكومات مواجهة نهاية " العقود الثلاث المجيدة " لما بعد الحرب باعتماد سياسات كينزية لإنعاش الآلة الاقتصادية .
وبدأ منعطف تاريخي في 1979 –1980-1981 بوصول تاتشر وريغان الى السلطة وقيامهما بتطبيق واسع النطاق للسياسات التي يدعو إليها الليبراليون الجدد .
بدء ريغن وتاتشر برفع معدلات الفائدة بشكل كبير مما أجبر السلطات العمومية المستدينة على تحويل مبالغ طائلة جدا لفائدة المؤسسات المالية الخاصة . ومند ئد شكل تسديد الدين العمومي اوالية قوية على المستوى العالمي لامتصاص قسم من الخيرات التي ينتجها العمال وصغار المنتجين لفائدة الرأسمال المالي .
وشكلت هده السياسات التي يدعو إليها الليبراليون الجدد بداية هجوم للرأسمال ضد العمال . وبضغط الديون بدأت السلطات العمومية تقلص النفقات الاجتماعية ونفقات الاستثمار لاعادة " التوازن " الى الحسابات ثم لجأت الى قروض جديدة لمواجهة ارتفاع معدلات الفائدة . : إنها " كرة الثلج " الشهيرة التي عاشتها ربوع الكرة الأرضية خلال سنوات الثمانينات أي الارتفاع الآلي للديون بسبب الأثر المركب لمعدلات الفائدة المرتفعة والقروض الجديدة الضرورية لتسديد القروض السابقة .
ولأجل تسديد الديون العمومية استعملت الحكومات بشكل كبير الضرائب التي تم تغيير بنيتها بشكل تراجعي خلال سنوات 1980-1990 : انخفضت اغلب المداخيل الجبائية الناتجة عن الاقتطاع من مداخيل الرأسمال بينما ارتفع قسط الضرائب المفروضة على العمال من جهة وعلى الاستهلاك الجماهيري عبر تعميم الضريبة على القيمة المضافة ورسوم الإنتاج من جهة أخرى .
باختصار تأخذ الدولة من العمال والفقراء لتعطي للأغنياء وللرأسمال : انه بالضبط نقيض سياسة إعادة التوزيع المفروض أن تشكل الانشغال الأول للسلطات العمومية …
ان أزمة الديون في سنوات 80 وثيقة الارتباط بسيرورة نزع التقنين التي تدير العولمة الليبرالية الجديدة . وفعلا صاحب الارتفاع الهائل للديون العمومية من نهاية سنوات 60 الى بداية سنوات 80 نمو سوق " الاورودولار " أي إحدى المراحل الأولى لنزع تقنين النظام النقدي العالمي واسواق العملات .
الرهانات الاستراتيجية للتقويم الهيكلي في بلدان المحيط ( البلدان التابعة )
بدأ تطبيق سياسات التقويم الهيكلي في بلدان المحيط مباشرة بعد انفجار أزمة الديون في غشت 1982 . ومثل دلك استمرارا بشكل جديد لهجوم بدأ قبل 15 سنة .
مادا كانت رهانات هدا الهجوم ؟
بالنسبة لاستراتيجيي حكومات الشمال والمؤسسات المالية متعددة الأطراف التابعة لها ، بدءا بالبنك العالمي ، كان من الضروري للغاية الرد على التحدي المتمثل في فقد السيطرة على قسم متزايد من بلدان المحيط ( البلدان التابعة): ففي سنوات الاربعينيات الى سنوات الستينيات تواصل استقلال البلدان الأسيوية والأفريقية وتوسعت الكتلة الشرقية بأوربا وانتصرت الثورات الصينية والكوبية والجزائرية وظهرت سياسات شعبوية وقومية طبقتها أنظمة رأسمالية تابعة – من البيرونية في الأرجنتين الى حزب المؤتمر الهندي مرورا بالقومية الناصرية -. باختصار تطورت حركات ومنظمات جديدة على المستوى العالمي مشكلة خطرا على سيطرة القوى الرأسمالية الكبرى .
وتمثل القروض الكبيرة الممنوحة ابتداء من النصف الثاني من الستينيات لعدد متزايد من بلدان المحيط ( بدءا بالحلفاء الاستراتيجيين ككونغو موبوتو واندنوسيا سوهارتو و برازيل الديكتاتورية العسكرية وصولا الى بلدان كيوغوسلافيا والمكسيك ) مادة مزيتة لاوالية كبيرة لاستعادة السيطرة . وتهدف هده القروض الموجهة الى تخلى تلك البلدان عن سياستها القومية وربطا أقوى لاقتصاديات المحيط بالسوق العالمي الدي يسيطر عليه المركز .
كما يتعلق الأمر أيضا بتأمين تزويد اقتصاديات المركز ( البلدان الرأسمالية الصناعية) بالمواد الأولية والمحروقات . وكان الهدف المتوخى من خلال خلق تنافس بين بلدان المحيط وحفزها على " تعزيز نموذجها التصديري " هو خفض أسعار المواد التي تصدرها وبالتالي خفض تكاليف الإنتاج في الشمال ورفع معدل الربح . كما يتعلق الأمر، في سياق تنامي نضالات تحرر الشعوب والحرب الباردة مع الكتلة الشرقية ، بتعزيز منطقة تأثير البلدان الرأسمالية الرئيسية .
طبعا لا يمكن ان نقول ان البنوك الخاصة والبنك العالمي وحكومات الشمال نظمت مؤامرة . لكن مع دلك لم تكن السياسات المتبعة من طرف البنك العالمي واهم حكومات البلدان الصناعية في مجال القروض للبلدان التابعة خالية من طموحات استراتيجية
كانت الأزمة المندلعة في 1982 نتيجة للأثر المركب لانخفاض أسعار المنتجات المصدرة من بلدان المحيط نحو السوق العالمي ولانفجار معدلات الفائدة . فبين عشية وضحايا اصبح واجبا تسديد اكثر بمداخيل اقل . هدا هو مصدر الاختناق . فأعلنت البلدان المستدينة أنها تواجه صعوبات في الأداء . وفورا رفضت البنوك الخاصة في المركز منح قروض جديدة وطالبت بتسديد القديمة . وقدم صندوق النقد الدولي واهم البلدان الرأسمالية المصنعة قروضا جديدة لتتيح للبنوك الخاصة استعادة قروضها ولمنع توالي إفلاس البنوك .
مند هده الحقبة وصندوق النقد الدولي ، المدعوم من البنك العالمي ، يفرض برامج تقويم هيكلي . وكل بلد مستدين يرفض تطبيق التقويم الهيكلي يكون مهددا بوقف قروض صندوق النقد الدولي وحكومات الشمال . و يمكن التأكيد دون خشية الوقوع في الخطأ أن الدين اقترحوا على بلدان المحيط وقف تسديد ديونها وتشكيل جبهة للبلدان المستدينة كانوا على حق . فلو كونت بلدان الجنوب تلك الجبهة لتمكنت من فرض شروطها على الدائنين .
وباختيارها طريق التسديد تحت إهانات صندوق النقد الدولي تكون بلدان المحيط قد حولت لفائدة الرأسمال المالي ما يعادل عدة خطط مارشال . وأدت سياسات التقويم الى التخلي التدريجي عن عناصر أساسية من السيادة الوطنية مما أفضى الى تبعية البلدان المعنية للبلدان الصناعية وشركاتها متعددة الاستيطان . ولم يتمكن أي من البلدان المطبقة للتقويم الهيكلي من الحفاظ المستديم عن معدل نمو مرتفع . ومع دلك تزايدت أشكال التفاوت الاجتماعي . ولا يوجد ضمن البلدان " المقومَة " أي استثناء .
وتروم القروض التي قدمها صندوق النقد الدولي مند 1982 ثلاثة أهداف :
1) وضع الإصلاحات البنيوية التي يفرضها التقويم 2) ضمان تسديد الدين 3) تمكين البلدان المستدينة تدريجيا من الاستفادة من القروض الخاصة عبر الأسواق المالية .
ما مضمون هدا " التقويم" ؟ "
يتضمن التقويم الهيكلي نوعين كبيرين من الإجراءات . الأولى إجراءات صدمة ( بشكل عام تخفيض قيمة العملة ورفع معدلات الفائدة داخل البلد المعني ) والثانية إصلاحات هيكلية ( خوصصة واصلاح جبائي ، الخ ) وقد بلغت تخفيضات قيمة العملة التي يفرضها صندوق النقد الدولي معدلات من 40 الى 50 بالمائة .
وهي تهدف الى جعل صادرات البلدان المعنية اكثر قدرة على المنافسة بشكل يسمح برفع مداخيل العملة الصعبة الضرورية لتسديد الدين . ولها ميزة أخرى من وجهة نظر مصالح صندوق النقد الدولي والبلدان الصناعية ، تتمثل في خفض أسعار المواد المصدرة من بلدان الجنوب .
ولها بالنسبة لهده الأخيرة نتائج سلبية اكثر : إنها تؤدي الى انفجار أسعار المواد المستوردة الى أسواقها الداخلية وتضعف الإنتاج الداخلي . . وهكذا لا ترتفع تكاليف إنتاجها فحسب ، سواء في الزراعة او الصناعة او الحرف ، ودلك بقدر استعمالها لمواد مستوردة بعد التخلي عن السياسات "المتمركزة حول الذات " ، بل ان القدرة الشرائية لأوسع جماهير المستهلكين تجمد ( يرفض صندوق النقد الدولي كل ربط للأجور بالأسعار ) كما ان خفض قيمة العملة يؤدي الى تفاقم التفاوت في توزيع الدخل اد ان الرأسماليين المتوفرين على السيولة النقدية يحرصون على شراء العملة الصعبة قبل خفض العملة المحلية .وهكذا فان قيمة السيولة النقدية لديهم تتضاعف عند خفض العملة ب50 بالمائة .
أما سياسة معدلات الفائدة المرتفعة فلا تؤدي من جهتها سوى الى مفاقمة الانحسار الداخلي : الفلاح او الصانع الحرفي الدي يتعين عليه الاقتراض لشراء المواد الضرورية لانتاجه يتردد في الإقدام على دلك او يقلص إنتاجه بفعل نقص في الإمكانات .
وعلى العكس يزدهر الرأسمال الريعي . ويبرر صندوق النقد الدولي هده المعدلات بأنها ستستقطب الرساميل الأجنبية التي يحتاجها البلد . والواقع أن الرساميل التي تجذبها هده الممارسات رساميل طيارة تتجه الى بلدان أخرى عند مواجهة أدنى مشكل أو ظهور فرص ربح افضل .
ومن إجراءات التقويم الأخرى الخاصة ببلدان المحيط : إلغاء الإعانات التي تقدمها الدولة لبعض المواد والخدمات الأساسية والإصلاح الزراعي المضاد . ففي اغلب بلدان العالم الثالث تم دعم المواد الغذائية الأساسية ( الأرز و الخبز …) للحيلولة دون ارتفاع كبير لاسعارها . وتلك أيضا في الغالب حال النقل الجماعي والكهرباء والماء . ويطلب صندوق النقد الدولي والبنك العالمي بشكل ممنهج إلغاء هدا الدعم مما يؤدي الى إفقار الأكثر فقرا والى انفاضات جوع أحيانا .
أما في مجال ملكية الأرض فيقوم صندوق النقد الدولي والبنك العالمي بهجوم طويل النفس يرمي الى القضاء على كل أشكال التملك الجماعي . وهكذا حصل على تغيير فصل من دستور المكسيك يحمي الأملاك الجماعية . وتمثل خوصصة الأراضي الجماعية او أملاك الدولة في جنوب الصحراء الأفريقية أحد الاوراش الكبيرة التي تشتغل فيها هاتان المؤسستان .
إجراءات تقويم مشتركة بين الشمال والجنوب :
ثمة إجراءات تطبق في العالم برمته بمقادير متفاوتة حسب موازين القوى الاجتماعية ومنها : تقليص دور القطاع العام في الاقتصاد وخفض النفقات الاجتماعية والخوصصة والإصلاح الجبائي لصالح الرأسمال ونزع تقنين سوق الشغل والتخلي عن اوجه أساسية في سيادة الدولة وإلغاء مراقبة الصرف وتشجيع ادخار المعاشات بالرسملة ونزع تقنين المبادلات التجارية وتشجيع عمليات البورصة … ومن المثير انه من مالي الى انجلترا ومن كندا الى البرازيل ومن فرنسا الى التايلاند ومن الولايات المتحدة الأمريكية الى روسيا ثمة تشابه وتكامل بين سياسات " التقويم الهيكلي" بالمحيط وما يسمى سياسات " التطهير " و" التقشف" و" التلاقي " بالمركز . وفي كل مكان كانت أزمة الديون العمومية مبررا لهده السياسات .
وفي كل مكان يمثل تسديد الدين العمومي آلة جهنمية لتحويل الخيرات لصالح مالكي الرساميل .
يلخص فرنسوا شينيه الوضع ببضع جمل :" ان أسواق سندات الدين العمومي ( أسواق السندات العمومية ) التي أقامتها أهم البلدان المستفيدة من العولمة المالية و وفرضتها لاحقا على باقي البلدان (دون مصاعب كثيرة في الغالب)هي حسب صندوق النقد الدولي نفسه " حجر زاوية " العولمة المالية . وبلغة واضحة ، إنها بوجه الدقة اصلب اوالية وضعتها الليبرلة المالية لنقل الخيرات من بعض الطبقات والشرائح الاجتماعية الى أخرى ومن بعض البلدان الى أخرى . ان الهجوم على أسس القوة المالية يستدعي تفكيك هده الأواليات وبالتالي إلغاء الدين العمومي ، ليس فقط دين البلدان الفقيرة بل أيضا دين كل بلد ترفض قواه الاجتماعية الحية استمرار الحكومة فرض التقشف في الميزانية على المواطنين باسم تسديد فوائد الدين العمومي "
تشكل برامج التقويم الهيكلي وغيرها من برامج التقشف آلة حرب ترمي الى تدمير كل اواليات التضامن الجماعي ( من الأملاك الجماعية الى أنظمة التقاعد التوزيعية ) والى إخضاع كل مجالات الحياة البشرية لمنطق الربح .
ان المدلول العميق لسياسات التقويم الهيكلي هو الإلغاء الممنهج لكل العقبات التاريخية والاجتماعية أمام الانتشار الحر للرأسمال بما يتيح له مواصلة منطقه القائم على الربح الآني كيفما كانت الكلفة الإنسانية والبيئية .
يجب إنجاز القطيعة مع هدا المنطق والتخلي عن سياسات التقويم الهيكلي أينما يجري تطبيقها و إعادة بناء جملة أواليات لمراقبة الرأسمال بكيفية تعطي الأسبقية للإنسانية . من هنا تنبع أهمية تأسيس جماعي بفضل التضامن شمال – جنوب وشرق –غرب لشبكات نضال مواطنة جديدة .
ويمكن ان تفضي أشكال المقاومة العديدة التي يقدمها هدا الكتاب الى مشروع تحرري جديد .
يوليوز 2000
من اجل إبداع جديد لسياسة الحركة النقابية
بقلم دان غالين
غيرت مجمل الظواهر التي يشملها مفهوم العولمة مشهدنا الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الى حد و بسرعة يستعصي معهما استيعاب تفكيرنا لهذه التغيرات.
صحيح أن الرأسمالية كانت على الدوام ذات طابع عالمي، وأنها كانت في بعض مراحلها أكثر انفتاحا مما هي اليوم .لكن اقتصادا عالميا يظل مجموعة اقتصاديات وطنية، تربطها أواصر التجارة والاستثمار والقرض. أما ما يتشكل اليوم فمغاير تماما : إنه اقتصاد مندمج على نحو إجمالي.
ان العولمة ، بما هي عملية تحويل للحياة الاقتصادية من جراء اعتماد التكنولوجيا الحديثة ،واقع لا مناص منه ولا رجعة عنه. لكن الأمر خلاف ذلك فيما يتعلق بعواقبها الاجتماعية والسياسية. ففي هذا الميدان ليس ثمة ما لا مناص منه او لا رجعة عنه. وبالتالي فالمسألة الرئيسية تكمن في معرفة كيف ينبني ميزان القوى بين المصالح المتمثلة في هذا المجتمع المعولم.
تمثل الشركات المتعدد الجنسية (ش م ج) رأس رمح التحولات التكنولوجية للعقد الأخير ،وفي نفس الوقت المستفيد الرئيسي منها. إذ يوجد منها 40 ألف وهي الى جانب 200 ألف فرع تتحكم في 75% من التجارة العالمية بالمواد الأولية وبالمنتجات الصناعية و بالخدمات، - و الواقع ان النسبة اكبر إذا اعتبرنا المنشآت من باطن - ويتم ثلث هذه المبادلات داخل نفس الشركة، بين مختلف وحداتها، مما يجعلها تفلت الى حد كبير من رقابة الحكومات وهيئاتها فوق الوطنية. وحسب مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية CNUCED " أصبح الإنتاج الدولي ميزة هيكلية مركزية للاقتصاد العالمي".
تطاول على السيادة الوطنية
كما جاء في نفس التقرير أن "التقسيم التقليدي بين الاندماج في مستوى المنشأة وفي مستوى الأمة يميل نحو الزوال. فالشركات متعددة الجنسية(ش.م.ج) تتطاول على مجالات كانت فيها السيادة والمسؤوليات تقليديا ميدانا خاصا بالحكومات الوطنية" .ومنذ انهيار الكتلة السوفيتية أصبحت سلطة ش م ج شاملة ، عبر الاستعمار الاقتصادي والسياسي لدول الكتلة السوفيتية السابقة وللدول الناتجة عن تفكك الاتحاد السوفيتي.
ليس تحطيم مناصب الشغل المرافق لازدهار ش.م.ج ناتجا فقط، ولا حتى بوجه خاص، عن ترحيل الصناعات بل ترتب خاصةً على إعادة تنظيم المنشآت بضغط من السباق نحو المردودية أي نحو أقصى ربح في إطار العولمة. تتقوى الش.م.ج بـ"التخلص من الشحم" ( تسريح "فائض"العمال ) وكلما أعلنت إحداها عن تسريحات جديدة ، إلا وارتفع سعر أسهمها بالبورصة . والمعترضون على ذلك قلة . لقد أفلحت النيوليبرالية في الأخير في فرض الإقرار بـ"التخلص من الشحم" والسباق نحو الربح بصفتهما ناموسا طبيعيا.
وفي نفس الوقت، نلاحظ كيف أن عجز الدولة عن مراقبة الرساميل في إطار حدودها بالوسائل القانونية أو بغيرها من الوسائل السياسية لا يؤدي فحسب إلى إضعاف الدولة نفسها بل إلى إضعاف كل البنيات الفاعلة في الإطار الوطني: البرلمانات والأحزاب السياسية والاتحادات النقابية. أي بعبارة أخرى كل وسائل مراقبة ديموقراطية ممكنة أو فعلية .
مع ذلك لا يصح استنتاج أن النضال السياسي في إطار الدولة الوطنية لم يعد له معنى ، بذريعة أن سلطة هذه المؤسسات محدودة. وبالمقابل لن تهب الدولة بعد لنجدة الحركة العمالية، ولو كان حلفاؤها التقليديون بالحكومة. تلك على كل حال تجربة النقابات بدرجات متفاوتة في إسبانيا والسويد وفرنسا وبريطانيا مع حزب العمال الجديد، وهي بلا شك مصير النقابات الألمانية بعد أن أمسكت الاشتراكية الديموقراطية " لايت"light ، تحت سطوة جرهارد شرودر، بزمام الأمور .
تمثلت العاقبة الاجتماعية الرئيسية للعولمة في ظهور سوق شاملة للعمل. ويعني هذا أن عمال كافة البلدان أصبحوا من الآن فصاعدا ، بفعل سلاسة الاتصالات وحركية الرأسمال ، ومهما بلغت درجة تطورهم الصناعي أو نظامهم الاجتماعي ، في تنافس في جميع ميادين الاقتصاد، مع تفاوت في الأجر نسبته 1 الى 50 أو أكثر.
أدى هذا التنافس نحو الأسفل الى دوامة انزلاق شرس يتمثل في تدهور الأجور وظروف العمل وتزايد البطالة والتهشيشprecarisation وتحطيم المكاسب الاجتماعية ونمو القطاع غير المهيكل informel . ولا قعر لهذا الانزلاق ان لم يكن عمل العبيد .
سوق وقمع
والحال أن سوق العمل الشاملة هذه ليست بأي وجه "سوقا" بالمعنى المألوف، سوقا تحكمها قوانين اقتصادية. إنها منظمة بقوانين سياسية ، وبتدخل كثيف للدولة، في شكل قمع عسكري وبوليسي، و هذا القمع هو ما يسمح في آخر المطاف لهذه السوق بالبقاء متماسكة.
ان البلدان التي تقوم بدور هام في سوق العمل العالمية، والتي تحدد الشروط في أسفل السلم، هي التي تعاني شعوبها من قمع شرس (كالصين والفيتنام وإندونيسيا) أو تكابد عواقب قمع شرس في ماضيها القريب (روسيا والبرازيل وأمريكا الوسطى). أو بلدان "ديمقراتورية" ( ) حيث احترام شكليات الديموقراطية ، لكن موازين القوى الاجتماعية مبنية على قواعد لا صلة لها بالديمقراطية مثل الهند والمكسيك وتركيا.
هذا ما يجعل النضال لأجل الحقوق الإنسانية والديموقراطية عنصرا أساسيا في بناء سلطة مضادة و فتح الطريق لبدائل ممكنة.و ليست الحقوق الديمقراطية عند الحركة العمالية مسألة امتياز ثقافي بل مصلحة طبقية أساسية، لأن ضمان هذه الحقوق وحده كفيل بتنظيم العمال لأنفسهم للدفاع عن مصالحهم وتقديم مشروع مجتمع بديل.
أضف إلى ذلك أن هذا النضال من أجل الحقوق الديموقراطية يمثل إحدى نقاط الالتقاء الموحِدة للمصالح المشتركة بين عمال الجنوب ورفاقهم في الشمال ، أي بين الذين يسعون للتحرر من ظروف على قاب قوسين من العبودية والذين يناضلون كي لا يغرقوا في تلك الظروف. كما أنها نقطة التقاء بين النقابات ومنظمات أخرى من المجتمع المدني.
حكومة عالمية افتراضية
ليست العولمة التي نعيش إلا عولمة جزئية: فالمعولم هو الرأسمال والشبكة السياسية التي تخدمه.لا بل يمكن القول بوجود نوع من حكومة عالمية افتراضية تتكون عناصرها من جملة اتفاقيات متعددة الأطراف ومؤسسات فوق وطنية كصندوق النقد الدولي والبنك العالمي والمنظمة العالمية للتجارة وغيرها. وجلي أن "حكومة العالم" هذه لا تخضع بأي شكل لأي رقابة ديموقراطية. إذ يضع سياستها وقراراتها جماعات ضغط الرأسمال العالمي ، أي نفس الجماعات التي تضع سياسة الحكومات الرئيسية التي تتحكم بهذه المؤسسات الدولية.
بالمقابل، لم تُعولم دولة الحق ،ولا الحقوق الديموقراطية ولا حقوق الفرد، ولا الحقوق النقابية. يمكننا إذن القول: لنعولم ، لكن لنعولم كل شيء !
لا يستعصي تخيل بناء نظام عالمي جديد، مغاير للنموذج النيوليبرالي السائد اليوم، ومستجيب لحاجات المجتمع برمته. فغياب حكومة عالمية و"دولة عالمية" –زد على أنها غير محبذة بأي وجه في الظروف الحالية، لا يحول دون اتفاقيات بين الدول مع مساطر تطبيق ، تقوم مثلا بفرض قواعد عمل على ش.م.ج مطابقة لمصالح السكان والمجتمع المدني العالمي، بما في ذلك قانون شغل دولي إجباري، أو الضريبة على التدفقات المالية.
هكذا، ليست العقبة بوجه الحركة العمالية نقصا في الأفكار، بل مشكلا تنظيميا. إننا في حرب يجري فيها الدفاع عن مصالح الأقوياء بكل الوسائل، وتتوقف فيها قوة الأفكار على قدرة أنصارها على فرضها. و يستمد أعداؤنا قوتهم من المال، من كميات هائلة من المال . بينما تنبع قوتنا من تنظيم الحركة العمالية على المستوى العالمي . ويكمن سبب ضعف أو سوء نجاحنا حاليا في هذا التنظيم في بقاء عقولنا حبيسة الحواجز التي فرضتها حدود الدول، بينما مراكز القرار والسلطة تخطت تلك الحدود منذ أمد طويل.
لدينا اليوم، بوسائل الاتصال الحديثة ، القدرة على عولمة الحركة الاجتماعية. لكن العقول للأسف لم تواكب. فالحركة النقابية العالمية ظلت في الواقع في طور شبكات متراخية من منظمات وطنية تواصل رد الفعل انطلاقا من ارتكاسات وطنية. ويستدعي فهم هذا الوضع المحجوز عودة الى الماضي. فللعولمة تاريخها مثلما للحركة النقابية تاريخها الذي يتعين تذكره لفهم تأخرها الفادح عن الأحداث.
نموذج الثلاثين سنة المجيدة
خرجت الحركة النقابية الأوربية من الحرب العالمية الثانية مستنزفة: فقد هلكت آلاف من أفضل أطرها في المعسكرات أو في الحرب أو في المنفى. لكن طبقة أرباب العمل لم تكن بدورها في موقع قوة. فقد كانت اقترفت الكثير مما يلزمها بطلب الصفح . وترتب عن هذا ان إعادة البناء ، التي مولتها الى حد بعيد الولايات المتحدة الأمريكية ، تمت في أوربا واليابان على قاعدة إيديولوجية الشراكة المرتكزة إجمالا على الوعد بالسلم الاجتماعي مقابل الاعتراف بالحقوق النقابية ودولة الرعاية Etat-providence. وأدى الازدهار الاقتصادي لما بعد الحرب – ثلاثين سنة المجيدة- والذي لم يتوقف إلا مع أزمات 70 و80 ، إلى تدعيم هذا النموذج.
كما جرت إعادة البناء في سياق الحرب الباردة. وإذا كان من الخطأ اعتبار انشقاق الحركة النقابية العالمية المتجسد بالفدرالية النقابية العالمية (FSM) سنة 1947 من تدبير الاستخبارات الأمريكية CIA ( إذ أن التعارض الجذري بين المشروعين الاشتراكي والشيوعي ابتداء من 1921، وكذا قمع الاشتراكيين في الدول التي احتلها الاتحاد السوفيتي ، كان من شأنه أن يكفي) فمن الأكيد مع ذلك أن الحياة السياسية للحركة العمالية ظلت طوال خمسين سنة تحت هيمنة نقاش زائف حول معرفة ما ان كانت الرأسمالية (وقد رتبتها الاشتراكية-الديموقراطية) أو الشيوعية (في شكلها الستاليني) مطابقة على نحو أفضل لمصالح العمال .
كان وضع الحركة النقابية في الدول المصنعة الرئيسية، عند نهاية الثلاثين سنة المجيدة كالتالي: ارث إيديولوجي وسياسي أضعفه كثيرا اختفاء الأطر الأكثر ثقافة وخبرة،ونقاش وأولويات سياسية زيفتها الحرب الباردة؛ ومنظمات نقابية قوية لكن روتينية وقيادة قصيرة النظر وجاهلة سياسيا (ثمة طبعا استثناءات)، قدرتها على إدارة المكاسب أكبر من جدارتها للتنظيم أو النضال، وهي بوجه عام مؤيدة لإيديولوجية الشراكة الاجتماعية وعاجزة عن مواجهة الطوارئ التاريخية؛ وقاعدة تربت على السهولة وبالتالي على السلبية.ولم يكن الوضع في ما يسمى العالم الثالث في حال احسن .
كان اذن على الحركة النقابية ان تأتي معجزة لتتمكن من السمو على مجموع نقاط ضعف مكوناتها. كان يجب محو أربعين سنة من التاريخ.
عمليا ، يوجد اليوم ثلاث أنواع من المنظمات النقابية ذات وزن: الكونفدرالية الدولية للنقابات الحرة (CISL)، السكرتاريات المهنية الدولية س.م.د (SPI)، الكونفدرالية الأوروبية للنقابات (CES) بفيدرالياتها القطاعية ( مرتبطة جزئيا، لكن ليس في جميع الحالات، ب SPI لقطاعاتها). اما الفدرالية النقابية العالمية FSM فلم يبق منها كنواة الا تحالف لدكتاتوريات الشرق الأوسط وبيروقراطية الكولخوزات الروسية .والكونفدرالية العالمية للعمل (CMT) (المسيحية سابقا) هي منظمة صغيرة حيث CSC البلجيكية وحدها لها تمثيلية في بلدها. وثمة منظمات جهوية مثل Ousa (افريقيا) أو Cisa (الدول العربية) تسيطر عليها دول، غالبها استبدادية ومنخورة بالفساد ، وبالتالي فهي غير مفيدة نقابيا.
كونفدراليات سائرة على غير هدى
تواجه(CISL) مشكلا مزدوجا. فهي من جانب تتكون من منظمات وطنية، ويديرها ممثلو هذه الأخيرة. وهؤلاء تعودوا التفكير والعمل في إطار الدولة الوطنية ولهم مصلحة مؤسسية في الاعتقاد ، وجعل الآخرين يعتقدون ، أن مشاكل الأعضاء قابلة للحل في إطار الدولة الوطنية. ومن جانب آخر فإن غالبية جيل القادة هذا (ومرافقيه من الخبراء) تكونت بإيديولوجية الشراكة الاجتماعية والحرب الباردة، أي أنها عاجزةعن فهم ما يحصل .
تعيش(CISL) اليوم مفارقة:فقد انضمت إليها ، بعد انهيار الكتلة السوفيتية ، معظم الاتحادات النقابية غير المنحازة وأغلبية كبيرة من النقابات التي تأسست على أنقاض نقابات الدولة الشيوعية. وهي بما لا يقاس المنظمة العالمية الأكثر تمثيلية اذ تضم 206 منظمة منضوية تمثل 125 مليون عضو. وبالمقابل فان الفراغ على المستوى السياسي قاتل. فمعاداة الشيوعية التي كانت إيديولوجيتها (دون أن تقدم أبدا مشروعا بديلا غير الرأسمالية المُرَتبة) لم تعد تجدي.
ان CISL ، دون إيديولوجيا، ودون سياسة ودون برنامج، وبلا قوة على التجدد ، تسير على غير هدى. يجب أن تتمكن من تذكر أنها منظمة الطبقة العاملة العالمية ، وأن ذلك يستتبع مسؤولية النضال من أجل مشروع مجتمعي. لحد الساعة لا وجود لأي علامة تسمح بالاعتقاد أنها سائرة في هذا الاتجاه.
وبما أنه لابد ، مع ذلك ، من التظاهر بالحركة، فان (CISL) تتقدم في ميادين يصعب أن تثير خلافا (مثل الدفاع عن الحقوق النقابية والديموقراطية، أو مسألة المساواة) لكنها تبقى جامدة على المستوى الاقتصادي والسياسي (جوهر أنشطتها السعي الى إقناع البنك العالمي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية بتطبيق الكينزية على المستوى الاقتصادي والحرفوية corporatismeعلى المستوى الاجتماعي).
وتعاني(CES)(كونفدرالية النقابات الأوربية) نفس المشكل فيما يخص تركيب قيادتها، رغم أنها، بخلاف(CISL) تضم المنظمات القطاعية ، أي فدراليات الصناعة. ومع ذلك يبقى دور هذه الأخيرة الفعلي ضئيلا قياسا على الكونفدراليات بفعل المركزية الشديدة لـCES. ويشوبها نقص آخر يمثل قوتها وضعفها في آن واحد: تبعيتها للجنة الاتحاد الأوروبي التي تمدها بوسائل عملها وبشرعيتها، لكنها في نفس الوقت ترسم لها حدودها. وتجعلها ثوابت عملها جماعةَ ضغط تشريعية في إطار الاتحاد الأوروبي و "الحوار الاجتماعي" مع منظمات أرباب العمل الأوروبية ،ميدان أمكن فيه عقد اتفاقيات-إطار عامة ( ).
لا شك أن السكرتاريات المهنية الدولية SPI هي حاليا أكثر المنظمات النقابية الدولية فعالية. لكن أعضائها هم أيضا فدراليات أو اتحادات وطنية ،ورغم ان غالبيتها تواجه مباشرة الشركات متعددة الجنسية وتتعرض في ممارستها اليومية لعواقب العولمة ،فإنها غالبا ما تظل حبيسة الترسيمات الوطنية .
ويمثل ضعف بنية التنسيق المركزية للسكرتاريات المهنية الدولية (15 الى 50 شخص في المقر المركزي )، بارتباط مع الحدود المالية ( القسم الأعظم من دخلها عبارة على اشتراكات ) ،عقبة أخرى نجح البعض في تخطيها باللامركزية أو بالاندماج. ومع ذلك كانت السكرتاريات المهنية الدولية زهاء 20 سنة هي من قام بأنشطة التضامن الدولي الأكثر فعالية، وأبرم الاتفاقيات الأكثر تقدما مع الشركات متعددة الجنسية .
استراتيجية التحالف
يجب أولا خلق الظروف التي تتيح لأوسع جماهير العمال في العالم التنظيم في النقابات: لا تتعدى النسبة العالمية للمنظمين نقابيا 13% (163 مليون منظم من 1300 مليون عامل أجير-وإذا أضفنا عمال القطاع غير المهيكل، ستسقط النسبة إلى النصف). يستوجب هذا استراتيجية نضال لا هوادة فيها من أجل الحقوق الديموقراطية على الصعيد العالمي. ويمثل التحالف مع منظمات الدفاع عن حقوق الفرد الأكثر صدقية (HUMAN RIGHTS ومنظمة العفو الدولية والرابطة الدولية لحقوق الإنسان) عنصرا لا غنى لاستراتيجية كهذه عنه.
كما يستوجب مجهودا منهجيا ومستمرا لتنظيم عمال الشركات متعددة الجنسية، كما بدأت تفعل بعض السكرتاريات المهنية الدولية SPI . رغم أن الثلاثة وسبعين مليون عامل المشتغلين مباشرة لدى ش.م.ج لا يمثلون سوى أقلية(رغم أن الرقم يمكن مضاعفته أو تثليثه حسب مختلف التقديرات إن أضيف إليه العاملون في المنشآت من باطنsous-traitance) فإنها القسم ذي الطابع الدولي اكثر من غيره والتي لها استراتيجيا افضل موقع في الاقتصاد العالمي للتأثير على ميزان القوى. و في إطار هذا المجهود يتعين تدويل مجالس المنشآت الأوروبية ، سواء بضم نقابات نفس الشركة متعددة الجنسية في القارات الأخرى إليها ، أو دمجها في شبكة تنسيقات نقابية جهوية على مستوى نفس الشركة متعددة الجنسية.
يتوجب على الحركة النقابية العالمية أن تحدد لنفسها أولويات سياسية جديدة سواء تعلق الأمر بالنضال ضد الديكتاتوريات أو بتنظيم عمال الشركات متعددة الجنسية. وعلى سبيل المثال تم إلغاء حق الإضراب التضامني في جل الدول المصنعة في الثلاثين سنة الأخيرة بقوانين ذات طابع تقليصي متزايد.و كانت مقاومة المنظمات النقابية ضعيفة لدرجة مذهلة ، مكتفية بصفة عامة باستنكارات شكلية. والحال ان الأمر يتعلق هنا بتعدٍ أساسي على حق الإضراب ، وهو تعد خطير بوجه خاص في سياق العولمة، حيث مصالح عمال مختلف الدول متداخلة اكثر فأكثر ومترابطة شأنها شأن عملية الإنتاج نفسها. بعد قبول مبدأ الحق في الإضراب بأي حق تقرر أغلبيات برلمانية ظرفية ( يسارية او يمينية على حد سواء) بشأن المناسبة المسموح فيها للعمال باستعماله للدفاع عن مصالحهم ؟
يمثل النجاح في تجريم الإضراب التضامني في معظم بلدان أوربا الغربية وأمريكا الشمالية نصرا كبير لحملات الدعاية اليمينية ضد "النقابات كلية القوة" ، وإن كان ثمة حاجة الى نضال عالمي فهو النضال من أجل استعادة هذا الحق الأساسي.
تأنيث لا بد منه
كما أن استراتيجية تنظيمية عالمية تستدعي أيضا تأنيث الحركة النقابية. فالعاملات هن أغلبية كبرى من اليد العاملة في القطاعات الضعيفة تنظيميا: في مناطق التصدير الحر، وفي القطاع غير المهيكل الحضري والقروي، وبين العمال المهاجرين في بعض المناطق والمهن (الخليج العربي-الفارسي، وخادمات المنازل، الخدمات والملابس) والعمل في البيت (6.9 مليون عامل بأوروبا وحدها). ويترافق تهشيش precarisationالعمل في البلدان الصناعية مع تأنيثه. وقد قفزت نسبة اليد العاملة النسوية من زهاء 33% سنة 1960 إلى 42% سنة 1993، وتناهز الآن في الدول الأكثر تصنيعا 60%، بينما تمثل النساء مابين66 الى90 % من العاملين وقتا جزئيا .
يمثل هذا ملايين العمال الذين يستحيل تنظيمهم دون تغيير جذري للأولويات، ومناهج التنظيم وطاقم تسيير الحركة النقابية. يتعلق الأمر في نفس الوقت بدمج أفضل لمطالب النساء الخاصة في الأهداف النقابية، وجعل اشتغال المنظمات أكثر ملائمة لظروف حياة النساء وعملهن، وتشجيع تكون أطر نسائية.ويتصل هذا أيضا بمسألة الديموقراطية النقابية بالنظر الى استحالة تحقيق أي من الأمور المذكورة دون توسيع نطاق مبادرة النساء المنظمات نقابيا، ودون قبول إمكان ( وحتى ضرورة ) أن يؤدي ذلك إحداث تغييرات في قمة القيادات النقابية.
تسير الأمور في اتجاه خلق اتحادات نقابية كبيرة متعددة المهن، وقد تؤدي هذه الإندماجات في بعض البلدان إلى انقلابات جذرية في الحركة برمتها. ففي هولندا نجد الفدرالية الجديدة Bondgenoten الناتجة عن اندماج أربع فيدراليات تمثل لوحدها نصف أعضاء الاتحاد الوطني FNV .وهدف Bondgenoten المعلن هو تحويل FNV الى فدرالية وحيدة في أفق سنة 2006. ويمكن حدوث تطور شبيه في الدانمارك. وعندما تفقد الفروع والقطاعات أهميتها بسبب رفض أرباب العمل التفاوض في هذا المستوى و تتحول الشركات نفسها بفعل اللامركزة والمقاولة من باطن ، يمكن لتكوين بنيات متعددة المهن ان يكون جوابا على فقد السلطة في المستوى القطاعي. وبالتالي فان موازين القوى بين النقابات من جهة وأرباب العمل والدولة من جهة أخرى ستتأسس أكثر فأكثر في الميدان السياسي ، وبذلك يتأكد حلم النقابيين الثوريين الأمريكيين في IWW بداية القرن "اتحاد كبير واحد ".
وفي هذا السياق ، تعود مسألة الديموقراطية النقابية بقوة: ما العمل لمنع تحول المنظمات الكبيرة الى غول بيروقراطي يبتعد تدريجيا عن القاعدة ليصبح في آخر المطاف عديم الجدوى ؟
لا يقتضي إنشاء حركة نقابية عالمية جديرة بهذا الاسم توحيد المنظمات القائمة وحسب ، بل أقصى مركزة للموارد والقدرات، مع لا مركزة مواضع تبلور سياسة المنظمة. لم يعد الأمر يتعلق فقط بـ "التعاون المتجاوز للحدود" بل ببناء منظمات مندمجة لا تعير أي اهتمام للحدود. فعلى سبيل المثال يتعين على الفدراليات الأوروبية للصناعة أن تتطور نحو اتحادات واحدة ذات سلطة وقدرة لإبرام اتفاقيات جماعية أو إعلان إضرابات على المستوى الأوروبي. وتحتاج السكرتاريات المهنية الدولية SPI على المستوى العالمي لنفس مركزة العمل، ولامركزة رسم أسسه السياسة .
ضرورة إعادة التسييس
ليست مسألة خلق ثقافة تنظيمية تتيح للأعضاء تملك نقابتهم وإحساسهم بكونهم مواطنين لا رعايا مجرد مشكل بنيات.انه يستوجب سياسة تمد جذورها في أصول الحركة النقابية وتتخذ القدرة على الكفاح معيارا لقيمة المنظمة النقابية. لقد كان تجريد الحركة النقابية من طابعها السياسي خلال حقبة 1950-1980 شؤما عليها: إذ أدى إلى نقص استعداد الأطر وسلبية الأعضاء. لذا يتوجب إعادة تسييس الحركة النقابية.
لكن لا يمكن أن تعني إعادة التسييس في المرحلة الراهنة العودة إلى ولاءات ولا حتى تبعية لأحزاب سياسية ولا الى تحكم حزب سياسي في النقابات. لقد ابتعدت الأحزاب عن النقابات، ولم يعد للعلاقات الموروثة من الماضي أي فعل سواء في شكل أداة تحريك (في هذا الاتجاه أو ذاك) ، أو زبائن انتخابات أو اتفاقات من طراز حرفوي في القمة . لكن هذا لا يعني استغناء الحركة النقابية عن بعد سياسي بل العكس: فأي عمل نقابي هو سياسي بطبعه. يتعلق الأمر إذن بإعادة ابتكار سياسة الحركة النقابية بالانطلاق من الدفاع عن مصالح أعضائها بدءاً من المنشأة .
برنامج نضالي مبني على قيم
يمكن القول إن المقصود إعادةُ ابتكار الاشتراكية الديموقراطية انطلاقا من الحركة النقابية، كحامل لبديل عن المشروع النيوليبرالي الشامل، لا القيام في أحسن الأحوال بدور إسعاف لضحاياه. فلنبدأ بتحديد الأهداف المشروعة لأي منظمة اجتماعية، في المستوى المحلي أو العالمي ؛ بالتأكيد إذن على أن لا شرعية لأي منشأة أو نظام اقتصادي إلا بمقدار ما يستهدفان الرفاهية الإنسانية بأوسع معانيها: إشباع الحاجات الأساسية، التي يجب أن تشمل العدالة والمساواة والحرية –الفردية وليس حرية الشعوب وحدها- ، والثقافة ، ودولة الحق. يجب أن تصبح هذه القيم والمبادئ الأساسية، المناقضة كليا لقيم النيوليبرالية المسيطرة ، برنامج كفاح الحركة النقابية الذي يتعين الدفاع عنه على كل المستويات وفي جميع الميادين بالتزود بما يلزم من وسائل.
كان لازدهار" الحركة النقابية الجديدة" مضاعفات مثيرة على معدل التنظيم وعلى موازين القوى الاجتماعية في البلدان التي شهدته : كوريا (KCTU [الكونفدرالية الكورية العمالية الموحدة]) والبرازيل CUT [اتحاد العمال الواحد] وMST (حركة العمال عديمي الأرض)، وجنوب إفريقيا ( كونفدرالية النقابات بجنوب أفريقيا Cosatu). ويتعلق الأمر في الحالات الثلاث بمنظمات نقابية اضطلعت بمشاكل مجمل المجتمع التي ينتمي إليها أعضاؤها، في ارتباط قوي لاسيما مع جماعات السكان المحلية ومع مشاريع إصلاح سياسية.
ليست الحركة النقابية العالمية وحدها التي تستدعي تقويما بغية التزود بمنظمات نضالية فعالة على المستوى العالمي.بل المطلوب توحيد نضال الحركة الاجتماعية ، بأوسع معانيها ، وتنظيمها لتشكل قوة موازنة ذات صدقية. والمقصود منظمات المجتمع المدني بكل تعقيده: حركة الدفاع عن الحقوق الإنسانية ومنظمات التضامن وحركات النساء ، وحركات الدفاع عن البيئة، والأقليات، والقطاع غير المهيكل وكذا الأحزاب السياسية القريبة منا، بقدر ما تبقى قريبة وتواصل مرافقتنا .
الفاكس والكومبيوتر
تلتقي مصالح كل هذه الحركات الاجتماعية ولها معركة مشتركة رهانها هو نفس رهان الحركة النقابية: في أي عالم سنعيش غدا بعد عشر سنوات و عشرين سنة. يجب أن يكون هدف الحركة النقابية هو إعادة بناء الحركة الاجتماعية على المستوى العالمي بالنضال بالوسائل التي توفرها العولمة وسندها التكنولوجي . و ستصبح حركة اجتماعية عالمية من هذا القبيل حركة جديدة لتحرر الإنسانية سلاحها الأساسي الفاكس والكومبيوتر.
وحدها الحركة النقابية قادرة على القيام بهذا الدور. ونحن نعرف نقاط ضعفها على المستوى العالمي. ومع ذلك فإنها الحركة الوحيدة الكونية والمنظمة على نحو ديمقراطي وذات قدرة مقاومة لافتة للنظر: لم تصمد أي حركة او مؤسسة ،باستثناء الكنائس، أمام حربين عالميتين و نظامين شموليين لم يشهد التاريخ الحديث نظيرا لقدرتهما على التدمير الاجتماعي. و ما هذا بمعجزة: فهي وحدها تمنح سلطة، بواسطة التنظيم، لملايين العمال الذين يخوضون يوميا آلاف النضالات، صغيرة وكبيرة ، في العالم برمته .ولا خيار لهم غير المقاومة أو الاستسلام، وهم بوجه عام لا يستسلمون وحتى ان فعلوا فليس لأمد طويل ، لأن النضال النقابي هو في المقام الأول نضال لاجل الكرامة الإنسانية ، أي نضال تستحيل فيها أي مساومة حول الجوهر. انه نضال من أجل شيء أغلى من الحياة نفسها لأن
الناس يموتون دفاعا عنه .
مصدر : كتاب "ضد ديكتاتورية الاسواق " من منشورات أطاك - 1999
الشعوب تنخرط في المقاومة
جزر موريس :النساء في مقدمة المعركة
بقلم راجني للاه
يعتبر البنك العالمي وصندوق النقد الدولي جزر موريس نموذجا لنجاح برامج التقويم الهيكلي . والحقيقة ان الازدهار الاقتصادي النسبي لهذا البلد راجع بالدرجة الأولى الى وجود نظام كوطا ( حصص) و أسعار مضمونة للسكر وذلك في إطار اتفاقية لومي المهددة اليوم بالاختفاء.
كما أن هذا الازدهار نتيجة للمقاومة التي يبديها عمال جزر موريس في وجه سياسات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي . . فرغم ان هذه الجزر هي البلد الإفريقي الأول الذي حاول فيه صندوق النقد الدولي والبنك العالمي فرض برنامج تقويم هيكلي فان التأمين ضد المرض ( من المراكز المحلية الجماعية الى مستشفيات الدولة العصرية ) وكذا التعليم الابتدائي والثانوي ظلا مجانيين وشاملين . ومازالا حقا لكل مواطن وفي يد السلطة العمومية .
اجتازت مقاومة أوامر صندوق النقد الدولي والبنك العالمي في ثلاث مراحل :
أولا : المقاومة في سنوات السبعينات والثمانينات
خلال سنوات السبعينات حاولت حكومة حزب العمال فرض برامج تقويم هيكلي ، لكن النقابات وجمعيات النساء والطلبة والعاطلين قامت توا ضد هذه السياسات . فحتى قبل الإعلان عن برامج التقويم الهيكلي بدأ العمال تعبئة صفوفهم من اجل تأميم القطاعات الاقتصادية الأساسية .
وكان هذا التحرك في نظرهم جزءا من النضال لاجل الديمقراطية . وعندها تحولت المقاومة الى هجوم مضاد حقيقي : مست موجة إضرابات قطاعات اقتصادية عديدة بينما بدأت منظمات النساء والطلبة والعاطلين تنسج العلاقات مع النقابات .
وكان لإضراب عمال السكر سنة 1979 صدى واسع اذ كانت هذه الصناعة تشكل العمود الفقري لاقتصاد البلد . وظهرت لجان إضراب في كل ربوع البلد . وبسرعة وجدت هذه الحركة التي تحفزها المثل الديمقراطية امتدادا سياسيا : إذ أن العمال والمهمشين في المجتمع انتظموا في حركة اسمها "النضال الطبقي" وشكلوا تيارا داخل حزب معادي للرأسمالية اسمه الحركة المناضلة الموريسية . وبوجه المقاومة الشعبية تخلت الحكومة عن فرض برامج التقويم الهيكلي . وفي إطار هذا الاندفاع تمكن العمال من منع إغلاق معامل الصناعة السكرية والحفاظ على التعليم والصحة في إطار القطاع العام وابقاء أسعار الكهرباء والمواد الغذائية الأساسية منخفضة بفضل استمرار الدعم العمومي لها . كما تمكنوا من الإبقاء على نظام الضريبة الخاص بالمقاولات والمداخيل المرتفعة . لكن الحكومة ردت بفرض تخفيض العملة الموريسية .
وخلال الانتخابات العامة سنة 1982 تم كنس الحكومة العمالية وفازت "الحركة المناضلة الموريسية "بكافة مقاعد البرلمان . لكن هذه الحركة انقلبت على ناخبيها وانخرطت في سياسة " إجماع اجتماعي جديد" ويتعلق الأمر في الواقع بسياسة تعاون مع الرأسمال . انتفضت حركة " النضال الطبقي " ضد هذه الخيانة وغادرت "الحركة المناضلة الموريسية " وأسست حزبا جديدا اسمه " النضال "
ثانيا : المقاومة الانتخابية
أدرك العمال خلال سنوات الثمانين ما يعنيه بالضبط " الإجماع الاجتماعي الجديد ". فقد نهجت "الحركة المناضلة الموريسية" سياسة ليبرالية جديدة شبيهة في كل جوانبها بسياسة الحكومة السابقة معلنة انه لا توجد سياسة اقتصادية أخرى ممكنة . وأدت المقاومة الشعبية والانقسامات الداخلية الى انفجار " الحركة المناضلة الموريسية " بعد تسعة اشهر .
وفي العقد اللاحق أدت خيانة " الحركة المناضلة الموريسية " الى إضعاف الحركة الاجتماعية بشكل كبير . واصبح التعبير عن المقاومة يتم بكيفية اكثر سلبية من خلال الانتخابات . فقد كان الأجراء يرفضون كافة الحكومات التي تريد تطبيق السياسات الليبرالية الجديدة لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي .
شهدت سنة 1992 سلسلة انتخابات كانت خلالها " الحركة المناضلة الموريسية " تتبع سياسة قصيرة النظر . وبدأت الحركة تنفجر وتحالفت مع حزب العمال . ثم عادت الى السلطة وحاولت فرض سياسات رأسمالية . وانفجرت في الأخير بوجه المقاومة الشعبية . وهكذا أعيد من جديد دعم الدولة لاسعار الأرز والقمح الطري الذي الغي سنة 1992 وذلك بعد ان شكل محور النقاش في الانتخابات المحلية .
رغم أن الحكومات الليبرالية الجديدة طُرِدت بانتظام من السلطة من قبل الناخبين فان أعضاءها شكلوا مجددا تحالفات حول أشلاء من" الحركة المناضلة الموريسية " و"حزب العمال" . وهكذا تعذر بناء سياسة بديلة واكتفى العمال بالدفاع عن المكاسب الاجتماعية الموروثة عن سنوات السبعينات .
شهدت سنوات التسعينات انتصار رأسمالية مغتبطة : فكما سقط جدار برلين سقطت أمام هذه الرأسمالية كل الحواجز المانعة لتوسعها الكوني . وكما هو شأن باقي بقاع العالم اصبح عمال جزر موريس في وضع دفاعي . وعملت الحكومة ومفكروها الليبراليون الجدد على بناء وهم معجزة اقتصادية تقضي على الفقر و تضمن الاستخدام التام ( انعدام البطالة ) . وفي الحقيقة اختفى ضمان الشغل وحل مكانه العمل الهش ( المؤقت والموسمي و المحدد المدة ) وكان أسبوع العمل يتكون من 55 ساعة ومقاولات القطاع الخاص المتطورة بسرعة تدفع أجورا تحت عتبة الفقر . كما أن ارتفاع الأسعار قرض الأجور في سياق خفض العملة وتحرير الأسعار .
ثالثا : مقاومة العمال المتحدين
وانطلاق من 1992 انهارت أسطورة " المعجزة الاقتصادية " . وكان السكن الاجتماعي في أزمة وارتفعت أسعاره كالصاروخ بفعل المضاربة العقارية واصبح السكن الخاص غاليا لدرجة انه لم يبق للناس من خيار غير احتلال أراضى الدولة . وأعلنت الحكومة لاشرعية عمليات الاحتلال تلك . وكان القائمون بها عرضة للسجن خمس سنوات وكانت فيالق الدرك المصحوبة بالكلاب تطردهم من تلك الأراضي وتقوم بتدمير بيوتهم .
عندها قام عديمو السكن ومناضلو حزب " النضال " بتأسيس حركة من اجل الحق في السكن ودعوا الى مظاهرات . وقامت الحكومة بإغلاق السلطة المركزية المكلفة بالسكن الاجتماعي وسرحت العاملين بها ( الف أجير ) وكذا 800 عامل بؤسسة البناء العمومية .
أدى ذلك الى تشكل تحالف حاسم بين العمال المطرودين ونقاباتهم والحركة من اجل الحق في السكن .
وفي فاتح ماي بادر حزب " النضال " الى تنظيم ندوة مع التقدميين من مسؤولي الحركة الاجتماعية . أكد هذا التجمع على ضرورة صياغة أرضية معادية للرأسمالية .
أدى هذان الحدثان الأساسيان الى اجتماع " ندوة كافة الشغالين " سنة 1996 والتي ضمت قرابة كل الفدراليات النقابية وحركات النساء والطلبة وجمعيات المستهلكين ومجموعات حماية البيئة .
قامت هذه الندوة بتنسيق جملة اجتماعات محلية ضمت 1000 الى 1500 مندوب ، رجالا ونساء ، لاجل مناقشة العولمة و عمليات الخوصصة والنقل العمومي والحماية الاجتماعية ودولة الرعاية والميزانيات الوطنية ، الخ . تعلق الأمر بفهم انعكاسات التحولات الاجتماعية على السكان ووضع سياسات بديلة ونسج التحالفات بين العمال والعاطلين وعديمي السكن والنساء والطلبة وتنظيم عمل موحد انطلاقا من مطالب مشتركة .
أفضت هذه الندوات الى مظاهرات جماهيرية ضد تقليص الميزانيات وضد عمليات الخوصصة. كما أتاحت القيام بحملات موحدة في قطاع الاتصالات والنقل العمومي .
وفيما بعد اجتمعت " ندوات كل الشغالين " هذه بانتظام حول مسائل خاصة : الخوصصة ، التقاعد ، الضرائب ، النقل ، صناعة السكر . وقامت بصياغة " كتب بيضاء" تقترح سياسات بديلة وصادقت عليها بعد نقاش ديمقراطي .
وانتهزت المنظمات النسائية من قبيل الحركة من اجل تحرر النساء فرصة " ندوات كل الشغالين " لتقيم تحالفات استراتيجية مع مجموعات النساء النشيطة ومع الطلبة . كما قامت الحركة من اجل تحرر النساء بصفتها عضوا بالشبكة الأفريقية المسماة " نساء من اجل القانون والتنمية بأفريقيا " والتي لها مقعد استشاري بمنظمة الوحدة الأفريقية بحملات داخل تلك الهيئات من اجل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية .
أدت الحركات النضالية انطلاقا من ندوات كافة الشغالين الى وقف لبرلة الاقتصاد وتعميم الخوصصة و ومحاولة جعل الاستفادة من الصحة والتعليم والتعويضات الاجتماعية منحصرة في السكان الأكثر فقرا . كما حالت دون اعتماد قانون شغل يقلص الحقوق لدرجة منع فعلي لحق الإضراب .
الحكومة تحاول تدمير الحركة
بوجه دينامية الحركة الاجتماعية حاولت الحكومة احتواء النقابات بإنشاء " صندوق الضمان النقابي " وتعيين مسؤولين نقابيين في مجلسه الإداري دون ان تعطيهم مع ذلك وسائل مراقبته . ثم بعد فشل هذا التكتيك لجأت الحكومة الى القمع بطرد مسؤولي المنظمات النقابية بقطاع الصحة .
وكان هؤلاء قد احتجوا خلال أحد اجتماعاتهم العامة على خوصصة قطاع الصحة. وتعرض جميع مسؤولي ندوات كافة الشغالين للتهديد بالمتابعات القضائية بمبرر مظاهرات غير مرخص لها . . وفي القطاع الخاص لاسيما الفنادق تم طرد كافة الأجراء الذين تظاهروا ضد مشغليهم ولو كان ذلك خارج أوقات العمل . كما أكدت الحكومة للنقابات أن سياسة الدولة ليست من اختصاصها وان عليها الاكتفاء بالدفاع عن ظروف عمل أعضائها.
أخذاك طُرِحت داخل الحركة الاجتماعية مسألة هامة: ما هو بالضبط دور النقابات والجمعيات ؟ هل يكمن فقط في حماية أعضائها كما تريد منها الحكومة وأرباب العمل ؟ أم أن دور النقابات هو الدفاع الإجمالي عن مصالح الأجراء ؟ وهل يمكن فعلا الدفاع عن مصالح الأجراء المنخرطين في النقابات دون اعتبار تأثير السياسات الحكومية على حياتهم اليومية ؟
لم تقبل الحكومة والمقاولات الخاصة انشغال الحركة الاجتماعية بمسائل السياسة العمومية واقتراح حلول بديلة . فعملت لإنشاء فيدرالية نقابية مزيفة قامت توا بمغازلة المجموعات العضو بندوة كافة الشغالين . وانخدعت بعض النقابات بإمكانية الإفلات من القمع الحكومي والحصول على بعض المزايا .
تبين أن بنيات ندوة كافة الشغالين لم تكن متطورة ولا ممركزة بما يكفي لصد هذا الهجوم الحكومي المضاد ، لا سيما عندما يستهدف المستويات المحلية لجمعيات الشغالين .
تمثلت إحدى الصعوبات في أن كل مكاسب التعبئات _ وقف خطط الخوصصة و وعدم تفكيك شبكات الأجور و والتخلي عن القوانين القمعية قبل التصويت عليها _ كانت ثمرة أعمال دفاعية . لم يتوفر للحركة لا الوقت ولا المجال السياسي الضروري للانتقال الى طور هجومي .
بداية مرحلة جديدة
في فبراير 1999 انتفض الشباب واجتاحوا الشوارع . وكان تمردهم نتيجة وفاة مغني موريسي شهير اسمه كايا بين أيدي البوليس . و كان هذا الفنان قد طالب خلال حفل عمومي بعدم تجريم الغانجا ( مخدر الماريخوانا ) الذي اعتقل بسبب استهلاكه .
أثارت مسألة المخدرات نقاشات صاخبة في جزر موريس في السنوات العشر الأخيرة. وباستثناء حزب " النضال " تدعو كافة الأحزاب التقليدية الى اعتماد سياسة قمعية في هذا المجال . وبالتالي منحت الشرطة مزيدا من سلطة الاعتقال والسجن وهوما تتعسف في استعماله . ويمثل عدم تجريم استعمال الغانجا مطلبا شعبيا خاصة لدى الشباب لان الشرطة تستعمله مبررا لسجنهم .
اتخذت أعمال الشغب حجما كبيرا لما بدأ الشباب بإقامة المتاريس في كل 30 مترا لوقف الحافلات والشاحنات ولا سيما السيارات الفاخرة التي يمثل إفراطها في السرعة خطرا على سكان الأحياء الشعبية . و تم تخريب 13 مخفر شرطة و إطلاق سراح الأشخاص المسجونين بسبب استهلاك المخدرات والذي لم يتمكنوا من اللجوء الى محام . ورشق الشباب واجهات الفنادق الفاخرة بالحجارة وواجهات البنوك وغيرها من رموز الثراء الفاحش ، كما قاموا بنهب المتاجر . كان ذلك تمردا على اللامساواة الاجتماعية والسياسة القمعية للحكومة . وقد استعملت الشرطة القنابل المسيلة للدموع وبذلك أثارت غيظ السكان فانضمت أحياء بكاملها الى تمرد الشباب فاضطرت الشرطة الى التراجع .
حاولت مجموعات طائفية (خليط من العنصرية والسلفية) احتواء أعمال التمرد لصالحها . كما أن التجار الخائفين على حوانيتهم وبعض أفراد القوة القمعية و المجموعات الطائفية نظموا " دفاعهم الذاتي " في بعض المناطق القروية والحضرية وساعدوا الشرطة على إعادة سيطرتها على الوضع .
وبوجه شبح الصراعات الطائفية أدرك السكان الخطر فخافوا وتراجعوا ، فاصبح المجال فسيحا للشرطة لاستكمال عملها . وقد لطخ هذا كله ، مع الأسف، صورة حركة الشباب .
وفي أبريل 1999 اهتزت جزيرة رودريغيز الموريسية بقلاقل جديدة اثر وفاة امرأة صدمتها حافلة شرطة بحديقتها . تزامن هذا الحدث مع مظاهرات عاطلين ونقابيين لاجل إحداث مناصب شغل محمية للشباب وهو مطلب مناقض لسياسة الحكومة .
لقد بدأت مرحة جديدة ويتمثل التحدي الذي يواجه المناضلين التقدميين والذين يحاربون الرأسمالية الليبرالية في بناء حركة تستجيب لمطمح الشباب والعاطلين والعاملين في وضع هش والنساء والإجراء . لقد أصبحنا من الآن فصاعدا ندرك أن المقاومة بالأعمال الدفاعية غير كافية . يتوجب علينا الانتقال الى الهجوم .
بور لويس شتنبر 1999
مصدر : كتاب :" صندوق النقد الدولي : الشعوب تقاوم " إصدارات أطاك مع لجنة إلغاء ديون العالم الثالث .
المسيرة العالمية للنساء 2000 : النساء يمهدن الطريق
بقلم سوزان كلادويل ( مناضلة نسائية من كندا ، مُدرِسة في مونريال )
مجلة انبركور العدد 453-454 ديسمبر 2000-يناير 2001
بالغناء وبالهتاف تظاهرت آلاف النساء في 159 بلدا خلال الأسبوعين الثاني والثالث من شهر أكتوبر . ورغم تجاهلها من طرف وسائل إعلام كافة البلدان على وجه التقريب ، كانت مسيرة النساء العالمية ضد الفقر والعنف نجاحا تاما. إذ تظاهر زهاء 20 ألف شخص بواشنطن منهم 2000 رجل وامرأة من بلدان أخرى . وفي نيويورك تجمع قرابة 10 آلاف رجل وامرأة من مائة بلد وذلك أمام مقر الأمم المتحدة بمثابة رمز للمسيرة العالمية للنساء عبر العالم برمته. ولوحظ ضمن المشاركين وفد هام من نساء أوربا معززات بنجاح مسيرة النساء الأوربيات التي ضمت 35 ألف امرأة في بر وكسيل يوم 14 أكتوبر 2000. كما كان ثمة 250 امرأة من المكسيك قادمات في كوكبة سيارات جاء بعضها من التشياباس ( حيث توجد الحركة الزاباتية ) كما لوحظ حضور 50 امرأة من اليابان وموكب كبير من ممثلات الأمم أل أمريكية الأصلية ومجموعات نساء من أفريقيا واسيا والشرق الأوسط .
كان المجموع يمثل في نفس الوقت موجة حركات تحرر النساء لسنوات 70 والأجيال الجديدة للنساء المناضلات ضد الفقر والعنف والمعبئات ضد العولمة الرأسمالية الليبرالية الجديدة . وقد شاركن في تعبئات سياتل وواشنطن و ميلبورن وبراغ ،وهاهن الآن يبرزن الأثر الخاص العولمة على النساء. وقد انطبعت مسيرة النساء هذه بخاصيتين كبيرتين وجديدتين : قبلت النساء المنضمات إليها أرضية جذرية ضد النظام البطريركي وضد العولمة الليبرالية الجديدة علاوة على انهن شاركن جميعا على وجه التقريب في السيرورة التنظيمية الجارية منذ سنوات عديدة والتي ولدت الأنشطة المتزامنة في بلدان عديدة ومسيرة نيويورك .
تمركزت أرضية مسيرة النساء حول الوجه الأنثوي للفقر وطالبت بإلغاء ديون العالم الثالث ورفضت برامج التقويم الهيكلي لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي . وسجلت الأرضية أيضا ، وهي تؤكد الصلة بين الفقر والعنف ضد النساء ،إن العديد من البلدان الغنية تطبق سياسات وقوانين بطريركية مما يُديم العنف التي تعاني منه النساء . هكذا تطالب المسيرة العالمية للنساء منظمة الأمم المتحدة والدول الأعضاء باتخاذ قرارات ملموسة لوضع حد للفقر ولمختلف أشكال العنف ضد النساء . وتطالب بالاحترام الفعلي لحقوق كافة النساء مهما كان أصلهن وتوجههن الجنسي ومنزلتهن الثقافية او الاجتماعية .
هنا تبرز أحد الأوجه الملتبسة لمسيرة النساء 2000 . فبينما كانت أرضيتها جذرية لم تتخذ استراتيجيتها موقفا واضحا من دور المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة والسياسة الواجبة إزاءها . وتأرجحت بين نشاط قوة ضغط على الحكومات ومختلف المؤسسات القومية والدولية من جهة وفرض تغييرات بواسطة موازين القوى من جهة ثانية . وينبع هذا من مصدر هذه المسيرة التي دعت إليها فيدرالية نساء الكيبيك بعد ندوة الأمم المتحدة حول النساء في بيكين سنة 1995 : كانت الشبكة المبادرة هي شبكة المنظمات غير الحكومية الحاضرة في بيكين وفي الندوة الموازية في هايرو حيث كانت استراتيجية قوة الضغط هي المشتركة على نطاق واسع .
انبعاث الأمل
لكن بتأثير من نجاح مسيرة النساء لاجل الخبز والورود في الكبيك سنة 1995 أدركت فيدرالية نساء الكبيك أن الحكومات تأخذ اكثر بعين الاعتبار الأنشطة العمومية و التعبئات الجماهيرية . كما أن شمول الشبكة تدريجيا للحركات الشعبية والنسائية عالميا ساهم طيلة الحملة في تعزيز هذا الوعي وحفز التفكير الاستراتيجي داخل الحركة . هكذا توصلت المسيرة العالمية للنساء في متم الحملة الى مخاطبة المؤسسات المالية كالبنك العالمي وصندوق النقد الدولي بعرض أرضيتها التي تتهم بوضوح سياسة هاتين المؤسستين بما هي مصدر مشاكل النساء دون الانخداع بتزويق مشاريع التنمية بالمقاربة "حسب النوع " أو بدعوة البنك العالمي الى " الحوار البناء " .
باحترام الفروقات القومية وبالسعي الى العمل بكيفية ديمقراطية تمكنت فيدرالية نساء الكبيك من خلق شروط بلورة أرضية عالمية وحفز تطوير البنيات الوحدوية على المستوى القومي والحفاظ من خلال عمل تواصل دائم على تنسيق جملة مبادرات محلية توجت على المستوى العالمي .
إن تأثير العولمة الليبرالية نفسه أدى الى توحيد المطالب :
- تعرضت مكاسب نساء " العالم الأول " لسنوات 70 و 80 للإجهاز بينما أدى تقليص الخدمات الاجتماعية الى البطالة وتنامي وزر العمل .
- كان الأثر المدمر لبرامج التقويم الهيكلي المفروضة من البنك العالمي وصندوق النقد الدولي على بلدان العالم الثالث متمثلا في إلغاء الخدمات العمومية من صحة وتعليم وارتفاع نسبة وفيات الأطفال والأمهات وعودة أمراض كان متحكما فيها من قيل كالكوليرا وسل الرئة .
- - كانت نساء البلدان التي مزقتها الحرب ضحية في نفس الوقت لعنف جنود العدو وفي وضع لاجئات في المخيمات . وخلال مسيرة النساء في نيويورك قدمت ست نساء من مناطق في حالة حرب ( أفغانستان ،كولومبيا ، فلسطين ، كردستان ،رواندا ، يوغوسلافيا ) في أجواء انفعال كبير وقناعة راسخة الآثار الخاصة لمثل هذه النزاعات على النساء والأطفال . ونددن بما تمثله تجارة السلاح و تجارات أخرى من صناعة للموت .
تنظمت نساء 159 بلدا وعملن في إطار شبكة المسيرة العالمية للنساء 2000 ضد الفقر والعنف .وتم جمع قرابة 5 مليون توقيع عبر المعمور وقدمت للأمم المتحدة لاجل دعم مطلبين : القضاء على الفقر والقضاء على العنف ضد النساء . وتم في مختلف البلدان القيام بتحركات نضالية حول مطالب خاصة – بدءا بأجر أدنى ووصولا الى المطالبة بمبزانية لمراكز النساء او تعليم الفتيات . ولم يلب من هذه المطالب إلا النزر اليسير إن لم يكن أيا منها . لكن النساء نجحن في الاقتناع بقدرتهن على تنظيم أنفسهن جماعيا و أحسسن بقوة تضامنهن الجماعي .
وقد اتخذ قرار الإبقاء على شبكة المسيرة العالمية للنساء لاجل تقييم حصيلتها أفاق العمل .
وللتيارات النسائية الثورية مكانتهن الكاملة في هذه النقاشات وفي تنظيم الشبكة لاجل تبني أرضيتها لقضية الدفاع عن حقوق السحاقيات والمطالبة صراحة بحق الجميع في الإجهاض الحر والمجاني ولأجل المساعدة على تجاوز عواقب استراتيجية الضغط والمساعدة على تبديد الأوهام حول قدرة المؤسسات الوطنية والدولية على إصلاح ذاتها .
كما يتعلق الأمر بتعزيز الالتقاء مع حركة الاحتجاج ضد العولمة الرأسمالية و إسماع صوت النسوانيات فيها كي تدمج تلك الحركة الابعاد الاجتماعية –الجنسية في مطالبها . . ويتأتى هذا بالحضور العضوي لبنيات نسوانية كالمسيرة العالمية للنساء على المستوى الدولي
. وسيطرح تعزيز الشبكة الدولية ،لاسيما بضم المزيد من المنظمات الشعبية في مختلف البلدان ، مسألة بنية اكثر ديمقراطية واكثر تمثيلية . وبإعادة تعبئة نسوانيات سنوات 70 و80 ومشاركة النساء الشابات من " جيل سياتل " ثمة مكان جديد لانبعاث الأمل . غالبا ما تكون الأجيال الجديدة من النساء معاديات للرأسمالية بشكل عفوي بفعل معارضتهن للعولمة الليبرالية الجديدة وفي نفس الوقت معاديات للنظام البطريركي تلقائيا بفعل نشوئهن في مرحلة مطبوعة بمكاسب حركة النساء. لذا فان انبعاث حركة تحرر النساء أمر في جدول الأعمال .
أطاك: حركة تثقيف شعبي متجهة نحو الفعل
بقلم بيار روسيه
تأسست جمعية أطاك ( ) بفرنسا في يونيو1998.ولقيت تواً صدى فاجأ حتى المبادرين الى تأسيسها.وبعد سنتين ونصف بلغ عدد أعضائها 28 ألف فرد( علاوة على الجمعيات المؤسِسة) و180 لجنة محلية، ويتم كل شهر القيام بزهاء 200 مبادرة محلية، وأصبحت أطاك على المستوى الوطني فاعلا جديدا في الحياة الاجتماعية والمواطنية والسياسية الفرنسة.كما اكتسبت بسرعة بنية دولية هامة.
فور الإعلان الرسمي عن تأسيسها،انتشرت الجمعية على نحو متزامن في جملة اتجاهات ، و بوثيرة متواصلة،وبأشكال يغلب فيها الطابع العفوي.كان ذلك هبة سريعة،لكن ليس نارا في الهشيم:إذ تبدو أطاك اليوم راسخة في الزمان.وربما يقتضي التأكد من ذلك انتظار أزمتها الأولى(الآتية لا ريب فيها) والكيفية التي ستتجاوزها بها.لكن لنبدأ اليوم بقياس ظاهرة "أطاك " على الأقل كما تبدو في فرنسا ومن فرنسا .
الـهـبة
أسس أطاك عدد محدود من الشخصيات من جملة منظمات متباينة الطبيعة:فيدراليات نقابية للأجراء وحركات عاطلين والكونفدرالية الفلاحية وهيئات تحرير وجمعيات مواطِنة وجمعيات تضامن أممي ، ومتَحدات مناضلين(لأجل حقوق النساء،التنمية …) ومنظمات غير حكومية.واقتحمت مجال عمل غير مطروق إلا بشكل ضئيل،لا بل شاق:إخضاع حركات مضاربات الرساميل للضريبة ومراقبتها ومقاومة ديكتاتورية الأسواق.وان كانت سيرورات التوحيد بوجه عام تستلزم عادة وقتا لبلوغ أهدافها،فان تشكيلاطاك ما استلزم سوى ستة اشهر .
في ديسمبر 1997 نشرت لوموند ديبلوماتيك ،المجلة الشهرية ذائعة الصيت في الأوساط التقدمية،افتتاحية،بقلم مديرها اينياسيو رامونيه، تقترح تنظيم القوى لمقاومة الأسواق المالية الدولية على نحو افضل.وكان رد القراء فوريا وحماسيا،مما دفع هيئة تحرير الصحيفة الى دعوة اجتماع وحدوي لبدء المشروع.وبسرعة انعقد الاتفاق لتشكيل جمعية مصرح بها قانونيا،بدل تكتل عملي كما يجري غالبا .
ورغم أن أطاك تأسست أصلا من قبل منظمات،فقد فتحت أبوابها للأفراد. وفورا بدأ تدفق المنخرطين ،وتواصل بوثيرة ألف عضو جديد شهريا.مما أدى الى تشكيل عدد متنام من اللجان المحلية.وطبعا ليس كل المنخرطين مناضلين ( ولاهم يؤدون جميعا اشتراكاتهم ).لكن حجم الظاهرة وعفويتها مدهشين مع ذلك .
لم تتجل دينامية اطاك الأصلية في تأثيرها بفرنسا فقط.وان اقتضى المنطق أن تحيي الجمعية عيد ميلادها الأول بمبادرة وطنية كبرى لتوطيد رسوخها،فان أول تجمع كبير لأطاك،في يونيو 1999،كان ندوة دولية:لقاءات سان دوني Saint-Denis في ضاحية باريس.كان تهيئ مبادرة من هذا القبيل،خارج أي موعد مؤسسي(من قبيل اجتماع للأمم المتحدة)،و في وقت وجيز،مجازفة،لكننا كنا نريد انتهاز الفرصة والاستفادة من الصدمة التي أحدثتها الأزمات المالية لـــ1997-1998 قصد نسج الصلات في كل حدب وصوب.وكانت النتائج مرضية.باختصار قامت مجموعة من المتحدات والمنظمات،في مرحلة أولى، بتأسيس أطاك.وفي مرحلة ثانية،انضم الأعضاء الأفراد بأعداد غفيرة .وتشكلت اللجان المحلية،وتم نسج العلاقات الدولية.وخلق المجلس العلمي لأطاك لجانا للعمل المعمق حول مواضيع الحملات(ضريبة توبين،الدفاع عن أنظمة التقاعد ورفض صناديق المعاشات بالرسملة…) وفي مرحلة ثالثة،اتسعت التعبئات الوحدوية لتبلغ أوجاً في سياتل.
وفي نفس الآن بدأ تأثير أطاك في المؤسسات.إذ أعلن برلمانيون تبنيهم لفكرة الجمعية،أو قاموا بعمل لصالح ضريبة توبين.وانتسبت بعض البلديات الى أطاك لتأكيد مقاومتها للنظام النيوليبرالي العالمي وتشجيع الديمقراطية المحلية.انه نداء مورصان Morsang بعد ندوة في بلدية MORSANG-SUR-ORGE يومي 28 و29 يناير 2000 .
المقدمات
طبعا لم يبدأ كل شيء مع أطاك.ففي الواقع،ظهرت العديد من الأفكار الأساسية التي قادت الى تأسيس هذه الجمعية منذ 1995 في أوساط المناضلين المنخرطين في مقاومة النظام النيوليبرالي.فقد مهدت عدة حملات ومبادرات الطريق. فلماذا إذن تبلورت هذه الأفكار،وتوطدت هذه الدينامية الجديدة،حول أطاك دون غيرها وبقوة متميزة؟لا شك أن ثمة عناصر إجابة على هذا السؤال.نكتفي بالإشارة الى بعضها.
جلي انه كان للسياق دور كامل،أي أن اللحظة كانت مواتية . فقد تشكلت أطاك في سياق أزمة شرق آسيا،بينما الصدمة تصل الى روسيا ثم البرازيل وتهدد الولايات المتحدة الأمريكية(مع شبه إفلاس لصندوق مضاربة كبير).وكانت الأيديولوجيا النيوليبرالية تتباهى بكامل غطرستها،لكن في الواقع الحي بات النموذج النيوليبرالي يشهد أزمته الكبرى الأولى.وبدت إرادة فرض ضريبة على حركات مضاربة الرأسمال ومراقبتها–راية حرب أطاك الأولى-متطلبا آنيا وتحديا ديمقراطيا في وجه النظام السائد.ومن وجهة نظر أشمل،كان تأسيس أطاك استجابة لطموح واسع:الكف عن القبول السلبي بـ"ديكتاتورية الأسواق"و إعادة تبوء الشأن الاجتماعي مركز الانشغالات والخيارات السياسية،و إعادة تملك الشأن السياسي عبر سيرورة مواطنة وبأشكال جديدة.وفعلا لم ينحصر أبدا برنامج أطاك في إخضاع مضاربة الرساميل للضريبة،ونجحت الجمعية في تبني صرخة تجميع مقاومات العولمة النيوليبرالية:"العالم ليس سلعة".
لم يمكن خلق أطاك بتلك السرعة–والاستجابة بذلك للحدث-سوى لأنها استفادت من تقليد وحدوي راسخ في قسم من الحركة الاجتماعية،ومن الحملات المنظمة خلال سنوات 1990 ضد النظام النيوليبرالي الدولي،ومن الأثر المستديم للإضرابات في الخدمات العمومية في نوفمبر- ديسمبر 1995.
تضم أطاك منظمات متنافسة أحيانا وحتى متصارعة.وحالة الحركة النقابية العمالية دالة في هذا الصدد.ونجد بوجه خاص ضمن الأعضاء المؤسسين للجمعية فيدراليات س.ج.ت (بدعم من الكونفدرالية) والاتحاد النقابي–مجموعة العشرة ،والفدرالية النقابية الموحدة(اكبر نقابة مدرسين)وعناصر من يسار س.ف.د.ت…و تتعاون مكونات الحركة النقابية الفرنسية هذه يوميا داخل أطاك وحول مسائل ليست صغيرة بأي وجه:التصدي للسياسات النيوليبرالية ومسألة أنظمة التقاعد والموقف من المنظمة العالمية للتجارة والوحدة مع حركة الجمعيات ،الخ . وتلك أيضا حالة حركات العاطلين.لقد تبلور تقليد وحدوي في فرنسا منذ زهاء 15 سنة و أتاح لمنظمات عديدة التمرس بالعمل الموحد رغم خلافاتها.وساهم أيضا في انعطاف هام للحملات ضد النظام المالي الدولي.بدأ هذا الانعطاف سنة 1995 عندما سلمت الحملة الفرنسية"50 سنة،كفى!"(ضد مؤسسات بروتن وودز")المشعل لـ"أصوات الكوكب الأخرى"لاجل القمة المضادة للسبعة الكبار سنة 1996:عندها بدأت الحركة الاجتماعية تقوم بدور مركزي أكثر داخل تلك الحملات.فلأول مرة في 1996،تميزت مظاهراتٌ ضد قمة للسبعة الكبار بمشاركة مواكب نقابية (خلال مظاهرات"الأصوات الأخرى "وخلال التعبئة الخاصة بـ س.ج.ت).لقد تغير إدراك أوجه التضامن بين الشمال والجنوب ،إذ تأكدت وحدة مصير نسبية لكن جديدة بوجه الطابع الكوني للسياسات النيوليبرالية.ونشير الى أن نفس السنة شهدت تنظيم الزباتيين مبادرتهم العالمية الخاصة ضد النيوليبرالية .ولم تكن عواقب إضراب الخدمات العمومية في نوفمبر–ديسمبر 1995 موحدة الدلالة.فهي لم تحقق فعلا الانتصارات التي قد تُرجى من حجمها وإصرارها ودعم السكان لها.لكن ساهمت في توليد وعي جماعي و إبراز عزم على مقاومة النظام السائد وفي نزع عميق لشرعية الخطاب النيوليبرالي.وفي سنة 1998 أبانت الحملة الوحدوية ضد الاتفاق متعدد الأطراف حول الاستثمار AMIوتكوين أطاك،كل بطريقته،أن روح ديسمبر1995 لم تمت.
أخيرا يستجيب تطور أطاك، في فرنسا،لأزمة الشأن السياسي.وهذا من ناحيتين على الأقل.فبوجه نظام نيوليبرالي يقدس سيادة الأسواق أعادت الجمعية ،بنجاحها نفسه،سيادة الديمقراطية المواطِنة وتفوق الخيار السياسي على ديكتاتورية المصالح الاقتصادية .كما قدمت إطارا جديدا للتنظيم والتثقيف والممارسة في وقت لم يعد مناضلون عديدون(محتملون)يجدون أنفسهم في الأشكال التقليدية للنشاط السياسي.
لم تصبح أطاك الفاعل الوحيد في مقاومة العولمة النيوليبرالية بفرنسا .فالدور الخاص للكونفدرالية الفلاحية مثلا(التي هي من المنظمات المؤسسة لأطاك) بالغ الأهمية.إن تبني نضال نقابة فلاحية من قبل سكان غالبيتهم العظمى حضرية أمر بليغ الدلالة حول أزمة النظام المجتمعي السائد ،وحول الكيفية التي يتم بها اليوم إدراك الصلة بين الصحة العمومية وإنتاج الغذاء والمتطلبات البيئية والاجتماعية.ومع ذلك تحتل اطاك فضاء سياسيا كبيرا يتخطى مجال تدخلها الخاص.
الدينامية
ما زالت أطاك ،سنتين بعد الـتأسيس ،منظمة في طور التغير الى حد بعيد،مما يستدعي اختراع الجديد في خضم التجربة .
كيف نُعَرف أطاك ؟ غالبا ما نسميها حركة تثقيف شعبي متجهة نحو الممارسة أو حركة تثقيف سياسي.تمثل أطاك أيضا نقطة لقاء بين المتطلب(تجسده منظمات مؤسِسة : نقابات،الخ)والمتطلب المواطني(يجسده تدفق الانضمامات الفردية). وهي بهذا المعنى حركة اجتماعية – مواطِنة.
تنعكس دينامية أطاك الخاصة هذه في برنامجها وحملاتها.هكذا ومنذ البداية اندرجت الحملة من أجل ضريبة توبين في منظور ديمقراطي(إعادة تأكيد أسبقية الشأن السياسي بوجه ديكتاتورية الأسواق)وبيداغوجية ونضالية(توضيح الأواليات المالية لليبرالية ونقدها)واجتماعية (فرض ضريبة على الرأسمال وليس على العمل)وتضامنية(استعمال دخل هذه الضريبة لتقليص التفاوت ولا سيما بين الشمال والجنوب)ومناهِضة للمضاربة(الحد من حركات الرساميل المضاربة).ومنذ البداية أيضا تم تصور ضريبة توبين في ارتباط مع معارك أخرى توسعت تدريجيا:ضد الجنات الضريبية ،واتفاقات التبادل الحر غير المتكافئة،وبرامج التقويم الهيكلي التي يضعها صندوق النقد الدولي،وقانون المنظمة العالمية للتجارة،ولأجل إلغاء ديون العالم الثالث،وضد إنشاء صناديق معاشات بنظام الرسملة،ولأجل الدفاع عن الخدمات العمومية،وضد إدخال النباتات المعدلة وراثيا في الزراعة وتسجيل براءة اختراع الأجسام الحية.
تتأسس وحدة معركة أطاك،في تنوعها،على إرادة مناهضة ديكتاتورية الأسواق .كما تتيح للجمعية العمل بنشاط لتلاقي كل أشكال مقاومة النظام النيوليبرالي .لقد فتحت أطاك بفرنسا مجال عمل جديد،فأدى الاقتداء بها الى خلق لجان أطاك في عدد من بلدان أوربا و أمريكا اللاتينية والعالم العربي وأفريقيا السوداء.لكن لم تطمح الجمعية يوما الى الانفراد بساحة مناهضة العولمة،بل سعت على العكس الى توحيد عمل الشبكات والحملات المتدخلة حول الديون والمؤسسات المالية والمنظمة العالمية للتجارة واتفاقات التبادل الحر …،وذلك بغية بناء جماعي لبيت مشترك يتيح التعبير عن الأممية الجديدة للحركات المواطِنة والاجتماعية .وهكذا نسجت صلات عديدة في آسيا،دون أن تخلق فيها مع ذلك أي لجنة أطاك لحد الآن.
في هذا المنظور الإجمالي شكلت لقاءات سان دوني في يونيو 1999 بدورها انعطافا . فقد نجح تنظيم مبادرة واسعة جدا اعتمادا على تمويل واستقبال نضاليين بالدرجة الأولى.وكان مركز ثقلها أقرب الى النقابات والجمعيات منه الى المنظمات غير الحكومية.ولم يكن لطموحات اللوبيات مجال للظهور في غياب أي موعد مؤسسي .وكانت اللقاءات ندوة عمل تبوأت فيها الورشات مكانة أهم من الجلسات العامة،وكانت موجهة صوب تحديد حملات مشتركة،وأتاحت وضع لبنات أولى والشروع في أشكال التلاقي ،بادئة بذلك سيرورةً تعمقت عام 2000 خلال لقاءات بانكوك وجنيف بحفز من سياتل.
المستقبل
تشكل ،سواء داخل أطاك أو في إطار أشكال التلاقي الدولية ، إطار وحدوي واسع جدا حيث تعبر راديكالية الحركات الاجتماعية والمواطنة اليوم عن نفسها بكيفية دينامية.وجلي أن هذه الدينامية ليست مضمونة الى الأبد،إذ يجب تغذيتها . ويجب الحفاظ على توازنات أطاك الحيوية.
أصبحت أطاك موضة لا سيما في فرنسا.وكما شهدنا يصل تأثير الجمعية الى الدائرة المؤسسية (البرلمان والبلديات…)وهذه مرحلة ضرورية إن أردنا إدراج مطالب نضالنا في القانون مستقبلا – مثل إخضاع حركات الرساميل المضاربة للضريبة ومنع الجنات الضريبية،أو إلغاء ديون العالم الثالث.لكن استمرار تحديد سير عمل الجمعية وتوجهها من قبل المنظمات المؤسسة والأعضاء المنظمون في لجان محلية مسألة مفروغ منها .ويجب التيقن من كون مركز ثقل أطاك يظل مناضلا .لكن هذا لا يكفي لتسوية كل مشاكل العلاقات بين حركة مناضلة و منتخبين.يمكن مثلا أن تنشأ نزاعات بين لجنة محلية وعمدة يعلن انتماءه لأطاك. وسيكون مستقبل أطاك بفرنسا مشروطا،الى حد بعيد،بنوعية العلاقة بين أعضائها "الجماعيين"(النقابات والجمعيات وهيئات التحرير،الخ ) وأعضائها الأفراد.لقد بدأت ملاءمة سير عمل الجمعية مع تطورها:كان مجلس الإدارة في البداية مكونا من" الأعضاء المؤسسين"وحدهم فتم فتحه في وجه منتدبين عن اللجان.وتم الاعتراف بمسؤولية اللجان المحلية عن أنشطتها الخاصة.وتضمن المنظمات المؤسسة استقرارا كبيرا للحركة،لكن ما زال ثمة في حياة الجمعية شق بين الأعضاء الأفراد ومنظماتٍ تعمل على مستوى وطني دون أن تتدخل دوما على مستوى محلى.ثم كيف نجد مقياس تمثيل ديمقراطي مشترك بين فيدرالية نقابية ولجنة محلية؟ليست المسألة بسيطة والسوابق الملهمة في هذا الباب نادرة.إذن يلزمنا على الأرجح أن نبدع الكثير في هذا المجال.
تجلى التعطش الى المعرفة لدى العديد من الأعضاء.وأبان المشاركون في ندوات محلية عديدة ،وفي جامعة أطاك الصيفية الأولى (700 مشارك في غشت 2000)،عن جدية لافتة في الدراسة.وغالبا ما ينتظرون من المتدخلين مدهم بمعارف.وعلى هذا النحو تشكل أطاك فعلا حركة تثقيف نضالي،وهذا مهم.لكن غالبا ما يتوجب أيضا تعلم الحوار في هذه الاجتماعات.فهل يعزى ذلك الى كون الجمعية أول تجربة سياسية عند أغلبية الأعضاء أو المتعاطفين مع أطاك؟ كيفما كان الأمر قد يكون هذا التعلم،رغم مصاعبه،مهما هو أيضا للمستقبل.
أحيانا تطرح العلاقات بالأحزاب مشكلا.فالأحزاب لم تدمج في سيرورة تأسيس أطاك.يأتي أعضاؤها على الرحب والسعة،لكنهم غير ممثلين في الجمعية على المستوى الوطني بصفة حزبية، رغم تمثيل بعض الأحزاب في عدد من اللجان المحلية.وهذا ما يفتح نقاشا حول تناسق سير عمل الجمعية.( )
ليست أطاك بفرنسا اتحادا لتيارات سياسية.والعديد من أعضائها لا يجدون أنفسهم في أي تيار خاص.وطبعا يوجد بها مناضلون حزبيون لكن بواسطة المنظمات المؤسسة أو بصفة شخصية.و ليست هذا الوساطة المرغوب فيها مسألة شكلية.لكن أطاك تضم عمليا طيفا سياسيا واسعا.واختصارا نقول إنها تمتد من مواقع مناهضة جذريا للنيوليبرالية الى مواقع مناهضة جذريا للرأسمالية. هكذا تجاور عناصر من اليسار الجذري عناصر من اليسار الحكومي.لكن دون أن يؤدي ذلك الى تشكل تيارات في الجمعية ودون أن يعيد النظر في وحدتها.ربما لأن حتى الأعضاء الذين يساندون حكومة الاشتراكيين والشيوعيين والخضر مسرورون بإطار يتيح لهم التعبير الحر عن معارضتهم لسياسات ليبرالية تؤيدها حكومتهم .وعلى الأرجح يشكل تطور العلاقات بين أجيال المناضلين إحدى مفاتيح مستقبل أطاك.والحال أن لا بداهة في هذا المضمار . فالشباب لا ينفر من أطاك لكن تحريك بنيتها الوطنية ما زال فعلَ أطر متقدمة في العمر نسبيا ومنها بعض الناجين من جيل ماي 1968 وسنوات 1970 .لم يثبت بعد شباب فرنسا كيفية التجذر الخاصة به كما حدث في إنجلترا ، لكن ذلك آت ذات يوم. فهل ستكون أطاك كفيلة بالانفتاح على هذه التجربة؟
انصهرت كل أجيال المناضلين خلال التعبئات الكبرى التي حفزتها أطاك (عشرات آلاف المتظاهرين قبيل اجتماع المنظمة العالمية للتجارة في سياتل)أو التي شاركت فيها بنشاط( عشرات آلاف المتظاهرين في ميلاو في يونيو 2000 تضامنا مع أعضاء الكونفدرالية الفلاحية المحاكمين).يتأكد اليوم أن مقاومة العولمة الرأسمالية مجال ملائم للوحدة السياسية أو بين الأجيال.لكن يجب مع ذلك أن تتطور أنماط الممارسة النضالية في السنوات المقبلة.
أخيرا هل ستتمكن القوى السائدة من إصلاح ذاتها جوهريا؟ إذا نجحت فإنها ستمتحن بقوة الوحدة المحققة داخل أطاك.لكن المثير اليوم هو بالأحرى عجزها عن تطبيق أي إصلاح للنظام.ويطلق خبراء كثيرون صيحات الإنذار،مما يدل على أن الأيديولوجيا النيوليبرالية في أزمة.وتغير المؤسسات المالية الدولية خطابها ساعية الى استقطاب المنظمات غير الحكومية.وأصبح سير عمل مؤسسات عديدة محجوزا،لكن مسار الرأسمالية المعاصر المفرط في الليبرالية لم يتم إيقافه ولا قلبه في الواقع.وهذا من شأنه أن يساهم في الحفاظ على دينامية حركات مقاومة العولمة.
بيار روسيه :
مناضل في مجموعة العمل الدولية لأطاك –فرنسا وكذا في لجنة أطاك الخاصة بالمؤسسات الأوربية . ظهر هذا المقال في مجلة Viento Sur أكتوبر 2000 وترجم في Inprecor يناير 2001
الأموال التي يسرقها حكام العالم الثالث ويودعنها في البنوك الأجنبية :
هل تمكن استعادتها ؟
مقابلة مع جان زيغلير
اريك توسان : هل بإمكانكم تقديم المعطيات القانونية وعناصر من التجربة حول مسألة استرجاع الممتلكات المكتسبة بطريقة سيئة ؟
جان زيغلير : يمثل هذا المشكل فضيحة مطلقة وصادمة وقاتلة . انه اوالية تؤدي الى تجريد اقتصاديات العالم الثالث من الرأسمال . لا أتحدث هنا عن الديون التي هي تجريد مؤسسي من الرأسمال بمصادقة صندوق النقد الدولي ، بل عن النزيف المنظم للرساميل . فموبوتو مثلا يأخذ من الصندوق وحرسه يأخذ العملة الصعبة من البنك الوطني لكنشاسا ويتملكها موبوتو ويستثمرها في عمليات عقارية في بروكسيل وجنيف ولوزان ويودعها في حسابات بنكية خاصة بأوربا .
ان للبنوك الغربية دور رئيسي لا سيما البنوك السويسرية التي اعرفها جيدا . وهو دور أساسي لأسباب عدة . عندما يكون ثمة فساد ( رشاوى –اختلاسات…) لابد من حسابات سرية . يسلم تروست السلاح السويدي بوفورس BOFORS للهند مدافع مجرورة ذاتيا وتراكم أسرة غاندي ثروة بناء على عمولات تبلغ 3 الى 4% من قيمة الصفقة وتودع الأموال في زوريخ . و يستدعي التمكن من إنجاز هذا قيام البنوك السويسرية ( أي من توكلهم من المحامين الدوليين ) بصياغة عقود غامضة وبالتلاعب بأوراق التصدير ، الخ . إنها باختصار عمليات معقدة . وليست الرشوة فقط موظفا يأخذ 20 فرنكا ، انها بناء اكثر تعقيدا يستتبع اختلاسا واسعا ويتعلق الأمر في هذا المستوى بهندسة مالية لا يملكها أي من بلدان العالم الثالث وحكوماته . ان دراية البنوك السويسرية وغيرها لا محيد عنها إذن .
مثال ثان : يأتي وزراء من بوركينا فاصو الى سويسرا وفي حقائبهم كتل من ذهب : انهم يستغلون الحصانة الديبلوماسية . وبما ان حرية قابلية التحويل موجودة في سويسرا فاهم يذهبون الى مسبك للذهب فور نزولهم بالمطار . ويجرى هذا كما في صالة غسل : تسجيل وتسلم قسيمة عن كتلة موزونة وبعد ذلك تتم تصفية الذهب في ظرف 48 ساعة . ثم يعودون ومعهم القسيمة ليتسلموا نسيكة الذهب ( كتلة تحافظ على شكل القالب الذي أذيبت فيه) وعليها طابع الصليب السويسري . وثالث المراحل هي الذهاب الى شباك اقرب بنك ( بعد قراءة الجريدة لمعرفة سعر أونصة الذهب في ذلك اليوم ) لتسلم 18000 دولار ثمنا للنسيكة ثم الانصراف الى حال سبيلهم . كل هذا يستغرق ثلاث ايام وليلتين بالفندق .
من الهام إدراك ان أنظمة التجريد من الرأسمال هذه تستدعي المساعدة التقنية من القوى المالية الغربية ( بنوك ، وسطاء ماليون ، الخ) فبدون تواطؤ البنوك لا يمكن للعملية أن تتم . هذا دون الحديث عن إعادة الاستثمار وبناء إمبراطوريات السرقة تلك . . مثلا يملك ساني أباشا ( ديكتاتور نيجيريا السابق المتوفي عام 1998) 6 مليار دولار في البنوك الأوربية منها 4 في سويسرا . وهو ليس إلا جنديا مرتزقا سابقا مر من مدرسة عسكرية مغمورة وليس له أي فكرة حول كيفية استغلال 4 ملايير دولار . يتطلب إنشاء إمبراطورية مالية ذات مردود فنا ودراية خارقة . ثمة إذن دوما فاعليْن على الأقل .قال ليون بلوي :" ليس المال إلا دم الفقراء " ولم يكن عند ليون بلوي أي فكرة عن العالم الثالث وعن التجريد من الرأسمال .كان يرى رب العمل والطفل في المنجم فيقول :" فيلا رب العمل مبنية بدم الطفل العامل في منجم الفحم " لكن صحة الأمر مضاعفة 10 ألف مرة اليوم لأن البؤس في الكونغو ( زايير سابقا) أو في مدينة مثل لاغوس بنيجيريا مرعب . إن الغياب شبة التام للاستثمار العمومي في الطرقات والمدارس والمستشفيات ، الخ هو طبعا نتيجة مباشرة للتجريد من الرأسمال ولنهب خزينة الدولة سواء مباشرة أو بواسطة اقتطاعات من التجارة الخارجية بواسطة عقود زائفة واستثمارات زائفة ، الخ.
هذا ما جعل لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تقترح في مارس 1991 على المجلس الاقتصادي والاجتماعي اعتبار التجريد من الرأسمال خرقا لحقوق الإنسان . وإذا حصلت مستقبلا المحكمة الجنائية الدولية ( اتفاقية روما ) على 25 تصديقا الضرورية فانه يمكن متابعة الاختلاسات باعتبارها جريمة دولية بنفس الكيفية التي يمكن بها متابعة بينوشي بسبب التعذيب والإبادة وجرائم الحرب ، الخ . ليس التجريد من الرأسمال بعد عرضة للعقاب لان المحكمة الجنائية الدولية لا توجد بعد لكن الامور تسير في هذا الاتجاه لأنها توجد فوق الورق منذ 1998 ( مؤتمر روما ) وعندما تصادق عليها 25 دولة ستبدأ المحكمة عملها ويكون لها نيابة عامة ويمكن ان يكون الطرف الشاكي دولا موقعة او مجلس الأمن لكن مع الأسف ليس أشخاصا، ولا تمنح الحق في تعويضات مدنية . لكن الجريمة سيعاقب عليها والمهم انه فيما يخص استعادة الأموال يمكن اللجوء الى الأمم المتحدة طلبا للمساعدة لأداء أتعاب المحامين الدوليين ووكالات الشرطة ، الخ القادرين على إعادة رسم مسار المال والتدخل عبر الحارس القضائي في كيمان ( جزيرة جنوب كوبا وهي جنة ضريبية بريطانية ) او غيرها . ومثال مالي التي تتابع الدكتاتور السابق موسى تراوري دال عن هذا التقدم .
اريك توسان : في انتظار إقامة المحكمة الجنائية الدولية لروما ، ما الممكن عمله لاسترجاع " الثروات المكتسبة بطريقة سيئة" ؟
جان زيغلير :لنتناول مثال موبوتو . استولى على السلطة في نوفمبر 1965 وسقط في يونيو 1997 ،أي انه قضى 32 سنة في السلطة وخلال الحقبة الثانية من حكمه تعاطى لتجريد واسع من الرأسمال ولفساد فاجر وسقط في يونيو 1997 في ظروف خاصة جدا دون مقاومة هاربا ساعات قلائل قبل وصول قوات تحالف القوات الديمقراطية لتحرير الكونغو afdl الى غنادوليت تاركا حساباته عمليا دون مساس . و أسس المؤتمر الوطني لجنة حول الثروات المكتسبة بطريقة سيئة للقيام بجرد في هذا الموضوع . يتعين نظريا على اللجنة المذكورة أن تجرد كل ما تمت سرقته خلال 32 سنة من حكم موبوتو .
والآن يجب الشروع في عملية الاسترجاع ، وهذا يتم بشكل ثنائي حسب القوانين الجاري بها والتي تتماثل تقريبا في كل مكان . أتكلم الآن عن سويسرا التي هي الملجأ الأمين تقليديا لأموال الدماء بسبب السر البنكي، وبفعل كونها ليست عضوا في الاتحاد الأوربي . وتجري الأمور كما يلي : هناك مرحلتان . أولا : الإجراءات المؤقتة ثم الإجراءات الجوهرية . تشمل الإجراءات المؤقتة التجميد والحراسة . تقدم الدولة المتضررة للدولة الحائزة على الغنيمة طلبا معززا بالحجج وتطلب التجميد الفوري لجميع الحسابات ( لان الأمر يقتضي التصرف بسرعة ) . وهذا يعني استحالة القيام بأي عملية في هذه الحسابات : لا يمكن لأي كان أن يسحب منها شيئا . و لا يجري هذا أمام محكمة بل أمام هيئة من وزارة العدل . والمكتب الفيدرالي للشرطة هو الذي يبحث في سويسرا ما إن كان المشبوهون معينين شكليا . و غالبا ما يقلص هذا دائرة المشبوهين . مثلا فيما يخص موبوتو تعلق الأمر ب32 شخصا : قادة الحرس المدني ونجلي الرئيس ، الخ. كانت السلطات الجديدة في كينشاسا قد عينت زهاء 100 مشبوه لكن سويسرا قلصت العدد الى 32 أي 32 من مالكي الحسابات .
ثمة في النظام 3 ثغرات جديرة بالذكر: الحراسة محدودة في 3 أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة . إذن يجب التصرف بسرعة للقيام بالدعوى في الجوهر وهو أمر صعب اذ يتعين جمع ملفات معقدة والإلمام بها جيدا .
الثغرة الثانية هي التعرف على الحسابات في البنوك . وجدت سويسرا في حالة موبوتو 1.5 مليون دولار في البنك الأول وهذا قليل جدا .وعندما يتم التجريد من الرأسمال على هذا المستوى ( شركات مزيفة كقناع ، تغيير الهوية النقدية ، تغيير الهوية القانونية ، شركات off shore ) فان ذلك يمر بعدة جنات off shore. وتوجد اليوم تقنيات لتحديد صاحب الحق : لا يتعين على البنكي أن ينظر الى كومبيوتره ليظهر اسم موبوتو . انه ملزم نظريا بمحاولة تحديد صاحب الحق . انه يعرف الزبون ويعرف محاميه والأشخاص الذين جاءوا باسم موبوتو … انه على علم تام بما اقترفت يداه عندما أسس شركة مزيفة (قناع) . لكن البنكي يلزم الصمت . انه سيرك نفاق .
الصعوبة الثالثة : السرعة . فيما يخص الدكتاتور المالي السابق تراوري تم تضييع الفرصة المناسبة كليا . كان لتراوري صديق سفير في جنيف . تدخل السفير شخصيا ومباشرة ببنك كانتون فو VAU وقام بتحويل فوري للقسم الأعظم من الكنز . كان تراوري يعلم أن كل شيء انتهى وقام ابنه الداهية صحبة أمه برفع دعوى ضد المتواطئ الذي كان يتوفر على توكيل وتمكن من القيام بالتحويلات الضرورية . كان ثمة إذن تواطؤ من البنك . وبما أن الحراسة مسطرة عمومية في كل البلدان الديمقراطية فبإمكان من له قسط من التنظيم( لم تكن تلك حالة أسرة موبوتو ) أن يكون على اطلاع . ينشر طلبه في ورقة الإعلان الرسمية " طلب حراسة … " طيلة أسبوعين . ليس ثمة عدالة سرية ، لسنا في الفاتكان .
ثم تأتي مرحلة التطرق للجوهر حيث مجال فعل القوانين الثنائية حول التعاون القضائي . توجد مجموعة معقدة من الاتفاقات الثنائية حول التعاون القضائي طبعا بين بلجيكا وسويسرا وبين بلجيكا والولايات المتحدة الأمريكية لكن أيضا مع بلدان العالم الثالث . جرى في سويسرا وضع القانون حول التعاون القضائي بكيفية يخدم بها مصالح البنوك . أي أن بإمكان الابناك أن تعترض على أي قرار للقاضي المكلف بتنفيذ قرار بالتعاون القضائي مطابق للاتفاق الموقع مع بلد آخر . يمكن للقاضي أن يقرر تجميدا أو حراسة ويمكنه مراسلة قاض بالدولة الأخرى أو الاذن بالتنصت لتلفون وسيط قد يكون مشاركا في اختلاس أموال … كيفما كان عمل القاضي يمكن للطرف الخصم الذي هو البنك أن يعترض عليه.
البنك يتصرف طبعا باسم الزبون وهو شديد الحرص على أن يكون فعالا لصالح هذا الأخير لأن سمعته مهددة ولأن عملية تهريب الرساميل يجب أن يستمر . فليس لأصحاب القرض السويسري ( خامس بنك عالمي ) أي مصلحة للظهور كل ثلاث أيام على رأس الصفحة الأولى لجريدة هيرالد تريبون علاوة على انه لا رغبة لهم في إعطاء الانطباع انهم يخدمون موبوتو حتى أخلاقيا . لكن لو تخلوا عنه ، لو قالوا :" لقد خدعنا . وعن حسن نية اعتقدنا أن الأمر يتعلق بالثروة الشخصية لزوجة موبوتو . وتم إثبات انه مال مسروق . إننا آسفون وطبعا سنعيد الكل مع الفوائد " باختصار لو كانت البنوك السويسرية تعيد المال المسروق فان زبائنها الغشاشين ( ) قد يقولون :" يا للكارثة البنوك السويسرية لم تعد تدافع عن زبائنها ، يجب أن نهاجر الى جيرزي أو الى الباهاماس ". إن مسألة إرجاع المال المسروق تستتبع اكثر من الضمير الضروري لذلك . . إن سويسرا البلد الأكثر غنى من زاوية نظر الدخل الفردي لا يملك أي مادة أولية غير الأموال الأجنبية . : لذا لا يجب تركها تذهب الى مكان آخر .
هذه المساطر بالغة التعقيد لانه يمكن طبعا رفع الدعوى ابتدائيا ثم في الاستئناف وصولا الى المحكمة الفيدرالية : وكل مرة تمدد الآجال . خسرت أسرة راجيف غاندي في الأخير أمام المحكمة الفيدرالية . لكن كل جرائم الإخلال بأمانة الوظيفة وبالاختلاس الخ منصوص عليها في الهند .
فيما يخص إعادة الأموال يقول كبار موظفي الأمم المتحدة :" لقد تم تحقيق تقدم خارق . تأملوا كثافة اتفاقيات التعاون القضائي بين الشمال والجنوب . تأملوا القوانين التي جرى تبسيطها على مستوى القوانين القومية للتعاون القضائي وكيف تحسنت فعاليتها ، الخ " والواقع أن هذا كله كلام فارغ .
إن لكل البنوك باب إغاثة : انه التراضي غير القضائي . على سبيل المثال نورد قصة قديمة تعود الى الثمانينات هي حكاية هيبلاسي لاسي إمبراطور أثيوبيا ( المال في سويسرا بينما أثيوبيا تموت جوعا ) . كانت السلطات الجديدة بعد إطاحة الإمبراطور قد طلبت باسم الإدارة العسكرية المؤقتة إرجاع الأموال امام محكمة ابتدائية في مدينة بال لأن الودائع الرئيسية كانت في هذه المدينة لدى شركة البنك السويسرية . وفي غضون ذلك شهدت الإدارة العسكرية المؤقتة تطهيرا داخلي : برز مانغيستو عمليا كديكتاتور فقام ابن عمه سفير أثيوبيا لدى الأمم المتحدة بالتفاوض مع شركة البنك السويسرية التي فاوضت من جهتها نيابة عن كارتيل المدينين المحتملين . وتوصلوا الى تراضي …
اريك توسان : من كان الطرف الشاكي ؟
في البداية كان الإدارة العسكرية المؤقتة باسم دولة أثيوبيا . تمثلت الدولة الأثيوبية في شخص سفير مانغيستو وقبل السفير بأمر من مانغيستو الاتفاق .و بما أن ذلك تم خارج إطار القضاء وبتوقيع اتفاق فانه لم يشهد تتمة قضائية . تقول أثيوبيا :" نسحب طلبنا بإرجاع الأموال ونوقف المحاكمة " ويقول البنك :" نرجع لكم برضانا ما يخصكم " .ويجب تحديد "ما يخصكم " والى من سيرجع . وبوجه عام بما أن نظاما عفنا يخلف نظاما عفنا ( هذا جلي فيما يخص أثيوبيا ) فان النظام العفن الثاني يحدد عدد ا من الحسابات الخاصة ، ويدفع البنك 10% من الأموال المسروقة أصلا في حسابات شخصية للقادة الجدد . وهكذا تكتمل الحيلة .
ملاحظة ثانية : بعد ثورة 1979 في نيكاراغوا ( أطاحت الثورة التي قادتها الجبهة الساندينية للتحرير الوطني يوم 19 يوليوز 1979 بنظام الديكتاتور سو موزا الذي نصبته الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1936) شاركتُ في نقاشات هامة مع الساندينيين في إطار لجنة بالأممية الاشتراكية . إن أغلب البلدان المستقلة حديثا لا تملك ببساطة الوسائل السياسية لمواجهة الأوساط المالية الدولية عن طريق مقاضاتها . فهي تابعة كليا لنادي باريس .كانت نيكاراغوا المستنزَفة في حاجة الى قروض . قال أحد رجال البنك لرئيس نيكاراغوا الجديد دانيال أورتيغا :" نحن مستعدون لتمويل إعادة البناء الوطني بقسطين او ثلاث أقساط من القروض بالشروط المعمول بها في السوق بل وحتى الدفاع عن قضيتكم لدى المؤسسات المالية الدولية ، لكن فيما يخص ممتلكات سوموزا لا ننصحكم بالقيام بإجراءات في نيويورك وفي باريس وفي زوريخ أو بالتشهير أمام الرأي العام ". طبعا يريد البنك الذي يحمي مصالح سوموزا تفادي فضحه أمام الرأي العام … هكذا باختصار لم يطلب الساندينيون استعادة أموال سوموزا . فقد رأوا أن لا قدرة لهم على ذلك بفعل الحصار المالي الذي يهددهم .
جميع البنوك في حاجة الى سمعة دولية جيدة (" يمكنكم أن تثقوا بالبنوك السويسرية وباستقامتها ، الخ") وتتظاهر أحيانا بالاستقامة . لقد خصصت فصلا كاملا من كتاب " غسيل سويسرا أنصع بياضا " ( ) لشراكة البنوك مع ماركوس في الفليبين . قام ماركوس بقتل زعيم المعارضة أكينو عند عودته في المطار . فوقعت اضطرابات وتمت السيطرة على القصر الرئاسي فهرب ماركوس مع الجنرال فير VER رئيس مصالح المخابرات ومع زوجته ايملدا نحو قاعدة أمريكية . وحمل معه وثائق حسابية خاصة بمختلف حساباته بالبنوك الأجنبية وأسماء الرموز codes، الخ . وبعد الإقامة أسبوعين أو ثلاث في سوبيك باي SUBIC BAY نقل الأمريكيون ماركوس الى هونولولوhonolulu. وفي غضون ذلك أرسي نظام كوري أكينو الديمقراطي (أرملة زعيم المعارضة ) . والحال أن المشاكل الاجتماعية في الفليبين مرعبة واندلعت حروب فلاحين بدافع البؤس . ويقول البعض في البانتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية CIA:" لا يمكن ضمان استقرار نظام أكينو دون سياسة اجتماعية أي بدون بعض الاستثمارات الاجتماعية . إذن لماذا تحتفظ البنوك السويسرية بتلك الغنيمة المؤلفة من ملايير ؟ لماذا يتعين على دافع الضرائب الأمريكي أن يدفع المال لتتمكن أكينو من القيام بشيء ما ؟ " هذا استقراء شخصي لكن من الأكيد أن الأمور جرت على هذا النحو . باختصار وصل ماركوس الى هونولولو و أخذت منه الشرطة الفيدرالية الأمريكية FBI وثائقه وسلمتها للحكومة الفليبينية الجديدة .
وقد شرح المدعي العام فيرنانديز ( وهو من حركة المعارضة التي وصلت الى السلطة ) كل ما جرى . إنها حالة كلاسيكية . كان بنك القرض السويسري الذي كان له دور أساسي في الجماعة المتواطئة مع ماركوس قد عين أحد مديريه مستشارا ماليا لماركوس . . كان هذا الإطار السامي للقرض السويسري يعيش في مانيلا قرب القصر . كان ماركوس مثلا يسرق باستمرار قسما من تعويضات الحرب اليابانية ، فقد كان طيلة حكمه الذي دام 24 سنة يقتطع عمولات لصالحه من كل دفعة من تعويضات الحرب اليابانية . وقام بمصادرة مزارع سكر ، الخ . وفي زوريخ كان مدير عام للقرض السويسري قنصلا شرفيا في الفليبين وكان كل شيء يمر عبر Liechtenstein ( إمارة شرق سويسرا )
اريك توسان : هل تعتقدون انه يمكن بعد ثلاث سنوات من موت موبوتو القيام بشيء ما؟ قانونيا ونظريا ؟ هل بعث كابيلا بمحامين الى سويسرا ؟
جان زيغلير :
لم يبعثوا بأي وثيقة . قانونيا تمكن الاستعادة في أي لحظة: التعاون القضائي غير محدود في الزمن إذا أمكن الإتيان بحجج . لكن الحراسة والإجراءات المؤقتة محدودة زمنيا . وبما انه كان لموبوتو وسطاء ماليون عديدون يملكون التوقيع من المحتمل جدا أن يكونوا قد حولوا تلك المبالغ الطائلة . كما يمكن أن تكون المبالغ ما زالت في مكانها . وهذا افتراض وارد لان البنوك لها دوما مصلحة في الاحتفاظ بتلك الأموال . لا يوجد بنك يقبل بسهولة التخلي عن كنز من هذا القبيل .
وثانيا : حتى ولو أن ثمة حركية ممكنة تقنيا فان إعادة بناء إمبراطورية مالية ليس بالأمر السهل . إذ ليست فقط ركاما من الذهب مكدسا في الأقبية بل بناءات مالية معقدة ( مع استثمارات في مختلف المنتجات المالية : منتجات مشتقة و أسهم وسندات بمختلف البلدان ) . ليس من السهل خلق إمبراطورية.
ايريك توسان : قلتم بتعذر مثول الأفراد طرفا مدنيا المحكمة الجنائية الدولية القادمة … لكن كيف الأمر في التشريع القومي ؟
جان زيغلير : في هذه الحالة يمكن طبعا للأفراد أن يكونوا طرفا مدنيا .
ايريك توسان : إذن يمكن لمواطنين من رواندا نجوا من الإبادة الجماعية أن يتقدموا بمسطرة في الولايات المتحدة الأمريكية بما في ذلك لاجل اعلان ديون رواندا "شنيعة" ( وهنا ليس الكلام عن ممتلكات مكتسبة بطريقة سيئة بل عن دين رواندا بما هو دين "شنيع" ) . لقد كان البنك العالمي وصندوق النقد الدولي على علم بما كان يفعله الديكتاتور هابياريمانا بقروض فترة ما قبل الإبادة الجماعية .لقد قرضت هذه المؤسسات إذن وهي على علم بحقيقة الأمر . ربما أمكن اعلان هذا الدين "شنيعا" ؟ يجب ان يجري البحث مع محامين ومن الأفضل بالولايات المتحدة الأمريكية فيما إن كان بإمكان مواطنين نجوا من الإبادة الجماعية برواندا ان يمثلوا طرفا مدنيا لاجل اعلان العدالة الأمريكية ان الدين "شنيع" وإلغائه . يتعلق الأمر بشيء آخر مختلف عن استعادة ممتلكات مكتسبة بطريقة سيئة . لكن هذا الأمر مهم أيضا .
استجوبه اريك توسان في 28 يونيو 2000
أباشا : اغراء البنوك السري
بقلم ايريك توسان
قامت بنوك سويسرية وبريطانية وأمريكية بتبييض أموال سرقها من شعبه ديكتاتور نيجريا السابق ساني اباشا . هذا ما جاء في فينايشل تايمز (9 سيبتمبر 2000) .أتاحت جملة أبحاث قامت بها لجنة من مجلس الشيوخ الأمريكي ولجنة بنكية من الكونفدرالية السويسرية ،بتقاطع مع مساعي تكميلية أنجزت في بريطانيا ، التعرف على مسؤولية بنوك كبيرة من الولايات المتحدة الأمريكية ( ستي بنك ) وبريطانيا وسويسرا ( القرض السويسري ، ثاني بنك في البلد ) في تبييض قسم من الأموال التي سرقها من شعب نيجيريا الديكتاتور السابق ساني اباشا خلال الخمس سنوات التي قضاها في السلطة في سنوات 1990 . المبلغ مذهل : 660 مليون دولار . ولا يمثل هذا المقدار غير قمة جبل من مليارات عديدة . وكما تشير الجريدة المذكورة :" إن سلوكه الفاسد ( اباشا ) لم يكن ممكنا على هذا النطاق لو أن الابناك الغربية لم تجامله و تقبل ودائعه نقدا " .وتضيف الافتتاحية :" أبانت اللجنة البنكية للكونفدرالية السويسرية في بحثها في حالة اباشا أن بنوكا عدة – وليس تلك فقط الموجودة في الجنات الضريبية – متهمة بتبييض أموال قذرة "
من كتاب
أفريقيا : إلغاء الدين لأجل تحرير التنمية
بإشراف ايريك توسان وأرنو زاكاري
AFRIQUE ABOLIR LA DETTE POUR LIBERER LE DEVELOPPEMENT
CADTM 2001
سُــبل نحو بدائل
ضمان تلبية الحاجات الإنسانية الأساسية للجميع
بقلم ايرك توسان وارنو زاشاري
جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان :" لكل شخص الحق في مستوى عيش كاف لضمان الصحة والرفاهية له و لأسرته ،لاسيما التغذية واللباس والسكن والعلاجات الطبية ، وكذا الخدمات الإجتماعية الضرورية . ولكل شخص الحق في التعليم والعمل والضمان الاجتماعي " .ومع ذلك فان مركب العولمة السكران يبين حجم النقص المذهل الحاصل في مجال التنمية البشرية.
وتكفي 40 مليار دولار سنويا خلال 10 أعوام ، حسب برنامج الأمم المتحدة للتنمية ، لضمان استفادة كل مواطن بكوكبنا من المواد والخدمات الأساسية :" تقدر كلفة استفادة شاملة من التعليم الأساسي والعلاجات الصحية الأساسية وتغذية ملائمة وماء شروب وبنيات ارتكازية صحية وكذا علاج أمراض النساء والتوليد ، واستمرار هذه الاستفادة ، زهاء 40 مليار دولار سنويا . ويمثل هذا اقل من 4% من المال المتراكم لدى 225 من أصحاب الثروات الضخمة " PNUD (1998.ص 33). يعني هذا بوضوح أن برنامج الأمم المتحدة للتنمية يلمح الى أن ضريبة استثنائية بنسبة 4% على ثروة 225 شخص من أكبر أغنياء العالم قد تكفي لضمان تلبية شاملة للحاجات الإنسانية الأساسية . ويمثل هذا المبلغ قياسا على نفقات أخرى 5% من النفقات العسكرية أو 4% من نفقات الإعلان التجاري سنويا في العالم.
ولا يمكن انتظار تلبية هذه الحاجات الأساسية اعتمادا على منطقي السوق والربح . فـ1.3 مليار شخص المحرومين من الماء الشروب و2 مليار من المصابين بفقر الدم تعوزهم القدرة الشرائية الكافية . ووحدها سياسات عمومية حازمة كفيلة بضمان تطبيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. هذا ويلزم الحكومات أن تتزود بما يجب من وسائل سياسية ومالية . وهو ما لن يتم إلا بضغط حركة اجتماعية ومواطنة قوية لأجل إجراءات ملموسة للتطبيق . وفيما يلي بعض بدايات الحل .
تحطيم دوامة الدين الجهنمية
يقول المدافعون عن العولمة النيوليبرالية إن على البلدان النامية ( مدرجين فيها أوربا الشرقية ) أن تسدد الدين الخارجي إن هي أرادت الاستفادة من تدفق مستمر للتمويل . والواقع ان تدفق الرساميل ،منذ انفجار أزمة الدين سنة 1982 ،اتجه من الأطراف ( البلدان التابعة ) الى المركز ( المتروبول الإمبريالي ) وليس العكس – كما يزعم دون سند قادة المؤسسات المالية الدولية . فمنذ عقدين يجري نقل واسع للثروات من الأطراف نحو المركز . إذ انضافت أوالية تسديد الدين الى أواليات سابقة ( تبادل تجاري لامتكافئ ،ونهب الخيرات الطبيعية والبشرية ) وعززتها بقوة . وقد بعث سكان البلدان التابعة ،منذ 1982 ، ما يعادل عدة خطط مارشال الى دائني المركز ( وفي الطريق تقتطع النخب الرأسمالية المحلية عمولتها ) .
وهذا ما يبرر مناهضة الخطاب الرسمي : يجب إلغاء الدين الخارجي العمومي للعالم الثالث. يتجلى من التحليل أن دين العالم الثالث ( المسدد أربع مرات منذ 1982 ) لا يزن كثيرا بوجه الدين التاريخي والبيئي والاجتماعي الواجب على بلدان الشمال الغنية . وقد بلغ دين العالم الثالث ( باستثناء بلدان الشرق ) زهاء 2060 مليار دولار ( قرابة 75% منها ديون عمومية ) ، وهو لا يمثل سوى نسبة ضئيلة من الدين العالمي البالغ 000 40 مليار دولار( يمثل مجموع الدين العمومي والخاص بالولايات المتحدة الأمريكية وحدها 000 15 مليار دولار ) . لذا فان إلغاء مجموع الدين الخارجي العمومي للعالم الثالث ،دون تعويض للدائنين، سيمثل خسارة ضئيلة تكاد تصل 5% من محفظتهم . وعلى العكس، ستكون المبالغ التي قد يستعملها السكان المتخلصون أخيرا من عبء الدين لتحسين وضعهم الصحي والتعليمي ولخلق مناصب عمل ، مبالغ هامة جدا . وبالفعل يمثل متوسط ما ينفقه العالم الثالث سنويا لتسديد دينه العمومي زهاء 200 مليار دولار أي 5 أضعاف المبلغ الضروري لتلبية الحاجات الإنسانية الأساسية كما حددها برنامج الأمم المتحدة للتنمية .
ومن ضمن الأفكار المسبقة الزعم أن دفقا كبيرا من قروض جديدة يوازن الى حد بعيد ما يسدده العالم الثالث . ما هذا الا زيف .ففي نهاية 1999 فاق ما دفعه العالم الثالث لدائنيه ما توصل به من قروض جديدة ( تزيد من جهة أخرى ديونه) ب100 مليار دولار.
و أخيرا لا يصح قول إن مبلغ المساعدة العمومية للتنمية ( ) يبطل الأثر السلبي لتسديد الدين . ففي 1998 لم يتجاوز المبلغ الإجمالي للمساعدة العمومية للتنمية 50 مليار دولار ،أي ما يقل أربع مرات عما سدده العالم الثالث برسم خدمة دينه العمومي . ولا تمثل المساعدة العمومية للتنمية ، حسب البنك العالمي ، سوى 0.24% من النتاج الداخلي الخام للبلدان " المانحة " ،بينما حددت الأمم المتحدة نسبة 0.7% كهدف . والحال أن المساعدة العمومية للتنمية انخفضت ب33% فيما بين 1992 و1998 في تعارض مخز مع التزامات قادة الدول الصناعية في ريو دي خانيرو سنة 1992 .
لقد أبانت السوابق التاريخية في مجال إلغاء الدين ما قد تؤدي إليه من آثار مفيدة .لا سيما إلغاء 51% من ديون ألمانيا سنة 1953 ، وهو الإلغاء الذي أتاح لها أن تصبح أول قوة بأوربا وقاطرة البناء الأوربي . وثمة سوابق تاريخية أخرى : دين الدولة الروسية عام 1917 ، ودين دول أمريكا الجنوبية سنة 1929 ( ) ، ودين اليابان سنة 1941 و1952 ، ونصف ديون بولونيا إزاء نادي باريس سنة 1991، الخ. وقد شهدت البلدان المعنية تطورا هاما بعد إجراءات إلغاء الدين .
يضيف البعض أن إلغاء الدين يفضي الى إقصاء نهائي من الاستفادة من الرساميل الدولية .لكن هذا لا يستند على دراسة جدية لتاريخ أزمات الاستدانة . وهو من جهة أخرى لا يعني شيئا بالنسبة لأغلب بلدان العالم الثالث ، لأنها لم تعد تستفيد من تلك الرساميل منذ سنوات عديدة . فحسب برنامج الأمم المتحدة للتنمية :" 25 بلدا فقط من البلدان النامية تدخل سوق السندات العمومية وقروض البنوك التجارية واستثمارات المحفظة porte-feuille " (pnud-1999.p31) .علما أن برنامج الأمم المتحدة للتنمية يدرج بلدان الشرق في 25 بلدا المشار إليها وان مجموع البلدان النامية يتكون من جراء ذلك من 170 بلدا .
أخيرا يجدر التذكير بمفهوم " الدين المقيت " الموجودة في القانون الدولي والذي ينطبق على قسم كبير من ديون العالم الثالث . ما هو الدين المقيت ؟ يعتبر القانون الدولي الدينَ "مقيتا " إذا كان من فعل حكومة غير ديمقراطية ولم يستفد مه السكان المحليون . " إذا عقدت سلطة مستبدة دينا لا يستجيب لحاجات ومصالح الدولة بل لتعزيز نظامها الاستبدادي ولقمع السكان الذين يحاربونها ، فان هذا الدين مقيت بالنسبة لسكان الدولة قاطبة . وهذا الدين غير ملزم للأمة : انه دين نظام ودين شخصي على السلطة التي أبرمته ، وبالتالي فإنه يسقط بسقوط تلك السلطة ." (William .p 186 ) .ويعلن الاجتهاد القضائي وجوب استعمال قروض الدولة في المصلحة العامة . إن ديونا أبرمت واستعملت لأهداف متعارضة مع مصالح الأمة على مرأى ومسمع الدائن لا تستجيب لهذه المعيار . ويقترف الدائنون الذين يقرضون في هذه الشروط فعلا معاديا للسكان . لذا لا يمكن للدائين مطالبة الأمة المتحررة من سلطة استبدادية بتسديد الديون الشخصية المقيتة لسلطة من ذلك القبيل .
وبوجه أعم تقترف بنوك الشمال وقادة البنك العالمي ،الذين يتساهلون مع المخالفات في مجال التكاليف والخطط الموضوعة على نحو سيئ والعقود المشبوهة ، سلوكا معديا للسكان . وبالتالي فان الديون المبرمة إزاءهم في هذه الشروط لاغية كأنها لم تكن . ( ).
جلي أن استفادة التنمية البشرية من إلغاء الدين يستلزم ايداع المبالغ الموجهة أصلا لتسديد الدين في صندوق للتنمية يراقبه السكان المحليون بشكل ديمقراطي. وفور الإقدام على هذه الخطوة الأولى في مجال إلغاء الدين، من اللازم استبدال اقتصاد الاستدانة الدولية بنموذج تنمية عادل اجتماعيا و مستديم بيئيا .
صندوق تعويض دولي لأجل التنمية
للرد على النهب الذي تعرض له العالم الثالث طيلة قرون ولأجل قطيعة جذرية مع المنطق الراهن ، يلزم التفكير في إنشاء صندوق تعويض تاريخي لأجل التنمية .وسيمول هذا الصندوق بطرق مختلفة :
إعادة الأموال التي تملكتها نخب الجنوب بطريقة غير سليمة الى مواطني دول العالم الثالث : ثروات ضخمة راكمتها في سرية حكومات ورأسماليون محليون ، وخُبئت في أمان بالبلدان الأكثر تصنيعا بتواطؤ نشيط من المؤسسات المالية الخاصة ومسايرة من حكومات الشمال ( ما زالت الحركة مستمرة اليوم ) . فلنتأمل على سبيل المثال ما قد يمثله لسكان الكونغو إرجاع جزء هام من أموال موبوتو ( البالغة 10 أضعاف ميزانية دولة الكونغو السنوية ) .و يجب إيداع هذه الأموال المكتسبة بطريقة غير سليمة في صندوق للتنمية يراقبه السكان المحليون بشكل ديمقراطي. ويستتبع هذا الإرجاع القيام بتحريات حول أموال تلك الحكومات المودعة في بنوك الشمال والجنوب . وتستتبع هذه التحريات تعاونا دوليا تاما . كما تتيح عدم إفلات مرتكبي الفساد ( المرتشين ) من العقاب وتلك هي الكيفية الوحيدة التي تتيح أملا في انتصار الديمقراطية والشفافية ذات يوم على الفساد ( علما ان لا مفسد( مرتش) دون فاسد ( راش ) ).
إخضاع المعاملات المالية للضريبة : وهو اقتراح تقدم به أصلا عالم الاقتصاد (جائزة نوبل) جيمس توبين (1972) . وطوره لاحقا اقتصاديون آخرون وفيما بعد شبكة أطاك الدولية ( جمعية لأجل إخضاع المعاملات المالية للضريبة قصد مساعدة المواطن ) .ومن شأن هذه الضريبة أن تجلب أموالا هامة لأجل التنمية . وترى تقديرات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية CNUCED أن فرض ضريبة بمعدل 1% على 1000 مليار دولار يوميا سيجلب 720 مليار دولار سنويا . وعلى سبيل فرضية للعمل يقترح المؤتمر المذكور تقسيم الثمرة جزأين : 360 مليار دولار في صندوق اجتماعي وبيئي في البلدان التي جرت بها المعاملات ، و360 مليار دولار في صندوق إعادة توزيع ببلدان الجنوب ( تعليم، صحة ، الخ ) . ويضطلع بتسيير الصندوقين مجلسا إدارة مختلطين يمثلان المجتمع المدني والحكومات . أما الأرضية البرنامجية لجمعية أطاك الدولية فتتحدث من جهتها عن ضريبة بمعدل0.1 % ستجلب زهاء 100 مليار دولار سنويا يمكن استعمالها في محاربة أشكال اللامساواة ولأجل التعليم والصحة العمومية والأمن الغذائي والتنمية المستديمة . و يتعذر طبعا تحديد دقيق للمبالغ الذي قد تجلبها تلك الضريبة بالنظر الى ارتباطها بمعدل الضريبة وبحجم المعاملات المالية . لكن يبدو ضروريا ، بالنظر لعولمة الأسواق التي جرت منذ اقتراح توبين الأول ( لاسيما تطور المنتجات المشتقة التي خلقت ممرات بين كافة الأسواق ) ، إخضاع كل المعاملات المالية ( الأسهم ، السندات ، العملات ، والمشتقات )للضريبة كي" يتعود " الفاعلون على ضريبة التضامن هذه دون السعي الى تفاديها بالمرور من أسواق أخرى .
رفع المساعدة العمومية للتنمية الى ما لا يقل عن 0.7 % من النتاج الداخلي الخام : لا يطاق أن المساعدة العمومية للتنمية ما فتأت تضمحل كالثلج تحت أشعة الشمس منذ التزام حكومات البلدان الغنية بزيادتها . يجب مضاعفة المساعدة العمومية للتنمية (البالغة حاليا 0.24% ) ثلاث مرات للوفاء بالالتزامات . فهذه المضاعفة سترفع المساعدة العمومية للتنمية الى 150 مليار دولار سنويا يتعين دفعها كاملة في شكل هبات ( بمثابة تعويض وليس في شكل قروض للتصدير او قروض امتيازية كما هو الأمر في الغالب).
إحداث ضريبة استثنائية على الثروات الضخمة : يقترح مؤتمر الأمم المتحدة للتعاون والتنمية في تقريره لسنة 1995 فرض ضريبة وحيدة على الثروات الضخمة . وسيتيح فرض هذه الضريبة في العالم كله تعبئة أموال كثيرة .
منطق تنمية جديد
يجب استبدال منطق التنمية الراهن ، الذي يجبر به الدائنون بلدان الجنوب على تطبيق برامج تقويم من النمط الليبرالي الجديد ، بمنطق تنمية داخلية ومندمجة . ويجتاز هذا التحول 3 أطوار :
وقف برامج التقويم الهيكلي : لقد أضعفت برامج التقويم الهيكلي الدولة بجعلها تابعة للتقلبات الخارجية ( انخفاض الأسعار ، هجمات مضارباتية ، الخ ) ،وعرقلت كل تطور اجتماعي-ثقافي ( تعليم ، بطالة ، صحة ، الخ ) ، وفرضت على مواطني الجنوب خفض دخلهم بينما الأسعار في ارتفاع ( الضريبة على القيمة المضافة ، خفض قيمة العملة ، فك ارتباط الأجور بالأسعار ،الخ). لذا يتوجب إلغاء برامج التقويم الهيكلي .
اعتماد نموذج تنمية متمركز جزئيا على الذات : يستتبع هذا النموذج بناء أسس اقتصادية داخلية صلبة بما يكفي لإتاحة التفتح لاحقا على المبادلات الدولية . ويفترض هذا النوع من التنمية خلق مناطق مندمجة سياسيا واقتصاديا ، وبروز نماذج نمو داخلية ، وخلق ادخار داخلي للتمويل المحلي، وتطوير التعليم والصحة ، وتطبيق ضريبة تصاعدية وأواليات إعادة توزيع الثروات ، وتنويع الصادرات، وإصلاحا زراعيا يضمن توفر كافة الفلاحين على الأرض الخ . يجب استبدال الهندسة العالمية الراهنة ، التي يفرض منطقها على البلدان التابعة إعطاء المواد الأولية واليد العاملة الرخيصة لمركز بحوزته الرساميل والتكنولوجيا ، بتجمعات اقتصادية جهوية .إن هذه التنمية المتمركزة حول الذات ستتيح، دون غيرها، بروز علاقات جنوب- جنوب ، التي تمثل شرطا لازما لتنمية اقتصادية بالعالم الثالث ( وبالتالي بالعالم كله) . ويمكن أن يكون لهذه المناطق المندمجة سلطات جهوية ذات سلطة ضبط اقتصادي واجتماعي .
تغيير قواعد التجارة العالمية : تستتبع الحالة الراهنة لهذه القواعد نزعة حمائية ببلدان الشمال إزاء منتجات الجنوب ، وانفتاحا تاما لأسواق الجنوب أمام منتجات الشمال . ولا يتوجب قلب هذا المنطق فحسب ( دخول واسع لمنتجات الجنوب الى أسواق الشمال ، مع قدر معين من الحمائية بالجنوب ، لاسيما بهدف اكتساب سيادة غذائية )، لكن يجب أن تكون قواعد التجارة العالمية خاضعة ، علاوة على ذلك ، لمعايير بيئية واجتماعية وثقافية صارمة . ويجب إخراج الصحة والتعليم والماء والثقافة من مجال التجارة الدولية .
إعادة تفعيل أواليات مراقبة الرساميل
يجب مراقبة حركات الرساميل كي لا يفضي دوما إقبال الرساميل الدولية الى تراجعات مدمرة . ومن الإجراءات الملائمة الممكنة إحداث صندوق إيداع مؤقت وإجباري يفرض على كل رأسمال داخل إيداعا ملازما لمدة سنة بقيمة 30 % من المبلغ المستثمر. وبعد سنة يرجع المبلغ للمستثمر (مشجعا بذلك على الاستثمار على المدى البعيد فقط ) . ولن يكون للإيداع أي مكافأة . وثمة إجراءات مراقبة أخرى عديدة ، لاسيما فرض حيازة الأسهم والسندات مدة لا تقل عن سنة قبل إعادة بيعها ، وحصر قابلية تحويل العملة في المعاملات التجارية ( وفي ذلك إقصاء للمعاملات المالية )، وفرض ضريبة مرتفعة في حالة تقلبات مفرطة ( كما يقترح الاقتصادي Bernd Spahn ، الخ .
إعادة تنظيم الأسواق المالية بقوانين :أدى إلغاء تقنين الأسواق المالية الى تطور مفرط كليا للمضاربة المالية . ان الغياب التام لأي مراقبة أو قاعدة أمر جار بوجه خاص في العمليات المشتقة بالتراضي 0PERATIONS DERIVEES DE GRE A GRE ، حيث يتم يوميا اختراع منتجات مالية معقدة لهدف وحيد هو المضاربة خلال مدة معينة . تلك بوجه خاص حالة المنتجات corridors –الممر التي يمكن مثلا أن يضارب بها مستثمران حول الترابط بين سعر القمح وسعر البترول على امتداد شهر ( يقال إن القمح والبترول أصول "تحتية " تُشتق منها العملية ). إذا بقي الترابط بين السعرين في هامش ( ممر ) حدده الطرفان مسبقا يفوز أحد المضاربين . وإذا تخطى الترابط تلك الهوامش يفوز المضارب الآخر . ومن السهل إدراك أن الطرفان لا يباليان في هذه الحالة بطبيعة الأصول " التحتية " : لا يهمهما القمح ولا البترول إلا بصفتهما متغيران تمكن المضاربة حولهما طيلة شهر (يمكن استبدال القمح والبترول بأي أصل أخر : سهم ، عملة صعبة ، مؤشر بورصة ، الخ ) . وهكذا تتقلب أسعار الاقتصاد الفعلي من جراء عمليات كهذه ، لا هدف لها غير كسب المال بالمال .لقد آن أوان إعادة تقنين الأسواق المالية بالبدء بضمان " قابلية رسم " "tracabilite" كل العمليات المالية ( تحديد واضح لطبيعة العمليات ومن القائم بها وهدفها ) والتقنين تبعا لذلك .
إلغاء الجنات الضريبية التي تؤدي الى تضخيم الفقاعة المالية و إضعاف الاقتصاديات المشروعة ( يتم تبييض ما بين 500 و 1500 مليار دولار سنويا ) .
إجراءات تكميلية
تقليص حاد لانتاج الأسلحة : بينما تجري الدعوة الى التقشف في أرجاء العالم ، يظل تقليص الميزانيات العسكرية موضوعا محرما . مع انه لا غنى عن القطيعة مع المنطق الراهن . وان مسؤولية بلدان الشمال الغنية كبيرة في هذا المجال لأن ثلاث بلدان تركز 80 % من مبيعات الأسلحة في العالم : الولايات المتحدة الأمريكية ( بنسبة 50% ) وفرنسا ( 15 % ) والمملكة المتحدة ( 15 % ) .
تحرر النساء : لا يمكن ،كما أشارت المسيرة العالمية للنساء ،" تفسير الوضع المفروض على النساء إلا بتضافر ظاهرتين عالميتين : الرأسمالية النيوليبرالية والنظام البطريركي اللذان يتغذيان من بعضهما ويتعززان لابقاء السواد الأعظم من النساء في منزلة ثقافية دونية ،ومرتبة اجتماعية منحطة ، وتهميش اقتصادي ، وإضفاء طابع لا مرئي على وجودهن وعملهن ، والمتاجرة بأجسادهن ، وهي أوضاع أشبه بنظام ابارتهيد " . وتقترح المسيرة بناء عالم مساواة بين النساء والرجال ،عالم تتحرر فيه النساء من كل أشكال العنف والاستغلال بما فيها العنف المنزلي والاغتصاب والدعارة والمتاجرة بالنساء والتحرش الجنسي والعنف الاجتماعي وعنف الدولة . وتقترح المسيرة التصدي للأسباب البنيوية للفقر والعنف ضد النساء وتقدم مطالب دقيقة .
وثمة إجراءات عديدة يتعين اتخاذها في الشمال كما في الجنوب ، لكن لا متسع لدينا هنا لسردها كاملة . نشير بلا ترتيب الى التالية : ضمان حق الجميع في الشغل بواسطة تقليص جذري لوقت العمل في تعارض مع المنطق الحالي الذي يجعل العاطلين في تعايش مع أجراء مرهقين ومنهوكين ، وحرية تنقل واقامة الأفراد ، وإحداث قطيعة في الشمال مع أوالية الدين العمومي الذي يؤدي الى سياسات تقشف ونقل واسع لدخل المواطنين الى مالكي الرساميل ، الخ . وثمة نقاشات اشد تعقيدا يتعين خوضها حول دخل المواطنة الشامل واعتماد البنود الاجتماعية . ، الخ .
وعلى سبيل الخاتمة وكما قال ريكاردو بيتريلا :" يكمن الجواب على الحاجة الملحة الى سياسة في تشجيع المنفعة المشتركة. وهو ما يعني أفي المقام الأول صيانة الشروط الحيوية لوجود ملايير البشر( الهواء والماء والمحيطات والطاقة الشمسية ، الخ ) التي يجب اعتبارها ملكا مشتركا للبشرية (..) وتتمثل جملة ثانية من الاوراش السياسية على صعيد العالم في الأمن المشترك ( الغذائي والبيئي والمالي والصحي) ، والسلم والتنوع الثقافي ، وقمع الجرائم ضد الإنسانية . وفي هذا الصدد تتعلق الحاجة الملحة الى سياسة بتحديد وتطبيق نظام مالي ونقدي عالمي جديد وقواعد جديدة للتجارة العالمية تشكل قطيعة مع معايير صندوق النقد الدولي والمنظمة العالمية للتجارة
( لوموند ديبلوماتيك ، غشت 1999 )
مصدر : مركب العولمة السكران . منشورات لجنة آلاء ديون العالم الثالث
لجنة إلغاء ديون العالم الثالث :
شبكة دولية مناضلة . لا تنعزل تحاليلها في برج عاجي يسكنه تيكنوقراط بل يتمثل هدفها في المساهمة في تغيير ميزان القوى لصالح المعارضين والمعارضات لكل اضطهاد . وتدعو اللجنة أعضاءها وأنصارها لأن يصبحوا فاعلين وفاعلات في التغيير . وتقيم اللجنة أيضا صلات تعاون وتكامل مع شبكات أخرى ( أطاك ، المسيرة العالمية للنساء، فيا كامبيسينا ، حملات يوبيل2000 ، يوبيل الجنوب ، المنتدى العالمي للبدائل …) .وان كان نشاط اللجنة مركزا على دين العالم الثالث والتقويم الهيكلي وعلاقات شمالجنوب، فإنها لا تبقى في منأى عن النقاشات الكبرى المترتبة عن إرادة التغيير تلك . ومما يدل على ذلك كتاب اللجنة :" النساء والأطفال في مواجهة العنف . مقاومات من الشمال الى الجنوب " (1999) . ويمثل احترام التعددية وفعالية العمل الموحد قاعدة تدخلات اللجنة .
إن التواصل عنصر أساسي في تشكيل الشبكات ، لذا تقترح اللجنة أدوات عديدة وتعمل بمنهجية مع ناشرين ملتزمين في مختلف البلدان . وتقوم مجلة اللجنة الدورية " أصوات الكوكب الأخرى " بتحيين تحليل نظام الاستدانة الدولية ، وتقدم مفاتيح لفهم العولمة النيوليبرالية ، وتحصي المقاومات ، وتقدم صورة عن أنشطة اللجنة ، وذلك على نطاق دولي .
ويشكل كتاب اللجنة " البورصة أو الحياة . الثروة المالية ضد الشعوب " عنصرا قويا لأجل تكوين شبكة متمددة ( نشر الكتاب بالإنجليزية والإسبانية والعلمانية والهولندية والتركية ) وتسعى اللجنة بكاتب " مركب العولمة السكران " ومنشوراتها القادمة الى تزويد جمهور متسعا بأدوات تحليل بالغة الجودة .
التضحية بالتعليم العمومي على مذبح أزمة الرأسمالية
عرض ألقاه نيكو هيرت nico.hirtt (1):
في بورصة العمل بباريس في 28 ماي 1999
وبجامعة بروفانس بمرسيليا يوم 29 ماي 1999
تتلاحق برامج إصلاح أنظمة التعليم بأوروبا وجدير بالملاحظة أنها تميل، إلى جانب الخصوصيات الوطنية المميزة لكل بلد، إلى التشابه بشدة. ويمكن إيجاز هذه السياسة التعليمية المشتركة في بضع نقاط:
1. ميل الى التخلي عن أنظمة التعليم العمومية، بالغة المركزة و المتماثلة نسبيا و التي نتجت عن سنوات إضفاء الطابع الجماهيري على التعليم. واستبدالها بشبكة مؤسسات مستقلة، في وضعية تنافس قوي ، و لامركزة سلطات القرار ، إجمالا ، يجري تفكيك بنيات التعليم.
2. يجري أيضا تفكيك المضامين التي تدرس . ففي كل مكان يتم تخفيف البرامج أو تليين تحديدها. وبموازاة ذلك ثمة جنوح الى التخلي عن الأهداف المعرفية (العلم والفهم) او وضعها في مرتبة ثانية ، لصالح الكفاءات (المهارات ).
3. حفز قوي على التعاون بين عالم التعليم وعالم المنشآت (المقاولات). سواء في شكل رقابة أرباب العمل على البرامج و المناهج أو في شكل تعميم التكوين بالتناوب (على نمط التعليم الثنائي الألماني).
4. إدخال مكثف لتقنيات الإعلام والاتصال الجديدة(NTIC) الى مؤسسات التعليم: الكومبيوتر، الحبكات الإعلامية logiciel للتعلم، والربط بالانترنيت وكلها تقدم كحل سحري لكافة مشاكلنا.
5. يجري تطبيق هذه السياسة في سياق التراجع عن تمويل التعليم. اذ تميل نفقات التعليم منذ عشرين سنة الى الركود (بالقيمة الفعلية الإجمالية) وحتى الى الانخفاض (قياسا بالثروة الوطنية و بعدد الطلاب).
يستند تبرير هذه السياسة على حجة مزدوجة : محاربة الفشل الدراسي وسعي الى إيجاد مناصب شغل . انه كذب مزدوج. لأن الفشل لا يحارب بإلغاء تكرار الأقسام إداريا مع تخفيف الشروط. أما قابلية الجميع للتشغيل employabilite فإنها لم تخلق أبدا أي منصب عمل. بالعكس تتيح مكاسب الإنتاجية إنتاج المزيد بيد عاملة اقل ، مع ضغط أكبر على الأجور وظروف العمل.
ويمكننا دون شك أن نظيف ميزة سابعة الى هذه اللائحة: يشرف على تطبيق سياسة نزع تقنين أنظمة التعليم وإضفاء الطابع الليبرالي عليها في أغلب دول أوروبا وزراء من اليسار الاشتراكي-الديموقراطي المتعدد أو غير المتعدد.
يكمن جوهر الإصلاحات العميقة الحالية في تكييف أنظمة التعليم مع التحولات الاقتصادية المرتبطة مع أزمة هي أعمق وأطول و أوسع ما شهده الرأسمال (معدلات بطالة وإفلاس تفوق نظيرها في الثلانينات ،وتواصل منذ 25 سنة وشمول للكوكب برمته ). جرى التفكير في هذه السياسة والتنظير لها في تقارير دولية، صادرة عن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OCDE واللجنة الأوروبية ، أو عن المائدة المستديرة للصناعيين الأوروبيين lERT . فقد نشرت مجموعة العمل التربوي لـ Lert تقريرها الأول سنة 1989. وفيه نقرأ أن التطور التقني والصناعي للمنشآت الأوروبية يستلزم بوضوح تجديدا متسارعا لأنظمة التعليم وبرامجها، وان التعليم والتكوين يعتبران بمثابة استثمارات استراتيجية حيوية لنجاح المنشآت مستقبلا. وتأسف IERT جدا لشدة ضعف تأثير الصناعة على البرامج التعليمية ، ولنقص فهم المدرسين للمحيط الاقتصادي، ولعالم الأعمال ولمفهوم الربح وعدم إدراكهم لحاجيات الصناعة (2).
من المعارف إلى الكفاءات
تتمثل الخاصية الأولى للمحيط الاقتصادي المرتبط بهذه الأزمة الإقتصاديية المستديمة والعميقة في عدم استقراره البالغ. إذ تولد المنشآت وتختفي بوتيرة جامحة. و يتم الشروع في منتجات ويتخلى عنها بسرعة لصالح مشاريع أخرى، ولا تكف تقنيات العمل وتنظيمه عن التبدل . وسيواجه عامل سنة 2000 اضطرابات متواصلة لمحيطه التكنولوجي والصناعي، وتغير وظيفته، وتسريحات وعمل جديد و إعادة تأهيل متكرر. وفي هذه الظروف يحكم بسرعة بالغة على المعارف التي تلقاها تقليديا من المدرسة بأنها متجاوزة وفاقدة بدلك أهميتها لصالح كفاءات تتيح إعدادا سريعا ومرنا لليد العاملة. ويخلص المجلس الأوروبي لأمستردام في 1997 الى وجوب أسبقية إنماء الكفاءات المهنية والاجتماعية لأجل أفضل تكييف للعمال مع تحولات سوق العمل.( 3 )
ما هي هذه الكفاءات؟ تورد التقارير سالفة الذكر ،علاوة على الكفاءات الخاصة بهذه أو تلك من المهن أو القطاعات، أربع كفاءات . الأولى والثانية كلاسيكيتان : القراءة والحساب. والكفاءة الثالثة هي قدرة استعمال لوح إعلامي بسيط (شاشة وماوس) interface informatisée simple (écran-souris). . وترى التقديرات أن 70% من عمال المستقبل سيضطرون لاستعمال الكومبيوتر بطريقة أو أخرى. وبالتالي يتعين عليهم أن يستطيعوا تفسير توجيهات الآلات بسرعة، ومحاورتها ، وإعطاءها أوامر بسيطة.
أما الكفاءة الرابعة فمرتبطة مباشرة بعدم استقرار المحيط المنتج: إنها القدرة على تعلم كيفية التعلم . فإن وجب على العامل أن يكون قابلا للتكيف، فيلزمه أن يكون قادرا على إعادة تأهيل نفسه ذاتيا وعلى نفقته الخاصة . هكذا دون خجل تعترف منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية أن الدفاع عن التعلم طوال الحياة يرتكز الى حد كبير على فكرة أنه لم يعد ممكنا اعتبار الإعداد للحياة العملية أمرا نهائيا وأنه يتوجب على العمال متابعة تكوين مستمر طوال حياتهم المهنية ليظلوا منتجين وقابلين للتشغيل(4)
بنيات مرنة من أجل تكييف أمثل
كما يعني عدم استقرار المحيط الاقتصادي ضرورة تكيف النظام التعليم نفسه بسرعة وتلقائية أكثر مع التحولات. والحال أن المائدة المستديرة للصناعيين الأوربيين lERT تأسف في تقرير لها سنة 1995 لكون المدارس في أغلب البلدان الأوروبية مدمجة في نظام عمومي ممركز و مسير من بيروقراطية تعوق تطورها أو تجعلها غير مصغية لطلبات التغيير القادمة من خارج(5). هنا إذن تتدخل ضرورة إلغاء الطابع المنظم للبنيات. فمؤسسات تعليم لم تعد خاضعة لرقابة سلطة مركزية منظمة من شأنها أن تكيف دروسها ومناهجها التربوية بطريقة أكثر مرونة. ومن جهة أخرى ستؤدي المنافسة بين مؤسسات التعليم ، الناتجة لا محالة عن إلغاء الطابع المنظم، إلى جعلها اكثر تأثرا بضغط العالم الخارجي . فلنتأمل بوجه خاص ضغوط الآباء المطالبين –ومن يجرأ على لومهم بسبب ذلك - باستفادة أبنائهم من تكوين يرفع حظوظهم في سوق العمل. لكنهم بذلك، يدفعون الى تكييف التعليم مع أهداف أرباب العمل وحدهم. وهذا على حساب إيصال المعارف العامة التي لا ريب في كونها غير أساسية من زاوية نظر الإنتاجية، لكنها تؤسس ثقافة مشتركة وتمنح قدرة على فهم العالم. والعاقبة النهائية لإلغاء الطابع المنظم لنظام التعليم هو خوصصته في شكل تعلم عن بعد. ان تحقيق هذه الأهداف (التكيف مع متطلبات المنشآت) يقتضي بنيات تعليم يجري تصورها طبقا لحاجات الزبائن (كذا). وللتعلم عن بعد جاذبية خاصة بسبب قابليته للتكيف بطريقة تقلص التداخل مع متطلبات العمل الى أدنى حد كما أنه بقدر ما يتسع انتشار المعدات بقدر ما تصبح العملية مربحة (6). أعلنت جامعة أوكسفورد في يوليوز 1998 عزمها على نشر برنامج دروس مؤدى عنها في الانترنيت. على أن تكون الدروس الأولى المعروضة للبيع دروسا في الطب والإعلاميات والتاريخ. فتوصلت أوكسفورد بموارد كبيرة من شركة مايكروسوفت قصد إنجاح العملية (7).
خوصصة التعليم
نصل هنا الى العاقبة الثالثة للتحولات الاقتصادية على سياسة التعليم. في مرحلة الأزمة ، أي عندما تشتد المنافسة، يبحث مالكو الرساميل بلا انقطاع على أسواق جديدة. هكذا استولوا بالتوالي على خدمات عمومية مختلفة : تمت خوصصة كلية او جزئية للنقل والاتصالات والبريد والصحة. فماذا بقي؟ سوق التعليم الهائل. ونورد بغية تثبيت الأفكار مثال فرنسا: تمثل الميزانية السنوية للتربية الوطنية بفرنسا حوالي ثلث مبلغ تجارتها الخارجية. وفي منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، تعادل نفقات التعليم قيمة مبيعات سوق السيارات. من البديهي أن يجلب سوق كامن من هدا الحجم الخارق المستثمرين.
في هذا الصدد ، تقوم تكنولوجيا الإعلام والاتصال الجديدة بدور حصان طروادة. وتساعد في جعل التعليم رهانا تجاريا. وتساهم في ذلك أولا بطريقة مباشرة، عبر استثمارات كبيرة تقبلها الخدمات العمومية لأجل تجهيز المدارس بالمعدات الإعلامية . هكذا ، استثمر كلود أليغر Claude Allègreفي فرنسا 15 مليار فرنك فرنسي لربط مؤسسات التعليم بشبكة الانترنيت. وبطريقة غير مباشرة، سيصبح عشرات ملايين الأطفال الأوربيين الذين تعلموا استعمال الكومبيوتر والتجول في الانترنيت زبائن مواظبين مستقبلا. وعبر الأطفال سيدخل الى البيوت كل من الكومبيوتر ومتعدد الوسائط وشبكة الشبكات و didacticiels حبكات التلقين المعلوماتية .
هذا يعني، باعتراف lERT ، استعمال المال العام المحدود جدا حافزا لدعم وإنعاش نشاط القطاع الخاص(8). ويجب بوجه خاص تفادي توهم انفراد أرباب العمل بمثل هذه الاعتبارات . فدماغ السيدة إيديت كريسون المفوضة السابقة للاتحاد الأوروبي في شؤون التعليم مفعم بنفس الأفكار: مازالت السوق الأوروبية (لتقنيات الإعلام والاتصال الجديدة) ضيقة جدا ومشتتة جدا، و العدد القليل جدا من المستعملين والمبدعين يضر بصناعتنا. لهذا يتعين اتخاذ جملة إجراءات لحفزها ومساعدتها. وهذا هدف خطة العمل المسماة "التعلم في مجتمع الإعلام" الذي تبنته اللجنة في أكتوبر 1996. وتحدو هذه الخطة رغبتان أساسيتان: مساعدة المدارس الأوروبية في أقرب الآجال على التمكن من تكنولوجيا الإعلام والاتصال من جهة، و تسريع الصعود وإعطاء سوقنا الحجم الضروري لصناعتنا(9). وهل يقول كلود اليغر غير ذلك ، عندما تكلم في هورتان Hourtin بمناسبة الدخول المدرسي 1998، ملحا على طموحه لخلق صناعة للحبكات الإعلامية التعليمية. مبرزا ضرورة تخلص البلد من نزعته الكولبرتية colbertisme الضيقة لأن العولمة جعلت قطاع التعليم سوقا (10).
نتائج إلغاء التمويل
تتمثل الخاصية الأخيرة لمحيط الأزمة الاقتصادية في ضعف وسائل ميزانية الدولة. لكنه ضعف مقصود ، لأنه ناتج عن رفض فرض ضريبة جدية على الثروات وعلى الدخل المنقول و على حركات الرساميل. هنا أيضا: ينتج الكل عن الامتثال لديكتاتورية السوق. ويساهم إلغاء تمويل التعليم هذا في تسريع إلغاء طابعه المنظم وخوصصته واستعماله لخدمة التنافس الاقتصادي. أولا تلجأ المدارس المجردة من المال الى رعاية الخواص المالية. ،ثانيا يتملك الآباء تخوف مشروع من تردي نوعية التعليم العمومي فيسعون لتعويض عيوبه باللجوء الى مدارس خاصة او حبكات إعلامية تعليمية. ثالثا، بفعل هزال الموارد تضطر المؤسسات المدرسية المستقلة الى إسقاط ما يبدو غير أساسي من برامجها الدراسية ، أي كل ما لا يستجيب للهدف المركزي المتمثل في تنمية القابلية للتشغيل. رابعا وأخيرا تدفع الأزمة المالية الى استبدال الأساتذة بالآلات. ففي بلجيكا لم يستطع الإضراب المديد سنة 1996 تفادي إلغاء 3000 منصب شغل جرى تبريره موضوعيا بالحاجة لاقتصاد 3 مليارات فرنك بلجيكي. لكن بعد ثلاث سنوات يعلن عن استثمار 3 مليار فرنك في تجهيز المؤسسات بالكومبيوتر وربطها بالانترنيت.
نحو تنامي الطابع الثنائي للتعليم
لا يصعب استشفاف العاقبتين الأساسيتين لسياسة إلغاء الطابع المنظم للتعليم ولبرلته .
تتمثل النتيجة الأولى في نهاية المدرسة العمومية.وهي نهاية مرغوبة إذا صدقنا إيديولوجيي المائدة المستديرة للصناعيين الأوربيين lERT ، الذين يرون ضرورة تشجيع أنماط تعليم تكون بأقل طابع مؤسسي ولاشكلية أكثر(11) أو إيديولوجيي اللجنة الأوروبية الذين يرون أن وقت التعليم خارج المدرسة قد حان وأن لبرلة العملية التعليمية التي غدت ممكنة على هذا النحو ستفضي الى رقابة من تجار تعليم أكثر تجديدا من البنيات التقليدية(12). أليس هذا معنى جملة كلود أليغر الصغيرة: مدرسة جيل فيري أكل عليها الدهر وشرب.
أما العاقبة الثانية فهي تزايد الميز الاجتماعي أمام فرص بلوغ المعرفة، فالحرية وغياب التقنين لن يؤديا في عالم لا يعرف المساواة سوى الى الظلم . و هدا أمر لا يحرج أبدا أولئك الدين لا يستدلون بغير العقلانية. بعد ثلاثين سنة من رفع عام لمستوى التأهيل استلزم تعميم التعليم الثانوي ، ها نحن ندخل مرحلة خفض حاد لمستوى التكوين. من جهة سوق العمل يتطلب قلة من العمال بالغي التأهيل، لكنه يعرض من جهة أخرى كما متزايدا من مناصب عمل هش précaire ، هزيلة الأجر، ولا تتطلب غير المهارات الأولية القليلة سالفة الذكر . في نهاية 1998 بمقر شركة إ ب م دوتشلاند d IBM Deutschland بشتوتغارت هاجم رئيس المجلس الفدرالي لأرباب عمل ألمانيا، دييتر هوندت Dieter Hundt الأيديولوجيا المتجاوزة والخاطئة للمساواة في نظام التعليم الألماني. وطالب بتغيير جذري للاتجاه صوب تعزيز التفوق والتمايز والتنافس(13).
تعليم خاص وبالغ التفوق hyper-performant للبعض. ومدارس عمومية رديئة للآخرين. وفعلا تقول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية انه لن يتوجب على السلطات العمومية إلا أن تضمن التعلم للذين لن يشكلوا أبدا سوقا مربحة والذين سيتزايد إقصاؤهم في المجتمع بوجه عام بقدرما يواصل آخرون تقدمهم (14).
أهي لحظة صحو نادرة أم وقاحة ما بعدها وقاحة ؟
------------------------------------------------------------------------
Merci d envoyer vos remarques à l auteur
nico.hirtt @skynet.be
(1)Enseignant, animateur de l Appel pour une école démocratique, auteur de L école sacrifiée (EPO 1996) et co-auteur de Tableau Noir (EPO 1998).
(2)Éducation et Compétence en Europe, ERT, 1989
(3)Pour une Europe de la connaissance, Communication de la Commission, COM(97)563 final
(4)OCDE, Politiques du marché du travail : nouveaux défis. Apprendre à tout âge pour rester employable durant toute la vie. Réunion du Comité de l emploi, du travail et des affaires sociales, au niveau ministériel, qui s est tenue au Château de la Muette, Paris, le mardi 14 et le mercredi 15 octobre 1997, OCDE/GD(97)162
(5)Une éducation européenne - Vers une société qui apprend, ERT, 1995.
(6)Mémorandum sur l apprentissage ouvert et à distance dans la Communauté européenne, Com(91) 388 final, 12/11/91.
(7)Le Soir du 30 juillet 1998
(8)Construire les autoroutes de l Information pour repenser l Europe, Un message des utilisateurs industriels ; ERT, juin 1994
(9)Intervention d Edith CRESSON à la Conférence de lancement du programme européen Leonardo da Vinci sur la formation professionnelle, Tours, le 3 mars 1995 ; Ref : SPEECH/95/21 (Rapid)
(10)Libération, 25/8/98
(11)Les marchés du travail en Europe Les perspectives de création d emplois dans la deuxième moitié des années 90 , ERT, 1993
(12)Rapport du groupe de réflexion sur l éducation et la formation " Accomplir l Europe par l éducation et la formation". Résumé et recommandations (décembre 1996)
(13)Le Monde de l éducation, mai 1998
(14)Adult learning and Technology in OECD Countries, OECD Proceedings, OECD 1996.
--------------------------------------------------------------------------------
www.transnationale.org
Le portail d information citoyenne sur les entreprises